“نيرفانا”..شغفٌ بالكلمة سطّرته شاعرة
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة : محمد الهادي الجزيري
كلمة أولى لسيّد الرجال ..، تحبّرها الشاعرة التونسية سلوى القلعي لوالدها في صياغة نصّ افتتاحي بعنوان ” ذاك الرجل العظيم ” لم أستطع مفارقة النصّ لصدقه ونبل تدفّقه .. ووفائه الرائع لوالد أعطى كل ما لديه لابنته.. سوى باقتطاع هذه الفقرة :
” لم يُغرم أبي بالشعر يوما
لم يقرأ لوركا ولا اسبينوزا
لم يصِف يوما شعوره
لكنّه كان يسمح لي كثيرا أن أسكن المكتبة كفأر.
في الحقيقة هذه النبتة المتسامقة ..لم أكن أعرفها فهي تنتمي لجيل آخر جديد من شعراء تونس..، وكان أن استمعت إليها في جلسة خصّصها اتحاد الكتّاب التونسيين لسماعها ومناقشتها حول مجموعتها الشعرية ” نيرفانا ” ..، وقد راقت لي في طريقة إلقائها برغم أنّها تكتب قصيدة نثر..الصعبة جدّا على الذين يتطفّلون عليها … ، وتكثيفها للمعنى في أقلّ ما يمكن من مفردات ، وشكرتها إبان القراءة ..فما كان منها إلا إهدائي لنسخة من هذه المجموعة ..، وها إنّي بعد شهرين تقريبا ..أطلّع عليها وأقدّمها للقراء الكرام…
.. أفتتح بها قراءتي للمجموعة …، تقول الشاعرة :” وأنا …سيّدة السفر ”
” أقتني من هول الكلام تذاكر
أمُرّ دون أن يفتّشني درك الحدود
لا شبهة على حقائبي البيسطة
لا أحد يعلم حقّا كم كابوس راوَدَ كافكا
وعذّبني
لا أحد يراك بين طيات ملابس النوم
مؤجّلا كبطاقة ..”
هكذا تصدّر سلوى القلعي متنها الشعري ببطاقة تعريف كاملة تكشف خلالها أنها سيدة السفر..، وأيّ سفر.. إنه رحيل دائم في الكلام وبالكلام..، لن يقدر أحد ولا جهة على تفتيشها.. فما تحمله هو روحها وكيانها الواحد المتعدّد..، إذن نحن في حضرة سيدة تواجه العالم بكافكا وغيره من العباقرة الأفذاذ… ولا حبيب لها سوى الشعر..، أما الآخر فهو بين طيات ملابس النوم.. وتستطيع القول أنه مؤجل بطاقة مهملة..، فلا شيء يمنعها من السفر..، ونحن نرجو أن توغل في ذاتها أكثر فأكثر.. وتقطف لنا مثل هذه الفقرات الباقات في ” فوضى الصباح ”
” لست مهرة لكنّي
حرف حرّ وسيئ المزاج قليلا
كثيرا ربّما…
من قال أنه يجب أن أغتسل كل صباح؟
هل يجب حقا أن أفعل ذلك؟
وأنا التي نام الليل في حضنها
وصنعت من الغيم بركة عود وعنبر؟
وشكّت من نجمات منتصف الصبح مشطا…
ومن الندى سكبت حلما وشلال قصائد؟
سأنزل من فراشي بي.
رأسي المخربة أولا
تزحف منها كل الكوابيس إلى الأرض..”
وفي هذه القصيدة وفي غيرها كثير من الكوابيس التي تسكن رأسها وتريد التخلّص منها، تريد أن تتحرّر من كلّ ما يتعلّق بها ..، الانعتاق من الكذّابين والعاشقين المنكسرين ..، والانفلات من مظاهر الشحاذين والسكارى ..وكلّ من يدعوا أنّهم مجانين النصّ ومتمرّدون على كلّ شيء ..، خصوصا تريد الابتعاد كلّ البعد عن الخائفين على الوطن ..أو ربّما يدعون ذلك …، إنّها قصيدة ” فوضى الصباح ” تعكس لنا الفوضى العارمة التي تعيشها الشاعرة ومجتمعها من عشاق ومنتحلي صفة ..
ثمّة قصيدة بعنوان ” فقط فكري ” تنمّ عن أفكار الشاعرة وما يجول في خاطرها من هواجس وأحلام وكوابيس أيضا ..، فالقصيدة على بساطة شكلها وطرحها على القارئ تذهب بعيدا في ” أنا ” الشاعرة وفي رغبتها في الطيران الحرّ وفي تغيير العالم ..، سأقتطع مطلع هذا المتن الشعري المفتاح :
” اذهبي لصالون الحلاقة دائما
وأنت تجلسين على مقعد الجلد الدّوار ..فكّري …
أفردي شعرك المبلّل وفكّري
أنّك ربّما تتحوّلين يوما إلى عصفور حرّ
أو تغريدة على تويتر ..يقرؤها كلّ البشر
عن حرق آخر الإقطاعيين وتجّار اللحم الحيّ ..”
مجموعة “نيرفانا” لسلوى القلعي.. متن جريء وشجاع.. حبرته شاعرة شغوفة بالكلمة والمعنى والصور والخيالات والمجازات ..، جمعت عمرها في سبعة وثلاثين نصا شعريا.. متعدد المشاغل وموجوع بآلام لا حصر لها.. وفيها من الوفاء والإخلاص الكثير والكثير…، أرجو أن أكون قد عرّفتُ بها حسب ما يكفي المقالة المحدودة في الزمن والمساحة…، ولنا مواعيد أخرى مع سيدة السفر.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
“شلقم” يحذر الدول العربية من “سقوط مأساوي”
قال عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية ومندوب ليبيا الأسبق لدى مجلس الأمن الدولي إن العرب دخلوا إلى الألفية الثالثة، بأقدام النار والدم التي تحدوها أناشيد الجهاد والصدام والقتل، وكراهية الآخر، في حين يندفع العالم الواعي، إلى عصر جديد، وقوده العقل والعلم والابتكار، وفق قوله.
أضاف في مقال بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية “ألم يحن الوقت لأن تصدر الدول العربية والإسلامية، قوانين تجرّم التكفير الذي يغلق كل أبواب التفكير، ويضع مصير المفكرين التنويريين حملة مشاعل ضوء المستقبل، تحت رحمة عبدة الظلام والتخلف والعنف والإرهاب؟ الهروب من الأسئلة المصيرية أو الخوف منها، يقود إلى سقوط مأساوي” وفق تعبيره.