ما بين سطور الرد الإيراني
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
جمال بن ماجد الكندي
بعد أكثر من ستة أشهر من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ومُمارسة القتل والتدمير والتشريد والتجويع الممنهج فيها، من قبل عدو غاشم إرهابي، تسانده أمريكا سياسيًا وإعلاميًا وعسكريًا في جرائمه في غزة، منذ بدء عملية طوفان الأقصى، تفاجأ العالم برد إيراني كان مرتقبًا بسبب قصف الكيان الصهيوني لقنصلية إيران في دمشق، والتي بحسب الأعراف الدبلوماسية هي أرض إيرانية.
جاء هذا الرد ليُثلج صدور الثكلى واليتامى، وكل من فقد عزيزًا له جراء العدوان الإسرائيلي. فقد رأينا الفرحة في عيون الغزاويين والزغاريد تعلو غزة، وفلسطين في كل مسيرة وصاروخ يعبران لضرب إسرائيل، ولو لم تصب ما أصاب غزة، فيكفي أنها جعلت الصهاينة يقفون على رجل واحدة قبل الضربة، وبعدها كالخرفان يساقون إلى الملاجئ.
لكن لماذا أصف هذا الرد بـ"المفاجأة" التي تفاجأ العالم بها بتاريخ 14 أبريل؟!
تكمن المُفاجأة كما ذكر كثير من المراقبين السياسيين والعسكريين الأجانب والعرب في أنها جريئة ولم تكن متوقعة، وقد ذكرت وسائل الإعلام الصهيونية أن ما حصل فشل استخباراتي كبير لمن أقدم على ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق لأنهم كانوا يرسمون سيناريو أبسط من هذا الرد، بمعنى أن إيران سوف تبلع الضربة، وستستخدم العبارة المعروفة وهي (أحقية الرد في المكان والزمان المناسبين) بمعنى عدم التصعيد في الوقت الحالي، واستخدام أذرع إيران في المنطقة كما هي العادة، أو بعملية أمنية في البر أو البحر. طبعًا هذا التحليل أعدته الاستخبارات الصهيونية، ولذلك قامت إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق.
الرد ترجمة لثلاثة أقوال دائمًا كانت تردد من قبل القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية، وهي تتمحور في (الأقوال، الخطوط الحمر، الأفعال)، هذه الكلمات الثلاثة كانت استراتيجية إيران تجاه العدو الصهيوني ، والتصريحات الإيرانية كانت دائمًا تُهدد وتتوعد هذا الكيان الغاصب منذ قيام الثورة الإيرانية، لذلك كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكبر الداعمين السياسيين والعسكريين لقوى المقاومة في المنطقة، باعتراف هذه القوى سواء في فلسطين أو لبنان. وكان لا بُد من وجود خطوط حمر إذا تجاوزها الكيان الصهيوني وجب الرد حسب الأعراف السياسية في تصنيف سيادة الدول واستقلالها وأحقية كل دولة بالدفاع عن سيادة أراضيها.
قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق ترجم الأقوال والخطوط الحمر إلى فعل شهده العالم عبر الفضائيات بتاريخ 14 أبريل، وهذا بحد ذاته إذلال لهذا الكيان الصهيوني، وهو فشل استخباراتي كبير في عدم تقدير ردة الفعل الإيرانية، والتي رسمت استراتيجية جديدة من المنطقة استوعبتها إسرائيل ودعمتها، وسوف تترجم على الأرض في قادم الأيام.
من هنا سوف ندخل فيما وراء الضربة الإيرانية، وماذا حملت، من مبدأ تعزيز محور استراتيجية الردع العسكري، التي هي كانت قائمة بحدودها المعروفة قبل الضربة الإسرائيلية.
وهناك مفهوم متعارف عليه لدى القادة العسكريين والسياسيين في معنى استراتيجية الردع العسكري، يكمن في أن الدول التي تملك هذه الاستراتيجية رادعة للدول المتنازعة معها سياسيًا وعسكريًا عبر الأدوات العسكرية المناسبة، فإنَّ هذه الأدوات هي الرادعة في الوقوع بالهجوم المباشر، مثل ما حصل بين أمريكا والاتحاد السوفيتي إبان حقبة الحرب الباردة واليوم يحصل مع الاتحاد الروسي. وهذه الاستراتيجية عمادها ما عند الآخر من أسلحة مضادة وقوية ومؤلمة.
فهل الرد الإيراني عزز هذه الاستراتيجية التي كانت قائمة بين البلدين، فقد كانت المواجهة بينهما خارج جغرافية أرضيهما مع التحفظ الشديد لأرض إسرائيل فهي أرض عربية فلسطينية.
ولمُناقشة هذا المحور سنذكر ما قاله الإسرائيليون وداعموهم بعد الضربة الإيرانية؛ حيث يذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "أن إيران تمكنت من إلحاق الأذى بإسرائيل من دون إلزام واشنطن بالرد على الهجوم"، ويعني بذلك التصريحات الأمريكية بأنها لن تشترك في أي هجوم على الأراضي الإيرانية، ولكنها ملتزمة بالدفاع عنها، وهذا يفهم في السياسة أن أمريكا لا تُريد التصعيد وجر المنطقة لحرب إقليمية، وهو الأمر الذي تتمناه إسرائيل في شخص رئيس وزرائها "نتنياهو" من هذه الضربة، في حين جاءت النتائج عكسية. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية "أن عقيدة إسرائيل كسيدة للأمن في المنطقة انهارت وتحولت إلى فشل ذريع وهي إهانة علنية ثقيلة لإسرائيل". والمقصود بهذا الكلام أن إسرائيل بعد الرد الإيراني ليست هي القوة الرادعة الوحيدة في المنطقة، وإذا أرادت الأمن لها، فلتعلم أن هناك قوة إقليمية أخرى مناهضة لها تستطيع سلب الأمن منها، إذ إن الإسرائيلي جبان ويعلم أن فلسطين ليست أرضه، وتجاه أي تهديد أمني ووجودي فالطريق إلى المطار بات معروفًا؟!
وقد ذكر كذلك الإعلام الإسرائيلي المرئي أنه "بعد هذه الضربة، على إسرائيل أن تفكر مرتين في الإقدام على أي هجوم جديد في العمق الإيراني". وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن إسرائيل "واجهت هجومًا أكثر تطورا من أي شيء واجهته حتى الآن"، وقالت كذلك وسائل إعلام إسرائيلية أخرى إن الضربة ربما الأقسى منذ قيام الكيان من ناحية الأهمية والسياق. وهذا يدحض فرضية أن الضربة كانت مسرحية أو متفق عليها.
الضربة الإيرانية حسب ما ذكرته الصحيفة الأمريكية فعلاً كانت متطور وذكية؛ حيث إنها بدأت بطائرات مسيرة قديمة من الجيل الثالث، وإيران تملك جيل متقدم لم يتم استخدمه في الضربة، فكانت هي الطُعم للدفاعات الجوية الإسرائيلية ومن ساندها من الجيش الأمريكي والفرنسي والبريطاني وغيرهم. وحسب المعلومات المتوفرة فقد كانت تكلفة ليلة التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية ما يقارب مليار دولار أمريكي تم صرفه في ليلة واحدة فقط، مُقابل طائرات مسيرة بعضها لا تحمل رأسًا تفجيريًا كانت الطعم الذي بلعته إسرائيل ومن معها. فقد ذكر الدكتور محمد مرندي وهو بروفيسور في جامعة طهران ومستشار الفريق الإيراني المفاوض في لقاء على قناة الميادين التلفزيونية "أن الضربة الإيرانية محدودة وعبر مسيرات قديمة وصواريخ غير متطورة، فقط 12 صاروخًا متطورًا"؛ وهذه الصواريخ المتطورة هي التي أصابت- حسب المعلومات الإيرانية- القواعد الثلاثة، التي كانت منطلق التخطيط والضرب على القنصلية الإيرانية في دمشق، وإيران أرادت بذلك حسب معطيات هذه الضربة إرسال رسائل لإسرائيل وأمريكا في مدى قدرتها على الوصول لأي هدف داخل فلسطين المحتلة، وصورة الصواريخ والمسيرات فوق الكنيست الإسرائيلي لا تحتاج إلى تعليق.
من خلال هذا المحور نقرأ بين سطوره أن استراتيجية الردع العسكري قوية لدى إيران وتم تفعيلها بشكل عملي خلال الضربة الإيرانية؛ بل أكثر من ذلك فإنها غيرت المفهوم القديم باستراتيجية جديدة ذكرها الدكتور محمد مرندي وهي "أن إيران سترد على أي ضربة تتعرض لها منشآتها أو ضباطها في أي مكان، حتى لو كان ذلك في لبنان أو سوريا"، وهذا تطور خطير تعيه إسرائيل وداعموها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الضربة الثانية من واشنطن لبغداد بقلب نظامها المالي.. ويلسون: عقوبات على الرافدين
بغداد اليوم - بغداد
أثارت تصريحات النائب الجمهوري الأمريكي جو ويلسون حول فرض عقوبات على مصرف الرافدين، أحد أكبر البنوك الحكومية في العراق، ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والاقتصادية العراقية. حيث أشار ويلسون في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) إلى أن "عقوبات على مصرف الرافدين" وقبلها "ستكون خطوة ضرورية لمواجهة الأنشطة المالية المشبوهة".
هذه التصريحات جاءت في وقت يشهد فيه العراق تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، مما أثار مخاوف من تداعيات محتملة على الاقتصاد العراقي والمواطنين.
تفاصيل التهديدات الأمريكية
في تغريدته، لم يوضح النائب جو ويلسون التفاصيل الكاملة حول الأسباب التي تدعو إلى فرض عقوبات على مصرف الرافدين، لكنه أشار إلى "أنشطة مالية مشبوهة" دون تقديم أدلة محددة. وتأتي هذه التصريحات في إطار الضغوط الأمريكية المتزايدة على العراق فيما يتعلق بعلاقاته الإقليمية، وخاصة مع إيران، والتي تتهمها واشنطن باستخدام النظام المالي العراقي لتحويل أموال تخترق العقوبات الدولية.
مصرف الرافدين، الذي يُعد أحد أعمدة النظام المالي العراقي، يلعب دورًا محوريًا في إدارة الحسابات الحكومية وتمويل المشاريع التنموية. وفرض عقوبات عليه قد يؤدي إلى شلّ جزء كبير من الاقتصاد العراقي، مما سينعكس سلبًا على المواطنين الذين يعتمدون على الخدمات التي يقدمها البنك.
ردود الفعل العراقية
تصدرت التصريحات الأمريكية عناوين الصحف المحلية وأثارت غضبًا واسعًا بين المسؤولين العراقيين. حيث وصف عضو مجلس النواب أحمد الخزعلي التهديدات الأمريكية بأنها "استهداف مباشر لسيادة العراق واستقراره الاقتصادي".
وأضاف أن "هذه الخطوة لن تؤثر فقط على الحكومة، بل ستطال المواطن العادي الذي يعتمد على مصرف الرافدين في تحويلاتهم ومعاملاتهم اليومية".
من جهته، دعت وزيرة المالية العراقية طيف سامي إلى "ضرورة التصدي لهذه التهديدات من خلال تعزيز الشفافية في النظام المالي العراقي وتوضيح الحقائق للجانب الأمريكي". كما أكد أن "مصرف الرافدين يلتزم بجميع القوانين والمعايير الدولية، وأن أي عقوبات ستكون غير مبررة وستضر بمصالح الشعب العراقي".
تداعيات محتملة على الاقتصاد العراقي
يُعد مصرف الرافدين أحد أبرز البنوك الحكومية في العراق، حيث يدير جزءًا كبيرًا من الحسابات الحكومية ويقدم خدمات مالية لملايين العراقيين. وفرض عقوبات عليه قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، منها:
1. تجميد الحسابات: قد تؤدي العقوبات إلى تجميد الحسابات المرتبطة بمصرف الرافدين في الخارج، مما يعيق تحويلات العملة الأجنبية ويؤثر على استيراد السلع الأساسية.
2. انهيار الثقة: قد يفقد المواطنون الثقة في النظام المصرفي، مما يؤدي إلى سحب الودائع بشكل جماعي وإضعاف القطاع المالي.
3. ارتفاع الأسعار: قد يؤدي شلّ عمل المصرف إلى تعطيل تمويل المشاريع الحكومية وارتفاع أسعار السلع والخدمات بسبب نقص السيولة.
4. تأثيرات اجتماعية: قد تتفاقم الأزمات الاجتماعية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
خلفية العلاقات العراقية الأمريكية
تأتي هذه التهديدات في إطار علاقات متوترة بين العراق والولايات المتحدة، حيث تتهم واشنطن بغداد بعدم الالتزام بالعقوبات الدولية المفروضة على إيران. وتُعد القضية الإيرانية أحد أبرز نقاط الخلاف بين البلدين، حيث تتهم الولايات المتحدة العراق بكونه معبرًا لتحويل الأموال إلى إيران.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن هذه التهديدات قد تكون جزءًا من ضغوط أمريكية لدفع العراق إلى تبني سياسات أكثر توافقًا مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
مستقبل الأزمة
من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تحركات دبلوماسية مكثفة بين بغداد وواشنطن لتجنب فرض العقوبات. كما يُتوقع أن تعمل الحكومة العراقية على تعزيز الشفافية في النظام المالي وتقديم ضمانات للجانب الأمريكي بعدم استخدام مصرف الرافدين في أنشطة تخترق العقوبات الدولية.
تُعد التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات على مصرف الرافدين تطورًا خطيرًا قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العراقي والمواطنين. وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة العراقية إلى تجنب هذه العقوبات، يبقى المواطنون في حالة ترقب لمعرفة ما ستسفر عنه هذه الأزمة، مع أمل في أن يتم حلها دون الإضرار بمصالح البلاد.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات + منصة "إكس"