القدس المحتلة- بعد احتلال غربي القدس عام 1948 ارتبط السجن سيئ الصيت، الذي يُعرف بمركز تحقيق "المسكوبية" في ذاكرة المقدسيين بأبشع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وبعد معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بات هذا الاسم الكابوس الذي لا يتمنى أي فلسطيني أن يعيشه.

لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن أكثر من 1900 مقدسي ومقدسية اعتقلوا منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وتجنب كثير منهم البوح بما شاهده وعاشه داخل أقبية هذا المبنى القديم، خوفا من إعادة الاعتقال والملاحقة ومواجهة مصير أكثر قتامة.

ومن بين هؤلاء الشاب المقدسي (ع.ز) الذي نقله الاحتلال إلى مبنى المسكوبية بعد اعتقاله في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكانت تلك المرة الخامسة التي يتم توقيفه فيها لكنها لم تكن حتما كسابقاتها.

معتقلو القدس يحتجزون غالبا في سجن المسكوبية خاصة خلال فترة التحقيق معهم (الأناضول) تعذيب مستمر

كان أول ما تذكره هذا الشاب أنه اعتُقل مرتديا ملابس صيفية، وباغته منخفض جوي أنهكه بردا ومعه 13 موقوفا في زنزانة صغيرة، وما زاد من معاناتهم تعمد السجانين رشّهم بالمياه الباردة أكثر من مرة في اليوم الواحد، بالإضافة لتشغيل المُكيّف البارد باستمرار.

لكن ذلك كان أسهل حلقة في مسلسل تعذيبهم -حسب وصفه- لأن السجانين في "المسكوبية" تعاملوا مع كل من يدخل السجن على أنه "مجرم وإرهابي" رغم أنهم موقوفون وما يزال التحقيق مستمرا معهم في شبهات أُبطل معظمها بمجرد عرضهم على المحاكم.

"كان السجانون يقتحمون الزنازين بشكل وحشي وهم يرتدون الخوذ ويتحصنون بالدروع، وينهالون علينا بالضرب المبرح دون مبرر، ثم يدوسون علينا ويشتموننا بألفاظ نابية لا يمكن تكرارها" يضيف الأسير السابق في شهادته.

ويقول "أجبرونا على بعض الهتافات كـ"شعب إسرائيل حي" وغيرها، وأجبروا الشبان على شتم حماس والمقاومة الفلسطينية، وعلى تقبيل علم إسرائيل وتقليد أصوات الحيوانات خاصة الكلاب".

لم تقف الإهانات عند هذا الحد، بل وصل الإذلال إلى حد رفض معظم من تعرضوا له الإفصاح عنه، وهو إقدام السجانين على ضرب الأسرى ضربا مبرحا على الأماكن الحساسة، وأدخل بعضهم عصي الأعلام الإسرائيلية في مؤخرة بعض الموقوفين، وكان ذلك أقسى مشهد يمر على (ع.ز) حسب تعبيره.

سجن المسكوبية الإسرائيلي في مدينة القدس (الجزيرة) الصلاة ممنوعة

وبالإضافة لصنوف التعذيب هذه، فإن المقدسيين حرموا خلال توقيفهم في سجن المسكوبية من الصلاة الجماعية أو الفردية الجهرية، وكان معظمهم يصلي خفية وحسب تقديراتهم الخاصة للوقت، فلم يميز أحد الليل من النهار.

أما عن كميات الطعام ونوعيته فـ "حدّث ولا حرج.. الطعام لا يصلح للاستخدام الآدمي، وترفض الحيوانات تناوله بسبب رداءة رائحته وطعمه.. مكثت 3 أيام دون طعام ثم اضطررت لتقاسم الكميات الشحيحة مع بقية الأسرى لنبقى على قيد الحياة".

وجهت لهذا الشاب "رزمة" الاتهامات التي توجه لكل من اعتقل منذ اندلاع الحرب، وهي دعم وتأييد والتعاطف مع "الإرهاب"، والانتماء لمنظمة "إرهابية"، وهي الشبهات التي لم تتمكن النيابة العامة تثبيتها، فأفرج عنه بعد 6 أيام من التوقيف.

وبلحظة خروجه من المبنى رفض (ع.ز) النظر إلى الخلف، وطلب من والده وشقيقه بعد التسليم عليهما التحرك فورا من أمامه "لأنني أتشاءم منه وتربطني فيه مشاعر الألم والحزن على من بقوا خلفي، فمنهم من كان موقوفا منذ أسابيع ويمكث في الملابس ذاتها التي لُطخت بالدماء من شدة الضرب، وكان الشبان يضطرون لغسل ملابسهم الداخلية بالمياه الباردة وارتدائها مبللة".

تغطية صحفية: "جوش بول، المسؤول السابق المستقيل من الخارجية الأمريكية، يروي قصة شهدها عن اغـتــصــاب جنود الاحـــتـلال لطفل أســيـر عمره 13 عامًا داخل سجن المسكوبية بالقدس". pic.twitter.com/O9xzYY0yjD

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) December 6, 2023

أصل المبنى

الجزيرة نت غاصت في تاريخ هذا البناء، الذي يعذب فيه الأسرى الفلسطينيون منذ 75 عاما، من خلال الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية.

ووفق الباحث، فإنه خلال القرن الثامن عشر وبعد ضعف شديد أصاب الخزانة العثمانية بدأت الدولة تبحث عن وضع امتيازات لبعض الدول عن طريق الكنائس والبطريركيات، وتم اختيار روسيا لتكون الوجه الحامي للأرثوذكسية في فلسطين عامة والقدس خاصة، وهكذا ولدت معاهدة "كوتشك قينارجة" عام 1774.

تم توقيع المعاهدة بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، على أن تكون روسيا حامية المصالح الكنسية والطبية والثقافية والسياسية للأرثوذكس في كل المناطق التي يسيطر عليها العثمانيون.

ولاحقا، بدأت روسيا بالبحث عن الكثير من الأراضي والأملاك لتضمها تحت مظلتها الكنسية بمفهوم سياسي لكن بمضمون ديني، وذلك بعد التوتر الذي نشب بينها وبين تركيا على الحدود بينهما.

"وباتفاق سري بدأت روسيا بالحصول على هدايا من الدولة العثمانية في بعض مناطق القدس وأهمها على الإطلاق منطقة في جبل الزيتون بنيت عليها سنة 1885 كنيسة مريم المجدلية، وفي قرية عين كارم أقيمت الكنيسة الروسية أو الصليب الروسي".

وأهديت للإمبراطور الروسي أيضا عام 1864 أراض بمساحة 64 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) في الجهة الجنوبية الغربية لباب العامود (أحد أبواب البلدة القديمة)، وبني عليها أكبر مجمع روسي بين عامي 1865 و1872.

كنيسة مريم المجدلية ذات القباب السبعة الذهبية في أعلى الصورة والتي تملكها روسيا (الجزيرة) التحول إلى سجن

ومن بين الأبنية نُزل للحجاج الروس الذي تحول اليوم إلى "المسكوبية". وتعني كلمة "مسكوب" باللغة الروسية "الشخص الذي يسكن موسكو"، وتحول هذا المبنى بالإضافة لمجموعة من الأملاك التي كانت تحت حماية الدولية العثمانية المهزومة، إلى يد الانتداب البريطاني ومنها إلى الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ عام 1949 تحول استخدامه إلى مركز توقيف، بعدما كانت بريطانيا تستخدمه كمكاتب إدارية للقوات البريطانية إبان فترة انتدابها على فلسطين.

ووفقا للباحث أبو شمسية، تبلغ مساحة مبنى "المسكوبية" 14 دونما دون احتساب الجزء الجنوبي الذي تحول إلى ما تُسمى "دائرة أملاك إسرائيل" ومع احتسابه تصبح المساحة 32 دونما.

وأضيفت للبناء الآرامي الأصلي بركسات خارجية في الساحة الغربية، والمبنى بواجهته الشمالية عبارة عن مدخل واحد يؤدي لعدة غرف ويفضي إلى ساحة خارجية.

وحوّلت إسرائيل جزءًا من الغرف التي كانت نزلا للحجاج لغرف تحقيق أشهرها غرف قسم 4 وهي للسجناء الأمنيين الفلسطينيين، وفي الجزء الجنوبي يوجد طابقان الأعلى هو لمكاتب التحقيق والأسفل لغرف للسجناء، وفق الباحث المقدسي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

علم الأعصاب والحرب المعرفية تحول جذري في عمل الاستخبارات

نشر موقع (فوكس بلس) التركي مقالا يرى كاتبه أن عالمنا يشهد تحولا جذريا في أنشطة الاستخبارات، إذ لم تعد المعلومات هدفا بحد ذاتها، بل أصبحت وسيلة للسيطرة على العقول في ضوء تصاعد الحرب الإدراكية واستخدام أدوات متطورة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ويرى كاتب المقال جهاد إسلام يلماز أن هذه التحولات لا تطرح تحديات تقنية فحسب، بل تثير أسئلة أخلاقية عميقة تتعلق بخصوصية العقل البشري، والحرية الفردية، وإرادة اتخاذ القرار، وهي قيم أساسية ستحدد حدود استخدام هذه التكنولوجيا مستقبلا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محللون إسرائيليون: نتنياهو اعترف بالفشل وأكد استعداده للتضحية بالأسرىlist 2 of 2برافدا: روسيا الطرف الوحيد القادر على إنجاح المفاوضات الإيرانية الأميركيةend of list

ويقول إنّ النشاط الاستخباراتي كان على مرّ التاريخ البشري أحد أكثر الأدوات الإستراتيجية التي تضمن بقاء الدول، موضحا أن هذا النشاط تطور في العصر الحديث ليكتسب مزيدا من المنهجية ويعتمد على تقنيات جديدة، وقد بات يُصنَّف ضمن فئات مثل: الاستخبارات الإشارية، والبشرية، والصورية، والمصادر المفتوحة.

تشكيل الوعي البشري

ويضيف أن دور الاستخبارات بات يسعى لتشكيل إدراك البشر، وتوجيه مشاعرهم، والتأثير في عمليات اتخاذ القرار، والسيطرة على العقول لكسب النزاعات، مما يجعل علم الأعصاب ركيزة جديدة في الأمن الإستراتيجي.

ويعتبر الكاتب هذه الحرب المعرفية أو الإدراكية الجديدة أخطر من الحروب التقليدية والسيبرانية، إذ تهاجم العقل البشري عبر أدوات مثل الدعاية والمعلومات المضللة، مدعومة بتقنيات علم الأعصاب الأكثر تطورا.

إعلان

وتقوم هذه الحرب -وفقا للكاتب- على قياس العمليات الذهنية بتقنيات حديثة، وعلى التدخل المباشر في عملية استيعاب المعلومات، مضيفا أن "التجسس العصبي" يشكل تهديدا غير مسبوق للبشرية، إذ إن تحليل البيانات الدماغية بدقة عالية قد يؤدي إلى تهديد خصوصية الفكر والتلاعب بالإرادة إذا استُخدم بشكل غير أخلاقي.

علم الأعصاب يتجاوز المجال الطبي

وأوضح الكاتب أن تطور علم الأعصاب جعل منه أداة إستراتيجية تتجاوز المجال الطبي، حيث بات من الممكن التنبؤ بالسلوك البشري وتوجيهه باستخدام تقنيات محددة.

وقال إن هذه التقنيات تتمثل في التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتخطيط الكهربائي للدماغ والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، كما تتيح الواجهات العصبية الحاسوبية التواصل بين الدماغ والآلات، ما قد يُحدث ثورة في تقنيات الاستجواب والاستخبارات.

ويتابع بأن دمج مثل هذه المعطيات في الإعلام والدعاية يرفع من فاعليتها، إذ تسمح بتحليل المحفزات العاطفية وتوقّع ردود أفعال المجتمع، منبها إلى أن هذه التطورات تفتح الأبواب أمام تهديدات غير مسبوقة، مثل اختراق بيانات الدماغ، ما يستدعي تطوير بروتوكولات أمنية عصبية تُعنى بحماية خصوصية الدماغ على المستوى الفردي والجماعي.

موجات الوعي الجمعي

وحسب الكاتب، يتشكل وعي الجماهير عبر "موجات الوعي الجمعي"، وعلم الأعصاب قادر على تحليل هذه التفاعلات من خلال رصد السلوك في وسائل التواصل والاستجابات البيولوجية للضغوط.

وأضاف أن البيانات التي يتم استخراجها تتيح فهما أعمق لسيكولوجيا الجماهير، وتسهم في قياس قابلية التوجيه الجماعي عبر أدوات مثل الدعاية الخوارزمية والإرهاق العاطفي.

ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي بعلم الأعصاب، بات بالإمكان تحليل الانفعالات البشرية لحظيا عبر ملامح الوجه الدقيقة، ونبرة الصوت، وردود الفعل الجسدية.

واستمر الكاتب يقول إن هذه الأنظمة تُستخدم في المجالات الأمنية لاكتشاف التهديدات والتنبؤ بالسلوك، كما توفّر قدرة تحليلية دقيقة تتفوق أحيانا على المراقبة البشرية التقليدية، مما يمنح ميزة حاسمة في عمليات صنع القرار الاستخباراتي.

إعلان

أسئلة أخلاقية

ويبيّن الكاتب أن توسع استخدام تقنيات علم الأعصاب في المجال الاستخباراتي يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية حول حدود التدخل في أكثر جوانب الإنسان خصوصية، أي عقله، مشيرا إلى أن حماية "الكرامة الذهنية" باتت ضرورة تتطلب تجاوز أنظمة الحماية القانونية التقليدية المعتمدة على السلامة الجسدية.

القدرة على تتبع الأفكار حتى قبل التعبير عنها تضع حرية التعبير تحت ضغط جديد، وتؤدي إلى رقابة ذاتية تضر بالصحة النفسية للمجتمع والإحساس العام بالحرية

وحسب الكاتب، تُمثّل البيانات العصبية شكلا جديدا من أشكال الخصوصية، إذ تعكس ميول الإنسان وقراراته، وهي خصوصية تفتقر حاليا إلى قوانين وآليات واضحة تهدف إلى حمايتها، ما يفتح الباب أمام التجاوزات التي ترتكبها أجهزة الاستخبارات ويخلق ثغرات تهدد الحريات الفردية.

ويضيف أن القدرة على تتبع الأفكار حتى قبل التعبير عنها تضع حرية التعبير تحت ضغط جديد، وتؤدي إلى رقابة ذاتية تضر بالصحة النفسية للمجتمع والإحساس العام بالحرية.

ويتوقع الكاتب أن يحتل مفهوم "السيادة المعرفية" موقعا مركزيا في سياسات الأمن المستقبلية، في ظل تطور تقنيات علم الأعصاب والقدرة على التحكم بالتفكير البشري، وهي تقنيات لن تكون ذات معنى إلا إذا اقترنت باحترام الكرامة الإنسانية، حسب تعبير الكاتب.

مقالات مشابهة

  • اللجنة الأولمبية الدولية توضح موقفها بشأن مشاركة الروس في أولمبياد 2026
  • كوردستان تحول أكثر من 48 مليار دينار من وارداتها غير النفطية إلى بغداد
  • تحول إلى حقل نفطي.. تجفيف مُتعمد لأحد أهم أهوار العراق
  • علم الأعصاب والحرب المعرفية تحول جذري في عمل الاستخبارات
  • إعلان مهم من وزارة السياحة بشأن تأشيرات الحج 2025
  • أهمها التطعيم الصحة تقدم نصائح للحجاج .. تعرف عليها
  • استعدادات مبكرة.. بدء تسليم بطاقات “نسك” الذكية للحجاج المصريين
  • بدء تسليم بطاقات نسك للحجاج.. ومطوف المصريين أول من تسلمها
  • صحة شمال سيناء تقدم نصائح للحجاج قبل السفر للأراضي المقدسة
  • تحول مفاجئ.. ترامب يعلق فرض رسوم جمركية جديدة