أحمد ياسر يكتب: التوازن والتنافس بين الاثنين الكبيرين
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
يرى عدد لا بأس به من المثقفين وعلماء الاجتماع والسياسة أن العصر الحالي يتميز بمواجهة وشيكة بين الولايات المتحدة والصين.
ولا يمكن للمنافسة السياسية على القيادة العالمية بين هاتين الدولتين تجنب الصدام بسبب إمكاناتهما الاقتصادية الهائلة وقوتهما العسكرية.
إن تحقيق الهيمنة في العالم الحالي مهمة صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة…
ومن ثم، تظل القيادة جانبا حاسما من الوجود السياسي، ورغم أن العالم الثنائي القطبية مع الصين والولايات المتحدة أمر ممكن، إلا أنه قد لا يكون النظام الأكثر كفاءة وعقلانية للعالم الحالي.
وبصرف النظر عن هذين العملاقين، هناك نحو عشرة لاعبين كبار وطموحين وأثرياء يتمتعون بالفعالية والتأثير، ولذلك فإن مسألة الموازنة بين الاثنين الكبار تصبح ذات صلة بالإضافة إلى الصراع على القيادة بين واشنطن وبكين.
ومن بين هذه القوى روسيا والهند، وهما لاعبان قويان في السياسة العالمية، وتحافظ موسكو ونيودلهي على علاقات ثنائية إيجابية دون أي اتجاهات أو مشاكل سلبية، وعلى الرغم من عدم كونهما حلفاء، إلا أنهما متحدان بالعديد من الوثائق التي تجعل من الممكن الحديث عن شراكة استراتيجية.
وتمتد هذه الظاهرة الفريدة إلى مجالات الاقتصاد والمالية والتعاون العسكري التقني والتعليم والثقافة، إن العلاقات في مجال الحوار السياسي كانت دائما مبنية على مستويات عالية من الثقة، ويتمتع زعيما البلدين، فلاديمير بوتين وناريندرا مودي، بعلاقة شخصية قوية قائمة على الاحترام المتبادل، وهي بمثابة الأساس لعلاقاتهما الثنائية.
إن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والهند فريدة من نوعها، لأن هناك أمثلة تاريخية قليلة على وجود سوء تفاهم بين هذين البلدين أو رفض كل منهما لسياسات الآخر.
إن هذا الاستقرار والمستوى العالي من الثقة يعتبر ترفًا في عالم اليوم غير المستقر، ويقدر الزعماء السياسيون ومجموعات النخبة في كلا البلدين الاستقرار ويريدون تجنب الصراعات، كما أنهم يريدون تجنب أي قضايا لم يتم حلها والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار، بالإضافة إلى ذلك، تهدف كل من الهند وروسيا إلى تطوير سياسة خارجية ذات سيادة ومستقلة.
تحاول الجهات الفاعلة الرئيسية في الشؤون الدولية في كثير من الأحيان التأثير على سياسات موسكو أو نيودلهي، لكن محاولاتهم عادة ما تكون غير ناجحة ويمكن أن تؤدي إلى رد فعل عنيف.
ونظرًا لإمكاناتها الكبيرة وقوتها العسكرية والاقتصادية الصلبة وقدراتها النووية، فمن غير المرجح أن تصبح أدوات في أيدي قوى ثالثة مؤثرة، وسوف تظل سياسات الهند وروسيا مستقلة، وتحددها مجموعات النخبة في هذه البلدان، استنادًا إلى فهمها لمصالحها الوطنية.
وفي هذا الصدد، قد تكون هناك توترات معينة، وخطيرة في بعض الأحيان، مع الشركاء الآخرين لكلا البلدين.
تتمتع روسيا بعلاقة وثيقة ومليئة بالثقة مع الصين القوية المتنامية، وفي المقابل، تتمتع الهند، التي يطلق عليها غالبًا أكبر ديمقراطية في العالم، بعلاقات وثيقة ومتعددة المستويات مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن هذين النظامين ليسا مثاليين وقد يواجهان مشاكل، من الممكن أن تنشأ الاحتكاكات وسوء الفهم في كثير من الأحيان بين الحلفاء ضمن شراكات معينة في عالم اليوم.
وبالتالي، فإن العلاقات بين روسيا والصين والهند والولايات المتحدة لا ينبغي، وربما لن تصبح، عائقًا أمام التطوير الأعمق للعلاقات بين موسكو ونيودلهي.
تتمتع روسيا والهند بعلاقة طويلة الأمد مبنية على الثقة والاستقرار، ومع ذلك، كانت هناك بعض الاختلافات الهيكلية في الشراكة التاريخية بين روسيا والصين، وعلى الرغم من أن العلاقة بين الصين وروسيا حاليا على مستوى عال، إلا أن موسكو أعربت تقليديا عن عدم رضاها عن جهود الصين لإعادة هندسة بعض المعدات العسكرية التي تم توريدها إلى بكين.
علاوة على ذلك، تشعر المؤسسة المحافظة والسيلوفيكية الروسية بالقلق المستمر بشأن نشاط الصين المتزايد في الشرق الأقصى الروسي، وتشترك روسيا في حدود برية طويلة مع الصين وتحافظ على نظام علاقات ودية مع مراقبة الأمور..
وهذا نهج عقلاني من وجهة نظر الدولة….
إن القطبية الثنائية الحالية، التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والصين فقط، ليست مواتية للعديد من اللاعبين الأقوياء، وإلى جانب بعض الدول الأوروبية الطموحة، فإن الدول ذات النفوذ في آسيا، والشرق، وحتى أمريكا اللاتينية، ترغب أيضًا في تعزيز مكانتها في الشئون العالمية.
إن النظام المتعدد الأقطاب سيكون أكثر فعالية في بناء النظام العالمي لأنه يناسب عددًا أكبر من القوى والحضارات المؤثرة، وفي هذا السياق، فإن تحقيق التوازن بين روسيا والهند، معًا أو بشكل منفصل، ضد الولايات المتحدة والصين القويتين، يبدو منطقيًا وربما لا مفر منه.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر الولايات المتحدة الصين الهند روسيا الولایات المتحدة روسیا والهند بین روسیا
إقرأ أيضاً:
أحمد الشلفي يكتب: سيناريوهات وتحديات التصعيد العسكري المحتمل في اليمن خلال 2025 بعد وقف إطلاق النار بغزة
مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة في 19 يناير 2025، بعد أربعة عشر شهرا من الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، شهدت المنطقة تحولاً في أولوياتها السياسية والعسكرية. هذا التطور لم يقتصر على وقف إطلاق النار بغزة، بل امتد ليعيد رسم العلاقات الإقليمية والدولية، خصوصاً تجاه اليمن، الذي شهد تصعيداً حوثياً لافتاً خلال العدوان على غزة، حيث بررت الجماعة عملياتها بأنها( إسناد)المقاومة.
تزايدت التساؤلات بشأن كيفية التعامل مع الحوثيين، خاصة بعد استهدافهم سفناً إسرائيلية ودولية واستهداف إسرائيل، ومدى تأثير انتهاء الحرب في غزة على توجيه الأنظار نحو اليمن.
فهل سيتجه المجتمع الدولي إلى معاقبة الحوثيين؟
وهل يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري جديد في اليمن؟
سأستعرض هنا أبرز السيناريوهات والتحديات المحتملة
أولاً : تآكل فرص التسوية
على مدار السنوات الماضية، شهد الصراع اليمني عدة مراحل من التصعيد والتهدئة، إلا أن الفترة الأخيرة توحي بتراجع فرص التسوية السياسية، فقد قالت مصادر أن السعودية عبرت عن عدم قدرتها على تنفيذ خارطة الطريق السابقة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على الحوثيين في آخر زيارة لوفد الجماعة بعد أن كانت السعودية أكثر المتحمسين لهذه الخارطة.
في نفس الوقت أكدت مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة الأمريكية وفي ظل تحركاتها لتطويق تحركات الحوثيين طلبت من سلطنة عمان الراعية الأبرز للتسوية في اليمن وقف استضافتها لقيادات الحوثيين في أراضيها دون أن تذكر المصادر نفسها كيفية تعامل السلطنة مع هذا الطلب.
ويبدو أن استلام سلطنة عمان للسفينة “جالاكسي ليدر”، التي احتجزها الحوثيون في نوفمبر 2023م، والإفراج عن طاقمها المكون من 25 شخصًا، يشكل خطوة أولية ضمن محاولات لتخفيف الضغوط على الحوثيين والمضي نحو مسار التسوية. ويتزامن ذلك مع وجود وزير الخارجية اليمني في عمان، مما يضيف بُعدًا سياسيًا لهذه التطورات.
ثانيا: الحوثيون بين التصعيد الإقليمي والضغوط الدولية
وقف إطلاق النار وضع الحوثيين أمام تحديات جديدة، مع تصاعد الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، فهم يسعون لتجنب تصعيد أكبر، حيث أعلنوا الالتزام بوقف هجماتهم.
هذا التحول يعكس الضغوط المتزايدة التي يواجهونها، سواء بسبب العقوبات الدولية أو احتمال نهديدات عسكرية من التحالف العربي بقيادة السعودية وهومادفع قيادي كمحمد علي الحوثي بإرسال تهديدات مؤخرا للرياض.
ومع ذلك، فإن خيارات الجماعة تبدو محدودة، حيث يواجهون مأزقاً في الحفاظ على نفوذهم دون الدخول في مواجهة شاملة.
ثالثا: التحركات العسكرية
تُعد منطقة باب المندب محوراً رئيسياً في أي تصعيد محتمل فقوات “المقاومة الوطنية”، بقيادة العميد طارق صالح، كثفت نشاطها في الساحل الغربي لتعزيز السيطرة على هذا الممر المائي الحيوي.
في ديسمبر 2023، أظهر عرض عسكري كبير في المخا استعداداً واضحاً لتحولات عسكرية قادمة، مما يعكس تصاعد التوترات.
في الوقت ذاته يبدو إن هناك استعدادات للقوات الحكومية وحلفائها في مأرب القريبة من صنعاء وتعز وسط البلاد في انتظار إشارة دولية واضحة.
التنسيق الدولي والإقليمي
تشير تقارير إلى تزايد التنسيق بين التحالف العربي والقوات الدولية، بما في ذلك القوات الأمريكية والبريطانية، لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر قد تكون هذه التحركات تمهيداً لتصعيد عسكري ضد الحوثيين.
كما انعقدت لقاءات مكثفة مؤخرا بين المسؤولين العسكريين السعوديين والإماراتيين، بالإضافة إلى اجتماعات مع قادة عسكريين يمنيين، ما يشير إلى أن العمل العسكري قد يكون خيارًا مطروحًا في المرحلة المقبلة.
ثالثاً: الأبعاد الدولية لتصعيد محتمل ضد الحوثيين
مع انتهاء الصراع في غزة، من المتوقع أن يتحول تركيز المجتمع الدولي نحو اليمن، خاصة بعد تصاعد الهجمات الحوثية، فهل ستتخذ الولايات المتحدة الامريكية في عهد رئاسة دونالد ترامب المعروف بتطرفه تجاه إيران وحلفائها قرار بعمل عسكري أم انها ستميل إلى تجنب التصعيد العسكري المباشر، مفضلةً تعزيز العقوبات والضغوط الدبلوماسية.
الانباء تفيد أن مسألة التصعيد العسكري ضد الحوثيين أصبحت مطروحة أكثر من ذي قبل.
الدعوات الإقليمية للتحرك
تتصاعد المطالب المحلية في اليمن، بضرورة تدخل عسكري فالمجلس الانتقالي الجنوبي، دعا لاتخاذ خطوات أكثر حزماً ضد الحوثيين، حيث يرى البعض في التحرك الدولي فرصة للحد من تهديداتهم، بحسب ما صدر مؤخرا عن رئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في تصريحاته للغارديان.
رابعا: الأبعاد الإقليمية والدولية
تطمح السعودية والإمارات، لإنهاء الحرب في اليمن بطريقة تضمن تقليص النفوذ الإيراني الذي تمثله جماعة الحوثي لكن لكل دولة منهما اجنداته الخاصة وحضوره الكبير على الأرض.
رغم ذلك فإن الرياض وأبوظبي تدركان أن أي تصعيد عسكري يجب أن يكون مدروسًا بعناية لتجنب الدخول في مواجهة طويلة الأمد يكون لها ارتداداتها عليهما كما حدث خلال السنوات الماضية.
من جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة تضع في أولوياتها مواجهة إيران، وقد ترى أن استمرار الضغوط العسكرية على الحوثيين جزء من استراتيجيتها الإقليمية.
سيناريوهات التصعيد العسكري المحتمل
1-حملة عسكرية دولية واسعة
قد تقود الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية تستهدف القيادات الحوثية العليا والبنية التحتية العسكرية للحوثيين، معتمدين على التحالف العربي والقوات المحلية ويرجح الكثيرون أنه تم الحديث عن حملة عسكرية واسعة تستهدف استئصالهم.
• التحديات:
• تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن نتيجة التصعيد.
• صعوبة تحقيق تنسيق كامل بين الأطراف المحلية والدولية.
2. تصعيد الضغوط الدبلوماسية والعقوبات
يُحتمل أن يُفضل المجتمع الدولي تعزيز العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية لدفع الحوثيين نحو التفاوض.
• التحديات:
• ضعف تأثير العقوبات على تغيير سلوك الحوثيين.
• الحاجة إلى توافق دولي واسع في ظل تباين المصالح بين الأطراف الكبرى.
3. تعزيز التحالفات المحلية
قد يركز المجتمع الدولي على دعم القوات المحلية، مثل “قوات الحكومة اليمنية وحلفائها” و“المقاومة الوطنية” والمجلس الانتقالي الجنوبي، لتولي زمام المبادرة ضد الحوثيين.
• التحديات:
• استمرار الانقسامات بين الفصائل اليمنية المحلية.
• محدودية الدعم الدولي المستدام لهذه القوات.
يُظهر المشهد اليمني في 2025 تداخلاً معقداً بين الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية.
وقف إطلاق النار في غزة أدى إلى إعادة توجيه الأنظار نحو اليمن، حيث يواجه الحوثيون ضغوطاً متزايدة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي.
في ظل هذه التطورات، تبقى الخيارات مفتوحة أمام المجتمع الدولي، سواء بالتصعيد العسكري أو تعزيز الحلول السلمية.
لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تكون هذه الضغوط كافية لإنهاء الصراع في اليمن، أم أنها ستقود إلى تصعيد جديد يعمّق الأزمة؟