من تل أبيب إلى حيفا.. أوريان 21 تسأل: هل هذه نهاية إسرائيل؟
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
بعد 6 أشهر من الحرب في غزة، أصبح الرأي العام الإسرائيلي ممزقا بالخوف، يتساءل عن اليوم التالي في بلد يدفع فيه اليمين المتطرف إلى التطهير العرقي في قطاع غزة، ويواجه اليسار صعوبة في إيجاد وجهته، في وقت يتعرض فيه الفلسطينيون لقيود شديدة على حرياتهم العامة.
بهذه الجمل لخص موقع "أوريان 21" -مقالا مطولا لمبعوثه الخاص إلى إسرائيل وفلسطين جان شتيرن- حاول فيه أن يعطي صورة عن الوضع داخل إسرائيل من خلال الحديث المباشر إلى الإسرائيليين والفلسطينيين هناك.
انطلق الكاتب من حديث عابر مع إسرائيليين على شواطئ تل أبيب على بعد 70 كيلومترا من غزة، وأسلحة جنود الاحتياط الظاهرة تذكّر بالحرب هناك، فقال موكي (54 عاما)، القادم من لينينغراد بروسيا، إنه هاجر إلى إسرائيل عام 1997 وشارك في الحرب في لبنان عام 2006، وعندما سأله عن الوضع في إسرائيل رد بالقول "بلد قذر".
أما حنا (27 عاما) المولودة في سانت بطرسبورغ، فقد وصلت قبل عامين هربا من روسيا وحربها في أوكرانيا، وهي تكرر عبارة موكي وتخطط لاستئناف رحلتها، وربما لن تكون الوحيدة، إذ يقول دبلوماسي أوروبي إن طلبات الحصول على جوازات السفر تتزايد بشكل حاد في القنصليات الغربية، وقد تضاعفت خمس مرات هذا العام.
وتكرر غابرييلا لازمة "بلد قذر" التي قالها السابقان، وهي -كما يقول الكاتب- مشاركة في مظاهرات عام 2023 للدفاع عن المحكمة العليا التي وصفتها باللعينة، وغضبها كبير على "حكومة الخاسرين" العاجزة عن تحرير المحتجزين والانتصار في "هذه الحرب الرهيبة" التي بدأتها.
فليذهب وليذهبوا جميعهم
ومن جانبها، تصرخ ماريانا "دعوهم يخرجون من هنا. إنهم خاسرون!"، هذه الحرب لن توصلنا إلى أي مكان، ويضيف وزير الصحة السابق نيتسان هورويتز -وهو الزعيم السابق لحزب ميرتس من اليسار الصهيوني- "الحكومة القذرة. إنهم غير أكفاء"، في حين يستنكر دبلوماسي أوروبي "الأخطاء المنهجية الفظيعة" التي ارتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته.
وبعد أكثر من 6 أشهر من الحرب -كما يقول المراسل- وصلت الكراهية تجاه نتنياهو إلى مستوى لم يسبق له مثيل في إسرائيل، إذ يشعر الإسرائيليون بالغضب عندما يعلمون أن ابنه يائير لجأ إلى ميامي تحت حماية اثنين من رجال الموساد، وزوجته لديها صالون لتصفيف الشعر في مقر إقامتها.
يقول نيتسان هوروفيتس "ليس لدى نتنياهو أي أفكار سوى إنقاذ زوجته وابنه وأحبائه. فليذهب، وليذهبوا جميعهم".
"بلد قذر"، يقول فلسطيني من سكان حيفا يخشى إظهار التضامن مع غزة خوفا من تحطيم حياته، إذ يستطيع الإسرائيليون التعبير عن غضبهم، لكن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يصمتون، حيث الحرية للبعض والهراوات للبعض الآخر.
ويقول الأستاذ في الجامعة العبرية يوآف رينون إن شمشون، البطل الديني القومي والشخصية الرمزية للمسيحانيين الذين شاركوا في حكم إسرائيل، كان "أنانيا مجنونا"، وهم يعتقدون أن قوته تجعل منه شخصا لا يقهر.
وأوضح أن هذه الأسطورة التي أودعت في الكتب المدرسية الدعائية تقترب من نهايتها، وأن الوقت قد حان للانتقال من فكرة مبنية على القتل إلى الدفع من أجل الحياة، "يجب أن نجعل هذه الأرض مساحة حياة لا مساحة موت لليهودي والفلسطينيين"، كما يقول.
تفكير جميل بالتمني -كما يعلق المراسل- في وقت "قام فيه الإسرائيليون بإبادة غزة بدافع الغضب لا بدافع الضرورة"، و"ما زال من الممكن أن يحدث المزيد".
هراري: نتنياهو يواصل وعد الإسرائيليين بالنصر الشامل، لكن الحقيقة هي أننا على بعد خطوتين من الهزيمة الكاملة، حيث تميز نتنياهو تماما كما هي حال شمشون بــ"الفخر والعمى والانتقام"
يقول المؤرخ الليبرالي يوفال نوال هراري إن "نتنياهو يواصل وعد الإسرائيليين بالنصر الشامل"، لكن الحقيقة هي أننا على بعد خطوتين من الهزيمة الكاملة، حيث أظهر نتنياهو "الفخر والعمى والانتقام" تماما مثل شمشون.
في هذه الأثناء، يبقى السؤال الذي يطرحه معظم الإسرائيليين بصوت عالٍ، سواء كانوا يهودا أو مسيحيين أو مسلمين، على أنفسهم وعلى الصحفي العابر هو "هل ترى أن هذه هي نهاية إسرائيل؟".
ويبدو الكثيرون خائفين من هذا الشيء الذي يلقي بظلاله الرمادية على البلاد، حسب مبعوث أوريان 21.
الجنرالات هم لعنة إسرائيل
غير أن الخروج من هذا المأزق المميت -كما يقول المراسل- هو جوهر عمل أورلي نوي (54 عاما) المولودة في إيران ورئيسة منظمة بتسيلم، أقوى منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في إسرائيل، ساهمت في السنوات العشر الماضية في توصيف الفصل العنصري الإسرائيلي، وكشفت عن استخدام الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي في قطاع غزة.
بالنسبة لأورلي نوي، فإن هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لا يمكن أن يجعلنا ننسى "سنوات الاحتلال والحصار والإذلال والقمع القاسي للفلسطينيين في كل مكان، وخاصة في غزة"، وهو موقف تسبب في انسحاب البعض من منظمة بتسيلم، إلا أن ذلك لم يثنها عن التضامن مع الفلسطينيين الذين قُتلوا في قطاع غزة.
من جانبه، يحاول الجنرال يائير غولان إحياء يسار أكثر تقليدية لأنه يهدف إلى تولي رئاسة حزب العمل هافودا، ويقول أحد المثقفين إن نائب رئيس الأركان السابق هذا "مثل كل الجنرالات، عندما يتوقفون عن الخدمة يبدؤون بالحديث عن السلام، لأنهم يعرفون أنه من المستحيل كسب الحرب".
ومع أن ترشيح الجنرال غولان على رأس ائتلاف يساري مقبل يحظى بقبول نشطاء المظاهرات في تل أبيب والقدس، فإنه يواجه مقاومة كبيرة كذلك، إذ يقول ناشط سابق في حزب ميرتس إن "الجنرالات هم لعنة إسرائيل".
ويقول النائب السابق في الكنيست جمال زحالقة إن "اليسار الصهيوني لا يحب نتنياهو ولكنهم يحبون سياساته"، ويضيف "لقد دعموا النكبة عام 1948، ثم الفصل العنصري بحكم الأمر الواقع، والاستيطان والآن الإبادة الجماعية".
وعلى الرغم من المظاهرات التي استعادت قوتها منذ منتصف مارس/آذار الماضي، فإن اليسار الإسرائيلي ليس لديه برنامج واضح فيما يتعلق بالسلام، ذلك الشيء العظيم المنسي في هذه اللحظة في بلد كله في حالة حرب، كما يقول المراسل.
وحشية صادمة
يقول آري ريميز، مدير الاتصالات في منظمة "عدالة" الحقوقية الفلسطينية غير الحكومية، إن "الصحافة الإسرائيلية تشبه الأوركسترا، حيث يعزف الموسيقيون على الآلة نفسها"، ولا تجد أي فلسطيني على شاشة التلفزيون، وهي تدعم جرائم الحكومة.
ومع أن الاستماع إلى قناة الجزيرة أصبح أمرا "ضروريا" بالنسبة للعديد من الفلسطينيين والإسرائيليين للحصول على معلومات متنوعة، فإن الحكومة الإسرائيلية أصدرت قانونا يهدف إلى منعها من البث، وفق ما تورد الصحيفة.
ويقول زحالقة إن "الوحشية صادمة، لكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو الطريقة التي يدعم بها الإعلام الإسرائيلي هذه الوحشية ويقدم لنا أبطالا إسرائيليين. معظم الناس لا يعرفون ما يحدث لحرية التعبير أو لا يهتمون بها".
زحالقة: حريات الفلسطينيين في إسرائيل مهددة، وأي انتقاد من قبلهم يُنظر إليه على أنه خيانة، ويعد التعاطف مع أهل غزة تعاطفا مع الإرهاب
ومثل حرية التعبير، فإن حريات الفلسطينيين في إسرائيل مهددة، وأي انتقاد من قبلهم يُنظر إليه على أنه خيانة، ويعد التعاطف مع أهل غزة تعاطفا مع "الإرهاب"، يقول عدي منصور "تم توجيه التهم إلى أكثر من 95 طالبا من 25 كلية وجامعة".
وبالنسبة لمنصور، فإن الأمر يتعلق أولا وقبل كل شيء بمنع الفلسطينيين من التعبير عن هويتهم، في مواجهة الخسائر الفادحة التي خلفتها حرب لا يتوقع أحد نتائجها بأكثر من 35 ألف شهيد، وما لا يقل عن 50 مليار دولار من الدمار في قطاع غزة، مع استمرار الإبادة الجماعية.
ويتساءل أحد المثقفين من نابلس "يمكننا أن نسأل أنفسنا هل نهاية إسرائيل هي مسألة وقت أم مسألة دعم؟"، ويقول أحد الدبلوماسيين "إنها نهاية النموذج بلا شك، ولكنها ليست نهاية البلد".
وتساءل المتظاهرون في تل أبيب والقدس مطلع أبريل/نيسان الجاري "ما الذي سيحدث في اليوم التالي؟ المشكلة ليست في اليسار أو اليمين، إنها بلادنا"، كما قالت غابرييلا للمراسل، داعية إلى نشر قوة دولية في قطاع غزة وإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية.
ويقول جمال زحالقة: نحن هنا نواجه بشكل مباشر مدنيين وسياسيين وصحفيين ومثقفين إسرائيليين، والجميع تقريبا يسيرون في الاتجاه نفسه "اقتلوهم حطموهم".
ويضيف "تصور طيارا إسرائيليا يركب طائرته المقاتلة، ويضغط على الزر ويقتل 100 فلسطيني ثم يعود إلى منزله للاستماع إلى سيمفونية بيتهوفن، وكأن المسافة بين الضحية ومطلق النار تجعل الحرب أنظف في أعينهم".
وخلص مبعوث أوريان 21 إلى أنه لا أحد على الساحة السياسية الإسرائيلية مستعد للتوصل إلى تسوية، كما أن الأميركيين ليسوا مستعدين للتحرك، في حين أن الأوروبيين عاجزون، والروس والصينيون يكتفون بمراقبة الوضع المتقلب للغاية، أما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فلا تتخلى عن قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تعمل هناك، ويبقى المفتاح هو وحدة الفلسطينيين، حسب المراسل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ترجمات فی قطاع غزة فی إسرائیل أوریان 21 کما یقول تل أبیب
إقرأ أيضاً:
ارتدادات جحيم ترامب وإجرام نتنياهو المستمر
صدق ترامب وعده بأن جعل قطاع غزة يعيش جحيماً صباحاً ومساءً ليلاً ونهاراً، صدق ترامب ما خططه مع شريك الإبادة والإجرام نتنياهو؛ لكنه لم يصدق وعده في تحقيق السلام، فكان ما أراده جحيماً حقيقياً طال الأطفال والنساء والمشافي ومراكز الأمم المتحدة لإيواء النازحين وخيمهم، ومحو مدينة رفح بالكامل والشجاعية وجباليا. صدق وعد التاجر المستثمر بالدم الفلسطيني بالتزامن مع شن حربه التجارية على دول العالم، وبقيت وعود الوسطاء مجرد فقاعات بالهواء، وبقيت قرارات القمة العربية والإسلامية الأخيرتين رهن التأجيل والتجميد؛ وكأنه اتفاق مع أركان إدارة ترامب الصهاينة لحفظ ما تبقى من ماء الوجه بأنهم أرجأوا التهجير القسري لسكان غزة لموعدٍ آخر حتى تُستكمل شروط نجاحه بمزيد من الضحايا والقتل والتدمير والإبادة، وتشاطرهم بذلك المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان؛ من خلال الاكتفاء بالإدانات والاستنكارات الخجولة لاحتضار غزة وموتها على يد جلادي القرن الحادي والعشرين.
لقد بات الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية والقادة الصهاينة، هو إطلاق سراح الرهائن، ولهذا اتخذ التصعيد شكلاً خطيراً، حتى أن كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي هدد قائلاً «سنوسع الحرب في كل أنحاء قطاع غزة» في إشارة منه لتوسيع العملية البرية لتشمل كل أنحاء القطاع، كما أفاد أنه ستكون هناك خطط وهيئة لتمكين الغزاويين من الهجرة الطوعية، ولم يتطرقوا إلى أي ثمن مقابل إطلاق سراح أسراهم؛ وكأنهم لا يريدون صفقة تبادل، بل العمل على تحقيق ذلك بالقوة العسكرية، كما لم يتحدثوا أبدا بأي موضوع يخص الحل السياسي، حتى أن العالم كله بات منهمكاً بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وحرب ترامب التجارية، ولم يأتِ على ذكر الأسرى الفلسطينيين ولا عن مليوني غزاوي محاصر في ظروف تفتقد إلى كل جوانب الحياة من غذاء ودواء وماء ومأوى وأمان، بل على العكس الاستمرار في إغلاق المعابر، وتعطيل البروتوكول الإنساني الذي تضمنته المرحلة الأولى من الاتفاق الهدنة، والاستمرار بسياسة التجويع والتعطيش، واستهداف الطواقم الطبية والمسعفين والمشافي، والتي كان آخرها استهداف مشفى المعمداني.
والأكثر من ذلك توسيع المنطقة العازلة بنحو 3 كلـم على طول حدود القطاع مع مصر ومع غلاف غزة، ومحاولة فرض واقع جديد على الأرض؛ من خلال تقطيع أوصال القطاع إلى خمسة أو ستة أجزاء، وإنشاء محاور جديدة غير نتساريم وفيلادلفيا، وزيادة الضغط الميداني العملياتي لفرض شروط جديدة على المقاومة، خاصةً ما رشح منها فرض نزع سلاح المقاومة شرطاً لأي اتفاق. كل ذلك يتم والعالم لا يحرك ساكناً، في الوقت الذي تدهم فيه القوات الإسرائيلية المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وتعيد هندستها بهدم البيوت وتجريف الشوارع والأراضي الزراعية وتغيير معالمها، وتعتقل وتقتل المواطنين؛ إنه التشارك مع عمليات وسياسة المحتل.
يدير قادة الاحتلال ظهرهم لما يجري في جبهتهم الداخلية تحت شعار مواجهة «القاسم المشترك الأعظم لهم؛ العدو الفلسطيني»
في الوقت ذاته يدير قادة الاحتلال ظهرهم لما يجري في جبهتهم الداخلية تحت شعار مواجهة «القاسم المشترك الأعظم لهم؛ العدو الفلسطيني»، فلا يأبهون بمطالبة الشارع الإسرائيلي باستقالة نتنياهو ولا بتراجعه عن الإجراءات التي اتخذها لتقويض السلطة القضائية وإقالة رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية للحكومة، ولا إنهاء الحرب والعودة إلى إبرام صفقة تبادل الأسرى.
وكان لابد لكل هذه المواقف من ارتدادات على الداخل الإسرائيلي، هذا ما بدا من خلال اتساع احتجاجات المعارضين للحرب على غزة، فبعد تجاهل العريضة التي وقّعها نحو1000من الطيارين الاحتياط والعاملين في سلاح الجو الإسرائيلي، هناك أيضا رسالة وقّعها نحو 150 ضابطا من سلاح البحرية، يضاف إليهم أعداد كبيرة من جنود الاحتياط في وحدة 8200 للاستخبارات، والذين انضموا إلى الاحتجاجات المناهضة للحرب برسالة تحدٍ ضد نتنياهو والوزراء اليمينيين الذين أبدوا ارتياحهم لفصل كل من يحتج ويرفض الخدمة العسكرية.
قال هؤلاء برسالتهم الاحتجاجية إن الحرب تخدم مآرب شخصية وسياسية للبعض، ولا تخدم الأمن القومي الإسرائيلي. هذا ما أشار إليه دان حالوتس رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق بقوله «إن نتنياهو مصدر تهديد مباشر لأمن إسرائيل، وهو عدو يجب اعتقاله « حسب القناة 14 الإسرائيلية. من جهة أخرى، كان عشرات الأطباء العسكريين، ونحو 250 عضوا سابقا في الموساد قد احتجوا على استمرار الحرب متهمين نتنياهو بأن استمرارها لا يحقق الأهداف ويعرّض الأسرى إلى الخطر، ويعرّض الجنود إلى الموت، ويجب التوقف فورا عن العمليات العسكرية والإسراع في إبرام صفقة تبادل، ولعل ما قاله رئيس وزراء إسرائيل السابق ايهود أولمرت «نحن أقرب إلى الحرب الأهلية من أي وقت مضى»؛ إنما هو إشارة إلى خطورة الوضع.
وهناك أيضا، حالة من التململ والاحتجاج العام والعارم تسود صفوف الاستخبارات وقطعات الجيش المختلفة والهيئات المجتمعية الأخرى وانضمام حوالي ألفي عضو من أساتذة الجامعات والعاملين فيها إلى الاحتجاجات إضافة الى نحو1600 من قدامى المحاربين من سلاح المظلات والمشاة وكذلك مطالبة 1790 من خريجي التلبيوت لإعداد قادة الأمن بإبرام اتفاق لإطلاق الأسرى، حتى لو تطلب الأمر إنهاء الحرب، وهذا ما طالب به أيضاً خريجو الوحدة الإعلامية في الجيش الإسرائيلي؛ مما يعني أكبر وأسوأ حركة احتجاج تشهدها دولة الكيان في تاريخها، ومع ذلك مازال نتنياهو يختار إدارة الظهر لمطالبهم، بل التصعيد في مواجهتهم، وهذا ما يؤكد عدم شرعية الحرب؛ لأنها لا تحظى بأي إجماع سيما أنها باتت بلا أهداف ولا إنجازات.
وفي محاولة منه للتقليل من أهمية ونوعية واتساع هذه الاحتجاجات؛ اتهم نتنياهو المحتجين بأنهم يتصرفون وفق أجندات خارجية، قائلاً: «إن عريضة الاحتجاج بشأن غزة تبعث برسالة ضعفٍ لأعداء إسرائيل ولن نسمح بذلك مرة أخرى»، كما قال أيضا « لقد كتبها حفنة صغيرة ضارة تتحرك بتوجيهٍ مُموّل من الخارج».
إن من ارتدادات هذا الواقع تعميق الانقسام الداخلي وتباعد المسافة بين المستوى الشعبي والسياسي والعسكري؛ مما يهدد بإسقاط الحكومة، ومثول نتنياهو وقادة حربه أمام المحكمة لمسؤوليتهم عما حدث في السابع من أكتوبر وتداعياته اللاحقة، واستمرار هذه الحرب غير الشرعية، وكذلك سقوط الرهان على الأحزاب اليمينية، وافتضاح صورة الكيان عالمياً وظهوره بمظهر الإجرام والإبادة والتطهير العرقي الذي لم يسبق له مثيل؛ وبالتالي الذهاب قسراً إلى إبرام صفقة التبادل مع المقاومة.
ختاماً، إن من أهم ارتدادات هذه السياسة هو انتهاء صلاحية الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب لنتنياهو، وذلك من خلال خيبة الأمل التي حصدها هذا الأخير في زيارته لواشنطن، والذي بدا – كما رآه الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل في تعليقه على فشل زيارته القسرية الاستدعائية للبيت الأبيض – « نتنياهو كان نصف زيلنسكي».