تونس- يرى مراقبون أن إعلان 7 شخصيات الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية المقررة الخريف المقبل هو محاولة منهم لإحراج الرئيس قيس سعيّد لإزاحة الغموض حول موعد الانتخابات المحدد، في وقت تُجري فيه المعارضة مشاورات لإمكانية ترشيح شخصية توافقية وفق برنامج وفريق عمل موحد.

وحتى الآن ترشح كل من عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري (مسجون بتهمة التآمر على أمن الدولة)، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي (مسجونة بتهمة محاولة قلب النظام)، والكاتب الصحفي الصافي سعيد، والوزير السابق في النظام السابق منذر الزنايدي (في فرنسا).

كما ترشح الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، والإعلامي والناشط السياسي نزار الشعري، ورئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي.

شروط الترشح

وكان الرئيس سعيّد الذي تنتهي ولايته من 5 سنوات الخريف المقبل، قد ألمح للترشح لولاية ثانية، إذ تشدد تصريحاته على أنه "لن يتراجع قيد أنملة عن مساره ولن يسلّم الوطن لمن قاموا بتخريبه".

وإلى الآن لم يتم تحيين شروط الترشح صلب قرارات هيئة الانتخابات وفق ما جاء من تغييرات في الدستور الجديد الذي صاغه سعيّد في 2022، والتي قد تستبعد بعض المترشحين على غرار ألفة الحامدي لأن سنها أقل من 40 عاما، السقف الأدنى للعمر الذي نص عليه الدستور.

كما قد يفضي احتمال إضافة شروط جديدة كالتنصيص على وجوبية تقديم الترشحات بصفة مباشرة من قبل المترشحين، إلى إقصاء العديد من السياسيين المسجونين على غرار عصام الشابي أو عبير موسي.

وستنظر المعارضة والمنظمات الحقوقية والجهات المراقبة للانتخابات إلى احتمال فرض شروط جديدة لم تكن موجودة سابقا، على أنه دليل على توجه الرئيس سعيّد للتضييق على خصومه وبالتالي ستتجه للطعن في نتيجة الانتخابات، بحسب مراقبين.

ويشهد المناخ السياسي والحقوقي بتونس حالة من الانسداد ويتسم -وفق رأي مراقبين- بحالة من الغموض والضبابية حول مستقبل المسار الديمقراطي في ظل تصاعد أحكام السجن والملاحقات ضد المعارضين والحقوقيين والإعلاميين والنقابيين.

موعد غامض

وتعليقا على إعلان البعض عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، يقول الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي نبيل حجي للجزيرة نت إنه يستغرب أن يتسابق البعض في غمار الإعلان عن الترشح في حين لم يتم بعد تحديد موعد الانتخابات حتى اللحظة.

وتوقع أعضاء هيئة الانتخابات -في تصريحات إعلامية أدلوا بها سابقا- إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة بين شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2024، وقال بدوره، سعيّد إن الانتخابات ستُجرى في موعدها، ومع ذلك لم يتم تحديدها بعد.

وبرأي حجي، فإنه كان من المفترض أن يدعو رئيس الجمهورية الناخبين للانتخابات الرئاسية القادمة بأمر رئاسي يُنشر بالجريدة الرسمية بحر هذا الأسبوع، فضلا عن ضبط رزنامة الانتخابات من هيئة الانتخابات، "لكن شيئا من ذلك لم يحدث".

وفي آخر انتخابات رئاسية وتشريعية شهدتها تونس بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2019، ضبطت هيئة الانتخابات الرزنامة الانتخابية قبل 6 أشهر أي في مارس/آذار 2019 دون انتظار تعليمات الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وفق حجي.

ويستغرب المتحدث كذلك من عدم استنكار الشخصيات التي أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية غياب أي معطى دقيق حول موعدها "ليبقى الرئيس سعيّد هو الفاعل الوحيد في العملية الانتخابية في منأى عن كل ضغط"، وفق تعبيره.

ويُفترض أن تكون سنة 2024 نهاية العهدة الرئاسية لقيس سعيّد وفق دستور 2014 الذي ألغاه وعوضه بآخر سنة 2022 أرسى به نظاما رئاسيا بصلاحيات واسعة ونصص فيه على تنظيم الانتخابات الرئاسية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية.

وبشأن المناخ الذي تُجرى فيه الانتخابات، يؤكد حجي أن الوضع لا ينبئ بوجود توجه لإجراء انتخابات نزيهة في ظل "هيئة انتخابية غير دستورية"، منتقدا سجن المعارضين "بتهم واهية وملاحقة منتقدي الرئيس ووضع اليد على القضاء وتطويع الإعلام".

ترشح للضغط

من جهة أخرى، يقول الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي للجزيرة نت إن إعلان عدد من الشخصيات ترشحهم هو محاولة لإحراج الرئيس سعيّد لتحديد موعد الانتخابات التي بقي الغموض يلفها.

ويرى أن الخطوة التي أقدمت عليها بعض الأسماء تدخل في نية الترشح للضغط على سعيّد لإلزامه بإجراء الانتخابات في آجالها، معربا عن انشغاله من تردي المناخ السياسي الذي وصفه بالغامض والضبابي والمؤثر على نزاهة الانتخابات.

وكشف المكي عن وجود مشاورات في أوساط المعارضة حول إمكانية اختيار شخصية يتم دعمها في سباق الانتخابات مع فريق عمل وبرنامج انتخابي موحد، مؤكدا أن المعارضة ستناضل لتوفير شروط انتخابات نزيهة تفتح أفقا للبلاد ولا تؤزم الأوضاع فيها.

ولطالما انتقدت المعارضة مسار الرئيس سعيّد واعتبرته "انقلابيا للتفرد بالحكم"، منتقدة ما تعتبره استهدافا للمعارضين عبر إثارة قضايا جزائية في حقهم بموجب قانون الإرهاب ومرسوم 54 لترهيبهم وإقصائهم من سباق الانتخابات المقبلة.

ويقبع منذ شهر فبراير/شباط 2023 العديد من المعارضين في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة وهي تهم تصل عقوبتها الإعدام، وضمنهم وجوه مرشحة لخوض سابق الانتخابات المقبلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات للانتخابات الرئاسیة هیئة الانتخابات الأمین العام الرئیس سعی د

إقرأ أيضاً:

المعارضة التونسية والخيارات الانتخابيةالصعبة

لا يوحي المشهد السياسي والاجتماعي في تونس بإقبال البلاد يوم 6 أكتوبر 2024 على انتخابات رئاسية رغم انتهاء الحملة الانتخابية. ضمن مسار شابته ولا تزال عدة شوائب تكاد تفرغه من محتواه كعملية انتخابية حسب ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية العريقة ووفق المعايير الدولية .

فمن تأخر دعوة الناخبين إلى آخر لحظة وما سبقها من شك حول إجراء الانتخابات من عدمه إلى انطلاق المسار بنشر  الرزنامة وإعلان هيئة الانتخابات إجراءات شروط الترشح  تحت عنوان ملاءمة القانون الانتخابي لسنة 2014 مع القوانين الأعلى منه رغم أن ذلك من صلاحيات الهيئات التشريعية وقد جعلت تلك الإجراءات عملية الترشح أكثر تعقيدا وأخرجتها عن مقصد المشرع من اعتمادها مثل التزكية التي وردت بخلفية التاكد من وجود حد أدنى من المصداقية الشعبية للمترشح رغم تعارضها في الجوهر مع مبدأ حق الترشح كحق أساسي من حقوق المواطنة فتحولت إلى سيف مسلط على رقاب المترشحين.

وبعد كل ما  حصل من  لغط وجدل حول الإجراءات تم فتح باب الترشح والانطلاق في إعداد الملفات التي هيمنت عليها إشكالية الحصول على بطاقة السوابق العدلية المعروفة بالبطاقة عدد 3 والتي يتم الحصول عليها في الأصل بإجراءات إدارية بسيطة حضوريا أو عن بعد إلا أن ذلك لم يحصل وحصلت تعطيلات غير معقولة وغير مبررة لكل المترشحين الذين واجهوا أيضا إشكالية التزكيات التي لم يكن متاحا لهم منها سوى الشعبية وما صاحبها من تعقيد متعلق بتغير الوحدة الجغرافية للدائرة من الولاية إلى المعتمدية والإبقاء على العدد الأدنى المعتمد في الولاية 500 تزكية دون ملاءمته مع الوحدة الجديدة التي حصرتها الهيئة في المعتمدية، هذا إلى جانب ما تعلق بتوزيع التزكيات على الدوائر ثم ما صاحب تقديم مطالب الترشح من تشدد من الهيئة في علاقة خاصة بالتزكيات تحت عنوان التثبت والتدقيق الذي أسقط نصف ملفات المترشحين تقريبا الذين عجزوا عن جمع التزكيات أما من تمكن من ذلك فقد وجد صعوبات عند التدقيق أدى بملفه إلى الرفض.. ولم تعلن الهيئة سوى عن ثلاثة مطالب مقبولة قبولا أوليا أيدته المحكمة الادارية في الأحكام الابتدائية لدوائرها ثم حصلت المفاجأة في الطور الاستئنافي للنزاع الانتخابي بين الهيئة والمترشحين المرفوضة مطالبهم ابتدائيا بإصدار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضيا حكمها البات والنهائي بإبطال قرارات هيئة الانتخابات والأحكام الابتدئية لدوائرها  وتمكين ثلاثة مترشحين من حقهم في الترشح ودعوة الهيئة لإدراجهم في القائمة الرسمة النهائية إلا أن الهيئة رفضت ذلك بمبررات غير مقنعة مثل وصول مضمون الحكم متأخرا وغيرها وأصرت على ذلك ورغم تأكيد المحكمة لأحكامها بقرارت توضيحية اعتبرت أن عدم إدراج أسماء المترشحين وفق قرارها من شأنه أن يؤدي إلى بطلان كامل المسار.

فإن هيئة الانتخابات قد أصرت على موقفها بقبول ثلاثة مطالب فقط أحدهم  العياشي زمال ورغم إعلانه مرشحا نهائيا فقد أصبح محل تتبع في عشرات القضايا بلغ عددها 35 قضية حسب محاميه عبد الستار المسعودي بتهم تزوير التزكيات حيث صدرت إلى الآن في شأنه عدة أحكام ابتدائية بلغت أكثر من 12 سنة سجنا ومنع من التصويت.

إرادة التغيير هي الأخرى أمام خيارات انتخابية صعبة ناتجة بالأساس عن حالة التشرذم والتشتت التي انتهى إليها المنتظم السياسي بكل مكوناته من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني عجزت على أن تلتقي فيما بينها على برنامج حد أدنى ديمقراطي بل إن أغلبها لا يزال في غيه الاستئصالي الإقصائي يعمه ولم يستوعب الدرس بعد.ولم يقع الاكتفاء بعرقلة المترشحين بل تم التوجه لتغيير القانون الانتخابي أثناء المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخاية بتقديم مشروع تعديل للقانون الانتخابي يتم بموجبه سحب صلاحية النظر في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية وإحالتها للقضاء العدلي خوفا من إصدارها لحكم بإبطال المسار الانتخابي.

 ورغم الاعتراضات والنداءات والمطالبات من الشخصيات السياسية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات بالتراجع فقد تمت المصادقة على التعديل وإمضائه وإصداره بالرائد الرسمي فور التصويت عليه.

واضح أن المسار الانتخابي الحالي تتجاذبه إرادتان الأولى مع استمرارية سلطة 25 تموز / يوليو ومنظومته وتستعمل كل الوسائل من أجل ذلك، والثانية مع إحداث تغيير سياسي بالصندوق يتجاوز 25 تموز / يوليو ولكن دون العودة إلى ما قبله خاصة في ظل ما آلت إليه الأوضاع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفي ظل غياب الرؤية.

إلا أن إرادة التغيير هي الأخرى أمام خيارات انتخابية صعبة ناتجة بالأساس عن حالة التشرذم والتشتت التي انتهى إليها المنتظم السياسي بكل مكوناته من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني عجزت على أن تلتقي فيما بينها على برنامج حد أدنى ديمقراطي بل إن أغلبها لا يزال في غيه الاستئصالي الإقصائي يعمه ولم يستوعب الدرس بعد.

وهي ناتجة أيضا عما حصل في المسار من تجاوزات وإخلالات جعلت مصداقية العملية الانتخابية ونتائجها في الميزان الأمر الذي سيزيد أزمة البلاد تفاقما وتعقيدا بدل أن يكون فرصة لتجاوزها.

لقد أصبح المشهد المعارض اليوم منقسما بين خياري المشاركة أو المقاطعة أو البين بين أي حالة اللاموقف .

وكل له حججه واعتباراته حيث يرى دعاة المشاركة بالتصويت بكثافة رغم ما على المسار من تحفظات وذلك  لأحد خياري التغيير وبالأساس للمرشح رقم واحد العياشي زمال الذي قدم رؤية مستقبلية لتونس لاقت ترحيبا من الجميع، وذلك لأن المشاركة في رأيهم هي الأصل وهي ممارسة نضالية إن لم تحقق التغيير بالصندوق فإنها تمهد له بالضغط والإحراج وإقامة الحجة ودليل وجاهة ذلك بالنسبة لهم  ما حصل في كل مراحل المسار الانتخابي، فمن غير المناسب التخلي عنه في ختامه.. وهو سلوك اعتمدته كثير من المعارضات في مثل هذه الحالات في بلدان أخرى وأثبت نجاعته. والقول بأن المشاركة ستعطي شرعية للعملية لا معنى له لأن الشرعية تحصل بقبول المتنافسين بالنتائج واعتراف المنتظم السياسي الوطني والمجتمع الدولي بنزاهتها.

أما دعاة المقاطعة فإنهم يرون أن شروط نزاهة العملية الانتخابية غير متوفرة والمشاركة فيها تعتبر نوعا من التبييض لها والإقرار بنتائجها وشرعنة ما ستفضي إليه.

أما موقف المراوحة بينهما الذي يكتفي بنقد المسار الانتخابي وما حصل فيه من تجاوزات وإخلالات وينبه لمخاطر الاستمرار فيه بنفس السلوك فهو في الحقيقة اللاموقف وربما يتحسب أصحابه إلى ما بعد الانتخابات وهو نوع من العجز والهروب من المسؤولية السياسية.

لذلك فإن الترجيح بين هذه الخيارت يجب أن يضع في اعتباره أولوية المصلحة الوطنية وأن يستند إلى المعايير التالية :

1 ـ قدرة الخيار على تحقيق هدف التغيير أو في الحد الأدني الاقتراب منه .
2 ـ قدرة الخيار على فتح آفاق سياسية وميدانية لما بعد الانتخابات .
3 ـ قدرة الخيار على تحقيق نسبة معقولة من تعبئة الرأي العام وتحفيزه و امكانية بناء أرضية نضالية مشتركة مستقبلا  .

من هذا المنطلق فإن خيار المشاركة على علاته هو الأرجح والأقرب للنجاعة والفاعية في المرحلة القادمة.

* كاتب وناشط سياسي تونسي

مقالات مشابهة

  • التفاصيل الكاملة حول الانتخابات الرئاسية التونسية
  • تونس تدخل مرحلة الصمت عشية الانتخابات الرئاسية
  • المعارضة التونسية والخيارات الانتخابيةالصعبة
  • تونس تبدأ اليوم مرحلة الصمت الانتخابي عشية انطلاق الانتخابات الرئاسية بالداخل
  • بدء مرحلة الصمت الانتخابي في تونس استعدادًا للانتخابات الرئاسية
  • تونس.. بدء التصويت بالانتخابات الرئاسية في الخارج
  • تونس: الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية 9 أكتوبر الجاري
  • رئاسيات تونس.. حملة انتخابية باهتة
  • منظمة حقوقية تنتقد مسعى تونس لترسيخ الاستبداد عشية الانتخابات الرئاسية
  • مغردون: غزة ولبنان بخير والجامعة العربية تراقب انتخابات تونس الرئاسية