قال أطباء فلسطينيون من قطاع غزة إن ظاهرة تحلل الجثامين وتبخرها "شائعة للغاية"، وإن نوعية الإصابات التي تصل إلى المشافي لم يسبق لهم أن تعاملوا مع حالات مماثلة، وكذلك الآثار الغريبة التي تتركها على المصابين.

وفي شهادات خاصة للجزيرة نت، أشار الأطباء إلى أن السبب وراء هذه الإصابات يعود إلى درجة الحرارة الهائلة المنبعثة من الصواريخ غير التقليدية التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية عدوانه على القطاع قبل نحو 7 أشهر، والتي لا ينبغي استخدامها ضد المدنيين العزل.

وكانت الجزيرة نت نشرت تحقيقا مطولا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتناول آثار الحروق التي تتركها آلة القتل الإسرائيلية على السكان المدنيين في القطاع.

أسرة فلسطينية من 8 أفراد تعاني من حروق بالغة بسبب قصف إسرائيلي على منزلهم في بلدة جباليا شمالي قطاع غزة (الأناضول) تبخر الجثامين

وفي شهادته، يقول رئيس قسم الطوارئ والاستقبال في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح (وسط القطاع) محمد ريان إن "تبخر الجثامين" أمر شائع، فبعد استهداف عائلة داخل منزلها يتم استخراج عدد من الجثامين ولا يعثر على الباقي.

ويكمل ريان للجزيرة نت "أنا شخصيا، تم استهداف منزل عمتي، وحتى الآن لم يعثر على جثماني ابنتها وحفيدها، ولا حتى بعض الأشلاء رغم إزالة كل الركام"، "كأنهم فعلا تبخروا؛ عقليا شيء لا يُتصور أن تتبخر الجثث وتختفي".

ويصف رئيس قسم الطوارئ بمستشفى شهداء الأقصى إصابات الحروق التي تصلهم "بالغريبة، وبعض الجثامين تكون متفحمة بالكامل، كما يستمر انبعاث الدخان من مكان الإصابة رغم مرور ساعات عليها، وتبلى المستهلكات الطبية التي يتم وضعها على مكان الإصابة لترطيبها".

حروق غير مألوفة

وقال استشاري جراحة التجميل والحروق في بريطانيا رياض مشارقة إن المرضى المصابين بحروق في قطاع غزة لا يعيشون طويلا رغم أن نسبة هذه الحروق ليست مرتفعة جدا، لكن هذا يدل على أنهم استنشقوا غازات قد تكون ناجمة عن القصف مما يؤدي إلى وفاتهم سريعا.

والدكتور مشارقة هو أيضا رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، وكان ضمن وفد طبي زار مستشفيات قطاع غزة في بداية الشهر الجاري، حيث يقول "أثناء تواجدنا في غزة كانت تأتينا جثث متفحمة بطريقة غير مألوفة، والحرق العادي لا يمكن أن يحدث مثل هذه التشوهات".

وأضاف استشاري جراحة الحروق أن عدم معرفة أسباب الحروق يؤدي إلى تأخر تقديم العلاج المناسب للمريض، وبالتالي تتعقد حالته وتستمر فترة شفائه مدة طويلة، خاصة مع عدم توافر الإمكانات المناسبة في مستشفيات القطاع وانعدام الأدوية اللازمة، بالإضافة إلى حاجة المرضى إلى توفر الغذاء المناسب والمكملات الغذائية الضرورية التي تساعد في بناء الجلد مرة ثانية.

من اليمين: خليل البطش وخليل الدقران ومحمد ريان (الجزيرة) حرارة الصواريخ

ويرجع طبيب الطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى خليل البطش ظاهرة تبخر الجثامين إلى درجة الحرارة العالية جدا المنبعثة من الصواريخ الإسرائيلية غير التقليدية التي لا ينبغي استخدامها داخل المدن، أو ضد المدنيين العزل.

وقال البطش للجزيرة نت "حينما تستهدف الصواريخ الإسرائيلية المنازل ترفع حرارة المنزل المستهدف إلى ألفي درجة مئوية، وقد تصل إلى 3 آلاف، مما يعرض بعض الأجساد في المحيط إلى التبخر نتيجة الحرارة العالية".

وأوضح البطش أن ظاهرة اختفاء الجثامين كانت شائعة على نحو كبير للغاية في مجمع الشفاء الطبي بغزة، حيث كان يعمل هناك قبل أن يدمره الاحتلال بالكامل، ولم يكن من السهل التعرف على الجثث.

ويقترب المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران في شهادته من الرواية السابقة، ويقول إن كل المؤشرات تثبت أن جيش الاحتلال يستخدم أسلحة بالغة الخطورة ومحرمة دوليا.

ويذكر في حديث للجزيرة نت أن الأطباء منذ بداية العدوان قبل نحو 7 أشهر يتعاملون مع إصابات غير طبيعية، وتصلهم جثامين عبارة عن "أشلاء ممزقة أو أجساد متفحمة".

الرأي العسكري

وللوقوف على طبيعة الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي وتسبب مثل هذه الإصابات، قال الخبير العسكري والإستراتيجي والضابط السابق في الجيش العراقي حاتم الفلاحي إن إسرائيل تمتلك أسلحة ذرية وكيميائية تكون محددة التأثير على منطقة جغرافية مستهدفة، وتؤدي إلى تحلل الجثث بشكل كامل.

وأشار الفلاحي -في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت- إلى تجربة الجيش العراقي إبان الغزو الأميركي عام 2003، حيث استخدمت الولايات المتحدة أسلحة غير تقليدية في معركة مطار بغداد من أجل السيطرة عليه، لدرجة أن الجثث تفسخت، ولم يكن لها أثر.

ويورد الخبير العسكري تفسيرا لذلك على لسان قائد الحرس الجمهوري العراقي آنذاك، قائلا إن الولايات المتحدة استخدمت قنابل النيتروجين والفسفور الحارق بكميات كبيرة جدا، مما أدى إلى تحلل تفسق الجثث، وتقريبا تحولت إلى رماد بشكل كامل.

وعن الأسباب التي تدفع جيش الاحتلال إلى استخدام مثل هذه الأسلحة أشار الفلاحي إلى عدة أسباب:

عدم قدرة القوات على تحقيق تقدم في بعض المناطق العصية، مما يجعلها تلجأ لاستخدام هذه النوعية من الأسلحة. الخوف من كثرة الخسائر بين قوات الاحتلال في المنطقة المستهدفة. هذا السلاح النوعي يعد أسلوبا وتكتيكا رادعا للطرف الآخر في القتال.

وحذر الخبير العسكري من أن آثار مثل هذه الأسلحة لا تتوقف على المرضى والشهداء، بل تمتد إلى التربية والبيئة المحيطة، "فالولايات المتحدة الأميركية لم تستطع البقاء في مطار بغداد قبل أن تقوم بتجريف الأرض بعد تلوثها نتيجة استخدام هذه النوعية من السلاح، وحتى تظهر طبقة جديدة من الأرض آمنة ويمكن البقاء فيها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات شهداء الأقصى للجزیرة نت قطاع غزة مثل هذه

إقرأ أيضاً:

غارات الاحتلال على ضاحية بيروت تحول ليلة السكان إلى كابوس.. ناموا في العراء

وجدت رحاب ناصيف نفسها، بين ليلة وضحاها، تمضي ليلتها في العراء بعدما اضطرت إلى الفرار من منزلها مثل غيرها من السكان في ضاحية بيروت الجنوبية بسبب غارات الاحتلال الإسرائيلي العنيفة طوال ساعات الليل.

وقالت المرأة البالغة 56 عاما، لوكالة فرانس برس، بعدما أمضت ليلتها في حديقة كنيسة في وسط بيروت، على غرار كثيرين "توقعت أن تتوسع الحرب لكنني خلت أنها ستطال أهدافا، لا المدنيين والبيوت والأطفال".

وأضافت "لم أجهز ملابسي ولم يخطر ببالي حتى أننا سنخرج بهذا الشكل، ونجد أنفسنا فجأة في الشارع".


وشن الاحتلال الإسرائيلي عشرات الغارات العنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الليلة الماضية ضمن عدوانه المتواصل على لبنان، مطالبا سكانها بإخلائها تباعا خلال ساعات الليل.

وكان وهج غارات الاحتلال العنيفة كفيلا بإضاءة سماء المنطقة على الرغم من حلول الظلام، في مشهد غير مسبوق منذ حرب عام 2006.

وقالت رحاب التي تعتني بسيدة مسنّة وتقيم في حي السلم، أحد أفقر أحياء ضاحية بيروت الجنوبية، "أشعر اليوم بقلق وخوف من المجهول. أن تتركي منزلك ولا تعلمي الى أين تتجهين وماذا سيحدث لك وهل ستعودين الى بيتك؟ كلها أسئلة بحاجة الى أجوبة".
اهل الضاحية نازحين سيرا على الاقدام في بيروت pic.twitter.com/n2S0VXTjQh — M_Ismail محمد_اسماعيل (@Moh_ism7) September 28, 2024 المواطنون يفترشون الشوارع في بيروت بعد نزوحهم من الضاحية الجنوبية على اثر القـ.ـصف الإسرائيلي المستمر على انحاء متفرقة من الضاحية.

هكذا حدث مع أهلنا في غزه والدور جايي على كل الدول العربيه لخذلانهم لفلسطين

افيقوا يا عرب pic.twitter.com/ykhOQRGPPu — ُM - َNabِeelّ ???????? (@M_Yemen_2731) September 28, 2024
وأظهرت لقطات مصورة من الضاحية الجنوبية دمارا كبيرا في الأبنية بعد الغارات التي شنها الاحتلال الإسرائيلي، والتي استهدفت المقر المركزي" لحزب الله في حارة حريك.

وادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي تخزين أسلحة في المباني المدنية التي استهدفت في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما نفى حزب الله اللبناني بشدة.

وعلى وقع الغارات العنيفة، اضطرت مئات العائلات إلى الفرار من الضاحية وسط حالة من الإرباك والهلع، في حين أعلنت مدارس ومساجد وكنائس فتح أبوابها ليلا في محاولة لاستيعاب تدفق النازحين.

ووفقا لوكالة فرانس برس، فإن  عائلات بأكملها أمضت ليلتها مع أطفالها في العراء وافترشت الحدائق والأرصفة على الكورنيش البحري وفي أحياء عدة من العاصمة بيروت.

وفي ساحة الشهداء، توزعت عائلات في كل ناحية مع سياراتهم وبدت ملامح الإرهاق والتعب واضحة على الوجوه، بينما أمضى آخرون ليلتهم على الأرض، تحميهم أغطية خفيفة.

وقالت هلا عز الدين (55 عاما)، التي نزحت مع عائلتها وأحفادها الصغار من برج البراجنة، إحدى المناطق التي طالتها الغارات الإسرائيلية "اشتدت حدّة القصف ليلا وبدأ البيت يهتز بنا".

ووصفت هلا التي تهدم منزلها خلال حرب تموز /يوليو 2006 بانفعال ما جرى ليلا بأنه "كبير جدا".
وقالت في حديثها لفرانس برس وهي تجلس على رصيف في ساحة الشهداء، حيث أمضت الليلة، "لسنا مضطرين لأن نعيش ما حدث في غزة ولسنا مضطرين لتحمل ذلك".

على بعد أمتار، تحاول حوراء الحسيني (21 عاما) أن تتمالك نفسها بعد ليلة مضنية. وتقول بعدما أمضت ليلتها مع والدها وشقيقها وشقيقتها في ساحة الشهداء، "كانت ليلة صعبة جدا، الصواريخ فوق منزلنا، ولن أنسى صوت الأطفال" في الحي.

وتضيف "سنعود الآن إلى منزلنا (في الضاحية الجنوبية)، لكننا خائفون، لم نعد نستطع بصراحة أن نعيش في هذا البلد"، وفقا لفرانس برس.


ومنذ صباح الاثنين، يشن الاحتلال الإسرائيلي مئات الغارات الجوية العنيفة وغير المسبوقة على مواقع متفرقة من جنوب لبنان، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 728 شخصا، وإصابة 2658 آخرين بجروح مختلفة، بينهم أطفال ونساء ومسعفون، بحسب أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.

وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من تفجيرات أجهزة اتصالات لاسلكية من نوعي "بيجر" و"ووكي توكي- آيكوم ICOM V82"، في مناطق مختلفة من لبنان، ما أسفر عن سقوط 32 شهيدا، وإصابة نحو 3250 آخرين بجروح مختلفة.

في المقابل، يواصل حزب الله عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي موسّعا نطاق استهدافاته؛ ردا على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في لبنان، منذ بدء التصعيد الإسرائيلي الكبير ضد الأراضي اللبنانية مطلع الأسبوع الجاري.

مقالات مشابهة

  • أمل الحناوي: لبنان تحول إلى أرض الدم والنار
  • غارات الاحتلال على ضاحية بيروت تحول ليلة السكان إلى كابوس.. ناموا في العراء
  • 30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت قبيل الفجر
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن عن ضربات ضد مخازن أسلحة حزب الله في بيروت
  • قطاع تحول الطاقة في المغرب يوثّق تعاونه مع السنغال
  • صحة غزة: الاحتلال ينبش القبور ويسرق جثامين الشهداء
  • صحة غزة تتهم إسرائيل بنبش القبور وسرقة الجثامين
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي: هاجمنا مخازن أسلحة لحزب الله في جنوب لبنان
  • «القاهرة الإخبارية»: 31 شهيدا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم
  • الصحة الفلسطينية: الاحتلال يقوم بنبش القبور وسرقة الجثامين وزجها إلى قطاع غزة