نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا، للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينتش، قال فيه إن النزاع بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي يجب ألا يصرف أنظارنا عن المجاعة في غزة.

وأوضح فرينتش، أن "الأكثر إثارة للدهشة، هو عدد الصور القليلة للمواطنين الفلسطينيين الذي يعانون وتم حصارهم في هذه القطعة الصغيرة من الأرض.

فكارثة بهذا الحجم وهذه الأبعاد يجب أن تكون صورها في كل مكان وكل دقيقة". 

واستفسر: "أين هي صور الأطفال الجياع، والصور التي تظهر آثار الجوع أو "كواشيوركور"، والأشكال الأخرى لتدمير أشكال الطعام؟". 

وتابع فرينتش،في المقال نفسه، متذكّرا طفولته وتشكّل وعيه السياسي من الرحلات خارج حدود الولايات المتحدة، أولا إلى مونتريال المتحدثة بالفرنسية ثم رحلته إلى أوروبا وقراءته حول جنوب أفريقيا والتمييز العنصري فيها.

واسترسل بأنه في عام 1968 قرأ عناوين الأخبار في الصحف التي تباع في كشك السجائر عن موت 3,000 طفل في نيجيريا، ليس بسبب الحرب بل الجوع. وعرف النزاع في حينه بحرف بيافارا على اسم الإقليم الذي طالب بالانفصال عن نيجيريا.

ويتذكر الكاتب، كيف قدّم الإعلام الغربي صورة حية عن المعاناة والأطفال الذي حولهم الجوع إلى هياكل عظمية وعظام بارزة وبطون منتفخة. وعرف الجميع المصطلح لهذه الحالة الطبية: كواشيوركور. مؤكدا أنها "كانت هذه هي النتيجة البشعة لحرب بيافارا وسكان الإقليم الذين كانوا يحاولون النجاة بالحصول على أي شيء يحتوي على البروتين". 

"بالنسبة للمحظوظين، فإنهم عاشوا على حفنة من الأرز أو طبخ الآباء أوراق الشجر من أجل توفير ما يقيهم من الجوع حتى الموت" يضيف الكاتب، مشيرا إلى أنه فهم لاحقا أن الجوع ليس نتيجة عرضية لهذه الحرب. بل تم خبزه في كل ملامح النزاع بين طرفي حرب يتسمان بالقسوة. وأكثر من هذا، فقد كشفت حصيلة القتلى في جنوب غرب نيجيريا بسبب المجاعة في ذلك الصيف عن سياسة لاعبين خارجيين، وأكثرهم من الدول الغربية، والتي عادة ما نختصرها بمصطلح مزيج سيئ "المجتمع الدولي".

وأردف بأن ساسة نيجيريا حاولوا آنذاك التبرير بطريقة بشعة للدور الذي لعبه الجوع في ذلك الصيف بإقليم بيافارا. وقال نائب رئيس المجلس الفيدرالي النيجيري، سعيدي أوبافيمي أولو: "كل شيء كان حربا عادلة، والتجويع هو سلاح من أسلحة الحرب، ولا أجد سببا في إطعام أعدائنا حتى السمنة، لكي يقاتلونا من جديد". 

وأبرز الكاتب، أن  قواعد الحرب تعود إلى ميثاق جنيف في عام 1949، وكلها منعت أو ضيقت استخدام التجويع كسلاح في الحرب. وما عقد الوضع أكثر هو رفض أودميغون أوجوكوا، زعيم الانفصاليين فتح ممر لنقل المساعدات الإنسانية إلى الإقليم المنفصل. 

وأكد أن السبب كان هو أنه لم يكن هناك مجال لانتصار أعدائه في حال انتشر الجوع وزاد الضغط الدولي، حيث إنهم سيقبلون بتسوية سياسية لا يستطيع الحصول عليها في ساحة المعركة. وكان دور المجتمع الدولي في أزمة نيجيريا عام 1968 غامضا ومثيرا للاشمئزاز. وجاء هذا في عنوان لصحيفة لوس أنجليس تايمز "أسلحة لنيجيريا وطعام لبيافارا"، في إشارة للدعم العسكري البريطاني الذي لم يتوقف إلى نيجيريا. 

وتابع: "ذلك أن بريطانيا، الدولة المستعمرة السابقة حافظت في نيجيريا وهي أكبر دولة أفريقية من ناحية عدد السكان على مصالح اقتصادية وسياسية. أما بقية الدول الأوروبية الأخرى، وبالتحديد فرنسا فقد كانت راغبة في تقوية حضورها بأفريقيا من خلال مساعدة تفكيك أكبر دولة ناطقة بالإنجليزية في القارة الأفريقية؛ وكذا البرتغال التي كانت لا تزال متمسكة باستعمارها في وقت دعمت فيه نيجيريا حركات مقاومة الاستعمار، ولهذا دعمت البرتغال انفصال بيافارا". 


وأضاف: "في الوقت الذي قوت فيه بريطانيا من الحكومة الفيدرالية عبر شحنات الأسلحة فإنها أرضت ضميرها عبر شحنات قليلة من المساعدات الإنسانية. وفي مقال رأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في تموز/ يوليو ذلك العام قدم أنطوني لويس صورة عن التناقض هذا: "في عالم متحجر على لاإنسانية الإنسانية، يجب النظر إلى ما يجري في نيجيريا على أنه بدون معنى وقاس. وهو شهادة واحدة على شراسة المشاعر العنصرية والقبلية، هنا أفارقة وفي حالات أخرى أوروبيون لا يعنون شيئا لمن هم في الخارج". 

ويقول فرينتش، إن "ذكريات بيافارا التي نسيها العالم خارج غرب أفريقيا شغلته في الأسابيع الماضية، وهذا بسبب الكارثة البشرية والإنسانية التي تعرضت لها غزة؛ ولم يشعر العالم بالمجاعة التي يعاني منها سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة إلا أمس، على ما يبدو"، متابعا: "أقول أخيرا، لأن تحذيرات عديدة كانت موجودة حول كارثة المجاعة، على الأقل من نهاية العام الماضي، حيث لم يفعل الإعلام الدولي إلا القليل لكي يشرح كيف عاش الفلسطينيون ووفروا الطعام لأنفسهم. وبخاصة في ظل القيود التي وضعتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قوافل الإغاثة الإنسانية ومنذ المراحل الأولى".

وأوضح غضب العالم للحظة على مقتل سبعة من عمال المطبخ المركزي العالمي بغارة للاحتلال الإسرائيلي، وهم جزء صغير من 200 عامل إغاثة قتلوا منذ بداية الحرب. وقد نجحت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالحد من وصول الصحافة المستقلة لغزة كتلك التي لفتت انتباه العالم لرعب بيافارا قبل 55 عاما، حتى في ظل الفضائيات التي تبث على مدار الساعة والصور المحدثة المحملة على منصات التواصل الاجتماعي. 

ويرى الكاتب أن مجاعة غزة ظللت بحكاية أخرى وطغت عليها قصة أخرى، ليس زيادة في عمليات الإغاثة، لكن أزمة الصواريخ الإيرانية-الإسرائيلية. وبالنسبة للكاتب، فإن البيانات والتقارير الصارخة عن المسيرات الإيرانية التي جاءت ردا على تدمير قنصليتها في دمشق، حولت الغزيين، الذين يدفعون ثمن الحرب، إلى بيدق في نزاع طويل يدور بين الطرفين. 


وأبرز أنه رغم صعوبة فهم الدوافع أثناء الحرب، فإن توقيت رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي للضربة على القنصلية كان هدفه حرف النظر عن الكارثة في غزة. وهناك كل الإشارات أن دولة الاحتلال الإسرائيلي خسرت معركة الرأي العام وأن نتنياهو يطيل أمد الحرب حتى لا يخسر منصبه بانتخابات جديدة. وهو ما يفسر توقيت نتنياهو للضربة على دمشق وبدون إعلام واشنطن بالضربة على أمل توريط الولايات المتحدة في حرب مباشرة مع طهران. 

وأشار إلى أن هناك الكثير من التقارير والأعمدة التي ستكتب في الصحف عن مثلث العداء الأمريكي- الإسرائيلي- الإيراني، وإذا كان الناس يموتون جوعا في غزة، فهذه هي القصة الأهم ولا عذر للإعلام ووسائل الإعلام العالمية في حرف النظر عنها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية إيران غزة إيران امريكا غزة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی

إقرأ أيضاً:

لماذا استأنفت إسرائيل الحرب على غزة؟

تروج إسرائيل إلى وجهة نظر محددة بشأن استئناف حربها على قطاع غزة، حيث تشير إلى أن هدف العملية التي أطلقت عليها اسم "جهنم" الضغط على حركة حماس لإعادتها إلى طاولة المفاوضات وإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى.

لكن كشف سياسيون عن الأسباب الخفية التي دفعت إسرائيل إلى استئناف الحرب والتي تتعارض تماماً مع وجهة النظر الإسرائيلية المتعلقة بالإفراج عن الرهائن، وذلك بعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن خلال الأسابيع الماضية.

أزمات داخلية

وقال السفير الفلسطيني السابق في القاهرة الدكتور بركات الفرا إن الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تعاني من أزمات داخلية أبرزها إقالة رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رونين بار وتداعيات هذه الأزمة على تماسك الحكومة، إلى جانب استمرار محاكمة نتانياهو في قضايا الفساد ومحاولة الهروب منها بأي طريقة من أجل لفت النظر عنها، وما دفعه إلى استئناف الحرب في غزة.

وأوضح بركات الفرا لـ24 أن حكومة نتانياهو المتطرفة تريد تحقيق أهدافها الشخصية على حساب الشعب الفلسطيني عن طريق استئناف الضربات العسكرية لصرف النظر عن أزماتها الداخلية.

كما أكد الدبلوماسي الفلسطيني أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير كشف عن نيته للعودة إلى الحكومة الإسرائيلية بشرط استئناف الحرب على قطاع غزة، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية لا يهمها إطلاق سراح الرهائن، لكنها تحقق أهدافها الشخصية فقط.

إسرائيل تغلق معبر رفح أمام المرضى والمصابينhttps://t.co/P7FOOePikA

— 24.ae (@20fourMedia) March 18, 2025 إسرائيل تقتل الأسرى

وانتقد السفير الفلسطيني السابق الدكتور بركات الفرا وجهة النظر الإسرائيلية التي تشير إلى استئناف الحرب من أجل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، في الوقت التي تشن فيه ضربات عشوائية أسفرت عن مقتل أحد الأسرى وإصابة أخرين، فالأمر متناقض تماماً ولا يعبر عن الحقيقة.

وأوضح السفير بركات الفرا أن إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب لا تهتم بالأسرى ولا تعلم شيئاً عنهم، وتم خوض المرحلة الأولى من أجل الضغوط الأمريكية فقط، ولكن بعد تزايد الأزمات الداخلية في إسرائيل، حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي على الدعم الأمريكي من أجل استئناف الحرب وإقناع الرئيس دونالد ترامب بالعمل على الإفراج عن الأسرى من أجل الضغط على حركة حماس دون الإعلان عن الأسباب الحقيقية.

وفجر اليوم، شن الجيش الإسرائيلي، سلسلة غارات عنيفة ومفاجئة على مناطق متفرقة من قطاع غزة، ما خلف مئات القتلى والجرحى.

حماس: مقتل رهينة إسرائيلي جراء قصف غزةhttps://t.co/k1C9Vyv4m5

— 24.ae (@20fourMedia) March 18, 2025

وأعلن مكتب نتانياهو اليوم استئناف الحرب في غزة، مما أسفر عن مقتل حوالي 350 فلسطينياً معظمهم من النساء والأطفال. 

توقعات بعملية برية جديدة.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شرق غزة - موقع 24أمر الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، السكان بإخلاء شرق غزة والتوجه نحو وسط القطاع، بعدما شنت إسرائيل موجة من الهجمات الجوية على جميع أنحاء القطاع.

 

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: الموقع الذي تعرض للقصف الإسرائيلي في غزة كان بمنطقة معزولة
  • سر طبق رونالدو الذي يستعد به لكأس العالم 2026
  • توخيل يشدد على أهمية روح الزمالة وبيرن يتحدث عن حظوظ إنجلترا في الفوز بلقب المونديال
  • لماذا استأنفت إسرائيل الحرب على غزة؟
  • ‏اليمنيون أبناء الموت الذي لا يموت
  • المواجهة اليمنية – الأمريكية.. جردة حساب 48 ساعة
  • الاحتلال الإسرائيلي يتحدث عن عمليات تهريب متزايدة للأسود والقرود
  • من هو المسؤول إم الذي سيكون خلفا لرئيس الشاباك الإسرائيلي
  • غزة.. تحذير حقوقي من مجاعة وتدهور صحي جراء الإغلاق الإسرائيلي
  • لفساد وفشل حكومات العراق الإيرانية .. العراق خارج تصنيف مؤشر الحرية الاقتصادية