لماذا فشلت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة؟
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
انتهت جولة المفاوضات بين حركة حماس والتحالف الصهيو-أميركي في القاهرة دون أن تحقّق شيئًا، وانبرى كل طرف لتوجيه الاتّهامات إلى الطرف الثاني، وتحميله المسؤولية عن فشل المفاوضات، وإزاء المواقف المتشددة لكلا الطرفين، باتت فرص التوصل إلى إيقاف إطلاق النار منعدمة، وعاد التحالف الصهيو-أميركي للتهديد من جديد باستخدام أشدّ أنواع القوّة لديه، من أجل إجبار حماس والمقاومة المسلحة على الإذعان لشروطه.
إنّ حركة حماس بحاجة ماسّة إلى تبنّي مشروع سياسي واضح ومحدد وقابل للتطبيق في ظلّ السياقات الإقليمية والدولية الراهنة، والتي قد تمتدّ لعشرات أو مئات السنين، مع التسليم بأن هذا التضمين لا يعني بالضرورة أنه سيقود إلى النجاح في جولة المفاوضات القادمة
البند الغائب في عرض حماس التفاوضيتمتلك حركة حماس، ومن ورائها المقاومة الفلسطينية المسلحة، ثلاث أوراق رئيسية تعتمد عليها في قوّة موقفها التفاوضي، وجعلتها تقف موقف الندّ للندّ في المفاوضات، رغم البون الشاسع بين الطرفين سياسيًا وعسكريًا، وهذه الأوراق الثلاث، هي:
القوة القتالية التي يتمتع بها المقاتلون بأبعادها الإيمانية والتأهيلية والنفسية، والتي لم يعتد عليها الكيان الصهيوني من قبل. صمود الشعب الفلسطيني الباسل، رغم حرب الإبادة الجماعية الشاملة التي يتعرض لها، ووقوفه إلى جانب المقاومة، وإصراره على الاستمرار في هذا الموقف مهما بلغ الثمن. الأسرى الصهاينة الذين لم يستطع التحالف الصهيو-أميركي حتى الآن العثور عليهم، رغم كافة المحاولات العسكرية والأمنية والسياسية التي استخدمها من أجل ذلك.هذه الأوراق الثلاث دعمت موقف حركة حماس التفاوضي بشكل كبير حتى الآن، ولكن هذا الدعم لم يمكّن حماس من فرض شروطها الجوهرية على التحالف الصهيو-أميركي، ولم تقلل من إصراره على إنهاء الوجود السياسي والاجتماعي والعسكري لحركة حماس والمقاومة المسلحة في قطاع غزة.
واستثمارًا لهذه الأوراق الثلاث، وضعت حماس شروطها التفاوضية التي اتسمت بثلاث سمات رئيسية، وهذه السمات، هي:
التمسك التام بالوقف الشامل والنهائي لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الصهيوني الكامل من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم. تبادل الأسرى، وعودة النازحين والمساعدات الإنسانية، ومرحلة ما بعد انتهاء الحرب. خلوّها من أي طرح سياسي يؤكد للتحالف الصهيو-أميركي، رغبة حماس في السلام وتعزيز الاستقرار، ويضمن له أنها لن تعود لبناء قدراتها العسكرية من جديد؛ استعدادًا لشن هجمات أخرى في المستقبل على غرار "طوفان الأقصى" و"سيف القدس"، وهذا يعني استمرار الأعمال العدائية بين الطرفين، والتي من شأنها زيادة معاناة الشعبين: الفلسطيني واليهودي، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، وإعاقة تنفيذ الخطط السياسية والاستثمارية والأمنية في المنطقة.وإذا كانت النقطتان؛ الأولى والثانية تبدوان بديهيتين، فإن النقطة الثالثة ليست بديهية على الإطلاق، فالنقطة الأولى هي جوهر العملية التفاوضية، أما الثانية فهي التي ستقدم شيئًا من التعويض للشعب الفلسطيني عن الإبادة التي تعرّض لها طيلة فترة الحرب، وتعزز صورة حركة حماس والمقاومة المسلحة في نظره.
أما النقطة الثالثة؛ فإن خلو عرض حماس منها، حتى الآن، يمكن تفسيره من طرف التحالف الصهيو-أميركي بأن حماس ستظل مصدر التهديد الأكبر للكيان الصهيوني والمشروعات الأميركية في المنطقة، وسيزيد ذلك من إصرار التحالف على القضاء على حركة حماس. وفي المقابل؛ فإن من شأن تضمين هذه النقطة في عرض حماس التأكيد على ما يأتي:
أن حماس ليست كيانًا إرهابيًا، وإنما هي كيان سياسي ترسّخت جذوره في المجتمع الفلسطيني، ويتطلع إلى الحرية والاستقرار والبناء والتنمية. أن حماس حركة تحرر قانونية تستند في مشروعية مقاومتها إلى الوثائق التاريخية الثابتة، وعلى قرارات الشرعية الدولية. أن حماس حركة فلسطينية وطنية وواحدة من المكوّنات الرئيسية للخارطة السياسية الفلسطينية، وهي تسعى لاستعادة حقوق شعبها وتحقيق أهدافه في الاستقلال والحرية، بعد أن أدار لها الاحتلال ظهره، وداس عليها بغطرسته غير مكترث لا لشرعية دولية ولا لمواثيق قانونية وإنسانية. أن حماس مستعدة لإيقاف الأعمال العدائية ضد الكيان الصهيوني بعد الحرب، والدخول في مشروع سياسي يجمع الصفّ الوطني الفلسطيني على مشروع مشترك يحقق أهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني. أن حماس ترفض الاتهامات التي يرددها أعداؤها وخصومها من أنها تريد إبادة الشعب اليهودي.وهنا ستجد حركة حماس نفسها بحاجة ماسّة وبقوّة؛ لتبنّي مشروع سياسي واضح ومحدد وقابل للتطبيق في ظل السياقات الإقليمية والدولية الراهنة، والتي قد تمتد لعشرات أو مئات السنين. وهنا ستجد حماس نفسها من جديد، أمام صيغتين رئيسيتين تتعدد أشكال كل منهما:
الأولى: صيغة حل الدولتين؛ واحدة فلسطينية وأخرى يهودية. الثانية: صيغة حل الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي.وقد أفضتُ الحديث حول هاتين الصيغتين في عدة مقالات سابقة، يمكن الرجوع إليها في هذه الزاوية من الموقع. ولكن، وبغض النظر عن التعقيدات البالغة التي تحيط بكل من هاتين الصيغتين، فإن حماس اليوم بحاجة ماسّة إلى تبنّي إحداهما ضمن أي شكل من الأشكال، ليكون منطلقها السياسي في المرحلة القادمة، وتضمين ذلك في عرضها التفاوضي. مع التسليم بأن هذا التضمين لا يعني بالضرورة أنه سيقود إلى النجاح في جولة المفاوضات القادمة، أمام هذا الإصرار العجيب على القضاء على حركة حماس.
إن إصرار التحالف الصهيو-أميركي على شرط إيقاف مؤقت لإطلاق النار، يشير إلى أن ما يجري على الأرض، إنما هي خطوات تنفيذية في خطط ما بعد الحرب، التي لم يعلن قادة التحالف عنها بشكل واضح حتى الآن، ولا عن الأهداف التي تعمل على تحقيقها
الشرط المتوحّشعمل التحالف الصهيو-أميركي كثيرًا على إحراق أوراق الضغط التفاوضية الثلاث التي تملكها حركة حماس: (القوة القتالية، والصمود الشعبي، والأسرى)، ولما عجز عن الفوز بأي منها، لجأ إلى رفضِ شرطِ حماس، الإيقاف الدائم لإطلاق النار والانسحاب من جميع الأراضي التي احتلها جيش الكيان الصهيوني، وأصرّ على إيقاف مؤقت يحرق له هذه الأوراق على النحو التالي:
تحرير الأسرى ضمن صفقة تبادل يتم الاتفاق على تفاصيلها. تحييد المدنيين، وعزلهم في مراكز إيواء آمنة تتوفر فيها الخدمات الإغاثية الأساسية تحت إشراف الأمم المتحدة. معاودة القتال ضد حماس وفصائل المقاومة المسلحة بأشد مما كان عليه الوضع في السابق بأضعاف مضاعفة، بحيث يتم القضاء عليها أو إجبارها على الاستسلام.
وبإصرار حماس على رفض شرط الإيقاف المؤقت لإطلاق النار، يكون التحالف الصهيو-أميركي قد فشل من جديد في إحراق الأوراق الثلاث عن طريق التفاوض، كما فشل من قبل عن طريق القتال.
ولذا نجده قد عاد ليتحدث بشكل أكثر وضوحًا من قبل عن ضرورة تسليم حماس للأسرى دون قيد أو شرط، وعن إلقاء حماس السلاح والاستسلام، وعن الاستعداد الكبير لمعركة رفح القادمة، وفي حال حدوث ذلك؛ فهو يعني أنه لن يكون هناك جولات مفاوضات جديدة.
إن الإصرار على هذا الشرط الصهيو-أميركي المتوحش، يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن ما يجري على الأرض، إنما هي خطوات تنفيذية في خطط ما بعد الحرب التي لم يعلن قادة التحالف الصهيو-أميركي حتى الآن بشكل واضح عن طبيعة هذه الخطط والأهداف التي تعمل على تحقيقها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات لإطلاق النار هذه الأوراق حرکة حماس حتى الآن أن حماس من جدید
إقرأ أيضاً:
هآرتس: إسرائيل وليست حماس هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
قالت صحيفة هآرتس في مقالها الرئيسي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكذب عندما يبرر استئنافه الحرب على قطاع غزة برفض حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إطلاق سراح بقية الأسرى المحتجزين لديها.
وأفادت أن نتنياهو دفع المطلوب لعودة وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير إلى الحكومة مقدما، "ولكن ليس من جيبه الخاص، بالطبع، بل من دماء 59 أسيرا (إسرائيليا) الذين قد يكون مصيرهم قد حُسم باستئناف الحرب..".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وليام هيغ: لست معجبا لكن تأثير ترامب قد يكون إيجابياlist 2 of 2ما الذي قد يحدث إذا أصر ترامب على تطبيق أوامره التنفيذية؟end of listومما يجدر ذكره أن حزب الليكود بقيادة نتنياهو أعلن أن حزب "القوة اليهودية" بزعامة بن غفير سيعود إلى الائتلاف الحكومي، وذلك بالتزامن مع شنّ إسرائيل يوم الثلاثاء ضربات جوية واسعة خلفت ما يزيد على 400 شهيد فلسطيني.
وكان حزب "بن غفير" قد انسحب من الائتلاف في يناير/كانون الثاني احتجاجا على الهدنة مع حركة حماس في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي بيانه الذي أصدره الثلاثاء، زعم مكتب نتنياهو أن استئناف الهجمات على غزة جاء بعد رفض حركة حماس "مرة تلو أخرى إعادة مخطوفينا، وكذلك رفضها كل المقترحات التي تلقتها من المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف والوسطاء".
ولكن صحيفة هآرتس كتبت في مقالها أنه يجب القول، "بصوت عالٍ وواضح"، إن ما ورد في ذلك البيان "كذب"، وأكدت أن إسرائيل، وليست حركة حماس، هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية.
إعلانوأردفت القول إن مكتب رئيس الوزراء كذب مرة أخرى عندما ذكر في بيانه أن الهدف من استئناف العدوان هو تحقيق أهداف الحرب كما حددتها القيادة السياسية، ومن بينها الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، أحياءَ كانوا أم أمواتا.
إسرائيل أخلفت وعدها بالانسحاب من محور "فيلادلفيا"، وقررت منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وإغلاق المعابر الحدودية
وحذرت من أن الضغط العسكري الذي تمارسه إسرائيل ضد حركة حماس يعرِّض أرواح الأسرى والجنود الإسرائيليين وسكان غزة أيضا للخطر، ويؤدي إلى تدمير ما تبقى من القطاع الفلسطيني.
ولفتت إلى أنه كان من المفترض أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى التي كان من المقرر أن تنتهي بالإفراج عن جميع الأسرى المتبقين في غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية هي التي رفضت ذلك.
وأضافت أن إسرائيل أخلفت وعدها بالانسحاب من محور "فيلادلفيا"، وقررت منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وإغلاق المعابر الحدودية.
وخلصت الصحيفة إلى أن نتنياهو تخلى عن الأسرى لإنقاذ حكومته من الانهيار، ولم يعد هو ولا أعضاء ائتلافه الحاكم يكترثون لغضب عائلات الأسرى، "فبالنسبة لهم أن ما يهم هو الموافقة على ميزانية الدولة".