بيروت- في إطار التصعيد العسكري المستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول بين حزب الله وإسرائيل على طرفي الحدود، اتبع حزب الله تكتيكات عسكرية معينة عبر استهداف أهداف حيوية إسرائيلية بالقصف، وتحديدا أبراج المراقبة والتجسس، إضافة إلى المقرات العسكرية والأمنية، والتي لا يمكن للجيش الإسرائيلي الاستغناء عنها في جمع المعلومات قبل شن الهجمات.

فمنذ اليوم الأول لفتح الجبهة الجنوبية دعما للمقاومة في غزة، باشر حزب الله باستهداف كاميرات المراقبة والتجسس على طول الحدود بموازاة الخط الأزرق، بهدف فقء عيون إسرائيل وجعلها كفيفة، وشل قدراتها على المراقبة ورصد المقاتلين وتحركاتهم، وصولا الى ضرب القواعد ولا سيما قاعدة ميرون التي تشكل عينا على كامل منطقة البحر المتوسط لجهة لبنان وسوريا والأردن وتركيا وقبرص وغيرها من المناطق.

وفي هذا السياق، استعرضت الجزيرة نت مع منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية العميد منير شحادة، والخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، أهمية هذه الضربات على المستويات العسكرية والاستخبارية والجبهة الداخلية الإسرائيلية، ودلالاتها وتبعاتها على الحرب الدائرة.

أهمية كبيرة

في بداية الحرب في جنوب لبنان، كان استهداف أعمدة المراقبة مصدر سخرية للعديد من الفرقاء سواء كانوا داخليين أو خارجيين وفق العميد منير شحادة.

ولكن، يرى شحادة أن استهداف هذه الأعمدة التي تنتشر على طول الخط الأزرق بين الحدود اللبنانية وفلسطين المحتلة، ابتداء من الناقورة على الساحل وصولا إلى الوزاني؛ تحمل أهمية كبيرة؛ إذ تتضمن تقنيات عالية من التجهيزات الفنية، بما في ذلك كاميرات مراقبة حديثة وذكية.

ويضيف شحادة "يصل ثمن إحدى الكاميرات الذكية إلى مليون ونصف مليون دولار، على سبيل المثال. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي على أجهزة مراقبة للتنصت على الاتصالات الهاتفية سواء كانت أرضية أو خلوية، ورادارات تشويش وكاميرات حرارية، إلى جانب أجهزة اتصال تربط هذه الأعمدة بالقاعدة العسكرية في ميرون الموجودة على جبل الجرمق".

وتعتبر قاعدة ميرون التي صنفتها إسرائيل بالمرتبة الخامسة إستراتيجيا؛ قاعدة تحكم جوي مسؤولة عن الجبهة الشمالية لإسرائيل، ويبلغ ارتفاعها 1200 مترا عن سطح البحر، في أعلى قمة الجرمق. وهي واحدة من قاعدتين أساسيتين في فلسطين المحتلة، والأخرى هي "متسبيه رامون" جنوبا.

ويشرح شحادة للجزيرة نت، أن قاعدة ميرون مخصصة للتحكم وتسيير العمليات الجوية في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وتتمكن من مراقبة حتى تركيا، قبرص، سوريا، والأردن. كل هذه الجبهات تتحكم فيها هذه القاعدة جويا، أي أنها تدير أي عمليات جوية، سواء كانت طائرات مسيّرة أو حربية، ضمن المهام الموكلة إليها في الجبهة الشمالية.

ويتابع "نظرا لأهميتها، قام حزب الله منذ بداية الحرب باستهداف هذه القاعدة الهامة بتوجيه ضربات تقنية متعددة لشل قدرتها على الرصد والتشويش والتجسس. ويعد ذلك دليلا على قدرة حزب الله على ضرب بطاريات القبة الحديدية دون إطلاق أجهزة الإنذار، بسبب تعطيلها لكل هذه التقنيات على هذه الأعمدة وفي قاعدة ميرون الجوية".

وأوضح شحادة أن حزب الله قام آخر مرة بقصف الرادار في محيط قاعدة ميرون، وهو مخصص لمراقبة القصف المدفعي والصاروخي. هذا الرادار أميركي ويقوم بتحديد أماكن إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية بدقة فائقة، حيث يرسل فورا المعلومات إلى القاعدة الجوية، التي بدورها ترسل طائرة مسيّرة أو طائرة حربية لقصف مكان إطلاق هذه الصواريخ.

لحظة إطلاق أحد عناصر حزب الله لصاروخ كورنيت المضاد للدبابات نحو أهداف إسرائيلية (مواقع التواصل) هجوم مركب

ويقول منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية للجزيرة نت "عندما قصفت المقاومة القاعدة للمرة الأولى، أدركت إسرائيل فورا أهميتها، وبادرت إلى إطلاق منطاد بديلا عنها"، مشيرا إلى أن المقاومة استهدفت القاعدة ذاتها 7 مرات من أجل شل عملها التجسسي.

وأكد شحادة على أهمية استهداف هذه الأبراج وهذه الأعمدة وقاعدة ميرون لفقء عين الاستطلاع الإسرائيلي والمراقبة والتشويش على العمليات الجوية، وهو ما يؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية، ويفسح المجال أمام حزب الله لتنفيذ هجوم مركب، وأكبر دليل على ذلك عملية عرب العرامشة، حين شن هجوما مركبا بالطائرات الانقضاضية والصواريخ الذكية "الماس وفلق" وألحق بإسرائيل خسائر فادحة

من جانبه، يعتبر الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، أن استهداف أبراج المراقبة الاستخباراتية والتجسسية التي هي بمثابة عين إسرائيل المتقدمة لرصد ومراقبة حزب الله، من الطبيعي أن يمنع إسرائيل من متابعة التحركات بواسطة أجهزة التنصت أو كاميرات التصوير والمراقبة المباشرة، وبالتالي تحديد الأهداف، مشيرا إلى أن "العدو عندما يتأقلم مع الضربات، يعاود حزب الله تغيير أسلوبه مثلما فعل في عرب العرامشة".

ويضيف "إذا كرر الحزب هذا الأمر واتّبعه، فذلك سيدل على أن لديه إمكانية في تحقيق النجاح بمنع إسرائيل من الوصول للاستخبارات وجمع معلومات، ومن جهة ثانية يكون الحزب هو من درس فعلا كيف تعمل العقيدة العسكرية الإسرائيلية من التنصّت والاستخبارات والاستعلام".

أمثلة على الهجمات

ونفذ حزب الله على طول الخط الحدودي الممتد من رأس الناقورة وصولا إلى مزارع شبعا، والذي يمتد لنحو 120 كيلومترا، منذ بداية طوفان الأقصى مئات العمليات التي استهدفت جميع الأبراج وأجهزة التجسس. وكانت إسرائيل تعاود تركيبها.

ففي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلن حزب الله أنه استهدف برج الاتصالات في موقع "بركة ريشا" العسكري الإسرائيلي قبالة القطاع الغربي جنوب لبنان. وفي السادس من يناير/كانون الثاني 2024 أعلن حزب الله استهدافه للمرة الأولى قاعدة "ميرون" للمراقبة الجوية بـ62 صاروخا من أنواع متعددة أوقع فيها إصابات مباشرة في إطار الرد الأولي على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.

وفي 14 أبريل/نيسان الجاري استهدف حزب الله التجهيزات التجسسية في موقع الرادار ‏في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، بينما استهدف في 18 من الشهر نفسه رادار "إيه إن/تي إي كيو-37" (AN/TEQ-37) للسطع المدفعي الذي يعمل على كشف المقذوفات والصواريخ وتحديد مصادر النيران في وحدة المراقبة الجوية في قاعدة ميرون.

وفي 21 أبريل/نيسان الجاري وبعد قيام قوات الاحتلال باستبدال التجهيزات التجسسية المستهدفة في موقع "مسكاف عام"، ‏استهدفها ‏‏‏حزب الله؛ وهو ما أدى إلى تدميرها مجددا. وفي اليوم التالي استهدف حزب الله التجهيزات التجسسية مقابل قرية الوزاني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات قاعدة میرون هذه الأعمدة حزب الله

إقرأ أيضاً:

مسؤول بالدفاع المدني بغزة للجزيرة نت: الاحتلال يرتكب جرائم إعدام ميداني

غزة- اتهم رئيس "لجنة التوثيق والمتابعة" في جهاز الدفاع المدني بقطاع غزة الدكتور محمد المغير دولة الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم ممنهجة، تهدف إلى إسقاط منظومة الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني، وهي آخر منظومات العمل والتدخل الإنساني في القطاع.

ولتحقيق هذه الغاية، يقول المغير -في حوار خاص مع الجزيرة نت- إن الاحتلال يرتكب جرائم إعدام ميداني بحق طواقم الاستجابة الإنسانية من الإسعاف والدفاع المدني، التي تمثل عنوانا للحياة والاستجابة لنداءات الاستغاثة، بهدف "رفع فاتورة ضحايا الحرب المستعرة التي يكتوي بنيرانها زهاء مليونين و400 ألف فلسطيني في القطاع منذ اندلاعها عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023″.

واعتبر المغير أن جريمة اغتيال 15 فردا من مسعفي وعناصر الدفاع المدني وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وبينهم موظف محلي يتبع للأمم المتحدة، تأتي في سياق المخطط الإسرائيلي الهادف إلى جعل القطاع بدون أي استجابة إنسانية، واغتيال كل فرص الحياة فيه.

إعدام ميداني

بعد نحو أسبوع من إعدامهم ميدانيا، وإثر تنسيق معقد توسطت به هيئة دولية مع الاحتلال، تمكنت طواقم محلية من انتشال 9 مسعفين تابعين لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، و5 من عناصر الدفاع المدني، وموظف محلي في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كانت قوات الاحتلال أعدمتهم ميدانيا في حي تل السلطان غرب مدينة رفح.

إعلان

وإثر معاينة الجثث في مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، أعلنت وزارة الصحة بغزة أن "بعض جثامين المسعفين كانت مقيدة وبها طلقات بالصدر ودُفنت في حفرة عميقة لمنع الاستدلال عليها".

ويؤكد المغير، الذي نجا بنفسه من استهدافات إسرائيلية ميدانية خلال شهور الحرب، أن هذه الجريمة ليست الأولى التي تتعرض لها طواقم الدفاع المدني خلال عملها في الميدان، وتلبيتها لنداءات الاستغاثة من ضحايا الحرب، التي حصدت أرواح 112 شهيدا وجرحت مئات آخرين، في حين لا يزال 10 من عناصر الدفاع المدني أسرى في سجون الاحتلال.

وقال إن "طواقمنا تعمل في وسط مرعب تفرض فيه قوات الاحتلال أجواء من الإرهاب، وتمارسه فعليا بارتكاب جرائم قتل بحق هذه الطواقم الإنسانية التي تنص كافة القوانين والمواثيق الدولية على حمايتها في كل الأوقات، وعلى احترام الشارة المميزة على الأجساد والمركبات، حتى في أوقات الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة".

بيد أن العكس هو ما تمارسه قوات الاحتلال منذ اندلاع هذه الحرب غير المسبوقة على القطاع، والتي حطمت فيها كل المعايير والمواثيق والمحرمات، وكان خلالها لمنظومة الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني الدور الأبرز في مجابهة القتل بتقديم يد العون والمساعدة للضحايا، رغم قلة العدد والعدة، والكثير من التحديات.

جهاز الدفاع المدني تلقى منذ اندلاع الحرب أكثر من نصف مليون نداء استغاثة وقام بنحو 380 ألف مهمة إنسانية (الجزيرة) مهام معقدة

وفي مؤشر على حجم الضغط الهائل والمسؤوليات الجسام المنوطة بجهاز الدفاع المدني، يقدر المغير أن الجهاز تلقى منذ اندلاع الحرب أكثر من نصف مليون نداء استغاثة، وقام بنحو 380 ألف مهمة إنسانية، في حين لم يتمكن من تلبية باقي النداءات بسبب منع الاحتلال وصول الطواقم لأماكن الاستهداف بالتهديد وقوة النيران.

وأوضح المسؤول بالدفاع المدني أن ما أنجزه الجهاز خلال الحرب أشبه بـ"مهام مستحيلة"، استنادا إلى ما يعانيه من نقص في الكوادر البشرية والمادية، حتى قبل اندلاع هذه الحرب، جراء سنوات الحصار الطويلة، ومنع الاحتلال إدخال الاحتياجات الأساسية من آليات ومركبات ومعدات بدلا من القديمة والمهترئة.

إعلان

ويقول المغير، الذي يتولى أيضا إدارة "الإمداد والتجهيز" في جهاز الدفاع المدني، إن عدد منتسبي الجهاز وقت اندلاع الحرب كان 792 على مستوى القطاع، وهو أقل بكثير مما تنص عليه البروتوكولات العالمية قياسا مع عدد السكان، ورغم ذلك كانوا "جنودا شجعانا، وتحدوا الصعاب وعملوا في ظل ظروف خطرة وقاسية".

وفي سبيل قيامهم بمهامهم الإنسانية وعدم مغادرتهم أماكنهم والاستعداد الدائم لتلبية نداءات الاستغاثة، نالهم الكثير من الأذى، قتلا وجرحا واعتقالا، ولا يزالون يصلون الليل بالنهار متعالين على حالة الإنهاك الشديدة التي يعانون منها جراء شهور الحرب الطويلة والجرائم المتلاحقة.

الاستهدافات المتكررة كبدت جهاز الدفاع المدني خسائر بنحو 30 مليون دولار وأفقدته قرابة 75% من مقدراته (الجزيرة) خسائر الاستهدافات

ويقدر المغير أن الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمقدرات جهاز الدفاع المدني، بالقصف والتدمير، كبدت الجهاز خسائر مادية بنحو 30 مليون دولار، وفقد بسببها قرابة 75% من مقدراته.

وتفصيلا لهذه الجرائم الممنهجة بحق هذا الجهاز، أوضح أن الاحتلال دمر 15 مركزا من أصل 18، و54 مركبة متنوعة من أصل 79 على مستوى القطاع.

ومن أجل ضمان استمرار تقديم الخدمة، أطلق المغير نداء استغاثة للمجتمع الدولي والهيئات والمنظمات الإنسانية المتخصصة بالاستجابة العاجلة لإنشاء مراكز دفاع مدني ميدانية أسوة بالمستشفيات الميدانية، ومحطات كتلك التي تقام بشكل طارئ في المناطق المنكوبة جراء الكوارث الطبيعية، وعدم انتظار لحظة انهيار المنظومة الإنسانية بكاملها في قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • إعلام عبري: الجيوش النظامية لمصر وإيران وتركيا تهدد وجود إسرائيل
  • مسؤول بالدفاع المدني بغزة للجزيرة نت: الاحتلال يرتكب جرائم إعدام ميداني
  • الأونروا: حجم النزوح في الضفة الغربية يصل إلى مستويات غير مسبوقة
  • البيئة تناقش مستجدات إعداد الدليل الإرشادي لنظام الرصد والإبلاغ والتحقق (MRV)
  • مدير عام مجمع ناصر الطبي للجزيرة نت: الاحتلال يستهدف المستشفيات لإيجاد بيئة طاردة
  • وزارة البيئة تترأس اجتماع مجموعة عمل إعداد نظام الرصد والإبلاغ والتحقق (MRV)
  • انتصار الجيش في الخرطوم وضع الدعم السريع في اول سلم الانهيار
  • أسير محرر للجزيرة نت: الموت هو العنوان الأبرز بسجون الدعم السريع
  • المسند يوضح حقيقة قدرة الحيوانات على التنبؤ بالزلازل
  • قائد قوات درع السودان للجزيرة نت: نحتفل بالنصر والحسم يقترب بدارفور