#رسائل_بالأسلحة #وردود_راشدة – د. #منذر_الحوارات
غرق شهر نيسان هذا العام بالترقب والتوجس وتوقع ما هو أسوأ وربما ما هو أحسن، بعد انطلاق الحدث من شارع المزة بتدمير قنصلية إيران، وما تلاه من تهديد ووعيد ترجم نفسه في الثالث عشر من نيسان عندما تلألأت السماء بـ350 صاروخاً ومسيرة إيرانية توقع جميع من تابعها أن لحظة الوعد الإيراني بزاول إسرائيل قد أزفت، وانتظر العالم لحظة الإعلان عن هذه الحقيقة لكن المفاجأة الكبرى أن هذا الوعد لم يتحقق ولا حتى بعضاً منه، فكانت الصدمة لدى الكثيرين ممن وضعوا آمالهم على قدرة إيران في إحداث فارق لمصلحة الفلسطينيين في هذا الصراع الدامي الممتد لأكثر من قرن كانت فيه القوة والهيمنة هي المحدد الأول والرئيسي.
هذه الصدمة بانعدام الأثر العسكري الواضح لتلك الضربة جعلت تأويل الحدث سيد الموقف للوصول إلى حقيقة ما جرى، أولها كان بأن ثمة مؤامرة حصلت وأن كل ما حدث ليس سوى تمثيلية أُحسنت فصولها، وهذا القول يجانب الواقع، إذ لا يُعقل أن تطلق دولة على أخرى هذا الكم من الصواريخ وهي تضمن تماماً أن الأهداف المقصودة لن تصاب أبداً بالتالي فإن فرضية التمثيلية تسقط من تلقاء نفسها، لأن هاتين الدولتين تتنافسان على النفوذ في المنطقة وبالتالي فكرة الصراع بينهما واردة جداً، الطرف الثاني قال إن هذا يُعتبر سقوطا لقوة الردع الهجومية الإيرانية وهي التي روّجت لصواريخها وقدرتها على توجيه ضربات قاصمة لأي خصم لعقود من الزمن، وبالتالي فإن تساقطها بهذه الطريقة يعتبر سقوطاً لكل تلك الادعاءات الإيرانية وهذا الكلام يمكن للعسكريين أن يقرروه، لكن النتائج على الأرض لا تشير إلى تأثير كبير لهذه الصواريخ الإيرانية، أما الطرف الثالث فقد ذهب في الاتجاه المعاكس وأكد قوة الدفاعات الجوية لدولة الاحتلال، وهذا طبعاً لا يمكن إنكاره وهو حقيقة أكدها ارتفاع أسهم الشركات المنتجة لأنظمة هذه الدفاعات بنسب كبيرة ، لكن ما لم يُشر إليه هذا الرأي هو قوة تدخل التحالف الغربي الداعم لإسرائيل، فقد أُسقط 55 ٪ من مجموع هذه المقذوفات بواسطة قوات الحلفاء حيث مرت المقذوفات على 32 محطة رصد تابعة للقوى الغربية الداعمة لإسرائيل.
ولا بد من الإشارة هنا إلى المفاوضات المضنية التي قادتها الولايات المتحدة بواسطة سلطنة عُمان والسفير السويدي الذي حمل الرسائل ذهاباً وإياباً بين إيران والولايات المتحدة أدى إلى الحد من خطر المواجهة في المنطقة، وهذه الأخيرة وضعت حصول مواجهة كخط أحمر لا يجب حصوله تحت أي ظرف لعدة أسباب أولها أن الرئيس الأميركي يرى أن انخراط الولايات المتحدة في صراع إقليمي سيؤدي إلى التقليل من فرصته الانتخابية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تنبهت الولايات المتحدة إلى أن إيران قامت مباشرة بعد ضرب قنصليتها باحتجاز سفينة إسرائيلية في مضيق هرمز، وتلك رسالة التقطها بايدن على أنها تهديد إيراني بإغلاق المضيق وهذا بالنسبة لبايدن خطير لأنه سيرفع أسعار النفط ومشتقاته وهذا خطر من ناحيتين الأولى انه سيرفع نسب التضخم في العالم وأميركا وبالتالي يضغط على الناخب الأميركي وهذا سينعكس سلباً على التصويت لبايدن والثاني أنه سيزيد التدفقات المالية على الرئيس بوتين مما يعزز إمكانيات استمراره في الحرب مع أوكرانيا، طبعاً إيران البراغماتية والذكية سياسياً أدركت هذه المعادلة والواضح أنها تعاملت معها بما يخدم مصالحها والأكيد أنها تحتفظ بجملة كبيرة من الطلبات نتيجة لفهم هذه المعادلة والتعامل مع مقتضياتها.
مقالات ذات صلة سرّاق حنّه ( الحناء) أمه 2024/04/23في الجانب الآخر حبست المنطقة أنفاسها حول ماهية الرد الإسرائيلي والذي جاء غامضاً تماماً على منطقة أصفهان فقد كان الغموض الإستراتيجي سيد الموقف بحيث لا يُفهم إلا من السياق أن إسرائيل هي الفاعل والتي أكد الجميع أن الموساد هو من قام بها وليس جيش الاحتلال مما يعطي إسرائيل القدرة على التنصل وبالتالي تبقي حقها في الرد قائماً، وبالتالي مزيداً من الضغط على الرئيس بايدن، إذاً ضربتان بنتائج معنوية لم تؤثر أبداً في القواعد المتبعة سابقاً، وأثبتت هذه الردود حجم الرشد الذي يتمتع به كلا الطرفين وبأن قواعد اللعبة السابقة صامدة بواسطة الأذرع وساحات الآخرين ولم تتغير قيد أُنملة، وأثبتت أن القدس وفلسطين ودماء أبنائها ليست أولوية إيرانية بقدر ما هي أداة من أدوات التنافس، ومن جملة ما أثبتت أيضاً إمكانية التفاهم بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل لذلك فلا يُستبعد إذا ما فاجأتنا الأخبار بمباحثات إيرانية إسرائيلية برعاية أميركية.
أما ما بعد هذه الرسائل المشفرة بالصواريخ والمسيرات وبعد هذا الرشد الإستراتيجي كان لا بد أن تحط هذه الصواريخ والقذائف الإسرائيلية رحالها في مهاجعها حيث الدماء رخيصة والأرض مستباحة والسيادة مفقودة، نعم لقد عادت الصواريخ الإسرائيلية لتكمل الحساب مع غزة في رفح وفي دمشق وفي بغداد حيث يغيب الرشد والحسابات الإستراتيجية، وتعود قفازات إيران لتحرك أدواتها تارة بالطائفة وتارة أخرى بالقدس والوعود بتحريرها، أما معادلات الربح والخسارة فهي تعرف طريقها إلى أين.
الغد
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
إيران الأمريكية بعد الحرب
ما الذي يخيف الولايات المتحدة من إيران أم أن التخادم بين الطرفين هو تجسيد لعلاقة قديمة، لم تقطع الأزمات خيوطها بالرغم من أن إيران الخمينية فعلت ما في وسعها لإقلاق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟
بعد وصول الخميني إلى طهران عام 1979 إثر سقوط دولة الشاه محمد رضا بهلوي انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين. كان ذلك قراراً إيرانياً نُفّذ على أيدي طلاب من أتباع خط الإمام، وكان أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الأسبق واحداً منهم. احتل أولئك الطلاب مبنى السفارة الأمريكية واعتبروا جميع موظفيها رهائن.فشلت محاولة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لإطلاق سراح أولئك الرهائن. أما حين تم إطلاق سراحهم بعد 444 يوماً فإن العلاقات بين الطرفين وصلت إلى الصفر الذي لا رجعة عنه بعد أن صار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" هو شعار المستقبل الشعبوي.
ولكن تلك الصورة بكل سوداويتها لم تكن تمثل الحقيقة كلها. كانت الولايات المتحدة حريصة على ألاّ تخسر إيران حربها ضد العراق في ثمانينات القرن الماضي بالرغم من أن العراق كان قد استثمر الكثير من أجل تحسين علاقته بها. كانت فضيحة "إيران غيت" قد وضعت أوراق ذلك التعاون على الطاولة. وهو تعاون، خططت الولايات المتحدة من خلاله لتدمير العراق بعد ربع قرن من الفضيحة.
وإذا قلت إن السياسة الأمريكية تضع إيران في مستوى من الرعاية يقترب من المستوى الذي تحظى به إسرائيل قد يتهمني البعض بالمبالغة إذا كان محايداً، أما إذا كان منحازاً لإيران فإن ذلك البعض سيعتبرني مغرضاً ومن مروّجي الشائعات التي تهدف إلى تشويه صورة إيران المقاومة. وفي الحالين فإن هناك نوعاً من الاستهانة بحقائق الصراع الذي يدور من حولنا وصارت منطقتنا حقل تجارب له.
عبر أكثر من أربعين سنة وضعت إيران الخمينية القضية الفلسطينية في مقدمة لائحة اهتماماتها. كان ياسر عرفات أول المخدوعين بتلك الغزوة الشعبوية. ولكن القضية نفسها لم تشهد أيّ تطور إيجابي بسبب الحماسة الإيرانية. ما رأيناه يمكن أن نجد خلاصته في التعاون الإيراني الذي يسّر للولايات المتحدة احتلال العراق الذي كان مقدمة لتسهيلات أمريكية قُدمت لإيران من أجل ترسيخ مشروعها التوسعي الذي بدأ في لبنان ووجد له أرضاً ممهدة في العراق ومن ثم انتقل إلى سوريا واليمن.
لم تقع إسرائيل على خريطة التوسع الإيراني. ماتت دول عربية ولم تمت إسرائيل. كان ذلك مصدر اطمئنان على المستوى الأمريكي الذي كان يعرف سلفاً أن المحتوى العقائدي لثورة الخميني لا ينظر بارتياب إلى إسرائيل بالقدر الذي ينظر من خلاله إلى الدول العربية. كانت الإستراتيجية الأمريكية واضحة في تبني المشروع الإيراني أو على الأقل غض النظر عنه.
ولو تُركت الأمور للعقل السياسي الأمريكي لاستمرت إيران في تثبيت احتلالها لأربع دول عربية. بل لتُركت تعبث بأمن دول الخليج العربي واستقرارها غير أن دخول إسرائيل على الخط من حيث كونها جهة متضررة صنع معادلة جديدة، صارت الولايات المتحدة مضطرة بسببها للتخلي عن بعض ثوابتها الممعنة في الحرص على المصالح الإيرانية.
لقد حدث شرخ في العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية يوم أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، غير أن حرب غزة كانت مناسبة لإعادة الأمور إلى نصابها بعد أن شعرت الولايات المتحدة أن سياستها المحابية لإيران قد أدت إلى خروج الأوضاع في الشرق الأوسط عن السيطرة. فليست هناك حدود واضحة للأطماع الإيرانية.
من خلال إشعال جبهتي غزة والجنوب اللبناني سعت إيران إلى سرقة الوقت أولاً وتأكيد قدرتها على التحكم بالأوضاع في المنطقة من خلال تهديد أمن إسرائيل ثانياً. كل ذلك من أجل فرض الشراكة الإستراتيجية على إسرائيل برضا أمريكي. غير أن ذلك الهدف باء بالفشل بعد أن أدارت إسرائيل الحرب لصالحها وهو ما جعل الولايات المتحدة، والدول التي تدور في فلكها، تعتبر أن حرب إسرائيل هي حربها.
والآن بعد أن منيت إيران بالهزيمة فإن الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها من أجل أن تقلل من حجم الخسائر الإيرانية لكن ليس على حساب إسرائيل. سيصطدم ذلك المسعى بالتأكيد برفض إسرائيلي. لذلك يمكن القول إن إيران نجحت في سرقة الوقت من أجل استمرار مشروعها النووي حين منعت الولايات المتحدة إسرائيل من توجيه ضربة مباشرة له، غير أن هيمنتها على المنطقة صارت محل شك بعد أقرت الولايات المتحدة أن ذلك يشكل خطراً على إسرائيل.