على ضفة نهر هدسون الغربية فى حى منهاتن تقع واحدة من أقدم الجامعات الأمريكية وأعرقها، وهى جامعة كولومبيا التى تأسست عام ١٧٥٤. تعد جامعة كولمبيا ذات تاريخ عريق، وسمعة أكاديمية وبحثية متميزة. للجامعة تراث معمارى، وبهاء يلفت نظر كل من زارها، ناهيك عن مكتبتها التاريخية النادرة. كل شىء فى كولومبيا يدل على العراقة، والرقى، والإبداع.
جامعة كولومبيا هى جامعة إدوارد سعيد التى شهدت مولد كتاب الاستشراق وغيره من إسهامات سعيد الفلسفية والنقدية، وبها أحد أهم برامج دراسات الشرق الأوسط فى الولايات المتحدة، كما أنها تزخر بوجود عدد من الدارسين المرموقين فى الدراسات العربية والإسلامية من أمثال رشيد الخالدى، وحميد دباشى، ووائل حلاق، وليلى أبو لغد، وجوزيف مسعد، وتوفيق بن عمر وغيرهم.
كذلك كانت سمعة الجامعة تسبقها فى توفير منصات وفضاءات للنقاش والتوعية، وتعزيز فهم أعمق وأكثر حيادية لقضايا الشرق الأوسط، وفى الدفاع عن قضايا الحريات والحقوق، وذلك من خلال الفعاليات الأكاديمية والثقافية، والأنشطة الطلابية.
هكذا كانت جامعة كولمبيا حتى بداية أحداث غزة. لقد تغير الحال، وتبدلت السياسات الجامعية على نحو درامى وصادم خلال شهور قليلة فى ظل حملات الإرهاب الفكرى، و«محاكم التفتيش»، وموجة المكارثية الجديدة التى تشهدها الجامعات الأمريكية فيما يتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية، والتنديد بالإبادة التى يتعرض لها قطاع غزة.
ففى يوم الخميس الماضى، وللمرة الثانية فى تاريخ الجامعة العريقة (كانت المرة الأولى عام ١٩٦٨)، تدخل الشرطة إلى حرم الجامعة، وتعتقل ما يزيد عن مئة طالب وطالبة بعد أن استدعتها إدارة الجامعة لإخلاء مخيم صغير فى حديقة الجامعة، للمتظاهرين تعبيرًا عن التضامن مع غزة، فى مشهد مخزٍ يمكن مشاهدته على منصات وسائل التواصل الاجتماعى. وذلك فى أعقاب تعهّد رئيسة الجامعة نعمت شفيق (من أصل مصرى) بعقاب الطلاب الذين يحتجون فى حرم الجامعة بلا تصريح. وكانت إدارة الجامعة قد علّقت فى وقت سابق نشاط عمل مجموعتين طلابيّتين هما: «طلاب من أجل العدالة فى فلسطين»، و«الصوت اليهودى من أجل السلام»، بداعى القيام باعتصام دون تصريح.
كل إجراء وقح يقيد الحريات فى الجامعات الغربية، لابد أن يتناسب ويتوافق مع القانون، وهذه رزيلة من رذائل الحداثة الغربية، وقيم الدولة الحديثة فى الثقافة الغربية. التهمة السخيفة التى استغلتها إدارة الجامعة والشرطة هى «التعدى على ممتلكات الغير!». يا لها من تهمة أمريكية الثقافة بامتياز، ففى الثقافة الأمريكية يمكن لأحدهم قتلك بالرصاص إذا وجدك فى حديقة منزله، وشك فى أسباب وجودك أو مصادفة وجودك.
وفى محاولة للتأكد من حدسى حيال تحيز منصات الذكاء الاصطناعى الراهنة، سألت تشات جى. بى. تى: ماذا يحدث فى جامعة كولومبيا، وهل هناك اضطرابات واعتقالات للطلاب؟ وكانت الإجابة، لا يوجد لدى معلومات حول هذا الأمر، عليك أن تتواصل مع إدارة الجامعة للحصول على معلومات موثقة، فأضفت أن الصحف الأمريكية قد قامت بالفعل بتغطية الأحداث، فكانت الإجابة: تواصل مع الصحف للحصول على هذه المعلومات. هذا يحدث فقط فى القضايا التى تخالف السائد والمقبول فى العقل الغربى، وما دون ذلك فعادة ما تكون الإجابة متوقعة.
تحدثت هاتفيا إلى صديقى الذى يدرّس بجامعة كولومبيا لأكثر من ربع قرن، وطلبت منه استيضاح الصورة، وكيف تحولت الأوضاع فى الجامعة العريقة على هذا النحو، فأجابنى بالتعبير المصرى، إنها «مسخرة» لم يشهدها طوال سنوات عمله فى الجامعة، ولكن ما جعله مطمئنا هو ثقته بأعراف الجامعة التى ستنتصر لقضايا الحريات فى نهاية المطاف، وقبل ذلك صمود الطلاب ووعيهم. وهو ما أكدته الطالبة مريم علوان أحد رموز الاحتجاجات لوسائل الإعلام بأن التهديد بالشرطة لن يؤدى إلا إلى مزيد من التعبئة.
تتعرض الجامعات الأمريكية وإداراتها إلى حملات ترهيب من الكونجرس، والحكومة الفيدرالية بصورة غير مسبوقة، فقد تم استدعاء رؤساء جامعات هارفارد وبنسلفانيا وغيرها لجلسات استماع واستجواب من قبل لجان الكونجرس، تميزت بالوقاحة فى توجيه الأسئلة والتهديد. وكانت نعمت شفيق آخر من وقف مع مجموعة من قادة جامعة كولومبيا الأسبوع الماضى وفقا لصحيفة نيويورك تايمز أمام لجنة التعليم التى يقودها الجمهوريون فى مجلس النواب. وربما كانت هذه الجلسة، قد أثرت على تحول موقف الدكتورة شفيق، واتخاذها مواقف عدائية ضد الطلاب واحتجاجاتهم. فقد ذكرت شفيق فى شهادتها بأنها تشعر بالإحباط لأن سياسات الجامعة لم تكن على قدر الحدث، وتعهدت باتخاذ الجامعة مواقف أكثر صرامة. وكانت أولى الخطوات توجيه تحذير مكتوب للطلاب بضرورة فضّ المخيم، ثم استدعاء الشرطة. وهددت الجامعة باتخاذ إجراءات تأديبية فى حق الطلاب تشمل الإيقاف والفصل.
أدرك أن حجم الضغوط على الدكتورة شفيق وإدارة الجامعة كبيرة، ولكن لابد أن تدرك وإدارة الجامعة أن هذه ليست جامعة عادية، إنها كولومبيا ذات التاريخ والإرث العريق التى لا ينبغى أن تخنع أمام تهديدات لجان الكونجرس المُسيّسة. استدعاء الشرطة لن يؤدى إلى قمع الأصوات الحرة، بل يُفقد الجامعة نزاهتها وسمعتها، وفى الوقت ذاته يثير حفيظة المزيد من الطلاب وغضبهم. إن الجامعات الأمريكية والغربية عموما تقف اليوم فى معركة حرية الرأى والنزاهة على المحك. فإما أن تحترم قيمها الديمقراطية العتيدة، وإما أن تتوقف عن ريائها، وتلقين شعوب العالم دروسا حول الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
(الشروق المصرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجامعات الطلابية الفلسطينية امريكا فلسطين طلاب جامعات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
جامعة كفر الشيخ تستضيف بطولة الشهيد الرفاعي 52 للجامعات المصرية
استضافت جامعة كفر الشيخ بطولة الشهيد الرفاعي الـ 52 للجامعات المصرية لكرة السلة فئة C المجموعة السادسة، والتي تضم جامعات (كفر الشيخ، الدلتا، العلمين الدولية، اليابانية)، تحت رعاية الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والدكتور عبد الرازق دسوقي رئيس جامعة كفر الشيخ، والدكتور محمد عبد العال نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، والدكتور أحمد كامل مهدي سكرتير الاتحاد الرياضي للجامعات والمعاهد المصرية، والدكتور رشدي العدوي المنسق العام للأنشطة الطلابية بالجامعة، وتنفيذ ومتابعة إدارة النشاط الرياضي بالإدارة العامة لرعاية الطلاب بالجامعة.
وقد أعلن الدكتور عبد الرازق دسوقي، رئيس جامعة كفر الشيخ، تصدر جامعة كفر الشيخ للمجموعة والمركز الأول برصيد 9 نقاط، وحصول جامعة العلمين الدولية على المركز الثاني برصيد 6 نقاط، وجامعة الدلتا على المركز الثالث برصيد 3 نقاط.
كما هنأ الدكتور عبد الرازق دسوقي، رئيس جامعة كفر الشيخ، الطلاب الفائزين على المشاركة المشرفة، مشيدًا بشباب الجامعة المتميز والمبدع في مختلف المجالات والمسابقات الرياضية والثقافية والعلمية، موضحًا حرص الجامعة على الاهتمام بكافة الأنشطة الرياضية والبدنية، وتعزيز مفهوم المنافسة الشريفة بين الطلاب.
وأكد رئيس جامعة كفر الشيخ، أن الأنشطة الطلابية مكمل أساسي للعملية التعليمية، حيث تكسب الطلاب تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم وزملائهم ومجتمعهم، ووجه الطلاب بضرورة الحرص على المشاركة في الأنشطة الطلابية المختلفة والتعلم الدائم واكتساب الخبرات والتواصل مع الأساتذة والاستفادة من خبراتهم والاستعداد للمستقبل بشكل جيد في ظل اهتمام الدولة المصرية بالشباب المبدعين.
ومن جانبه، هنأ نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، الدكتور محمد عبد العال، فريق كرة السلة بجامعة كفر الشيخ لحصولهم على المركز الأول، مشيدًا بالتنظيم الجيد لبطولة الشهيد الرفاعي الـ 52 للجامعات المصرية لكرة السلة فئة C المجموعة السادسة، والتي تضم جامعات (كفر الشيخ، الدلتا، العلمين الدولية، اليابانية).