العمانيون وعلم العروض.. تأسيسا وتصنيفا
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
أسهمت العبقرية العمانية في بناء الحضارة الإنسانية على مر العصور. وقد كان لها دور بارز في مختلف المعارف والعلوم كالطب والملاحة وعلوم البحار والتجارة واللغة والأدب والأنساب وعلوم الدين وغيرها. وقد أنجبت عمان عبر تاريخها المديد نخبة كبيرة من العلماء والأدباء والمفكرين والقادة الجهابذة، الذين أغنوا الفكر الإنساني بعطائهم الخصب وإسهامهم النوعي في مختلف الميادين.
من العلوم التي برع فيها العمانيون تأسيسا وتأصيلا وتصنيفا، وأوسعوها بحثا وعناية وتبسيطا، علم العروض، الذي استنبطه ووضع أسسه العالم العماني الخليل بن أحمد الفراهيدي، أحد أئمة اللغة والشعر والأدب في عصره، صاحب معجم (العين) الذي يعد أول معجم في اللغة العربية، وهو واضع علم العروض في الشعر، الذي مازال الشعر العربي ينهل منه ويسير على أسسه الراسخة، رغم التحولات الجوهرية التي شهدتها الشعرية العربية في انفتاحها على المشهد الإبداعي العالمي. وتقديرا لإسهام هذا العلم العماني واعترافًا بريادته فقد كان أول شخصية عمانية مدرجة ضمن قائمة اليونسكو للشخصيات العمانية المؤثرة عالميًا، منذ 2005م.
يقول الخصيبي في (الشقائق): «ممن قال الشعر من أهل عمان في القرن الثاني من الهجرة الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، قيل: كان من أهل ودام من الباطنة وانتقل إلى البصرة. قال ابن خلكان في وفيات الأعيان: كان إماما في علم النحو وهو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر ثم زاد الأخفش بحرا آخر سماه الخبب»(1).
إن الشعر العربي بأسره يدين للعبقرية العمانية باعتبارها ذات الريادة التأسيسية في علم العروض. هذا العلم الذي لعب دورا حاسما في مسار الشعر العربي طيلة قرون، وانكب عليه الدارسون والباحثون والشعراء بالدراسة والاعتناء. وقد ظل الشعر العماني في جانبه الإبداعي وفيا لعروض الخليل. كما أسهم العمانيون في التصنيف والكتابة ونظم الأراجيز في علم العروض تبسيطًا له وتسهيلًا لمسائله أمام طلبة العلم والدارسين.
من المصنفات المهمة في هذا الميدان كتاب (مظهر الخافي بنظم الكافي في علمي العروض والقوافي) للشيخ العلامة سعيد بن خلفان الخليلي (1811 ـ 1871)، الذي كان في الأصل مخطوطًا، ثم جرى تحقيقه وطباعته من قبل وزارة التراث والثقافة. يقول محقق المخطوطة الدكتور محمد جمال صقر في مقدمته: «وقد ظهر لي بالتحقيق، أن (مظهر الخافي) قصيدة من أربعة عشر ومائة بيت، بسيطة أوزان الأبيات الوافية المخبونة الأعاريض والضروب، لامية القوافي المكسورة المجردة الموصولة بالياء ـ أجاب بها الخليلي، شيخه حماد بن محمد السبط، إلى نظم متن (الكافي في علمي العروض والقوافي) للخوّاص»(2).
وكما يؤكد المحقق أن الخليلي لم يكتفِ بدور الناظم والمختصر لكتاب الخواص، رغم أهمية الجهد الذي قام به، وإنما كانت له إضافات علمية جوهرية، وفقا لما يثبته المحقق في مقدمته: «ولا يخفى أن الخليلي قد اختصر متن الخوّاص إلى أقل من نصفه. ولو شاء لاختصره إلى ثلثه أو أقل، لولا ما حرص على إضافته قائلا: (نظمته له نظمًا مختصرًا، وكنت على المهم منه مقتصرًا، وزدت فيه ذكر مواضع لم يعوّلِ المصنف عليها، ونُكَتًا لم يقف لديها، فكان متشرفا بعوائد الفوائد، وزاد الموائد)»(3).
ويقول الدكتور أحمد مصطفى عفيفي عن الكتاب: «بدأ المؤلف المخطوط بخطبة، ثم أتبعها ببعض العريفات وخاصة علمي العروض والقافية كل في جزء مستقل، ثم تبع ذلك بمقدمة العلم الأول وهو علم العروض، وبين فيها بعض الآراء التي رأى أنه لا بد من معرفتها، فتناول ألقاب البيت الشعري، ثم الوحدات العروضية، وكان له رأي خاص في إلغاء يعضها، ثم عرج بعد ذلك إلى مراتب التركيب الشعري، فأخذ القارئ في تؤدة ولين، وكأنه يبدأ معه منذ بداية الطريق»(4).
وللشيخ العلامة نور الدين عبدالله بن حميد السالمي (1867 ـ 1914م) أيضا كتاب مهم في هذا الحقل بعنوان (المنهل الصافي على فاتح العروض والقوافي)، الذي كان مخطوطة ثم طبعته وزارة التراث والثقافة بتحقيق الباحث إبراهيم بن حمد الشبيبي. والكتاب في متنه عبارة عن منظومة للشيخ السالمي في علمي العروض والقوافي، وقد قام هو بشرحها بغية تحقيق المزيد من التبسيط، وهذا ما يوضحه المحقق من خلال تتبعه لدوافع تأليف الكتاب كما جاء في مقدمته أن: «المتأمل في عنوان الكتاب يدرك أن المؤلف كان يرمي من تأليفه هذا إلى هدف ينشده، فلفظة (فاتح) في العنوان تشير إلى أن العروض وحتى هذه المنظومة كان مغلقًا مستعصيًا على من أراده، وذلك لأن الكتب المؤلفة في هذا الفن لم تكن تلبي أو تشبع رغبة طالب هذا الفن، فهذه المنظومة هي بمثابة مفتاحٍ له.
وبعبار (المنهل الصافي) يشير إلى أن المناهل (المؤلفات السابقة) قبل هذا الكتاب بها شيء من الشوائب، أما هذا المؤلّف فقد صُفّي ومُحِّضَ فهو صاف لمن أرداه»(5).
ومما لا شك فيه أن هذا الكتاب يمثل إضافة نوعية في مجاله، وله مميزات ينفرد بها عن غيره. يقول المحقق مبرزًا بعضًا من مميزات هذا الكتاب: «رغم جدة هذا المخطوط نسبيًا بالمقارنة مع بض الكتب في هذا المجال إلا أنه يتسم بسمات ومميزات عدة منها: أنه كتاب يحوي علمَي العروض والقافية نظمًا ونثرًا. أنه كتاب يعرض معظم الآراء في القضية الواحدة، مع مناقشتها، ومن ثم السير على رأي منها، أو ترجيح رأي من دون آخر، وينفرد في بعض الأحيان برأيه. أنه كتاب يحوي أبيات استشهاد في المنظومة مما يسهل حفظها واستذكارها. أنه كتاب يعرض المعلومة بطريقة سهلة مبسطة ميسرة. أنه كتاب لا يقتصر على العروض والقافية فحسب، بل يتعداهما إلى علوم أخرى، فهو موسوعة في كتاب، ومن هذه العلوم النحو والمعاجم والبلاغة. أنه كتاب اعتمد على كثير من الكتب المؤلفة قبله، بنقل قول أو رأي أو نص منها»(6).
ولكن اللافت في الأمر أن السالمي، وهو العلامة الموسوعي، الذي ألف هذا الكتاب، كان ضريرا، فقدْ فَقَدَ بصره في الثانية عشرة من العمر، والكتاب يحتوي على رسمات دقيقة للدوائر العروضية ورموزها، رسمت بإتقان وحرفية عالية، الأمر الذي يثر التساؤل حول كيف تأتى له؟
ويجيب المحقق عن هذه المسألة موضحًا أنه: «يمكن القول إن من كان يقرأ للشيخ في العروض كان ملمًا بهذا العلم، فيصف له هذه الأشكال والصور، وكيفية وضعها، ومن ثم كان الشيخ يمليها لتلميذه الناسخ للمنهل الصافي» (7).
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الهمة العالية والإرادة الصلبة التي كان يتمتع بها الشيخ السالمي -رحمه الله- مدفوعا بحبه للمعرفة ورغبته في الإفادة ونشر العلم النافع.
وحين ننتقل إلى أدباء عمان المحدثين نجد أن هناك أيضا من اهتم بعلم العروض وألف فيه، وابتكر الأساليب الجديدة لتبسيط سبل تعليمه للدارسين. ومن أبرز الذين ألفوا في هذا المجال الدكتور الشاعر هلال الحجري الذي وضع كتابا بعنوان (العروض المغنى: مشروع جديد لتدريس أوزان العروض).
وكما يتضح من العنوان أن الكتاب يمثل مشروعا تعليميا يهدف إلى تقديم رؤية جديدة لتدريس العروض، رؤية تستثمر النتاج الغنائي لقصائد الشعراء التي صدحت بها حناجر المغنين، في خطوة تتوئم بين موسيقى الغناء وموسيقى العروض. ويقوم مشروع الدكتور هلال الحجري على ثلاثة أركان أساسية، «الركن الأول، وهو إطار نظري عالجت فيه بعض القضايا النظرية المتصلة بالعروض، وأهميته، ونشأته، وأسباب صعوبته، ومحاولات تيسيره وتجديده، والعلاقة بينه وبني فروع اللغة العربية، والعلاقة بينه وبين الموسيقى، وواقع تدريسه في العالم العربي، والمهارات الأساسية لتعليمه، وأخيرا الطريقة الجديدة المقترحة لتدريسه.
أما الركن الثاني، فهو استقراء لأوزان الشعر العربي الشائعة من خلال القصائد العربية المغناة في العصر الحديث. وفيه حاولت أن أمثل للبحور الستة عشر ومجزوءاتها بالنصوص الشعرية الفصيحة الممكنة، التي غناها عمالقة الفن العربي... وهي فكرة انتصرت لها من خلال الإطار النظري لهذا المشروع، وتهدف إلى رد هذا الفن إلى أصوله الموسيقية التي ضاعت في خضم القواعد والتجريد. وكنت قد اهتديت إليها من خلال كتاب (الأغاني) المشهور، لأبي الفرج الأصبهاني، مع يقين أن هناك اختلافا في المنهج والغاية.
والركن الثالث، الذي يقوم عليه هذا المشروع هو التجريبات المهارية المتنوعة. فقد توصلت إلى أن مهارة التقطيع الشعري التي هيمنت على كتب العروض ردحا من الزمن، لا تكفي وحدها لاكتساب هذا الفن. فتنمية الإحساس موسيقى الشعر لا يمكن الوصول إليها عبر التقطيع فحسب، فهناك مهارات متنوعة بسطت فيها القول في الفصل الأول من هذا الكتاب، كما أنها مبثوثة في بقية الفصول عقب كل بحر من البحور الشعرية» (8).
وقريبا من هذا الهدف التعليمي يأتي كتاب (كيف أكتب شعرا) للشاعر والباحث الراحل يحيى بن محمد البهلاني، الذي يقوم في منهجيته على أساس حواري بين الأستاذ والتلميذ. والكتاب يعبر عن رؤية الشاعر يحيى البهلاني تجاه الشعر، فهو من الرافضين لأي شعر خارج الوزن، مهما بلغ النص من الدهشة والعذوبة؛ لأن شرط الشعر لدى البهلاني ينحصر في تمسكه بالوزن. يقول البهلاني موضحا دوافع تأليفه لهذا الكتاب: «وكتابي هذا -أخي القارئ- وضعته لسببين رئيسيين: أولا: لتمسكي بقواعد الشعر -العروض الخليلي- لأن خاصية الوزن لا تكون إلا في الشعر، وما عداه فهو نثر، لا يمكن في حال من الأحوال أن نسميه شعرا حتى لو ادعى أصحابه الشاعرية واللغة المجنحة الرقراقة... ثانيا: لكسر قاعدة من يقول إن الشعر لا يتعلم، وإنما هو موهبة خلقت للبعض، وحجبت عن البعض الآخر، وهذا كلام إلى وقت قريب تلوكه الألسنة»(9).
من خلال تجوالنا في مدونة الأدب العماني يتضح لنا بجلاء عميق الإسهام العماني وأهميته في علم العروض، منذ تأسيسه على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، في القرن الثاني للهجرة، وصولا إلى القرن الواحد والعشرين الميلادي.
وإننا لنؤكد جازمين أن هذه المقالة قد فاتها الكثير مما صنفه العمانيون في هذا المضمار، ولا نزعم الإحاطة بكل ذلك، ولكننا فقط نورد نماذج مما تيسر لنا الحصول عليه، وهو في نظرنا مهم وكافٍ لإبراز الإسهام العماني في هذا الحقل المعرفي، ولو لم يكن لدينا إلا الخليل بن أحمد الفراهيدي لكان ذلك كافيًا.
****
هوامش:
1- محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي، (شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان)، وزارة التراث والثقافة، الطبعة الثانية 2016م، ص 61.
2- سعيد بن خلفان الخليلي (مهر الخافي بنظم الكافي في علمي العروض والقوافي)، تحقيق الدكتور محمد جمال صقر، وزارة التراث والثقافة، الطبعة الأولى، 2016م، ص 33.
3- المرجع نفسه ص 36.
4- د. أحمد مصطفى عفيفي، بحث بعنوان (المنهج العلمي في كتاب مظهر الخافي في علمي العروض والقوافي مع دراسة تطبيقية على شعر)، ضمن كتاب (قراءات في فكر الخليلي)، صادر عن المنتدى الأدبي، الطبعة الثانية، 2006م ص 55.
5- نور الدين عبدالله بن حميد السالمي، (المنهل الصافي على فاتح العروض والقوافي)، تحقيق إبراهيم بن حمد الشبيبي، الطبعة الأولى 2013م. وزارة التراث والثقافة ص 34.
6- المرجع نفسه ص 39.
7- المرجع نفسه ص 43.
8- د. هلال الحجري (العروض المغنى: مشروع جديد لتدريس أوزان العروض)، مؤسسة الانتشار العربي بيروت، الطبعة الثانية، 2015م ص 16 ـ 17.
9- يحيى بن محمد البهلاني، (كيف أكتب شعرًا)، الطبعة الأولى، 2002م، مكتبة أبي مسلم ص 9 ـ 10.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشعر العربی علم العروض هذا الکتاب أنه کتاب هذا الفن من خلال فی هذا فی علم
إقرأ أيضاً:
الخطة الاستراتيجية لتطوير صناعة الكتاب والنشر على مائدة الأعلى للثقافة
نظمت لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلى للثقافة، حلقة نقاشية بعنوان «الخطة الاستراتيجية لتطوير صناعة الكتاب والنشر حتى عام 2030»، وأدارها مقرر اللجنة الدكتور شريف شاهين.
وشارك فى الندوة كل من: الدكتور خالد العامرى؛ الأستاذ بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة، وعضو لجنة الكتاب والنشر، والدكتور رؤوف هلال؛ أستاذ المكتبات والمعلومات بكلية الآداب جامعة عين شمس وعضو اللجنة، والمهندس فريد زهران؛ رئيس اتحاد الناشرين المصريين وعضو لجنة الكتاب والنشر، بقاعة الفنون بالمجلس.
وأكد الدكتور رؤوف هلال أن عالم النشر يشهد الآن ثورة عظيمة، هى ثورة التحول من النظام التقليدى إلى النظام الإلكترونى، وعلى الرغم من أن هذه الثورة بدأت تأتى بثمارها على العالم الغربى، إلا أننا فى مصر مازلنا لم نتخذ التدابير الكاملة لنقل هذه الثورة إلى مصر بأسلوب يتوافق مع إمكانيات بيئة النشر المصرية، هذه البيئة التى مازالت تعانى من كثير من العوائق التي تحول بينها وبين نشر وتوزيع الكتاب المصرى بأسلوب تقليدى.
وتساءلً: “هل لنا أن نطمح فى أن ننشر بالأسلوب الإلكترونى؟ وكيف يمكننا تحقيق ذلك فى ظل التحديات التى تجهض رؤية المستقبل؟”.
وفى ختام حديثه، أكد أن أهمية خطة تطوير صناعة الكتاب والنشر تتمثل فى العناصر التالية: «التعرف على الإمكانات المتاحة فى مجال النشر فى مصر والتركيز على الميزة التنافسية لها، صورة للمستقبل الذى يمكن للآخرين أن يتخيلوه، وتحفيز الأفراد العاملين فى مجال النشر على القيام بالعمل فى الاتجاه الصحيح، والتخطيط للمستقبل والتعامل مع التحديات المختلفة، وتنسيق الجهود من خلال تحديد وتعريف الأدوار المنوط بها جميع عناصر عملية النشر، والارتقاء بجودة الأداء وتوفير الوقت والجهد و ترشيد التكاليف فى الحاضر والمستقبل، وتعزيز الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية والمواقع المتاحة، وحفظ الفكر والجهد والوقت من التشتت، وتوجيه القرارات وترشيدها، والوقاية من الأزمات والكوارث المفاجئة».
عقب ذلك، تحدث الدكتور خالد العامرى مشيرًا إلى أن أبرز الغايات الاستراتيجية لتطوير صناعة الكتاب والنشر تتمثل فى عدة عناصر مثل: «الانتقال من مصاف الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة، الحفاظ على هوية الشخصية المصرية، الحفاظ على القوى الناعمة للدولة الثقافية والإعلامية والعلمية، الحفاظ على الريادة المصرية، الحفاظ على الثروات القومية للدولة وإستغلالها، وحماية وحدة أراضى الدولة وحدودها، استقرار نظام الدولة الوطنية وثبات ركائزها التشريعية والتنفيذية والقضائية، تحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة للشعب، حماية المقدرات اللامتماثلة مثل الأجيال الجديدة، والعناصر البيلوجية ووسائل الاتصال وتغيُّر المناخ، الحفاظ على قوة الوطن وصلابته، التأكيد على إرتباط مؤسسات الدولة بالغايات الإستراتيجية للأمن القومى الشامل».
وأوضح فى ختام حديثه أن تطوير صناعة الكتاب والنشر يستلزم تطوير البيئة التشريعية والقانونية الحاضنة لهذه الصناعة، وذلك من خلال تقديم مشروع قانون لتطوير حماية الملكية الفكرية وتغليظ العقوبة للمخالفين، وتقديم مشروع قانون لاتحاد الناشرين المصريين لتنظيم مهنة النشر طبقًا للمستجدات، وتقديم مقترح بقوانين لتحفيز العمل بمهنة صناعة النشر، وكذلك تطوير البنية التحتية لكيانات النشر وانشاء وربط وتكامل قواعد البيانات الخاصة بالنشر، وتوطين وتطوير صناعة مدخلات النشر، عبر تقديم مشروعات رفع كفاءة البنية التحتية لدور النشر المصرية، من مطابع وخطوط إنتاج وكوادر فنية وأقسام ما قبل الطباعة بما يتماشى مع التطور التكنولوجى سواء على مستوى (الهارد وير) أو (السوفت وير)، بالإضافة إلى حث الكيانات المسئولة عن النشر والإبداع على عمل قواعد بيانات لحصر مصادر المعلومات المنشورة فى مصر.
ختامًا تحدث المهندس فريد زهران، مستعرضًا أبرز العقبات التى تواجه الناشرين المصريين، والتى فى حقيقة الأمر تمثل حجر عثرة يعرقل نمو وازدهار صناعة النشر فى مصر، وأشار إلى أن النظر إلى الناشر على أنه مجرد تاجر فى إطار القوانين المنظمة لصناعة النشر، ينم عن نظرة قاصرة تغفل الدور المحورى الذى يلعبه فى عملية الإنتاج الثقافى؛ فبينما يقتصر دور التاجر على شراء سلعة وبيعها لتحقيق الربح، فإن الناشر يتجاوز هذا الدور بكثير؛ فهو بمثابة الحرفى الماهر الذى يصوغ مواد خام مختلفة كالورق والحبر لكى تمتزج مع الكلمات والأفكار، ومن ثم يحولها إلى منتج نهائى هو الكتاب، وبالتأكيد هذا المنتج ليس مجرد سلعة، بل هو عمل فنى ومعرفى، يحمل فى طياته قيمة مضافة تتجاوز قيمة المواد الأولية المستخدمة فى إنتاجه؛ فالناشر كذلك لا يقتصر دوره على طباعة وتوزيع الكتب، بل إنه يتدخل فى كل مراحل الإنتاج، بدءًا من اختيار المؤلفات ومراجعتها وتحريرها، وصولًا إلى تصميم الغلاف والتسويق والتوزيع.
وأكد أن هذا الدور المعقد والمتعدد الأوجه للناشر يستحق أن يعترف به القانون، وأن يتم التعامل معه على أنه مُصنع حقيقى، وليس مجرد تاجر؛ فالمصنع لا يقتصر دوره على تجميع القطع الجاهزة، بل يقوم بتحويل المواد الخام إلى منتج جديد يمتلك قيمة مضافة وبالمثل؛ فإن الناشر يخلق قيمة جديدة من خلال عملية النشر، وهى قيمة تعود بالنفع على المجتمع بأسره، ليس فقط على الناشر ذاته.
وأشار إلى أن اعتبار الناشر مصنّعًا سيكون له انعكاسات مهمة على صعيد السياسات الثقافية المصرية؛ فمن الضرورى أن توفر الدولة للناشرين الدعم اللازم لتحقيق أهدافهم، وأن تشجع على الإنتاج الثقافى المحلى لا أن تنافس الناشرين منافسة غير عادلة، وأن تحمى حقوق الملكية الفكرية. كما يجب أن تعمل على تسهيل الإجراءات البيروقراطية التى تواجه الناشرين، وأن توفر لهم التمويل اللازم لتطوير أعمالهم.
وأكد رئيس اتحاد الناشرين المصريين أن دعم صناعة النشر هو استثمار فى المستقبل، فهو يساهم في بناء مجتمع معرفى، ويدعم التنمية الثقافية، ويعزز الهُوية الوطنية؛ لذا فيتوجب على مؤسسات الدولة أن تدرك أهمية دور الناشر، وأن يتم مراعاة ذلك من خلال توفير بيئة محفزة للإبداع والإنتاج الثقافى.