قنبلة أوبنهايمر واسعة الأثر

لا يسعني التخمين ما إذا كان كريستوفر نولان قد فكر في أثر عملية الاختراع على المجتمع عندما صنع فيلمه الأوسكاري أوبنهايمر، فالفيلم الذي يروي لحظة من التاريخ تمحورت فيها كل أفعال مجموعة من البشر حول قنبلة، لم يركز على هذه القنبلة بصفتها أداة تدمير، بل بصفتها عملية اختراع وشيئا قيد التحقق.

فهذا المشروع الذي لم يكن قد تحقق بعد، غيّر توزيع القوى وأوجد صداقات وعداوات وشكل موازين ومصالح ممتدة على نطاق واسع، وصولا إلى استخدام القنبلة، الذي -للمفاجأة- لم يكن ذروة الفيلم.

الملفت إذا أن كل ما هو مهم ويستحق الذكر من وجهة نظر الفيلم قد حدث قبل تفجير القنبلة، الصراعات والعلاقات والأفكار وتكون الشخصيات، كلها حدثت في تلك المرحلة التي كانت تتم فيها صناعة القنبلة، أي أنها نشأت مع تطور «مشروع» الاختراع الجديد. أما استخدام القنبلة، ذلك الحدث العملاق في التاريخ البشري، فقد مر سريعا وعلى الهامش، لتأتي بعدها ذروة الأحداث في مكان آخر تماما.

فإذا كانت القدرة التدميرية لقنبلة أوبنهايمر يمكن لها أن تبرر أثرها على السياسة العالمية، فإن أثرها الاجتماعي العميق كان قد تحقق فعلا خلال العمل وقبل إنجاز الاختراع وقبل التأكد من إمكاناته ورؤية قدرته التدميرية. الأثر الذي بدا في الفيلم نتيجة لكل الجهد وإعادة التشكل الذي كابده الجميع سواء في أروقة الجامعة أو دهاليز السياسة، وكل التغير في توجهات المجتمع وحيوات الأشخاص، ليتمكن المجتمع في النهاية من القيام بالعمل الذي أدى إلى تلك التقنية الجديدة. ومما هو ذو دلالة في الفيلم، أن الانتصار العسكري الذي أدى إليه الاختراع الجديد بدا عرضيا تماما في سياق الفيلم.

يدفعنا الفيلم إذا إلى التساؤل، ما هو أثر عملية الاختراع على المجتمع؟ كيف يمكن لمجرد السعي إلى إنتاج علمي أن يشكل المجتمع بشكل جديد؟

الاختراع بصفته عنصر تغيير

كان ماكس فيبر قد ناقش يوما أن العقلانية هي سمة المجتمع الرأسمالي، فالعقلانية بصفتها ضرورة لاختيار نمط الفعل الاقتصادي وغايته، واختيار الوسائل الاقتصادية وبدائلها، فإنها تتوسع نتيجة لذلك لتفرض نفسها على شكل العلاقات القانونية والسيادة البيروقراطية. ماكس فيبر يرى أن العقلنة تعني توسيع المجالات الاجتماعية التي تخضع لمقاييس القرار العقلاني، ابتداءً من تنظيم الوسائل والاختيار بين البدائل في الاقتصاد، مرورا بالتخطيط ومأسسة التقدم العلمي كشكل من أشكال ضمان استمرار أنظمة الفعل العقلاني عن طريق مأسستها، وصولا إلى تغيير الموروث الثقافي للمجتمع ككل، فيهدم المجتمع المشروعات القديمة ويبتعد عن زمن الخرافة.

لكن حدث أيضا أن اعترض هبربرت ماركيوز لاحقا على مفهوم العقلنة لدى ماكس فيبر، بأن العقلانية الرأسمالية بهذا المفهوم ليست العقلانية بذاتها بل هي شكل مضمر من السيادة لا يكتفي بأن يغير المجتمع ويعيد تشكيله، بل يضع له أيضا حدودا بقدر ما يشكله، وبذلك فإنه بعد حد معين يمنع المجتمع من التغير أو بالأحرى يحرمه منه. واعتراض ماركيوز لا يقلل من أهمية العقلنة، بل يزيد من أثرها في تشكيل المجتمع.

فالعقلانية العلمية بحسب ماركيوز هي إذا ممارسة للإشراف والرقابة تُمأسس السيادة وتحتفظ بالمحتوى السياسي، مما يجعل العقلانية والتقنية نفسها أيديولوجيا، ولا يعني ذلك أن استخدام التكنولوجيا (التقنية) يتم بشكل أيديولوجي، إنما يعني أن التقنية بذاتها هي سيطرة على الطبيعة والإنسان، هي شكل سيادة منهجية وعلمية محسوبة ومدروسة الأغراض. فبحسب ماركيوز تدخل السيادة أو السيطرة سلفا في بناء الجهاز التقني ذاته ولا تأتي من خارجه أو لاحقة عليه، فالتقنية هي مشروع اجتماعي-تاريخي يتم التخطيط فيه للمجتمع والمصالح المسيطرة عليه، بحيث تملي عليهما ما يتوجب فعله مع البشر ومع الأشياء، وهي بذلك سيادة مادية تنتمي من حيث ذلك إلى الشكل نفسه للعقل التقني.

قد تبدو الفقرة السابقة حول فكرة ماركيوز شديدة التكثيف، إلا أن ما يهمنا منها هو أن العقلانية بوصفها شكل السيادة المضمر في الرأسمالية هي أساسا ذات أثر أبعد بكثير من مجرد أن تكون خيارا يمكن الأخذ به أو تركه. فهي شيء بهذا المعنى تستحق صفة المضمر لأنها تشكل النظام ككل وشكل السلطة التي يمارسها، كما تبين لنا أن أحد معاني العقلانية بوصفها في أحد أشكالها العقل التقني المتمثل بالجهاز التقني والاختيار بين البدائل التقنية والتخطيط للتقدم العلمي، هو معنى ينسحب على كامل المجتمع.

العقلانية والتفرد البشري

كما فهمنا مما سبق، فإنه مع التقدم التقني لم تعد وسائل الإنتاج مجرد أدوات عمل بل غدت أساسا لأنواع المشروعية، وبما أننا النوع الوحيد المفكر، فإن هذا العقل الذي ينتج التفكير العلمي والعقلانية يغدو هو أساس مشروعية سيطرتنا البشرية على الحياة ومصدر التقدم العلمي الذي هو شرط حدوث التقنية واستمرارها.

فالتقنية تفرض سيطرتها علينا كبشر بينما نحاول نحن استخدامها للسيطرة على الطبيعة، إلا أن التفكير البشري بصفته المحتكر للعقلانية يبقى ذا مكانة جوهرية في عملية الإنتاج وبالتالي في عملية السيطرة بكل ما يستتبعه ذلك من مركزية إنسانية فلسفية وأخلاقية. وبالرغم من أن هذه السيادة المضمرة لا تمنح سيادة متساوية لجميع البشر، إلاّ أنها هي التي تهبنا الشكل السياسي والسيادي الذي يمتلك فيه الأشخاص حقوقهم بصفتهم أشخاصا.

الذكاء الاصطناعي والمركزية البشرية

لكن مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي، فإن سؤالا لابد أن يطرح نفسه فيما يتعلق باستمرارية المركزية الإنسانية كفكرة أساسية متأتية من تفرد البشر بالعقلانية كأساس للسيطرة البشرية على الطبيعة وبالتالي مكانتهم المركزية كأشخاص في هذا النظام السياسي الحالي بما فيه من حقوق ومنظومة قيم.

ففي الوقت الذي قد تحال فيه الكثير من الوظائف إلى الذكاء الاصطناعي، فإن الخوف الأساسي لا يجب أن ينحصر في انتزاع عمل البشر منهم لصالح الذكاء الاصطناعي، فالتاريخ يبين أن الأعمال التي يلغيها التطور يمكن أن تعوض بأنواع أعمال جديدة. لكن الهاجس الأساسي يجب أن يكون حول تراجع دور العقلانية والتفكير العلمي في أداء البشر لأعمالهم وبالتالي تراجع دور العقلانية المحوري كأساس للمبدأ الإنساني وانعكاساته السياسية.

فالقدرة البشرية على العمل والإنجاز والمشروطة حاليا بالعقلنة والتفكير العلمي قد تتعرض لفك هذا الشرط عندما يقوم الذكاء الاصطناعي بأداء المهام داخل (صندوقه المغلق) بينما البشر يتحولون للثقة بنتائج تفكير الآلة ذاتية التعلم أكثر مما يثقون بنتائج تفكيرهم المنطقي. وحيث إن الآلة غدت اليوم تتعلم ذاتيا بطرق غير مدركة للبشر -وهو شرط بعض أنواع الذكاء الاصطناعي الأكثر فعالية- فإننا عند العمل معها نتحول إلى نوع من الإيمان الغيبي والذي يتميز عن كل الإيمانات الغيبية السابقة بأنه دائم التحقق على عكس نتائج الصلوات ونبوءات الأبراج وقراءات فناجين القهوة المقلوبة، مما يجعله إيمانا أشد قوة ومتانة.

إلا أن هذا الإيمان الفعّال والمتحقق يشكل خطرا على مركزية الإنسان الفلسفية والأخلاقية والسياسية، فهو يعني تراجع سيطرة الإنسان على وسائل الإنتاج والذي يعني سياسيا تراجع أساس سيادته، ويعني أيضا تراجع المركزية الفكرية للإنسان بصفته ناظرا إلى الطبيعة في سبيل فهمها أو مفكرا بالكون، مما يعني تراجع دور العقلنة. ففهم الطبيعة أو الكون لم يعد ذا ضرورة لأن ذكاء الآلة يقوم بهذه المهمة على أتم وجه، بينما فهمنا لهذه الآلة الفاهمة للطبيعة ليس فقط غير ضروري لفهم الطبيعة وإتمام المهام واستمرار عمل الجهاز -أيا يكن مستوى الجهاز من الآلة إلى الدولة- بل ربما يكون غير ممكن من الأساس.

ولأجل أن يحافظ البشر على مكانتهم في نظمهم الفلسفية والسياسية فإنه قد لا يكفيهم أن يعتمدوا على غريزة البقاء البسيطة باعتبارها متأصلة فيهم ككائنات حية لتمكنهم من مقاومة تراجع مكانتهم أمام اختراعاتهم، بل يتوجب عليهم أن يسعوا بكل جهدهم لإبقاء الذكاء الاصطناعي ضمن إطار المفهوم والمدرك. لابد من النظر إلى ما بعد الذكاء الاصطناعي والعمل على تجاوزه.

التصالح مع فرانكشتاين

لابد من الإشارة إلى أن إبقاء الذكاء الاصطناعي في إطار المفهوم والمدرك لا يعني تقييده ومحاربته، وإن كانت دعوات محاربة التقنيات الجديدة بدافع الخوف منها هي الدعوات التي تلقى رواجا لدى المجتمع في البداية التي تبدو أكثر مدعاة للراحة إلا أنها أيضا النهج الذي يثبت التاريخ فشله. فكما كان الأمر دائما، يبدو أن التقدم هو شرط بشري جوهري حتى لو أدى التطور إلى نقطة تاريخية يبدو فيها أن هنالك إغراء بأن نركن إلى الراحة ونعطي قيادة العقل والتفكير إلى كائن آخر يريحنا مما طالما شكل أكبر تحدياتنا ومغامراتنا البشرية وهو الاكتشاف والتقدم. فتلك اللحظة التي نستسلم فيها للراحة من عبء التفكير بالمستقبل سوف تكون لحظة انحدارنا.

في رواية فرانكشتاين لماري شيلي، ينقلب الكائن المصنوع على صانعه، يتحداه وينكل به، ويضيع الصانع والمصنوع في النهاية غارقين في صراعهما العبثي. وإن كانت هذه نهاية الرواية، فإن القصة الحقيقة لم تنته هناك، فنحن نعلم أن تلك الرواية الخالدة كتبت كمقاربة أدبية للأزمة الاجتماعية التي أثارها ظهور ماكينات الحياكة الآلية في المجتمع البريطاني في أوائل القرن التاسع عشر، لكننا نعلم أيضا أن هذه الآلات التي أتت مع الثورة الصناعية كانت سر الرفاه الذي شهدته البشرية خلال المائتي سنة التي مرت منذ ذلك الوقت إلى الآن، ففرانكشتاين في الحقيقة لم يبق عدوا بل أصبح أعز الأصدقاء. قد يسهل تخيل الذكاء الاصطناعي على أنه فرانكشتاين الجديد، خصوصا أنه يبدو من السهل جدا أنسنة برامج مثل تشات جي بي تي، إلا أن تجاربنا السابقة تقول: إن البشر لطالما تعايشوا مع مخلوقاتهم الجديدة وأحبوها، وهي خاتمة ليست فقط أكثر ملاءمة للمجتمعات البشرية بصفتها الطريق الذي لابد منه، بل هي أيضا خاتمة لا تقل شاعرية عن خاتمة رواية ماري شيلي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إلا أن

إقرأ أيضاً:

اختبار «جوجل» الجديد ومواجهة أدوات الذكاء الاصطناعي

تواجه شركة «جوجل» مالكة أكبر وأشهر محرك بحث على شبكة الويب تحديا جديدا قد يعجل بنهاية سيطرتها على سوق محركات البحث في العالم. التحدي الجديد ليس قانونيا كما كان الحال منذ شهور وما زال مستمرا سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها ويسعى إلى تفتيت تلك الإمبراطورية الرقمية العملاقة، ولكنه تحد من داخل الصناعة نفسها.

الأسبوع الماضي أعلنت شركة «اوبن ايه آي» للذكاء الاصطناعي عن إصلاح شامل لبرنامجها الشهير «شات جي بي تي» الذي تم إطلاقه في العام 2022، وبلغ عدد مستخدميه وفقا لوكالة رويترز نحو 200 مليون مستخدم نشط أسبوعيا، يمكّن روبوت المحادثة من البحث في الويب وتقديم إجابات بناءً على ما يجده على الشبكة، وهو ما يجعله في منافسة مباشرة مع «جوجل»، محرك البحث العملاق والأكثر استخداما في العالم. ويمكن أن تمثل هذه الخطوة بداية النهاية لمحركات البحث التقليدية وظهور محركات بحث جديدة تمزج بين وظائف البحث على الويب، وبين تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يمثل فتحا جديدا في عالم الإعلام الرقمي.

صحيح أن المنافسة مع «جوجل تبدو صعبة إن لم تكن مستحيلة، خاصة إذا علمنا أن محرك بحث «جوجل» هو الأكثر شعبية في العالم ويستخدمه حوالي 4.3 مليار مستخدم حول العالم ويتم إجراء أكثر من سبعين ألف عملية بحث عليه في كل ثانية، وهو ما يعادل حوالي 5.4 مليار عملية بحث يوميا، ومع ذلك فان إقدام «اوبن آي» على هذه الخطوة تمثل بداية قد تتلوها محاولات أخرى من شركات أخرى لمواجهة طغيان جوجل على سوق محركات البحث على الويب، ونقطة انطلاق لتطوير محركات بحث بديلة للعثور على المعلومات من الويب واستهلاكها.

وتتمثل قيمة التحول الأخير في «اوبن آي» في كونه سوف يمكن المشتركون في «شات جي بي تي» من الحصول على المعلومات الأحدث أثناء الرد على استفساراتهم من خلال البحث في شبكة الويب عن المعلومات الجديدة وتلخيصها وعدم الوقوف عند حد البيانات القديمة كما كان الأمر سابقا.

ابتداءً من الخميس الماضي، أصبح بمقدور المشتركين في «شات جي بي تي» تفعيل خاصية جديدة تتيح لأداة الذكاء الاصطناعي الرد على الاستفسارات من خلال البحث في الويب عن أحدث المعلومات وتلخيص ما تجده، وليس فقط تقديم إجابات بناءً على البيانات القديمة السابق تغذية روبوت المحادثة بها. وتعتمد وظيفة البحث الجديدة في «شات جي بي تي» على محرك البحث «بنج» التابع لشركة ميكروسوفت والذي صدرت نسخة جديدة منه في العام الماضي يحتوي على تقنية الذكاء الاصطناعي المستخدمة في «شات جي بي تي»، وصاحبة ثاني أكبر محرك بحث على الويب، والداعم الرئيس لـشركة «أوبن آي»، كما تعتمد أيضًا على أرشيفات كبار الناشرين الذين تم توقيع صفقات معهم وأهمهم مجموعة «نيوزكوربريشن الناشر لصحيفة «وول ستريت جورنال» ووكالة «الاسوشيتدبرس» أو «الصحافة المتحدة. ولعل هذا ما يجعل برنامج شركة الذكاء الاصطناعي أكثر قربا من محرك البحث التقليدي، وقادرة بالفعل على منافسة «جوجل» وغيها من الشركات المنافسة في سوق محركات البحث.

لقد حاولت «جوجل» استجابة للمنافسة المتزايدة مع برامج الدردشة الآلية استباق الأحداث ودخول عالم برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي عن طريق تقدم ملخصات يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي للمستخدمين لمحرك بحثها، جنبا إلى جنب مع تقديم نتائج البحث التقليدية، ومع ذلك فإن غالبية المستخدمين ما زالوا ينظرون إلى «جوجل» باعتباره محرك بحث يقودهم إلى مواقع أخرى على الويب، خاصة بعد الفشل الذي منيت به التجربة الأولى التي بدأتها مع بعض المستخدمين داخل الولايات المتحدة في مايو الماضي، وقررت بعد أسبوعين فقط من إطلاقها تقليص استخدام الإجابات التي يولدها الذكاء الاصطناعي بعد أن تهكم المستخدمون على بعض الإجابات الغريبة مثل نصح أحد المستخدمين بوضع الصمغ على البيتزا وتأكيد أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كان مسلما، بالإضافة إلى إجابات تتعلق بالصحة وكانت كانت إحدى الإجابات توصي الناس بشرب كميات كبيرة من البول للمساعدة في التخلص من حصوات الكلى. وواجهت التجربة أيضا اعتراضات من الناشرين الذين تستعين «جوجل» بمحتوى مواقعهم وإعادة تقديمه للمستخدمين مباشرة في نتائج البحث لوهم ما يحرم هؤلاء الناشرين من حركة المرور على هذه المواقع وفقدان عائدات الإعلان.

في تقديري أن التغيرات التي أدخلتها شركة «اوبن آي» على نسختها المدفوعة من «شات جي بي تي» وتحولها إلى محرك للبحث أيضا تجعل هذا البرنامج أكثر فائدة وأكثر دقة، ويقلل من أخطاء المعلومات في الرد على الأسئلة والاستفسارات إلى حد كبير. ولن يتوقف تأثير هذه الخطوة على اشتعال المنافسة بين شركات الذكاء الاصطناعي وشركات محركات البحث العملاقة فقط وإنما سوف يمتد إلى جميع محاور اقتصاديات الإنترنت، والإعلام الرقمي. وتبقى هناك بعض القضايا العالقة في هذا التحول الذي يمكن أن نصفه «بالتاريخي»، وأهمها القضايا الأخلاقية التي تثيرها برامج الذكاء الاصطناعي والتي قد تتضخم مع تحول هذه البرامج إلى محركات للبحث، وعلى رأسها قضية الملكية الفكرية والسطو على جهود أفراد ومؤسسات أخرى وسرقة المحتوى وانتحاله وهو ما يتهم به الناشرون ومطورو برامج الذكاء الاصطناعي. وقد أقامت بعض المؤسسات الإخبارية دعوى قضائية بالفعل ضد «أوبن آي» تتعلق بانتهاك حقوق النشر.

لقد ظلت «جوجل» ولأكثر من عقد من الزمان البوابة الرئيسية إلى شبكة الويب بعد أن تخلصت من عدد كبير من شركات محركات البحث المنافسة من أشهرها محرك بحث نيتسكيب الذي كان يسيطر على سوق متصفحات الويب في تسعينات القرن الماضي وكانت تستحوذ على 90 بالمائة من السوق، ولكنها سرعان ما تراجعت وخرجت من السوق، لحساب متصفح «انترنت اكسبلورر» الذي أطلقته شركة مايكروسوفت، الذي تحول إلى متصفح «ايدج» وتم إطلاقه لأول مرة في عام 2015. فهل يجري عليها ما جرى لشركات محركات البحث الأخرى لصالح شركات وبرامج الذكاء الاصطناعي؟

الواقع إن إجابة هذا السؤال قد تتأخر لسنوات لأننا أمام عملاق يسيطر على نحو 92 بالمائة من سوق متصفحات الويب ولا يمكن هزيمته وإخراجه من السوق بسهولة. ما نعلمه يقينا أن التطورات التكنولوجية المتسارعة لن تتوقف وأن العالم لن يكف عن الإبداع والابتكار في مجال الإعلام الرقمي. كل يوم تقريبا هناك جديد نقف أمامه مندهشين ومتسائلين عن الحدود التي يمكن أن يصل لها التنافس المحموم بين شركات التقنية العملاقة للسيطرة على العالم الرقمي.

مقالات مشابهة

  • وزير السياحة: قوة تعلم آلة الذكاء الاصطناعي عظيمة وهذه التحديات التي تواجهنا
  • "دبي للسلع المتعددة" يتعاون مع "آي بي إم" لتعزيز قطاع الذكاء الاصطناعي
  • خالد الجندي: الحرية تكمن في الانقياد لله والتحلي بالقيم الأخلاقية التي تحمي المجتمع
  • رابط بوت واتساب الذكاء الاصطناعي مجاني للتحدث مع الـ AI عبر مايكروسوفت كوبايلوت و Meta AI
  • مدبولي: الذكاء الاصطناعي هو الحاضر
  • تطوير كاتب سيناريو آلي باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • اختبار «جوجل» الجديد ومواجهة أدوات الذكاء الاصطناعي
  • نسب احتيال تصل 60%.. الذكاء الاصطناعي يهدد الأمن الرقمي
  • أمازون تستخدم الذكاء الاصطناعي لتلخيص ما تشاهده
  • الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية الإماراتية