الجديد برس:

أعد الباحثان الكبيران في معهد أبحاث “الأمن القومي” الإسرائيلي، أودي ديكل، ويوئال غوجنسكي، دراسةً تناولت معضلة التطبيع الإسرائيلي – السعودي، الذي يتعرقل منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”.

وذكر الباحثان أن “إسرائيل” وصلت، بعد 6 أشهر من القتال، إلى مفصل اتخاذ قرار استراتيجي، إذ بات مطلوباً منها أن تجمع بين إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، وإنهاء الحرب في قطاع غزة، (مع ما يتضمن ذلك من إعادة إعمار لقطاع غزة وضمان استقراره)، والدفع في اتجاه حل سياسي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، لكي لا تُفوت فرصة فريدة، للاستفادة من العلاقات مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

“إسرائيل” تريد من السعودية المشاركة في إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره

وأشار الباحثان ديكل وغوجنسكي إلى أن “إسرائيل” لها مصلحة كبيرة في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية يتضمن مشاركة سعودية في الساحة الفلسطينية، لا سيما في إدارة قطاع غزة وإعادة تأهيله بعد الحرب.

وأضاف الباحثان في دراستهما أنه على الرغم من استمرار الحرب بين “إسرائيل” وحماس، لم تتوقف الاتصالات السياسية الهادفة إلى تعزيز التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية، إذ عملت الإدارة الأمريكية على إطلاق العملية، التي بادرت حماس إلى نسفها في عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر المنصرم.

وسبب ذلك هو أن الدوافع الأمريكية والسعودية لم تتغير بعد هذه المدة، فالدولتان تسعيان إلى إنشاء نظام إقليمي جديد تحت قيادة واشنطن، في مواجهة إيران. وقد صاغت الإدارة الأمريكية الحالية “عقيدة” لمنطقة الشرق الأوسط، تشمل عدة مسارات وهي: كبح نشاط إيران في المنطقة، الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، إنشاء تحالف أمني موسع مع السعودية، يشمل حكماً تطبيعاً إسرائيلياً – سعودياً، وتعزيز التنمية الاقتصادية والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.

ولفت الباحثان إلى وجود عقبة أمام السعودية للمضي في مسار التطبيع مع “إسرائيل”، هو أن عملية “طوفان الأقصى” أكدت للعائلة المالكة في السعودية أن المشكلة الفلسطينية ليست ثانوية، ولا يمكن احتواء وجودها أو تجاهله، لذلك، تسعى السعودية جاهدة إلى النأي بنفسها عن التماهي مع “إسرائيل”، وتظهر تضامناً متزايداً مع الفلسطينيين، وبالتالي ترفع “الثمن” الذي تطلبه من “إسرائيل”.

وفي هذا السياق، رأى الباحثان أن إحدى نتائج الحرب الحالية هو “ارتفاع ثمن” التطبيع مع السعودية بالنسبة إلى “إسرائيل” في الساحة الفلسطينية، وهو ما ترفض الحكومة الإسرائيلية دفعه (حتى الآن).

90% من المواطنين الخليجيين يعارضون التطبيع مع “إسرائيل”

أشار الباحثان ديكل وغوجنسكي إلى أن الثمن الذي يتعيّن على السعودية “دفعه” مقابل التطبيع مع “إسرائيل” ازداد (بعد عملية طوفان الأقصى)، إذ صار مطلوباً الآن منها، إظهار انخراط أكبر في الساحة الفلسطينية، عبر المساهمة الفعالة في إعادة إعمار قطاع غزة (وإدارته)؛ والتعامل مع موقف الجماهير في الدول العربية الذي يتصلب ضد “إسرائيل” منذ بدء الحرب.

على سبيل المثال، سيتوجب على السعودية التعاطي مع أكثر من 90% من المواطنين الخليجيين، بمن فيهم سعوديون، “يعارضون التطبيع مع إسرائيل”. وفي هذا السياق، حذر الباحثان من أن الفجوة بين سياسات الأنظمة الخليجية ومواقف مواطنيها آخذة في الاتساع، لا سيما في الموضوع الفلسطيني.

وأشار الباحثان إلى أنه على خلفية الحرب في قطاع غزة ونتائجها، طرأت تغيرات على شروط الطرفين (الإسرائيلي والسعودي)، للتوقيع على اتفاق تطبيع فيما بينهما، إذ تصر السعودية الآن (أكثر من قبل) على التوقيع مع الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقيات دفاعية “في مواجهة إيران”؛ وعلى الحصول منها على مساعدة (وموافقة) على إنشاء بنية تحتية نووية مدنية، من دون اعتراض إسرائيلي. كما تريد السعودية أيضاً أن تحصل من “إسرائيل” على تعهد بالمضي في تعزيز حل الدولتين، وإنشاء سلطة فلسطينية “متجددة”.

أما “إسرائيل”، فتتوقع، وفقاً للباحثين، أن توافق السعودية على “تشكيل” – أو على الأقل المشاركة في – قوة عمل عربية لتُدير قطاع غزة، وتُعيد تأهيله؛ وأن توافق أيضاً على المساهمة في إيجاد قيادة فلسطينية جديدة ومعتدلة، تكون قادرة على تولي مسؤولية إدارة قطاع غزة، بدعم سعودي.

عملية “طوفان الأقصى” رفعت كلفة التطبيع مع “إسرائيل” عربياً

وحذر الباحثان ديكل وغوجنسكي من أن معيار “الكلفة والجدوى” لتطبيع الأنظمة العربية مع “إسرائيل” آخذ في التغيير، منذ بداية حرب “طوفان الأقصى”، لأن “إسرائيل، من وجهة نظر الأنظمة العربية، ليس فقط لم تهزم حماس بعد، التي يكرهونها”، بل إن مشاهد الدمار والقتل في قطاع غزة تهدد باضطرابات بين الجماهير في البلدان العربية المُطبعة أو الساعية للتطبيع مع “إسرائيل”.

لذلك، فإن السعودية، وباقي الدول العربية “المعتدلة”، تُفضل، في هذه الفترة، عدم التورط في الترويج لتسوية في قطاع غزة من شأنها أن تضع حداً للحرب، لأن ذلك يتطلب من هذه الأنظمة المشاركة النشطة في الحل، كأن يكون لها دور في قوة عمل عربية لإدارة قطاع غزة، وإعادة إعماره.

وفي نهاية دراستهما، حذر الباحثان ديكل وغوجنسكي، من أن تعنت “إسرائيل” ورفضها تحديد أفق سياسي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أو السماح باندماج مشروط وتدريجي للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة، سيؤديان إلى إبعاد الاتفاق الإسرائيلي – السعودي أكثر، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تدريجياً، من دون ربط ذلك بالتطبيع السعودي – الإسرائيلي . ونتيجةً لذلك، ستضيع فرصتان استراتيجيتان من أيدي “إسرائيل” وهما تشكيل مجموعة قوى إقليمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تضم السعودية ضد إيران و”محور المقاومة”، ومشاركة دول “الاعتدال” (العربي)، بما فيها السعودية، في تعزيز السلطة الفلسطينية وتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، وإعادة بنائه.

وحذر الباحثان أيضاً من أن “إسرائيل” ستُفوت فرصة التطبيع مع العالمين العربي والإسلامي، وستخسر “مصمماً استراتيجياً” متاحاً هو تطبيع وتكامل مع دول الإقليم، والذي سيكون بمنزلة رد مناسب على حماس وإيران، اللتين عملتا على “عرقلة عملية التقارب” والتطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية (وتحديداً السعودية).

وأضاف الباحثان أن اتفاق التطبيع الإسرائيلي – السعودي، الذي يُعرقل حالياً، سيمنح “إسرائيل” مكاسب اقتصادية، وسيُحسن شرعيتها في العالمين العربي والإسلامي، يجب على “إسرائيل” أن تتأكد من أنها لن تتخلى عن هذه الفرصة الذهبية التي ربما تأتي مرة واحدة في العمر، لأن “إسرائيل” قد يفوتها قطار التطبيع مع السعودية، وهذا أمر سيئ في جميع المعايير.

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: تطبیع مع السعودیة إدارة قطاع غزة طوفان الأقصى فی قطاع غزة التطبیع مع

إقرأ أيضاً:

معركة طوفان الأقصى.. كتابٌ يزخر بالتحليلات السياسية والاستراتيجية

صدر كتاب "معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. تحليلات سياسية واستراتيجية" في عام 2024م عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، وهو من تأليف وإعداد الدكتور محسن صالح؛ المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات منذ العام 2004م، وهو أيضًا رئيس قسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا سابقًا.

كما شغل منصب المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط بعمَّان سابقًا، وهو أستاذ مشارك في الدراسات الفلسطينية، ومُحرِّر التقدير الاستراتيجي الفلسطيني، الذي صدرت منه ثمانية مجلدات. وقد صدر له أكثر من خمسة عشر كتابًا، كما قام بتحرير أكثر من ستين كتابًا، معظمها في الشأن الفلسطيني.

ويعتبر الكتاب أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م مثلت حدثًا استراتيجيًا غير مسبوق، وقفزة نوعية كبيرة في الصراع ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، فقد أسقطت نظريته الأمنية، وأثبتت مركزية الأقصى والقدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي وفشل تطويع الإنسان الفلسطيني، وكرَّست عملياً مشروع المقاومة، وأسقطت فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني، وتركت أثراً عميقاً في المسار الفلسطيني.

ويعتبر أن للمعركة تداعيات غير مسبوقة فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وإسرائيليًا ودوليًا ما تزال متدحرجة ومتفاعلة حتى يومنا هذا، وفي المقابل، كان العدوان الإسرائيلي الذي تلاها هو الأشرس والأكثر وحشية وتدميراً في تاريخ الكيان، وما تزال غزة تعيش إبادة غير مسبوقة وحربًا تتوسع شيئًا فشيئًا.

ولقد واكب مركز الزيتونة العديد من جوانب هذه المعركة وتداعياتها، بما في ذلك المواقف الفلسطينية والعربية والإسرائيلية والدولية؛ وأصدر هذا الكتاب الذي ضمّ بين دفّتيه ثمانية وثلاثين عنوانًا لمواضيع تحليلية سياسية واستراتيجية للأستاذ الدكتور محسن محمد صالح، وسلَّط الضوء على الكثير من النقاط التي تشغل اهتمامات المتخصصين والمتابعين؛ بما يجعله كتابًا مرجعيًا فيما يتعلق بالفهم السليم والعميق للمعركة وتداعياتها فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وإسرائيليًا ودوليًا.

الدكتور "محسن صالح" المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (الجزيرة)

وبعد المقدمة الموجزة التي عبّرت عن أهميّة ما جرى في "طوفان الأقصى" وتأثيرات المعركة المستمرة يأتي العنوان الأول "الدلالات الاستراتيجيّة لطوفان الأقصى" الذي استعرض فيه المؤلف ستّ دلالات استراتيجيّة، وهي:

أولى الدلالات الاستراتيجية لعملية طوفان الأقصى هي سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم؛ والتي أضيف إليها مبدأ رابع سنة 2015 هو مبدأ الدفاع. والدلالة الاستراتيجية الثانية هي مركزية الأقصى والقدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي. أما الدلالة الاستراتيجية الثالثة فهي التكريس العملي لمشروع المقاومة، باعتباره الأداة الفعالة الصحيحة لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال. والدلالة الاستراتيجية الرابعة هي فشل المشروع الصهيوني في تطويع الإنسان الفلسطيني. والدلالة الاستراتيجية الخامسة هي فشل "إسرائيل" في تقديم نفسها كشرطي للمنطقة. والدلالة الاستراتيجية السادسة سقوط فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني بينما تتم عملية التطبيع مع البلدان العربية والإسلامية. فلسفة القوة واليوم التالي

ثم يأتي العنوان الثاني "طوفان الأقصى.. التعامل مع اليوم التالي للعملية" ويناقش كل من السلوك الإسرائيلي وسلوك المقاومة بعد السابع من أكتوبر ليصل إلى نتيجة مفادها "إن الاحتلال الإسرائيلي بقدر ما هو راغب في الانتقام وسحق المقاومة في غزة، بقدر ما يتملكه الرعب من الفشل. ولذلك، سيسعى بكل قوته لتحقيق انتصار أو "صورة انتصار"؛ ولكن احتمالات فشله ليست قليلة؛ وهو ما قد يعني أن 7 تشرين الأول/ أكتوبر سيسجل في التاريخ، سواء كإنجاز نوعي للمقاومة، أم كمحطة مهمة في مسار هزيمة "إسرائيل"، بحسب الكتاب.

ويأتي العنوان الثالث "جرائم الحرب في غزة.. هل تفلت "إسرائيل" مرة أخرى؟" ويناقش العنوان فلسفة القوة عند الاحتلال الإسرائيلي متحدثًا على سبيل المثال عن فلاديمير جابوتنسكي "فيلسوف العنف" في الأيديولوجية الصهيونية، والأب الروحي لمناحيم بيغن ولحزب الليكود الحاكم، الذي كان يقول إن "السياسة هي القوة"، وإن "ما لا يؤخذ بالقوة، يؤخذ بمزيد من القوة"، وإن المشروع الصهيوني يرتبط تقدمه بقوة سلاحه. وتبنى جابوتنسكي فكرة "الأنانية المقدسة" التي تعني حتمية التضحية بالآخرين، لإنجاز المشروع الصهيوني، بحسب الكتاب.

أشخاص يدفنون جثث ذويهم الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية، في مقبرة جماعية في رفح (رويترز)

أما العنوان الرابع "المقاومة الفلسطينية.. وجدلية التسبب بضحايا مدنيين من شعبها!" فينطلق المؤلف لمناقشة الفكرة مستبقا استعراض تجارب التحرر في العالم من قوله: "ما أغلى قطرة الدم، وفي الفهم الإسلامي، فإن هدم الكعبة المشرفة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دمِ امرئ مسلم. والشعب الفلسطيني شعب متفتحٌ محبٌّ للحياة، كما يحب أرضه ويعشقها، كما أن بنيته النفسية والاجتماعية مجبولة بالشرف والعزة والكرامة، ولكنه وُضع تحت الاحتلال وتحت اختيارات قاسية، ففُرض عليه التهجير، واغتصبت أرضه ومقدساته، وضوعفت معاناته، وسعى العدو لإذلاله ولإفقاده حريته وكرامته، فكان لا بدّ من الثورة؛ لأن الحياة تفقد معناها والإنسان يفقد إنسانيته بلا وطن ولا أرض ولا عزة ولا كرامة".

ثم يأتي العنوان الخامس ليجيب عن سؤال "لماذا يجنح السياسيون الغربيون لتجاهل المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين؟" مستعرضًا خمسة عوامل تدفع السياسيين الأمريكيين والغربيين، بدرجات متفاوتة، إلى تجاهل مجازر الاحتلال الإسرائيلي الفظيعة في حق الشعب الفلسطيني وتبرئته منها.

مشروع التحرير

أما العنوان السادس "استئناف مشروع التحرير.. وليس العودة لحظيرة التسوية" يتحدث فيه المؤلف عن أن أبرز المظاهر السياسية الغربية والإسرائيلية التي يُتابعها المراقب باشمئزاز من النقاش حول المشاريع والحلول المفترضة لمستقبل قطاع غزة في حالة التخلص من "حكم حماس". مبينا أن العقل الغربي منشغلٌ في كيفية إعادة الفلسطينيين إلى “الحظيرة” وليس في كيفية تحريرهم منها، منشغلٌ في كيفية إطالة أمد معاناتهم، وتجاهل أبسط حقوقهم، وفي كيفية إطالة أمد الاحتلال والقهر، وفي شرعنته وتوسيعه وترسيخه، ويناقش المشروعات المطروحة ليخلص إلى أنّ الشعب الفلسطيني ومعه الأمة مصمّمون على تحرير فلسطين، وإن كل محاولات تطويعهم أو إخضاعهم أو وضعهم في "حظيرة التسوية" مصيرها إلى مزبلة التاريخ، على حد وصف الكتاب.

الموقف العربي

ثم يأتي العنوان السابع "الموقف العربي من العدوان على قطاع غزة.. حضيض جديد" يناقش فيه المؤلف تحول المقاومة من عبء على الأنظمة العربيّة إلى خصم لها مبينًا عوامل ذلك فيقول مثلًا: "في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، برزت ثلاثة عوامل ضغطت باتجاه التقهقر العربي والتراجع عن دعم المقاومة.

أوّلها: النزاعات والصراعات والاضطرابات الداخلية في ظل الموجات المضادة للربيع العربي، والانشغال بالهموم والملفات الداخلية.

وثانيها: أن الأنظمة العربية التي تابعت السيطرة، بعيدًا عن إدارة شعوبها، أصبحت أكثر ضعفًا في مواجهة الضغوط، وأكثر احتياجًا للدعم الخارجي الإقليمي والدولي، خصوصًا الأميركي والغربي. وهو ما سهَّل على الأميركيين – خصوصًا في عهد ترامب- الضغط باتجاه تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، بحسب وصف الكاتب.

أمّا ثالثها، فهو أنَّ المقاومة الفلسطينية المسلحة تتشكل بنيتها الأساسية من حركتين إسلاميتين، هما: حماس والجهاد الإسلامي. فاجتمع عليهما معارضة الأنظمة لخط المقاومة وعداء هذه الأنظمة أيضًا للتيارات الإسلامية التي تصدَّرت الربيع العربي في بلدانها؛ وهو ما زاد من صعوبة العمل المقاوم، وعدم وجود بيئة إستراتيجية حاضنة في البلاد العربية. وتسبّب ذلك في أن تلجأ المقاومة لبناء علاقة قوية بإيران التي دعمت المقاومة ماليًا وعسكريًا، وهو ما زاد من توتير العلاقات مع عدد من الأنظمة العربية؛ وأصبحت تنظر للمقاومة من خلال علاقتها بإيران، وليس من خلال واجبها تجاه القدس والمقدسات وفلسطين، ومسؤولياتها القومية والإسلامية وأمنها القومي".

كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية، تؤدي الصلاة أثناء حضورها عرضا عسكريا خلال الذكرى الثلاثين لتأسيس حماس في خان يونس (الأناضول) ترتيبات نهاية الحرب

والعنوان الثامن يتحدث بتفصيل "من القسام إلى القسام" والعنوان التاسع يناقش باستفاضة "دلالات الهدنة وصفقة تبادل الأسرى بين حماس والكيان الإسرائيلي" ثمّ يأتي العنوان العاشر متحدثا عن "معايير حول ترتيبات اليوم التالي لانتهاء العدوان على قطاع غزة" ويضع فيه ستة معايير على النحو الآتي:

المعيار الأول هو أن الشعب الفلسطيني شعبٌ ناضجٌ، وقادرٌ على أن يُقرّر مستقبله بنفسه، ولا يجوز لأحد أن يضع الوصاية عليه أو يُقرّر بالنيابة عنه. ولا يمكن للمشاريع الدولية والإسرائيلية أن تُفرض عليه مهما كانت (وصاية دولية، قوات عربية إسلامية، حكومة رام الله بمعايير إسرائيلية، حكومة تكنوقراط محلية مَرضيٌ عنها إسرئيليا ودوليا..). والمعيار الثاني هو أن أي اقتراحات لحلول يجب ألا تكون حلولا لمشاكل الصهاينة، الناتجة عن الاحتلال واغتصاب الأرض والمقدسات وقهر الشعب الفلسطيني؛ وإنما إنهاء للاحتلال وإنهاء لمعاناة الشعب الفلسطيني. والمعيار الثالث هو أن أي حلول لمستقبل قطاع غزة (ولمستقبل القضية) ليست مرتبطة بمجرد تحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال أو تحت الحصار. وأما المعيار الرابع أن على القوى الكبرى أن تكفَّ عن توفير الغطاء لإسرائيل لتظل "دولة فوق القانون". والمعيار الخامس هو حق الشعب الفلسطيني الأصيل في أرضه ومقدساته، وبالتالي الوقوف في وجه محاولات تهجيره وتشريده، ومنع إيقاع نكبة جديدة به استجابة للغرور والعجرفة والوحشية الإسرائيلية. والمعيار السادس هو أن الإجراءات المستعجلة المطلوبة تتلخص في: وقف العدوان، وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة، ومنع التهجير، وإعادة إعمار قطاع غزة، والسعي لتدفيع الاحتلال أثمان جرائمه في قتل المدنيين، وأثمان تدميره للبيوت والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والبنى التحية وغيرها.

والعنوان الحادي عشر "عالم بلا حماس" يتعامل مع فرضية التخلص من حماس بهدوء، وفي إطار موضوعي. مجيبا عن أسئلة أولئك الذين عبَّؤُوا العالم ووسائل الإعلام ضد حماس.

والعنوان الثاني عشر "مشروع تهجير فلسطينيي غزة على سيناء.. لماذا وما مصيره؟" يجيب عن الأسئلة المطروحة في هذه القضية؛ هل كان الاحتلال حقا جادا في ذلك؟! أم أنه كان نوعا من رفع سقف أهداف العدوان إلى أعلى مدى ممكن، ليحصل ما يمكن تحصيله بحسب الأداء الميداني للحرب؟ أم أنه عبّر عن حالة الهستيريا والجنون بعد الضربة القاصمة التي تلقاها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث أراد من خلال هجومه الوحشي الشرس، مستفيدا من الغطاء الأمريكي الغربي، الوصول إلى أفضل حالة أمان ممكنة لمستوطنيه خصوصا في غلاف غزة، بحيث يتم تهجير أكبر عدد ممكن من أبناء القطاع، لتوفير شريط أمني عازل على طول خطوط التماس مع القطاع؟

أما العنوان الثالث عشر فيفصل القول في "الشعب الفلسطيني يصوت للمقاومة" والعنوان الرابع عشر يستعرض بالتحليل "استشهاد العاروري.. مزيد من الوقود لحماس والمقاومة" ويأتي العنوان الخامس عشر ليقدم فيه المؤلف "قراءة في المأزق الإسرائيلي في قطاع غزة" إذ يطرح فيه ثمانية من أبرز معالم المأزق الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، وأما العنوان السادس عشر فيتحدث عن "الصهيونيّة وإسرائيل.. واحتكار الضحيّة" وفي العنوان السابع عشر يقدم المؤلف إجابات عن "استهداف الأونروا.. لمصلحة من؟" والثامن عشر حول "التدافع السياسي قبل الهدنة في قطاع غزة".

أما العنوان التاسع عشر فيفصل الحديث عن "الأمة وغزة.. من الانفعال الموسمي على العمل المنهجي" وفيه يقول المؤلف: "إن أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمة هي كيفية تحقيق حالة التفاعل المنهجي المستمرّ والمتصاعد، بما يتناسب مع عظمة التَّحدي بخطورة المعركة.

فقد اعتدنا منذ عشرات السنوات على التفاعل الآني مع الحدث، وبحسب مدى سخونته وخسائر إسرائيل والمجازر والشهداء والدمار تكون درجة التفاعل، وهو سرعان ما يخبو مع توقف الحدث أو اتخاذه نسقًا مستمرًا معتادًا "رتيبًا". إذ تضعف تدريجيًا المظاهرات والفعاليات وحملات جمع التبرعات وحملات المقاطعة… إلى أن تتوقف.

وربما كان ذلك طبيعة بشرية، خصوصًا مع وجود أنظمة عربية وإسلامية فاسدة ومستبدّة، يهمّها صرف انتباه جماهيرها عن هكذا معارك وانتفاضات وأحداث؛ لأنّها تكشف وتفضح عورات هذه الأنظمة وضعفها وخذلانها وتقصيرها، وتكون عنصر تثوير للشعوب ضدّ أنظمتها العاجزة أو المتواطئة.

وفي المقابل، فإن إسرائيل وحلفائها يعملون بشكل منهجي متواصل، وضمن رؤية محددة تلقى دعمًا غربيًا عالميًا لإغلاق الملف الفلسطيني، وإفراغ انتصارات المقاومة ومنجزاتها من محتواها، وتشويه نماذج البطولة والتضحية، وتحميل المقاومة مسؤولية معاناة الشعب وظروف القهر والدمار تحت الاحتلال؛ مع المراهنة على ضعف ذاكرة الشعوب، والمراهنة على "منظومات التّفاهة" السائدة في عالمنا العربي والإسلامي".

والعنوان العشرون فيتساءل عن "استقالة حكومة اشتية.. قفزة للوراء؟!" ثم يأتي العنوان الحادي والعشرون محللا "الرصيف الأمريكي في غزة والإنسانية المتوحشة" وأما العنوان الثاني والعشرون "فتح وحماس.. وسؤال الانفصال عن الواقع" فيناقش بيان حركة فتح الذي صدر في 15 مارس / آذار 2024، والذي وزَّعته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، اتهامُ حركة حماس بأنّها "مفصولة عن الواقع"، بينما ينقش العنوان الثالث والعشرون "قرار مجلس الأمن وتزايد العزلة الإسرائيلية" أما العنوان الرابع والعشرون فيستعرض "ثلاثة عشر مؤشرًا على دخول الحرب الإسرائيليّة على غزة في الوقت الضائع" بينما يتناول العنوان الخامس والعشرون بالتحليل "الاحتلال الإسرائيلي وترتيبات اليوم السابق لانتهاء الحرب على غزة" والعنوان السادس والعشرون "الهجوم الإسرائيلي على رفح محكوم بالفشل" يتحدث عن تقييم للعملة الإسرائيلية المستمر في رفح.

يتناول الكتاب في عنوانه الخامس والثلاثون بالتحليل "خطاب نتنياهو ومنظومات الاستكبار والتفاهة" (الفرنسية)

أما العنوان السابع والعشرون فيتحدث عن "نتنياهو والهروب إلى الأمام" ليأتي العنوان الثامن والعشرون مجيبًا عن سؤال "لماذا استمرار التصلب العربي الرسمي تجاه حماس والمقاومة؟" ثم يناقش العنوان التاسع والعشرون "ظاهرة التكامل والتآكل ومستقبل الكيان الصهيوني" ليأتي العنوان الثلاثون "طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين" وفيه يقول المؤلف: "وإن الذين انتفضوا لصالح فلسطين من دولٍ وشعوب من شتى القوميات والأديان والاتجاهات، يعرفون المقاومة وطبيعتها، وقد لمسوا الجانب الإنساني الذي نجحت المقاومة في تقديمه، كما لمسوا الوجه الصهيوني البشع للاحتلال والعدوان. ونحن عندما نركز على المشترك الإنساني، فلا حاجة لإلغاء هويتنا، كما لا حاجة لتغيير الآخرين لهويتهم، ففي القيم الإنسانية الكبرى ما يكفي لجمعنا وتحشيدنا ضد المشروع الصهيوني، الذي يسير ضد الإنسان وضد حركة التاريخ، ويهدّد السلم والاستقرار العالمي".

ثم يناقش العنوان الحادي والثلاثون "الاحتلال الإسرائيلي وحالة التخبط في الحرب على غزة، أما العنوان الثاني والثلاثون فيستعرض "ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني.. فرصة متجددة للانطلاق" والعنوان الثالث والثلاثون "حماس ونزع العباءة الأيديولوجية" يناقش الدعوة المتكررة لحماس لـ"نزع العباءة الأيديولوجية" والتخلي عن طرحها الإسلامي، وأن تصبح حركة "تحرّر وطني"، لأنه بحسب ما يرى هؤلاء فإن "القيد الأيديولوجي" يُعيق حماس، ويُضيع عليها فرصة تحقيق إنجازات في البيئات السياسية العربية والدولية ذات الحساسية السلبية تجاه الإسلاميين. ثم إن نزع العباءة هذا يُسهّل على العديد من الأطراف التعامل المنفتح مع حماس، وبالتالي تسهيل المشاركة السياسية الفاعلة لحماس في الساحة الفلسطينية، والقيام بالدور والتأثير المطلوب.

ثم يأتي العنوان الرابع والثلاثون ليفصل القول في مسألة "مشاركة قوات عربيّة في إدارة قطاع غزة بعد الحرب" بينما يتناول العنوان الخامس والثلاثون بالتحليل "خطاب نتنياهو ومنظومات الاستكبار والتفاهة".

وفي العنوان السادس والثلاثون يتحدث المؤلف عن "حماس إذ تودع هنيّة" ثم يتحدث بالتفصيل في العنوان السابع والثلاثين عن "حماس والتصعيد القيادي" ليختم الكتاب بالعنوان الثامن والثلاثين بتقديم إجابات عن سؤال "المفاوضات حول إنهاء الحرب على غزة.. إلى أين؟"

يقدم الدكتور محسن صالح في كتابه الذي يقع في مئة وسبع وثلاثين صفحة إجابات عن كثير من الأسئلة المتعلقة بمعركة طوفان الأقصى والحرب المستمر على غزة بطريقة تحليلية معمقة ورؤية استراتيجية تخرج من ضغط الحاضر لرؤية ما وراء الأحداث.

مقالات مشابهة

  • معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يحذر من خطر تنامي قدرات قوات صنعاء على “إسرائيل” والمصالح الأمريكية (فيديو)
  • معركة طوفان الأقصى.. كتابٌ يزخر بالتحليلات السياسية والاستراتيجية
  • أخبار التوك شو| مصر كانت الهدف الرئيسي منذ بداية عملية طوفان الأقصى.. حقيقة زيادة أسعار كروت الشحن.. غرق باخرة مصرية قبالة سواحل ليبيا
  • تطورات اليوم الـ393 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • أسامة الدليل: مصر كانت الهدف الرئيسي منذ بداية عملية طوفان الأقصى
  • وزير الأمن الإيراني يزور مكتب حماس في طهران ويؤكد أن صمود غزة ولبنان “بشارة النصر”
  • لماذا طورت إسرائيل هجماتها على سوريا بعد طوفان الأقصى؟
  • دور اليمن في “طوفان الأقصى” .. التأثيرات والمكاسب الاستراتيجية
  • تطورات اليوم الـ392 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تطورات اليوم الـ391 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة