د. مزمل أبو القاسم: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
* (نؤكد في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” رفضنا القاطع لخطاب الكراهية والعنصرية والتقسيم الإثني والمناطقي والذي سيؤدي في حال عدم التصدي له إلى إنهيار وتفكك السودان إجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً بشكلٍ كامل)!
* الفقرة المنشورة أعلاه تمثل جانباً من بيان مطول، أصدرته تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) أمس، وهاجمت فيه تصريحات أدلى بها اللواء أمن (م) بدر الدين عبد الحكم، للإذاعة السودانية، واتهمته (بالحض على الكراهية، وإثارة الفتن بين المجتمعات المحلية والمكونات الاجتماعية في شرق السودان)!
* نثبت أولاً هنا أن (تقدم) قصدت أن تخادع الناس كعادتها بالتغبيش عليهم عمداً، عندما وصفت بدر الدين عبد الحكم بأنه (ضابط في جهاز المخابرات العامة)، من دون أن توضح للناس حقيقة أنه (متقاعد) عن العمل منذ سنوات، وغير مرتبط بأي مهام في جهاز المخابرات العامة حالياً، ولا سبيل هنا لحسن الظن فيهم، لأن الخداع الذي مارسوه متعمد ومقصود!
* ثانياً نتساءل: هل صحيح أن (تقدم) ترفض خطاب الكراهية، وتنبذ محاولات إثارة الفتن بين المجتمعات المحلية والمكونات القبلية في السودان، وتحارب خطاب الكراهية في مجمله.
* هل صحيح أنها ترفض التقسيم المناطقي والإثني لأهل السودان، وتستنكر التحشيد القبلي المؤدي إلى إزكاء نيران الحرب كما زعمت في البيان؟
* للرد على هذه التساؤلات نثبت أولاً ما يلي:
* في بواكير الحرب الحالية أقدم متمردو الدعم السريع على حشد أكثر من ثلاثين فرداً من نُظّار وعُمد وشيوخ قبائل بارزة في غرب السودان، وبالتحديد في دارفور، وألزموهم بإصدار بيان مطول أعلنوا فيهم مساندتهم التامة للدعم السريع، وحضهم لأبناء القبائل التي يقودونها للانضمام إلى المتمردين، ومناشدتهم لأبنائهم المنضوين للقوات المسلحة بالانسلاخ عنها، والتوجه إلى معسكرات الدعم السريع.
* كانت الدعوة عنصرية وقبلية بنسبة 100%، وحوت خطاباً للكراهية وحضاً عليها من منطلق قبلي وجهوي بحت، كما حوت تسعيراً معلناً للحرب، فهل استنكرت (قحت) التي ولدت من رحمها (تقدم) تلك الدعوة؟
* هل لامت المتمردين عليها وحملت الدعم السريع تبعاتها مثلما فعلت مع الجيش؟
* الإجابة لا تحتاج إلى تبيان، ولا تقبل الجدل، لأنها لم تفعل ذلك مطلقاً، ومارست صمتاً جبانا يليق بها إزاء التحشيد الإثني والمناطقي والقبلي المحتشد بخطاب الكراهية والدعوة لتسعير الحرب وتوسيع نطاقها.
* لاحقاً وفي مستهل شهر مارس الماضي (2024) نظّم الفاضل سعيد مادبو؛ وكيل ناظر قبيلة الرزيقات حشداً لعدد كبير من شيوخ الإدارات الأهلية في دارفور، وخاطبهم من داخل مدينة الضعين جهراً مطالباً إياهم بمساندة الدعم السريع والاستجابة لنفرة تستهدف حشد أبناء تلك القبائل للذهاب إلى الخرطوم والقتال مع متمردي الدعم السريع، وكانت (تقدم) وقتها موجودةً (حيَّة تسعى) بين أهل السودان بباطلها المعلوم، فهل استنكرت ذلك الخطاب القبلي الموغل في العنصرية والكراهية والساعي إلى إزكاء نيران الفتنة وتسعير الحرب؟
* هل لامت المتمردين عليه وحملت الدعم السريع تبعاته كما فعلت مع الجيش والجهاز؟
* الإجابة لا.. بلا مراء!
* قبل ذلك كتب د. الوليد مادبو عدة مقالات وتحدث في عدة مقابلات صحافية من منطلق قبلي وعنصري وجهوي بحت، مهاجماً قبائل الشمال النيلي في عمومها، وداعياً على الملأ إلى (استئصال شأفة قبيلة الشايقية)، ومهدداً بغزوٍ شامل يتم بجيش عرمرم مصدره ليبيا، سيدخل الولاية الشمالية عبر مدينة الدبة، فهل استنكرت (تقدم) تصريحاته القميئة المستندة إلى عنصرية مناطقية وقبيلة محضة وخطاب كراهية ودعوات جاهلية لم يسبقه عليها أحد من أهل السودان؟
* هل لامت المتمردين عليها وحملت الدعم السريع تبعاتها؟
* الإجابة لا.. بلا مراء!
* قبل الوليد مادبو تحدث عبد المنعم الربيع، أحد أبرز الأبواق الإعلامية لمليشيات الدعم السريع، داعياً إلى غزو ولايتي الشمالية ونهر النيل، ومعلناً أن دخول مدينة شندي مقدم عندهم على (دخول الجنّة).. وأنهم لن يستجيبوا لأي اتفاق يستهدف وقف الحرب ما لم يغزو الدعم السريع الشمالية ونهر النيل ويحتل مدينة شندي تحديداً، فهل استنكرت (تقدم) تصريحات الربيع العنصرية البغيضة والعامرة بخطاب الكراهية والدعوة إلى توسيع نطاق الحرب وإزكاء نيرانها، علاوة على حض مقاتلي الدعم السريع على اغتصاب نساء قبيلتي الجعليين والشايقية؟
* هل لامت المتمردين عليها وحملت الدعم السريع تبعاتها؟
* الإجابة لا.. بلا مراء!
* قبل الربيع وبعده، نشر القائد الميداني الشهير (يأجوج ومأجوج) تغريدات وتصريحات عديدة، دعا فيها إلى غزو الشمالية ونهر النيل، وكتب في إحداها ما يلي: (في حال حصل أي سلام ولم تصل هذه الحرب إلى الشمال أقسم بالله خسرانة.. لن يكون هناك سلام ما لم نوصلها إلى هناك ولو كان الثمن أرواحنا.. حقد عديل كدة والتبقى تبقى.. لن نسامح أنفسنا إذا لم نوصلها هناك ويكتوون بنيرانها).. وتكررت منه تلك التصريحات العنصرية العامرة بخطاب الكراهية مراراً، فهل استنكرتها (تقدم)؟
* هل صرحت يوماً برفضها وألقت بلائمتها على الدعم السريع كما فعلت مع الجيش وجهاز الأمن بعد صدور تصريحات اللواء المتقاعد بدر الدين عبد الحكم؟
* الإجابة لا.. بلا مراء!
* السؤال الذي يطرح نفسه بقوة مفاده: لماذا تتغاضى (تقدم) عن التصريحات والمواقف التي تنضح بالكراهية والعنصرية وتنطلق من أساس قبلي وتحوي إزكاءً لنيران الحرب ودعوات لتوسيع نطاقها عندما تصدر من أبواق إعلامية وقادة ميدانيين يتبعون للمتمردين، وتسارع إلى إدانة الجيش والقوات النظامية بسبب تصريح معزول، أصدره ضابط (متقاعد) لا تربطه أي صلة عمل حالية مع الجيش أو الجهاز؟
* ما سر التسامح الغريب، والصمت المريب الذي تمارسه (تقدم) مع عنصرية الدعامة وخطاباتهم النضاحة بالكراهية.. في مقابل عداوة مستحكمة واستهداف منظم ضد الجيش والقوات النظامية ومناصريها؟
* السبب أنها (أي تقدم) تعادي الجيش وكل القوات النظامية كافة وعلى طول الخط، وتعتبرها خصماً وعدواً لدوداً لها، وتمثل في الوقت نفسه الجناح السياسي والحليف المعلن للمليشيا المجرمة، مما يستدعي منها التعامل مع جرائم المرتزقة وانتهاكاتهم وخطاباتهم الزاخرة بالكراهية والعنصرية بعين الحلم والرأفة.. خلافاً لما يحدث مع الجيش وأي جهة أو شخص ينطلق من منصةٍ داعمةٍ للجيش!
* لا يبذل قادة (تقدم) والمتحدثون باسمها أي جهد لإخفاء عدائهم المستحكم للجيش ومساندتهم المُشهرة للمليشيا المجرمة، بل إن تصريحاتهم (هنا وهناك) تخلو من الذكاء، وتعوزها الحصافة، لأنها تفضح حقيقة مواقفهم وتتحدث عن نفسها بلا كبير عناء، ثم يدعون بعد ذلك كله أنهم محايدون ويقفون على مسافة واحدة من (طرفي الصراع)!
* مجدداً نقول لهم (حيادكم عينة).. وأنتم وكما أسلفنا قبلاً؛ جنجويد جبناء ومحجّبين، (خالي كلاش.. وكدمول)!
د. مزمل أبو القاسم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الإجابة لا مع الجیش
إقرأ أيضاً:
فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع
بقلم: على كمنجة
تواصل معنا العديد من الأصدقاء بشأن الخطوة التي أقبلت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، بتوقيها على ميثاق السودان الجديد التأسيسي ، مع عدد من الأحزاب السياسية، والدعم السريع .
وأغلب المتواصلين كانو من المؤيدين للخطوة بقوة. بينما البعض ، وهم موضوع هذا المقال ، انتقدوا موقف الحركة الشعبية ، مقدمين بعض الحُجج ، أهمها حُجتين :
الحُجة الأولى : يقولون فيما معناه " أن الحركة الشعبية كان الأصح أن تحتفظ بتحالفاتها مع القوى الديمقراطية ، بدلا من تأسيها لتحالف جديد يتكون من عناصر مشكوك في ديمقراطيتها - حسب قولهم " .
اما الحجة الثانية : " لماذا تتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع الذي يعتبر " حسب قولهم ايضا " مسؤولا عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المواطنين خلال حرب ١٥ ابريل الجارية.
وفي هذا المقال نريد ان نناقش هاتين الحُجتين بشئ من الحكمة ، وبعقل مفتوح ، عسى ولعل أن نضفي نوع من " الموضوعية " على النقاشات التي دارت حول هذا الأمر خلال الفترة السابقة
اولا : حسب ما درج في السودان ، فأن وصف " الديمقراطيين " يطلق على القوى التي قاومت شمولية الإنقاذ طوال فترة حكمها ، ابتداءا بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي أُسس في تسعينيات القرن الماضي ، ومرورا بتحالفات الإجماع الوطني ، والفجر الجديد ، والجبهة الثورية ، ونداء السودان ، حتى تحالف الحرية والتغير .
وبالرغم من ان مصطلح " الديمقراطيين " يستخدم للاشارة الى القوى السياسية والمجتمعة التي تعمل من أجل تعزيز الديمقراطية في السودان ، لكن في حقيقة الامر هذه القوى يوجد بداخلها تباينات حول " تصور الديمقراطية " الذي يختلف من حزب لأخر .
الحركة الشعبية شمال مثلا ، تعتبر أنه لا وجود للديمقراطية بدون فصل الدين عن الدولة ( العلمانية ) ، بينما هناك قوى اخرى لم تحسم أمرها بعد بشأن هذه القضية .
وهناك العديد من القضايا الأخرى لا تزال غير متفق حولها ،كقضية العدالة الانتقالية / والعدالة التاريخية ، واسباب المظالم التاريخية التي وقعت ضد شعوب معينة في السودان ، وتماهي الدولة القديمة مع علاقات القرابة ، بدلا من علاقات المواطنة ، والكثير من التفاصيل الأخرى، التي ظلت محل خلاف بين " الديمقراطيين " طوال الثلاثين عاما الماضية .
وبالتالي فأن ادعاء أي طرف بأنه صاحب " الجلد والرأس " الوحيد للقوى الديمقراطية ، يعتبر ادعاء باطل ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها مواقف القوى الديمقراطية ، على سبيل المثال ، عقب اندلاع الثورة الشعبية الظافرة في ديسمبر ٢٠١٨ ، واطاحتها بنظام البشير ، اعتبرت الحركة الشعبية شمال أن سقوط نظام الأسلاميين في السودان يمثل لحظة تاريخية وفرصة لمعالجة أزمات الدولة ، التي تتجلى في العلاقة الملتبسة بين " الدولة والمجتمع " ، وعندما نقول المجتمع نعني بذلك الشعوب السودانية المتنوعة التي تقطن في داخل الحدود الجغرافية للسودان الحالي ، وايضا العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة ، وبين القبيلة والدولة ، وبين الثقافة والدولة ، بين الحكومة والدولة ، وما تسببت فيه هذه الألتباسات من كوارث ، أدت إلى تعثر الديمقراطية في السودان ، واشعال الحروب الأهلية ، وتصدع لُحمة النسيج الوطني الذي يجمع بين السودانيين على أسس العدالة والمساواة .
لكن القوى المحسوبة على " الديمقراطيين السودانيين " والتي تشكلت في تحالف " الحرية والتغير " ذهبت في اتجاه مختلف تماما ، بقبولها للشروط التي وضعها المجلس العسكري حينها ، والتي اشترطت عدم المساس بطبيعة الدولة القائمة ، بالرغم من الاختلالات الفاضحة التي تقوم عليها هذه الدولة كما اسلفنا .
وقد رأئينا كيف سكتت اعداد كبيرة من " الديمقراطيين " عن الإجراءات الأنتقالية المهمة التي من شأنها أن تضع حدا " للدولة القديمة " القائمة على " اخضاع " الشعوب السودانية عبر العنف المفرط .
بالرغم من كل ذلك ، لم يحدث أن وصفت الحركة الشعبية شمال هذه القوى بأنها فارقت طريق الديمقراطية ، كما يصف الان البعض الحركة الشعبية بعد مشاركتها في تحالف السودان التأسيسي .
اضافة الى ذلك ، لا اعتقد اننا مضطرين بأن نُذًكر البعض " ان الشعب السوداني لم يعد في ذاك العصر الذي يمتلك فيه شخص واحد " مفاتيح التحالف الديمقراطي " في جيبه ... هذا زمانا ولى ولن يعود ".
أن تحالف قوى السودان التأسيسي يجمع في طياته قوى وطنية وديمقراطية وثورية لا تقل شأنا عن الديمقراطيين السودانيين الآخرين ، ولذلك فأن المزايدات والاتهامات العبثية ، والتشكيك في مواقف وتقديرات الأخرين ، لن تفيد بشئ ، وانما ما يفيد هو توجيه جهودنا نحو هدفنا المشترك كقوى تؤمن بضرورة تعزيز الديمقراطية في السودان ، بالرقم من التباين في المواقف ، التي يمكن ان نقلصها عبر معالجة قصورنا الذاتي ، و الاستمرار في الحوار فيما بيننا .
اما ما يتعلق بمشاركة الدعم السريع ، كعضو مؤسس في تحالف قوى السودان التأسيسي " تأسيس ) ، والحديث الكثيف الذي صاحب ذلك ، يجب أن نتفق اولا أن الدعم السريع حتى صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٥ كان طرفا في حكومة السودان الانتقالية ، وقبل ذلك كان طرفا في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس ٢٠١٩ ، وقبلها كان طرفا في تطورات الأحداث بعد إسقاط نظام البشير ، التناقض الوحيد الذي أثير وقتها ، هو وجود الدعم السريع كقوى منفصلة عن الجيش ، وهو ما تشكل على اثره توافق سياسي بضرورة مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية المفضية إلى ادماجه في القوات المسلحة السودانية ، بالتالي فأن مسألة عزل الدعم السريع من العملية السياسية الانتقالية تعتبر قضية غير مطروحة من ضمن الاجندة ، على الاقل في حقل القوى الديمقراطية ، وهذا ما يهمنا .
ثانيا : الدعم السريع ليس حزب سياسي ، وهو بنفسه، لم يقول انه حزب سياسي ، وبالتالي فأن التسأولات التي يطرحها البعض حول ، كيف الحركة الشعبية شمال تعقد تفاهمات مع تنظيم ليس لديه رؤية سياسية معروفة ولا منفستو ولا هياكل تنظيمية ، تصبح تساؤلات لا مكان لها من الأعراب .
حقيقة الأمر هي أن الدعم السريع كان طرفا في حكومة الأمر الواقع في السودان ، التي تفاوضت معها الحركة الشعبية شمال حول السلام ، في عدد من الجولات منذ العام ٢٠١٩ ، والحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل هي حرب بين طرفي المكون العسكري لحكومة الأمر الواقع ، وفي هذا السياق فأن الدعم السريع لا شك انه يلعب دور رئيسي في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على مستويين ، المستوى الأول إيقاف حرب ١٥ ابريل المستمرة بينه وبين الجيش ، والمستوى الثاني إيقاف الحروب المستمرة في السودان منذ سنوات سبقت حرب ١٥ ابريل ، في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وكل هذه العمليات تتحرك ضمن اطار أوسع يعمل من أجل وقف الحروب وتحقيق السلام في السودان ، تشارك فيه بأشكال مختلفة قوى داخلية ، وقوى اقليمية ودولية .
في هذا السياق تتحاور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، مع الدعم السريع ، ومع جميع المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى ، لأحلال السلام في السودان ، وللمعلومية أن الحركة الشعبية شمال ظلت منفتحة منذ العام ٢٠١٩ ، على الحوار مع المكونات التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة ، سوى كانت القوى السياسية الديمقراطية ، او المكون العسكرى ، او مجموعات المقاومة النقابية و الشعبية المستقلة ، إلى أن تتوج ذلك بميثاق قوى السودان التأسيسي " تأسيس " ، الذي خاطب القضايا الجذرية للأزمة في السودان .
هذا ما يتعلق بدور الدعم السريع ، وموقعه في العملية السياسية الانتقالية المقبلة في السودان ، والذي ذكرنا انه ليست محل اختلاف ، إلا لمن أراد ان " يختلق " اختلافا من العدم ، وبالتالي لا أحد يمكن ان يزايد على الحركة الشعبية شمال في هذا الأمر ، اما اؤلئك الذين يحاولون شن سهامهم تجاه تحالف قوى السودان التأسيسي عبر بوابة انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، التي يحملون مسؤوليتها ( بضربة واحدة ) للدعم السريع ، فهؤلا إما خصوم ، ممن يهدد الميثاق التأسيسي امتيازاتهم غير المشروعة ، وهؤلا في الغالب هم كيزان او متملقين / انتهازيين مستفيدين من الحرب .
او إما ضحايا للخطاب السائد الذي تبثه الأجهزة الدعائية لجيش البرهان ، وهو خطاب مسموم ، مقصود به دق طبول الحرب تحت رايات العنصرية والكراهية التي ستحرق " البيت " على رؤوس الجميع .
هناك الكثير من " المسكوت عنه " .بشأن انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، ومن مصلحة وطننا أن لا نغمض أعيننا عن ذلك . كما يعلم الجميع ، ان اغلب هذه الانتهاكات حدثت في ولايتي الخرطوم والجزيرة ، وهي من أكثر الولايات في السودان التي تظهر فيها تقسيمات المجتمع الطبقية متماهية مع التقسيمات الاثنية والقبلية في السودان بشكل صارخ ، وتظهر الفوارق في نوعية العيش بين الاحياء الفارهة التي تقطنها مكونات اجتماعية بعينها ظلت تتمتع بميزات اقتصادية وسياسية أفضل ، والحواري والكنابي التي تقطنها مجموعات مهمشة ظلت لسنوات طويلة يمارس ضدها ظلم شنيع تحت سمع ونظر الدولة ، فماذا يمكن ان نتوقع بأن يحدث بعد ان انهار الجيش والشرطة والأمن من أول طلقة .
الدعم السريع نفسه كان جزءا من مؤسسات حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين ، ولكن هذه المؤسسات بما فيها الدعم السريع والجيش وغيرها ، تشظت ودخلت في حرب فيما بينها .ولذلك من منظورنا أن مسألة الأنتهاكات التي تعرض لها المواطنين خلال حرب ١٥ اكتوبر كانت نتيجة لأزمة الدولة نفسها ، التي انهارت أجهزتها في غمضة عين ، في ظل وضع اجتماعي ملئ بالمظالم ، وقابل للانفجار في اي لحظة ، وليس كل من سرق ونهب هو من الدعم السريع ، هذه حقيقة بائنة للعيان ، الا من كان في عينه رمد .
شئ آخر ايضا ، ما يتعلق بالانتهاكات ونهب ممتلكات المواطنين التي حدثت في ولاية الجزيرة ، وسنار وسنجة هل المسؤول عنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ، ام ابوعاقلة كيكل قائد قوات " درع السودان" التي كانت موالية للجيش عند اعلانها ، ثم اصبحت فيما بعد مع الدعم السريع ، و هزمت الجيش في هذه المناطق ؟؟ .
واين يصطف " كيكل " الآن؟؟ .
لذلك ، فأن المشلكة لم تبدأ مع الدعم السريع ، بل هي مشكلة قائمة في عضم الدولة القديمة منذ سنين خلت ، وعلينا ان نتذكر أن ممارسات النهب والانتهاكات ضد المدنيين ظلت ترتكب ضد السودانيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وقبلها جنوب السودان طوال السبعين عاما الماضية ، وحينها لم يكن الدعم السريع موجودا .
اغلب سكان هذه المناطق أخذتهم دوامة النزوح واللجوء اللعينة ، لا يتحدثون عن " منزل او مكان أقامة " من اساسه ، فذلك عندهم نوع من الترف .
هاولاء ايضا هم اُسر واطفال وأباء وامهات ، فقدوا كل شئ قبل اربعين وثلاثين عاما ، مثلما فقدت اُسر ومجتمعات وسط السودان " الخرطوم والجزيرة ، ممتلكاتهم ومنازلهم خلال حرب ابريل الجارية حاليا ، فكل هذه المآسي هي نتائج للحرب ، واذا اردنا معالجة ذلك يجب مخاطبة أسباب الحرب ، بدلا من البكاء على النتائج .
اخيراً وليس اخراً ، ان مشروع السودان الجديد التأسيسي " تأسيس " كما اسلفنا ، هو مشروع يستهدف " قلب قواعد اللعبة " chang the game ، وبالتالي فهو لا يتماشى مع اهواء عقلية " تكرار التجارب الفاشلة " the train track " ، لذلك فأن هذا المشروع ربما يأخذ وقتاً ، لكنه على أي حال لن يسرق سبعين عام أخرى من عمرنا .
ولنا عودة
aosman@alhagigasouthsudan.com