رئاسة «COP28»: التمويل العامل الحاسم لتمكين التقدم في العمل المناخي
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
واشنطن (وام)
أخبار ذات صلةأكد السفير ماجد السويدي، المدير العام والممثل الخاص لرئاسة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف «COP28»، الرئيس التنفيذي لصندوق «ألتيرّا» الاستثماري، أن التمويل هو العامل الحاسم لتمكين التقدم في العمل المناخي، مشدداً على ضرورة توفيره بشروط ميسرة وتكلفة مناسبة للجميع، خصوصاً أن التقديرات تشير إلى حاجة البلدان النامية إلى ما يقرب من 2.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها خلال الجلسة النقاشية رفيعة المستوى التي استضافتها رئاسة مؤتمر الأطراف «COP28» بالشراكة مع فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بالتمويل المناخي، والمركز العالمي لتمويل المناخ، وصندوق «ألتيرّا»، والتي أقيمت في العاصمة الأميركية، واشنطن، على هامش اجتماعات الربيع 2024 لمجموعة صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي.
وقال: «سعينا في مؤتمر الأطراف (COP28)، إلى التعامل مع الاستثمارات في المناخ والطبيعة بذهنية إيجابية وتحويلها إلى فرص للنمو الاقتصادي والاجتماعي»، مؤكداً أن الجلسة النقاشية تمثل خطوة مهمة لتعزيز أهداف التمويل المناخي، ودعم تحقيق نتائج إيجابية في (COP29) وما بعده».
وناقشت الجلسة، التي استضافت العديد من وزراء تغير المناخ، والمالية، والقادة في مجال الاستثمار، وممثلين عن المؤسسات الخيرية والمجتمع المدني، التقدم المحرز في مجال التمويل المناخي منذ «COP28»، ويشمل ذلك إجراءات تنفيذ بنود «إعلان COP28 الإمارات بشأن التمويل المناخي»، الذي تم إطلاقه لبناء الزخم ودعم جهود تطوير هيكل التمويل المناخي العالمي الجديد لتحفيز الاستثمار في العمل المناخي، وخاصةً في دول الجنوب العالمي.
وانطلاقاً من حرص رئاسة مؤتمر الأطراف «COP28» على إدراج تطوير هيكل التمويل المناخي ضمن ركائز خطة عملها، فقد شاركت مع رئاسة «COP27» في تكليف فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بالتمويل المناخي إعدادَ تقرير يوضح الخطوات الرئيسة المطلوبة لتطوير هيكل التمويل المناخي العالمي، ومثّل إطلاق «إعلان COP28 الإمارات بشأن التمويل المناخي» خلال مؤتمر الأطراف «COP28» إحدى خطوات الاستجابة لهذا التقرير، بالإضافة إلى إطلاق كثير من المبادرات المهمة الأخرى مثل صندوق «ألتيرّا» الاستثماري والمركز العالمي لتمويل المناخ، وحضر إطلاق الإعلان 13 من القادة العالميين الداعمين، الذين يمثلون دولاً من مختلف أنحاء العالم تشكل 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وألقت مرسيدس فيلا مونسيرات، الرئيس التنفيذي للمركز العالمي لتمويل المناخ، كلمة ترحيبية، أوضحت فيها أن الشراكات الفعّالة حاسمة لتعزيز التمويل المناخي، لافتة إلى أن الفعالية تجمع العديد من الأطراف المعنية التي تستطيع جهودها وخبراتها ومواردها مجتمعةً توفير فرص استثمارية جديدة، وتعزيز الأثر الإيجابي على المناخ، والإسهام في تحقيق مستقبل أكثر استدامة للجميع.
وقالت: إن المركز العالمي لتمويل المناخ، سيعمل بصفته إحدى المبادرات الرائدة لمؤتمر الأطراف «COP28»، على جمع الأطراف المعنية، ودعم الابتكار، وتوسيع الأسواق المالية الفعالة.
وألقت معالي ميا موتلي، رئيسة وزراء بربادوس، كلمة رئيسية في الجلسة، كما قدم كل من اللورد نيكولاس ستيرنو، والدكتورة فيرا سونجوي، الرئيسان المشاركان لفريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بالتمويل المناخي، عرضاً توضيحياً حول تقرير الفريق.
وتحدث خلال مناقشات الجلسة كل من معالي أندريه أرانا كوريا دو لاغو، وزير شؤون المناخ والبيئة في البرازيل، وجون بوديستا كبير مستشاري رئيس الولايات المتحدة، ووبكي هوكسترا، مفوض الاتحاد الأوروبي للمناخ، وسيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وإلنور سولطانوف، الرئيس التنفيذي لـ«COP29»، وغيرهم، وذلك بحضور عدد من الوزراء والسفراء المعنيين بالمناخ من كلٍ من ألمانيا، وفرنسا، والدنمارك، وكينيا، وغانا، والمملكة المتحدة، وباكستان، ورؤساء بنوك التنمية متعددة الأطراف، والمسؤولين الماليين، والمستثمرين، وممثلي المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني.
وجاء التوصل إلى «إعلان COP28 الإمارات بشأن التمويل المناخي» بالاستفادة من الزخم الذي حققته مبادرات مثل مبادرة بريدجتاون التي دعمتها معالي ميا موتلي، ويمثل الإعلان آلية لمتابعة التقدم الذي أحرزته جميع الجهات الفاعلة في مجال التمويل المناخي، عبر القطاعين الخاص والحكومي، والتي تتضمن بنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية.
وشارك السفير ماجد السويدي، المدير العام لـ«COP28»، الرئيس التنفيذي لصندوق «ألتيرّا» في عدد من الفعاليات الأخرى التي أقيمت على هامش اجتماعات الربيع 2024 لمجموعة صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي بواشنطن، شملت جلسة نقاشية أقامتها رئاسة مجموعة العشرين البرازيلية حول التمويل المناخي المستدام، وفعالية أقامتها رئاسة «COP29» حول التمويل المناخي، وفعالية أقامها المنتدى الاقتصادي العالمي حول التمويل المناخي من القطاع الخاص، وفعالية حول الاستثمار المستدام في المدن نظمتها كل من رئاسة مؤتمر الأطراف «COP28»، ومؤسسة بلومبرغ الخيرية، والاتحاد العالمي لرؤساء البلديات للمناخ والطاقة، وشبكة المدن الأربعين القيادية للتغير المناخي «C40»، إلى جانب عدد من اللقاءات الثنائية والمشاركات الأخرى مع ممثلين حكوميين وماليين وممثلي المجتمع المدني.
وبفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة في دولة الإمارات، ودورها الفعال في تطوير نظام عالمي جديد للتمويل المناخي، تم التوصل إلى «اتفاق الإمارات» التاريخي خلال مؤتمر الأطراف «COP28»، الذي يسعى إلى تحفيز الاستثمار في المناطق التي تحتاجه أكثر من غيرها، ولا سيما في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
كما شهد المؤتمر، إطلاق دولة الإمارات صندوق «ألتيرا» الاستثماري، برأسمال يبلغ 30 مليار دولار كأكبر صندوق استثماري خاص يركز على مواجهة تغير المناخ في العالم، ويستهدف جمع وتحفيز استثمارات عالمية بقيمة 250 مليار دولار بحلول عام 2030 لبناء اقتصاد مناخي عالمي جديد. بالإضافة إلى إطلاق المركز العالمي لتمويل المناخ، ومقره الرئيس في سوق أبوظبي العالمي، بهدف تحفيز الاستثمارات والحلول المناخية عالمياً، وكذلك تقديم المشورة بشأن الأطر التنظيمية المناسبة، وتيسير الشراكات، وبناء قدرات الجهات الفاعلة في الإمارات وخارجها.
وتقوم دولة الإمارات بدور مهم في ترويكا رئاسات مؤتمر الأطراف، والتي تهدف إلى البناء على الزخم الذي تحقق في «COP28»، ودعم استمرارية العمل المشترك بين رئاسات مؤتمرات الأطراف «COP28» و«COP29» و«COP30»، للحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في حرارة كوكب الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: العمل المناخي ماجد السويدي إعلان COP28 بشأن المناخ والصحة كوب 28 المناخ التغير المناخي تغير المناخ العالمی لتمویل المناخ الرئیس التنفیذی التمویل المناخی مؤتمر الأطراف دولة الإمارات أن التمویل ألتیر ا
إقرأ أيضاً:
العمل الحقوقي في مواجهة أزمة التمويل: هل نشهد تراجعا لا رجعة فيه؟
لطالما شكلت منظمات حقوق الإنسان حجر الأساس في الدفاع عن الحريات الأساسية، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم للضحايا حول العالم. ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات اليوم أزمة غير مسبوقة تهدد استمراريتها نتيجة تقليص أو قطع التمويل، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على أداء دورها الحيوي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إعلان الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) في 25 شباط/ فبراير 2025 في بيانه التاريخي تعليق عملياته بسبب عدم تمكنه من الوصول إلى الأموال المخصصة له من قبل الكونغرس الأمريكي، وهو ما أدى إلى وقف دعمه لحوالي 2000 منظمة شريكة تعمل في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون، الأمر الذي يشكل ضربة قاسية للعمل الحقوقي في مختلف أنحاء العالم.
ويُعد الصندوق واحدا من أبرز الجهات الدولية التي كرست جهودها على مدار عقود لدعم الحركات الديمقراطية حول العالم. فمنذ تأسيسه عام 1983، لعب دورا محوريا في مساندة نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين والمنظمات المدنية، حيث قدم دعما لا يقدر بثمن للجهود الرامية إلى محاربة الاستبداد، وتعزيز الحريات السياسية، وتمكين المجتمعات من مواجهة القمع والتسلط. ونتيجة لذلك، أصبح الصندوق الوطني للديمقراطية هدفا للأنظمة القمعية التي ترى في أنشطته تهديدا لنفوذها. كما أن قرار تعليق عملياته بسبب انقطاع التمويل يكشف مدى هشاشة الدعم المقدم لمنظمات حقوق الإنسان أمام التقلبات السياسية.
وفي هذا السياق، يُعد التمويل العصب الرئيس لعمل المنظمات الحقوقية، حيث يمكّنها من تنفيذ مشاريعها، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا. إلا أن الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي جعل هذه المنظمات عرضة للضغوط السياسية، إذ تستخدم بعض الحكومات المانحة التمويل كأداة نفوذ لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. ومن هنا، أصبح دعم حقوق الإنسان في بعض المناطق مرتبطا بالمصالح الجيوسياسية أكثر من كونه التزاما مبدئيا، مما دفع العديد من المنظمات إلى مواجهة خطر الإغلاق أو تقليص عملياتها بشكل كبير.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير الصراعات السياسية والعسكرية على تراجع الدعم لمنظمات حقوق الإنسان. فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، تحولت أولويات العديد من الحكومات نحو دعم المجهودات العسكرية بدلا من تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أدى تصاعد التوجهات الاستبدادية لدى بعض الأنظمة الديمقراطية الداعمة في بعض الدول إلى فرض قيود إضافية على عمل المنظمات الحقوقية وجهات التمويل، مما زاد من تعقيد مهمتها. وفي ظل هذه المتغيرات، أصبح البحث عن بدائل تمويلية مستدامة ضرورة ملحة لتجنب التراجع غير المسبوق في قدرة المنظمات على حماية الحقوق الأساسية ومنع تصاعد الانتهاكات دون رقيب.
وبالحديث عن ذلك، فقد شكل إعلان الصندوق عن تعليق عملياته صدمة كبرى للمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أدى إلى وقف دعم آلاف المنظمات حول العالم. ولم يكن هذا القرار مجرد إعلان إداري، بل جرس إنذار يُدشن مرحلة جديدة من المواجهة بين العمل الحقوقي والإجراءات التي تستخدم التمويل كأداة ضغط سياسي. فقد كشف هشاشة النظام الداعم للعمل الحقوقي ومدى تأثير القرارات السياسية على استمراريته، مما جعل الحاجة إلى حلول بديلة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
ومن هنا، وفي مواجهة هذه التحديات، أصبح من الضروري إعادة النظر في استراتيجيات التمويل، والبحث عن مصادر دعم أكثر استدامة بعيدا عن الهيمنة السياسية.كما أعاد هذا الحدث النقاش حول استقلالية العمل الحقوقي وضرورة بناء تحالفات وشبكات دعم جديدة تضمن استمرار منظمات المجتمع المدني دون الابتزاز المالي أو الضغوط السياسية. وعلى الرغم من صعوبة هذه المرحلة، فإنها قد تمثل فرصة لإعادة هيكلة القطاع الحقوقي وتعزيز استقلاليته، حيث بات من الواضح أن الاعتماد على التمويل الخارجي وحده لم يعد خيارا آمنا، وأن النضال الحقوقي بحاجة إلى إصلاحات جوهرية تضمن استمراريته وتحميه من التقلبات السياسية والإدارية التي تهدد وجوده.
التمويل كعصب رئيس لعمل المنظمات الحقوقية
يُعد التمويل عنصرا حاسما في عمل المنظمات الحقوقية، حيث يمكّنها من القيام بأدوارها الأساسية في توثيق الانتهاكات، تقديم الدعم للضحايا، والمناصرة الدولية. تعتمد هذه المنظمات على الموارد المالية لتنفيذ مشاريعها، وتوفير المساعدات القانونية والنفسية والاجتماعية للمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى تنظيم الحملات والضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية لاتخاذ إجراءات فعالة تجاه القضايا الحقوقية. بدون هذا التمويل، تصبح هذه الأنشطة مهددة بالتوقف، مما يترك الضحايا بلا دعم ويقلل من قدرة المجتمع المدني على محاسبة الجناة.
تستمد المنظمات الحقوقية تمويلها من عدة مصادر تقليدية، تشمل الحكومات الديمقراطية، والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والجهات المانحة الخاصة، مثل المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الربحية التي تخصص ميزانيات لدعم مشاريع حقوق الإنسان. ورغم أهمية هذه المصادر، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يجعل المنظمات عرضة للتأثر بالتحولات السياسية والاستراتيجيات الدولية التي قد تُستخدم للتأثير على عملها. في بعض الأحيان، تُستخدم آليات التمويل للضغط على المنظمات الحقوقية لتغيير أولوياتها أو الحد من انتقاداتها للجهات المانحة، مما قد يؤثر على استقلالية عملها.
عند قطع التمويل أو تقليصه، تواجه المنظمات الحقوقية تحديات فورية، مثل تسريح الموظفين وإغلاق المشاريع الحيوية، ما يؤدي إلى تراجع قدرتها على الاستمرار في العمل الميداني. كما تصبح عمليات التوثيق والمناصرة أكثر صعوبة، حيث تعجز هذه المنظمات عن تغطية التكاليف اللوجستية والقانونية، مما يحدّ من تأثيرها ويزيد من هشاشتها. في ظل هذه التحديات، يصبح البحث عن نماذج تمويل مستدامة أمرا ضروريا للحفاظ على استقلالية المنظمات وقدرتها على مواصلة الدفاع عن حقوق الإنسان.
التداعيات الفعلية على العمل الحقوقي
إن قطع التمويل أو تقليصه لا ينعكس فقط على الميزانيات التشغيلية للمنظمات الحقوقية، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على قدرتها على توثيق الانتهاكات وإعداد التقارير الدولية، حيث تعتمد هذه المنظمات على فرق متخصصة في جمع الأدلة، وإجراء التحقيقات الميدانية، وإعداد تقارير تفصيلية حول أوضاع حقوق الإنسان. ومع تراجع التمويل، تصبح هذه العمليات أكثر صعوبة، حيث يُجبر العديد من الباحثين والمحققين على ترك أعمالهم بسبب نقص الموارد، مما يؤدي إلى فراغ معلوماتي خطير يحد من قدرة المجتمع الدولي على محاسبة الجناة ووضع الضغوط اللازمة لوقف الانتهاكات.
إضافة إلى ذلك، يُؤدي خفض التمويل إلى إضعاف الحماية المقدمة للمدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة في البيئات القمعية حيث يواجه النشطاء مخاطر متزايدة من الملاحقة والاعتقال وحتى التهديد بالقتل. فعادة ما توفر المنظمات الحقوقية دعما قانونيا وأمنيا للمدافعين عن الحقوق، وتساعدهم في الحصول على ملاذ آمن أو مساعدات قانونية عند تعرضهم للخطر. ولكن مع تضاؤل الموارد المالية، تصبح هذه الحماية محدودة أو شبه معدومة، مما يعرض هؤلاء النشطاء لمزيد من القمع دون أي شبكة دعم أو آليات فعالة لحمايتهم.
علاوة على ذلك، فإن هذه الأزمة المالية تؤثر بشكل كبير على برامج التوعية والتدريب والمناصرة، والتي تُعد أدوات رئيسية في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الوعي المجتمعي بالقضايا الحقوقية. فتقليص الميزانيات يعني إلغاء العديد من ورش العمل والدورات التدريبية والحملات الإعلامية التي تهدف إلى تثقيف الأفراد حول حقوقهم، وتقوية قدرات النشطاء على مواجهة التحديات القانونية والسياسية. ومع تراجع هذه الأنشطة، يصبح المجتمع المدني أكثر هشاشة، وتفقد الحركات الحقوقية تأثيرها على المستوى المحلي والدولي، مما يُمهّد الطريق أمام المزيد من التراجع في أوضاع الحريات والحقوق الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليص أو قطع التمويل سيؤدي إلى تأجيج التنافسية بين المنظمات الحقوقية، حيث ستصبح المؤسسات مضطرة إلى التنافس فيما بينها للحصول على أكبر قدر ممكن من التمويل المتبقي، مما سيخلق ديناميكية غير صحية في قطاع حقوق الإنسان. ففي ظل معادلة البقاء للأقوى، ستكون الخاسر الأكبر هي المنظمات الصغيرة والمجموعات المجتمعية التي تعمل مع الفئات المهمشة، إذ إن هذه الجهات غالبا ما تعتمد على تمويلات محدودة وغير مستدامة، ما يجعلها أكثر عرضة للانهيار في أوقات الأزمات المالية. وفي المقابل، قد تتمكن المنظمات الكبرى التي تمتلك علاقات قوية مع الجهات المانحة من الاستمرار، لكنها قد تضطر إلى تعديل أولوياتها لتتماشى مع مصالح الممولين، مما قد يُضعف التركيز على القضايا الحقوقية الأكثر حساسية والتي تهم الفئات الأكثر ضعفا.
بدائل لاستدامة تمويل العمل الحقوقي
في ظل الأزمات المالية التي تهدد استمرارية منظمات حقوق الإنسان، يصبح البحث عن بدائل تمويلية مستدامة أمرا بالغ الأهمية لضمان استمرار هذه المنظمات في أداء دورها دون الخضوع للضغوط السياسية التي قد تفرضها الجهات المانحة التقليدية. ومن هذا المنطلق، فإن تنويع مصادر التمويل يمثل استراتيجية ضرورية تتطلب إجراءات على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل لضمان استدامة العمل الحقوقي في مواجهة التحديات المتزايدة.
الإجراءات قصيرة الأمد: حلول عاجلة لمواجهة الأزمة
تتمثل الإجراءات قصيرة الأمد في الخطوات العاجلة التي يمكن للمنظمات الحقوقية اتخاذها لمواجهة الأزمة المالية وضمان استمرارية أنشطتها على المدى القريب. من بين هذه الإجراءات إطلاق حملات تمويل جماعي عبر الإنترنت، والتي تتيح الوصول إلى تبرعات مباشرة من الأفراد الداعمين لحقوق الإنسان، مما يوفر مصدرا سريعا للتمويل. كذلك، يُعد إعادة هيكلة الميزانيات عبر تقليل النفقات غير الضرورية والتركيز على الأولويات الأساسية خطوة حاسمة لضمان استمرار العمليات الأساسية للمنظمات.
إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التعاون المؤقت بين المنظمات من خلال تبادل الموارد والخبرات بدلا من التنافس على التمويل المتاح، مما يساهم في تخفيف الضغوط المالية بشكل فوري. كما تُعد إعادة التفاوض مع الجهات المانحة أحد الحلول الفعالة، حيث يمكن للمنظمات العمل على تعديل شروط التمويل أو تمديد فترات الدعم لضمان استمرار المشروعات القائمة دون توقف مفاجئ قد يعيق عملها.
الإجراءات طويلة الأمد: نحو استدامة مالية حقيقية
أما الإجراءات طويلة الأمد، فتعتمد على بناء استراتيجية تمويل مستدامة تضمن للمنظمات الحقوقية استقلالية مالية أكبر على المدى البعيد، مما يقلل من تأثير الضغوط الخارجية عليها. ومن بين هذه الحلول، تنويع مصادر التمويل عبر إقامة شراكات مع القطاع الخاص، حيث يمكن للشركات الداعمة للمسؤولية الاجتماعية أن توفر تمويلا مستداما للمنظمات الحقوقية. كما يمكن إطلاق مشاريع مدرة للدخل، مثل تقديم الاستشارات القانونية والتدريب في مجالات حقوق الإنسان، مما يساعد على توفير دخل ذاتي يقلل من الاعتماد على المانحين التقليديين.
بالإضافة إلى ذلك، يُعد إنشاء صناديق وقفية من بين الحلول الأكثر استدامة، حيث توفر هذه الصناديق مصدرا تمويليا طويل الأمد يمكن استثماره لدعم الأنشطة الحقوقية دون الحاجة إلى تمويل خارجي مستمر.كما أن تطوير شبكات وتحالفات حقوقية دولية يساهم في تعزيز قدرة المنظمات على مواجهة الضغوط المالية والسياسية، إذ توفر هذه الشبكات آلية لتبادل الدعم والخبرات، مما يسهم في تعزيز استدامة العمل الحقوقي رغم التحديات المتزايدة.
بهذه الطريقة، يمكن للمنظمات الحقوقية أن تتخطى الأزمة المالية عبر الجمع بين إجراءات قصيرة الأمد توفر استمرارية فورية، وإجراءات طويلة الأمد تضمن الاستقلالية والاستدامة، مما يمكنها من مواصلة دورها في حماية حقوق الإنسان دون قيود مالية أو سياسية.
التحديات الثقافية والمجتمعية أمام استدامة العمل الحقوقي
رغم أهمية البحث عن نماذج تمويل بديلة واستراتيجيات استدامة لمنظمات حقوق الإنسان، إلا أن التحدي الأساسي الذي يعيق مثل هذا التحرك في منطقتنا هو الثقافة السائدة حول العمل الحقوقي. إذ يرى قطاع واسع من المجتمع أن هذه المنظمات ليست نابعة من الداخل، بل هي امتداد لتدخلات خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار، مما يجعل أي محاولة لتعزيز التمويل المحلي محفوفة بالمخاطر وسوء الفهم.
يعود هذا التصور إلى عقود من التشكيك في مصطلح "حقوق الإنسان"، حيث جرى الترويج لفكرة أن القيم الحقوقية ليست أصيلة في ثقافتنا، بل تم فرضها من الخارج كجزء من أجندة سياسية تهدف إلى إشاعة الاضطراب وتهديد الهوية الوطنية.وقد ساهمت بعض الحكومات والجهات الإعلامية في تأجيج هذا الانطباع عبر تصوير المنظمات الحقوقية على أنها أذرع لمصالح أجنبية، وهو ما جعل المواطن العادي في كثير من الأحيان ينظر إليها بارتياب أو عداء بدلا من اعتبارها مؤسسات تعمل لصالحه.
هذا التصور لا يؤثر فقط على قبول المجتمع لهذه المنظمات، بل يعرقل أيضا إمكانية تنويع مصادر تمويلها من الداخل. فحتى عندما تحاول هذه المنظمات الاعتماد على الدعم المحلي من القطاع الخاص والمجتمع المدني، تجد نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في إحجام الشركات والمواطنين عن تقديم الدعم خوفا من الارتباط بجهة تُعتبر "مشبوهة" أو "مستهدفة سياسيا". وهكذا، يصبح من الصعب بناء تمويل محلي مستقل، مما يُبقي هذه المنظمات في دائرة الاعتماد على الجهات المانحة الدولية، وهو ما يعيد إنتاج الأزمة ذاتها التي تحاول هذه المؤسسات تجاوزها.
كيفية تجاوز هذا التحدي؟
لمعالجة هذه الإشكالية، لا بد من إعادة تأطير العمل الحقوقي بحيث يتم تقديمه للمجتمع بوصفه جزءا أصيلا من نسيجه الثقافي، وليس كفكرة مستوردة. وهذا يتطلب جهودا توعوية مكثفة، تشمل إشراك شخصيات مجتمعية مؤثرة في الدفاع عن الحقوق الأساسية، وتوضيح أن حقوق الإنسان ليست مفاهيم غربية، بل هي قيم إنسانية عالمية تتقاطع مع المبادئ الدينية والثقافية التي نشأت عليها مجتمعاتنا.
كما أن هناك حاجة إلى تعزيز الشراكات مع المؤسسات المحلية، مثل النقابات، والجمعيات الأهلية، وحتى الهيئات الدينية، لخلق بيئة أكثر تقبلا للعمل الحقوقي، مما يسهل عليه كسب شرعية داخلية تساعد في التغلب على الصورة النمطية المرتبطة به.
في النهاية، لا يمكن الحديث عن استدامة حقيقية للعمل الحقوقي دون تغيير نظرة المجتمع تجاهه، وإقناع الناس بأنه ليس تهديدا أو مشروعا خارجيا، بل هو أداة لحماية كرامتهم وحقوقهم الأساسية. هذه المعركة تتطلب وقتا وجهدا، لكنها ضرورية لضمان أن يصبح الدفاع عن الحقوق جزءا من ثقافة المجتمع وليس فكرة دخيلة عليه.
الخاتمة
لا يمكن إغفال أن العمل الحقوقي هو جزء من الإطار الأخلاقي الذي يشكل عصب المجتمع، فهو ليس مجرد نشاط مؤسسي أو مشروعات تموّلها الجهات المانحة، بل هو التزام أخلاقي وإنساني يسعى إلى حماية الحقوق الأساسية وتعزيز العدالة والمساواة. هذا الدور يجعل منظمات حقوق الإنسان ركيزة أساسية في بناء مجتمعات أكثر عدلا وإنصافا، الأمر الذي يتطلب ضمان استدامتها واستقلاليتها بعيدا عن التقلبات السياسية والمالية.
وفي هذا السياق، لا ينبغي أن ننسى أن العاملين في مجال حقوق الإنسان لا يعتمدون فقط على التمويل أو الموارد المادية، بل إن جزءا كبيرا من عملهم يقوم على التضحية، حيث يكرّسون وقتهم وجهدهم وحتى أمنهم الشخصي في سبيل مساندة الضحايا والدفاع عن الفئات المهمشة، دون البحث عن مكاسب شخصية أو منافع مادية. إن التزام هؤلاء النشطاء بالقضية الحقوقية هو ما يجعل استمرار هذا العمل ممكنا، حتى في أحلك الظروف وأشد الأزمات.
لذلك، فإن أزمة التمويل الحالية ليست مجرد تحدٍ إداري، بل اختبار حقيقي لمستقبل العمل الحقوقي، ما يتطلب حلولا مبتكرة لضمان استمراريته رغم القيود المالية. ومن هنا، يجب العمل على تنويع مصادر التمويل، وتعزيز الدعم المحلي، وتطوير نماذج استدامة جديدة، مع بناء شراكات وتحالفات قوية تضمن استمرار النضال الحقوقي بعيدا عن الضغوط السياسية.
وفي النهاية، حماية حقوق الإنسان ليست مسؤولية المنظمات فقط، بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمعات المدنية، والإعلام، والأفراد الذين يدركون أن العدالة والكرامة الإنسانية لا يمكن أن تكون مرهونة بميزانيات أو سياسات دولية، بل هي قيمة يجب الدفاع عنها بغض النظر عن الظروف والتحديات.