شهد ملتقى القاهرة الأدبي السادس  اليوم في يومه الرابع عقد ندوة تحت عنوان "من الذاكرة إلى النص حياة واقعية مقتبسة في الأدب" استضافت الكاتبة الهولندية كريستين أوتن، وهي مخرجة مسرحية وصحافية موسيقية، صدر لها عن دار صفصافة للنشر ترجمة لروايتها "الشعراء الأخيرون" بترجمة للكاتب والمترجم المصري عبد الرحيم يوسف والكاتب المصري طارق إمام الذي يتنوع انتاجه بين الروايات والمجموعات القصصية، من أبرزها "هدوء القتلة" 2007، "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" 2012، "ضريح أبي" 2013، "مدينة الحوائط اللانهائية"2018 و"طعم النوم" 2019.


وأدارت الندوة الكاتبة المصرية الشابة منى عبد ربه، التي بدأت بالسؤال عن الدور الذي يلعبه الأدب في الكتابة عن الحيوات الواقعية للشعراء.
قال طارق إمام إن إحدى المهام الأساسية للأدب هي أنه يدخل على الرواية المستقرة والواقعية ليثبت أن لا وجود لها لان الواقع ممتليء بالثغرات ويحتاج الفن دائما لكي يشتبك مع المجهول والهامشي به فعيد تفسيره
وعن سؤال الشعور بالاغتراب في المدينة وعلاقة كفافيس بها قال طارق أن الأدب يلعب دورين مختلفين تماما حيث يؤكد على استكشاف الخصوصية فنستطيع ان نعثر على كفافيس من المدينة كما نجيب على سؤال المدينة نفسه من حياة كفافيس مؤكدا أن ذاكرة المدينة تنتقل للقاريء بواسطة النص بأشكال عديدة بحيث يمكن للقارىء أن يشعر ويرى المدينة بالضبط ويدرج جزء من تاريخ المكان عن طريق ذاكرة الأدب مضيفا أن أحد اهدافه هو تثبيت صورة ما لقاهرة نعيشها الآن قاهرة حاضرة لكننا نعرف أنها ستختفي قريبا 
ورأى إمام أن دور الفن في اللحظة الحالية هو أن يخلص بشكل تام لرصد والتقاط تحولات المكان والتأكيد على التغيرات الآخذة في ابتلاعه والتعبير عنه في لحظة التحول لتقديم المكان المتسائل عن ذاته وليس المكان الجامد.
وعن المدينة التي يرغب في الكتابة عنها يقول إمام انه يرغب في الكتابة عن مدينة "فوة" التي ولد بها في محافظة كفر الشيخ مفضلا ابكتابة عن المدينة والواقع بشكل فانتازي وعجائبي ليس للهروب من الواقع ولكن لتعميقه والالتحام به.
ورأت  كرستين أوتن أن الكتابة عن الشعراء ليست لملئ الفراغات بل إن الجميع جزء من الصورة حيث قالت أن البشر جميعا مهمين ككل نقطة مياة في المحيط.
بعد ذلك تحدثت كرستين عن كيف بدأت في الكتابة عن روايتها "الشعراء الاخيرون"، فعندما رأت كيف يؤثر الأمريكان من أصل أفريقي بموسيقاهم الهيب هوب على الأطفال والمراهقين أحبت ان تكتب عن معانتهم ولكي تكتب عن معانتهم يجب ان تشعر بهم لهذا قررت ان تخوض تجربة تعليم السجناء الكتابة الإبداعية حيث في ظل هذه الظروف القاسية استطاع السجناء اخراج طاقتهم ومشاعرهم في الكتابة ، مؤكدة أن من خلال الفن نفهم التاريخ أحسن.
ثم ختمت منى عبدالوهاب بسؤال كرستين عن رؤيتها لمصر قبل زيارتها وبعد الزيارة، فذكرت أن -للأسف- في أوروبا لم يملكون فرصة التعرف على أدب إفريقيا ولهذا كانت تخيلتها قليلة عن مصر وأنها سعيدة لترى روايتها تترجم إلى العربية وأنها عندما أتت رأت سيدات يكتبون وسعدت أكثر إن الأدب العربي بدأ أن  يترجم إلى اللغات الأوروبية وتتمنى أن يتم تكملة ترجمة الأدب العربي ليرى الغرب ما لدى الدول العربية من ثقافة وأدب خاص بهم.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ملتقى القاهرة الأدبي المصري طارق إمام فی الکتابة عن

إقرأ أيضاً:

سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ثمة أصوات في الشعر لا تُشبه أحدًا، تمضي بصمت، تتفادى الأضواء، لكنها تُقيم في جوهر الشعر نفسه، في طينته الأولى، قبل أن تمسه الأيدي وتُزَينه الصناعة. من بين تلك الأصوات، يقف الشاعر  فتحي عبد السميع، لا يطلب الحفاوة ولا يمدّ يده لجمهور عابر، بل ينقّب، يحفر، يُفتّش في الظلال، ويترك القصيدة تمشي كما لو كانت نبتة برّية نَمَت من شق في الجدار.

ليست تجربته الشعرية محض انفعال جمالي، ولا تنتمي إلى تيار بعينه، ولا تتوسل الموجة، ولا تلتصق بصيغة واحدة. بل هي ضربٌ من الحفر البطيء في الذاكرة، وفي الجغرافيا، وفي اللغة، وفي خريطة الوجود البشري ذاته. إنّها قصيدة العزلة المختارة، حيث تتحول المفردة إلى أثر، والصورة إلى قلق، والمعنى إلى سؤال.

حين نقرأ فتحي عبد السميع، لا نُفكر في الجنوب كجهة، بل كوعي. الجنوب في قصيدته ليس موقعًا على الخريطة، بل شجرة أنساب، حيث ينبت الشعر من رماد الأسطورة، ومن صدأ الأيام، ومن الذكرى التي لا تموت. نشأته في محافظة قنا، بين أطياف القرى وجراح المدن الصغيرة، صاغتْ فيه هذا التوازن العجيب بين الحنين والحذر، بين التعلق بالجذور، والارتياب من ظلالها الطويلة.

هو لا يمارس الفولكلور، ولا يستعيد الجنوب بصفته مادة خامًا، بل يُعيد كتابته من الداخل، كما لو كان الجنوب نفسه من يكتب، عبر صوته، مرثيته للزمن. ولهذا نجد في قصائده تواترًا للمكان لا بوصفه حقلًا للحنين، بل كمجالٍ للكشف، وإعادة النظر. لا نجد الجنوب في النخيل فقط، بل في صمت النسوة، في عرق الفلاح، في مكر الأمثال، في غبار الطرقات، في ضحكات العجائز الملتبسة.

إنّ الجنوب عند عبد السميع ليس ديكورًا، بل ذاكرة كونية تُختزل في لقطة: باب مغلق، ظل على الجدار، عكاز في الزاوية، مشهد يُغني عن ألف رواية.

القصيدة عند فتحي عبد السميع لا تبدأ من اللغة، بل من الصمت. ولعلّ هذا ما يمنحها تلك الهالة الخفيّة، ذلك التردد الحزين الذي يسكن خلف الصور، ويمرّ في الخلفية كما يمرّ شبح في مرآة. كأنّ الكتابة عنده ليست فعل كلام، بل طقس إصغاء. الإصغاء إلى ما لم يُقل، إلى ما اختبأ في العادي واليومي والمُهمل.

هو شاعر التفاصيل الصامتة، لا يرفع صوته، لكنه يرفع وعينا. لا يُكثر من الزينة البلاغية، ولا يستعرض عضلاته اللغوية، بل يقدّم بيت الشعر كمن يُقدّم ماءً نقيًّا خرج توا من بئر مهجورة. الشعر لديه لا يحتفل بالعاطفة، بل يراقبها، ولا ينفعل، بل يُدبّر، ولا يبني أمجاده على الخراب، بل يُنصت إليه ليعرف كيف يُشفى.

هذه النزعة إلى الإنصات تمنح شعره خصوصية ما، وتُبعده عن خطابات الشعر الجاهزة: لا رثاء أجوف، لا بطولة، لا صراخ، بل إعادة اكتشاف للبساطة كقيمة، وللعادي كمأساة.

فتحي عبد السميع ليس شاعرًا فقط، بل هو عارف، بالمعنى الصوفي للكلمة. تتجلى هذه المعرفة في اشتغاله الطويل على الأمثال الشعبية، وقدرته النادرة على تفكيكها، لا باعتبارها أقوالًا ساذجة، بل كنصوص مكثفة اختزلت أعمارًا وتجارب.

الحكمة عنده ليست خاتمةً جاهزة، بل مسارٌ للانتباه. وهو حين يقترب من الموروث، لا يحنطّه ولا يتباهى به، بل يُزيل عنه الغبار، ويُعيد إليه دفء الاستعمال، ويُخضعه لأسئلته الخاصة. ولهذا فإنّ قصيدته في جوهرها، تكتب الذات وهي تتأمل الجماعة، وتستدعي الجماعة وهي تُنصت للذات.

قلما نجد شاعرًا معاصرًا يمنح اللغة كل هذا الاحترام الهادئ. عبد السميع لا يتعامل مع اللغة كوسيلة، بل كقيمة. لا يستعجل الصورة، بل يُنضجها على نار النظر الطويل، ولا يُراكم المجاز، بل ينتقيه كمن يقطف عنقودًا واحدًا من عنبٍ كثير. في الوقت الذي يُحتفى بالجرأة الفارغة والانزياح المستهلك، تبدو لغته نظيفة، كأنّها خرجت لتوّها من الغسيل، محمّلة برائحة قديمة.

في قصائده، الأشياء تُسمّى كأنها تُنادى باسمها الأول: الباب، القمر، الغيم، الحجر، النخلة، الظل. لكنه لا يكتفي بالاسم، بل يكشف عن الروح التي تسكنه. يُعيد للأشياء براءتها المفقودة، كما لو أنّه يربّت عليها، ويُطمئنها: ما زال هناك من يراها.

ليس كثيرًا أن يكون الشاعر ناقدًا، لكن القليل منهم من يستطيع الفصل بين الصوتين. فتحي عبد السميع يفعل ذلك بتوازن لافت. نقده لا يُخضع الشعر للمنطق، بل يحاور الشعر من داخله، يستنطقه، ويضيء زواياه الخفية. وهو حين يكتب عن شعراء آخرين، لا يمارس سلطة، بل يُشبه من يُنصت، ثم يُعلّق بصدق، ولو على حساب التواطؤ النقدي السائد.

هذه المزاوجة بين التجربة الشعرية والرؤية النقدية، منحت نصّه اتزانًا فريدًا، وصيرته شاعرًا لا يمشي خلف موضة، ولا يُعاد إنتاجه. بل ظل وفيًّا لصوته، لهذا النبع السريّ الذي لا يجري في نهرٍ واحد.

في شعره، نلمح الحكاية التي لم تُروَ، النخلة التي لم تُرَ، القمر الذي لم يُكتَب، والأم التي تمشي في الحقل من دون أن تنتبه أنها قصيدة تمشي. في شعره، ينسى القارئ أنه يقرأ، ويشعر فقط أنه يصغي، وأنّ هناك شيئًا حقيقيًا يحدث، شيء نادر، لا اسم له، لكنه يُشبه الحياة حين تصير أكثر جمالًا مما ينبغي.

مقالات مشابهة

  • «المكان اللي برتاح فيه».. هند صبري تهنئ بعيد عيد تحرير سيناء بهذه الطريقة | صور
  • غدا.. بدء فعاليات مؤتمر الفيوم الأدبي بمشاركة 200 مثقف
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • هل يجوز تعدد صلاة الجمعة بالمسجد الواحد لضيق المكان؟.. الإفتاء تجيب
  • مسامرة «موضوعها مصطفى» مع الراحل خطاب حسن أحمد
  • حضور دولي واسع بملتقى الإمارات للسلامة من الحريق
  • خبراء يناقشون سؤال: الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟
  • ما صحة تمرير مرشحين رسبوا في امتحانات الكتابة في البقاع؟
  • "الحكي الشعبي.. رؤى وتجليات" في مناقشات الندوة العلمية بملتقى فنون البادية بالعريش|صور
  • “النظرية بين النص والتأويل” أمسية ثقافية بتبوك