مع انعقاد الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي في الرياض يوم الثلاثاء 23 أبريل، تفتح الرابطة فصلاً جديداً في مسيرتها الطويلة نحو تعزيز السلم والتفاهم العالميين. تأسست الرابطة في عام 1962 كمنصة لتعزيز التفاهم بين الشعوب والثقافات المختلفة، وقد شهدت في السنوات الأخيرة، تحت قيادة الأمين العام الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، توسعاً ملحوظاً في نطاق عملها وتأثيرها العالمي.

الرابطة، بقيادتها الحكيمة النشطة، أعادت تعريف دورها العالمي بتبنيها لعدة مبادرات رئيسية تستهدف تحقيق الأهداف الأساسية للإسلام في السلام والتعاون الإنساني. من بين هذه المبادرات وثيقة مكة المكرمة التي تُعد نقطة تحول مهمة في التأكيد على القيم الإسلامية الأصيلة، وموقف الإسلام من قضايا العصر المعقدة.

 وثيقة مكة المكرمة، التي صدرت في قلب العالم الإسلامي خلال العشر الأواخر من رمضان، تُعدّ إعلانًا رمزيًا وعمليًا بالغ الأهمية يُبرز التزام رابطة العالم الإسلامي بتجديد فهم وتطبيق القيم الإسلامية في مواجهة تحديات العصر الراهنة. هذه الوثيقة، التي تُعتبر خارطة طريق إسلامية حديثة، تشمل العديد من المحاور الأساسية التي تهدف إلى تعزيز السلام والتعايش السلمي بين مختلف شعوب وثقافات العالم.

أولًا، تؤكد الوثيقة على أهمية الأخوة الإنسانية وتقدير التنوع الثقافي والديني كجزء من الخلق الإلهي. تُشير إلى أن الاختلافات بين البشر، سواء كانت لغوية أو ثقافية، هي إحدى آيات الله التي يجب احترامها وتقديرها وليست سببًا للنزاع أو الفرقة.

ثانيًا، تدعو وثيقة مكة المكرمة إلى إقامة شراكة حضارية إيجابية تتجاوز الاختلافات الإثنية أو الدينية من خلال تعزيز الحوار والتعاون المتبادل بين الحضارات. تُشدد الوثيقة على أن هذا النهج يعزز الفهم المتبادل ويبني جسور التعاون التي يمكن أن تؤدي إلى عالم أكثر سلامًا ووئامًا.

ثالثًا، تعالج الوثيقة مسألة الصراعات المذهبية داخل العالم الإسلامي بدعوة المسلمين إلى التركيز على المشتركات التي تجمع بينهم بدلاً من الاختلافات التي قد تفرقهم. تُحث الوثيقة على ضرورة التسامح واحترام الآراء المختلفة ضمن إطار الإسلام، مؤكدةً على أن التنوع داخل الأمة الإسلامية هو مصدر قوة وليس ضعفًا.

رابعًا، تتناول الوثيقة الدعوة إلى العمل الجماعي ضد الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، مُعتبرةً أن هذه الآفات لا تمثل الإسلام في شيء وأن الإسلام دين سلام يُحرّم العنف والإكراه في الدين. تُشدد الوثيقة على أهمية التعليم ونشر الوعي الصحيح حول حقيقة الإسلام لمحاربة الجهل الذي يُمكن أن يؤدي إلى  التطرف.

خامسًا، تُعبر الوثيقة عن رفضها للاستغلال السياسي للدين وتؤكد على أهمية الفصل بين الممارسات الدينية والسياسية التي تستغل الدين لأغراض غير أخلاقية. تُشير إلى أن الدين يجب أن يكون مصدر إلهام للعمل الصالح وليس أداة للنزاع والانقسام.

وثيقة مكة المكرمة، بما تحمله من مضامين ومبادئ، تمثل إعادة تأكيد لمكانة الإسلام كدين يسعى لتحقيق السلام والعدالة والإخاء بين البشر، داعية المسلمين وغير المسلمين على حد سواء إلى التعايش السلمي والتفاهم المتبادل من أجل مستقبل مشترك أفضل.

كذلك، تضمنت محاور عمل الرابطة مبادرة بناء الجسور بين الشرق والغرب.
مبادرة بناء الجسور بين الشرق والغرب التي أطلقتها رابطة العالم الإسلامي تمثل جهدًا استراتيجيًا لتعزيز العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية. تهدف هذه المبادرة إلى تحسين التفاهم المتبادل والاحترام عبر الثقافات، وتسعى إلى تقديم صورة أكثر دقة وإيجابية للإسلام. من خلال توضيح القيم الإسلامية التي تدعم السلام والتعايش السلمي، تلعب هذه المبادرة دورًا حيويًا في تصحيح الصور النمطية السلبية والمفاهيم المغلوطة التي غالبًا ما تشكل عوائق أمام التفاهم بين الشرق والغرب.

تستخدم الرابطة من خلال هذه المبادرة منصات متعددة للحوار، بما في ذلك المؤتمرات الدولية، ورش العمل، والمنشورات، والبرامج التعليمية التي تجمع بين علماء الدين والمفكرين والقادة المجتمعيين من كلا الجانبين. الهدف هو خلق فضاءات مشتركة تسمح بتبادل الأفكار والخبرات التي تعزز الوعي المتبادل وتبني الثقة المتبادلة.

إن الدور الذي تلعبه هذه المبادرة في تعزيز التفاهم الثقافي لا يقتصر على النخب الفكرية والأكاديمية فحسب، بل يمتد ليشمل الشباب والجمهور العام من خلال برامج تعليمية ومنصات إعلامية تهدف إلى تعزيز الوعي والتقدير للتنوع الثقافي والديني. هذه المبادرات مهمة لبناء جسور التفاهم التي لا تعزز السلام العالمي فحسب، بل تفتح الباب أيضًا للتعاون المستقبلي في مختلف المجالات مثل التعليم، العلوم، والتنمية الاقتصادية.

من خلال مبادرة بناء الجسور بين الشرق والغرب، تؤكد رابطة العالم الإسلامي على رسالتها الأساسية بأن الإسلام دين يسعى إلى تعزيز السلام والعدالة الاجتماعية، وتعزيز الحوار والتعاون بين الحضارات المختلفة، كجزء من مهمتها العالمية لخدمة الإنسانية.

إضافة إلى ذلك، تشمل محاور العمل مبادرة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، تأتي مبادرة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية كاستراتيجية مهمة من رابطة العالم الإسلامي لمعالجة التوترات المذهبية، وبخاصة بين السنة والشيعة، التي غالبًا ما تكون لها جذور سياسية عميقة. تهدف هذه المبادرة إلى تحويل هذه التوترات من عوامل تفرقة إلى مصادر قوة تساهم في توحيد الأمة الإسلامية. من خلال تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل، تسعى الرابطة لخلق بيئة تسودها الوحدة والأمان، حيث يمكن للمذاهب المختلفة التعايش بسلام واحترام متبادل.

تسلط المبادرة الضوء على أهمية امتصاص الصراعات المذهبية بطريقة تؤدي إلى تعزيز التماسك الداخلي في الأمة الإسلامية، بدلًا من أن تكون مصدر تفكك وانقسام. تعمل الرابطة من خلال هذه المبادرات على تطوير منصات للحوار تشجع على التبادل الثقافي والفهم المتعمق للتنوع داخل الإسلام، وتبحث في كيفية استخدام هذا التنوع كقوة دافعة للتقدم.

بناءً على هذا التوجه، تشكل مبادرة بناء الجسور بين المذاهب فرصة للأمة الإسلامية للعبور نحو مستقبل يسوده الأمن والأمان، وتكون فيه الاختلافات المذهبية مصدر إثراء متبادل بدلاً من كونها سببًا للصراع.
في العهد الجديد الذي يقوده معالي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، شهدت رابطة العالم الإسلامي تحولاً ملحوظاً نحو تبني دور أكثر فعالية وحيوية في مواجهة تحديات العصر الراهن. هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الرعاية السامية والدعم المتواصل من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهد الامين حفظهما الله و رعاهما ، اللذين قدما كل الدعم المالي والمعنوي لتعزيز مهام الرابطة وتحقيق أهدافها النبيلة.

تمثل السخاء والكرم في الدعم المتدفق من القيادة السعودية عاملاً أساسيًا في تمكين الرابطة من إطلاق مبادرات رائدة تهدف إلى خدمة الإنسانية وتعزيز استقرار الدول، وكذلك تحقيق التعايش السلمي بين الشعوب. من خلال هذه المبادرات، أثبتت رابطة العالم الإسلامي قدرتها على العمل كجسر للتفاهم والسلام بين الحضارات والثقافات المتنوعة، وكمنارة للأخوة الإسلامية والإنسانية في جميع أنحاء العالم.

من خلال هذه المبادرات، لم تكتف رابطة العالم الإسلامي بالدور التقليدي كمنظمة دينية، بل تجاوزته إلى دور أكثر فاعلية وحيوية في مواجهة تحديات العصر، ساعية لأن تكون جسراً للتفاهم والسلام بين الحضارات والثقافات المختلفة، ومنارة للأخوة الإسلامية والإنسانية العالمية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رابطة العالم الإسلامی وثیقة مکة المکرمة بین الشرق والغرب هذه المبادرات هذه المبادرة بین الحضارات الوثیقة على من خلال هذه إلى تعزیز على أهمیة التی ت

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لماذا نعلم؟

الإنسان من أفضل المخلوقات على وجه البسيطة كونه يمتلك التفكير المجرد الذي يساعده في أن يسخر مفردات ومقومات الطبيعة من أجله، ومن ثم يستطيع أن يحدث تغيرًا إيجابيًا ملموسًا يسهم في إعمار الأرض، ويخلق مناخًا مواتيًا لحياة أفضل له وللكثير من الكائنات الحية التي وهبها الله البقاء بغية إحداث توازن بيئي يخدم ماهية البقاء والاستمرارية.
ومن ثم بات التعليم أمرًا وجوبيًا للإنسان كي يستطيع أن يمتلك الخبرة في التعامل الوظيفي مع كل ما يحيط به في البر والبحر والجو، وبالطبع يصعب أن يحدث هذا بعيدًا عن مقدرته على التفكير والتفكر بما يعينه على الفهم والتفسير والاستنتاج والرصد ومحاولة البحث والتنقيب والتجريب ليصل إلى مبتغاه بصورة مقصودة ومخططة أو قد تكون مبنية على المحاولة والخطأ بشكل تحكمه متغيرات في كثير من الأحيان مقننة.
ورغم أن الإنسان لا يمتلك القوة الخارقة التي تمكنه من السيطرة على كل ما يدور في فلك الطبيعة؛ لكنه يمتلك ما هو أفضل من ذلك؛ حيث المعرفة التي تمكنه من تسخير قوى الطبيعة لصالحه، وتحقيق الرفاهية من خلالها، وهذا سر وجوده على الكوكب؛ إذ يقع على عاتقه الإصلاح والصلاح والإعمار من أجل نهضة ورفعة السلوك والوجدان، وبالطبع يعلو ذلك الامتنان لخالق السماء بلا عمد؛ حيث شكر نعمته وعبادته الخالصة تفريدًا وتمجيدًا.
وفي هذا الإطار يتحتم علينا أن ننتقي ما نعلمه للإنسان؛ حيث يستوجب البناء الصحيح له أن نغرس فيه النسق القيمي الذي يصون به نفسه والأخرين، ويصبح بالنسبة له نبراسا يهتدى به في أقواله وأفعاله ووجدانه؛ فينعكس ذلك على تعاملاته وانفعالاته وتفاعله، ويصبح لديه الرغبة الحقيقية في أن يشارك مراحل البناء ويتعاون من أجل البقاء والرقي، ومن ثم يبحث دأبًا على حلول لمشكلات تواجه ومجتمعه ليستشعر الرضا وينبعث في وجدانه الأمل وتتفتح لديه رؤى المستقبل المشرق.
إننا نعلم من أجل مستقبل أفضل لجيل تلو آخر؛ فما نعايشه ونعيشه من ثورة تقنية وتطور في شتى مناحي الحياة وجودة غير مسبوقة في كل ما تنتجه الآلة في ضوء ذكاء اصطناعي مدخله الرئيس ذكاء الإنسان الطبيعي، كل ذلك وأكثر يصب في مصلحة البشرية ويحسن من مدخلات وعمليات الحياة لنعكس أثره دون مواربة على صحة مستدامة وعقل مستنير وفعل وسلوك يرتبط بقيم نبيلة وأخلاق حميدة.
إننا نعلم من أجل بناء إنسان يمتلك خبرة صحيحة سديدة تتضمن في طياتها معرفة غير مشوبة وسلوك مرغوب فيه ووجدان نقي بغرض تشكيل سياج يحميه من براثن الانحراف الفكري وما يترتب عليه من سلبيات أقل ما فيها التشتيت عن الهدف وضلالة الطريق وسوء المنقلب والانتكاسة في كل شيء وأمر.
إننا نعلم من أجل أن يتفوق الإنسان على رغباته وشهواته وينتصر لنفسه اللوامة؛ ليؤكد ماهية تقييم الذات والمقدرة على إصلاح ما قد يتسبب في إفساده بعمد وغير عمد؛ ليستطيع أن يستكمل طريق نهضته ومسار تقدمه ورقيه وازدهاره، ومن ثم يترك الأثر الطيب الذي يحمل بين مكونه رسالة الأمل والتفاؤل لأجيال تلو أخرى؛ بغية الحفاظ على فلسفة البقاء واستكمال المسيرة التي خلقنا جميعًا لأجلها.
إننا نعلم من أجل أن يسود العدل والسلام والحق وفق دستور رباني فطرنا عليه، ومن ثم يتوجب علينا أن نغرس بذور المحبة ونزيل الأحقاد ومسبباتها، ونعضد التراحم والتكافل من أجل أن نخلق مجتمعات تتضافر من أجل البقاء ومواجهة التحديات والأزمات الطبيعية منها وغير الطبيعية، وهذا ما يؤكد على أن الطاقة البشرية تعد الأقوى والأبقى على وجه الأرض كونها لا تنضب ما بقيت الحياة.
إننا نعلم من أجل أن نصون النفس من السقوط في بوتقة الأمراض النفسية؛ فنقدح الأذهان بمزيد من الأفكار الإيجابية التي تعضد من طاقته النورانية، وتجعله يستثمر الفكرة ليخرج منها بما يفيد به نفسه ومجتمعه والبشرية كلها، وتدفعه لاستكمال الطريق القويم ليحقق في مجاله ما يجعله يثق في ذاته ويرضى عن نفسه ويوجب الشكر لذوي الفضل عليه وفي القلب ربه الذي وهبه نعم لا تعد ولا تحصى.
إننا نعلم من أجل أن نتناقل ثقافة تحمل في طياتها الهوية وتدعم الوطنية وتعزز القومية وتحافظ على مكتسبات الحضارة وتصون العقيدة والمعتقد؛ فتقينا من الانصهار أو الذوبان في بوتقة الثقافات العابرة الحديثة منها والمستحدثة الواردة منها والشاردة؛ فنصنع عقولًا واعية تحمل فكرًا مستقبليًا مستنيرًا محاط بقيم نبيلة تجعله قادرًا على فلترة وغربلة غير المجدي وغير الصحيح، أو ما به لبس، أو ما يشوبه مغلوط، أو المشوه في أصله.
وفي النهاية يصعب أن نحصي ثمرات التعليم وما نقوم به من أجل بناء الإنسان سواءً أكان في حيز الأسرة، أو المؤسسة التربوية، أو المؤسسة العقدية، أو المؤسسات الاجتماعية قاطبة؛ لكنها إشارات وومضات من جهد مقل يبتغي إلقاء الظلال على ما قد نتناساه في خضم حياة مليئة بمجريات أحداث مثل النهر الجاري.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

مقالات مشابهة

  • عدنان الروسان يكتب ..  عصا السنوار تلقف ما صنعوا .. و حالة الضياع الكبير تلف أمريكا..!!
  • وظائف شاغرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
  • أحمد الليموني يكتب: لماذا الصين؟!
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لماذا نعلم؟
  • مختصون لـ “اليوم”: الفن الإسلامي شاهدٌ حضاري يعكس عظمة الثقافة الإسلامية
  • وزارة التعليم العالي تشارك في جلسة نقاشية حول الابتكار بدول العالم الإسلامي
  • التعليم العالي تشارك في جلسة نقاشية حول الابتكار في العالم الإسلامي
  • جرائم وانتهاكات.. رابطة العالم الإسلامي تدين استهداف الاحتلال لـ "أونروا"
  • رابطة العالم الإسلامي تدين استهداف قوات الاحتلال لوكالة (أونروا)
  • تيباس يتمنى انضمام محمد صلاح ومرموش إلى الدوري الإسباني: سيكون له تأثير كبير