غدا: افتتاح أكبر معمل للحواسب فائقة السرعة فى مصر وشمال أفريقيا بجامعة الفيوم
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
يفتتح فى جامعة الفيوم غدا الاربعاء اكبرمعمل فائق السرعة فى مصر وشمال افريقيا "سوبر كمبيوتر" واكد الدكتور احمد جابر شديد الاستاذ بكلية العلوم ورئيس جامعة الفيوم السابق أن جهاز السوبر كمبيوتر يمثل إضافة علمية كبيرة لجامعة الفيوم وباحثيها لما له من قدرات فائقة على تحليل البيانات الكبيرة حيث أنّ قوة التخزين في الجهاز تفوق مرة ونصف تلك الموجودة في مكتبة الإسكندرية بكل ما تضمه من كتب ومعلومات ووثائق .
واوضح أنّ هذا الجهاز سيخدم العملية التعليمية و البحثية في جامعة الفيوم والجامعات المصرية والمراكز البحثية، كما يستخدم في تحليل البيانات المجمعة من تجربة المصادم الهيدرونى ، بالإضافة إلى تقديم خدمات حسابية و حاسوبية للباحثين في جامعة الفيوم والجامعات الأخرى، كما أنّه يمكن استخدامه في عملية التعليم الهجين نظرًا لأنّه يمكن تخزين كافة البيانات التي تُدرس لطلاب الجامعة عليه.
وقد تم تجهيز المعمل من البنية التحتية والتوصيلات الكهربية والشبكات حسب المواصفات الدولية لمراكز المعلومات إلى جانب الإعداد وأخذ كل الاحتياطات اللازمة فى حالة حدوث انقطاع التيار الكهربي حيث يوجد (UPS) ومولد كهربائي لضمان عدم حدوث أى انقطاع للتيار الكهربي عن المعمل على مدار الساعة. إلى جانب وجود نظام إطفاء عالى الكفاءة فى حالة نشوب أي حريق لا قدر الله.
واشار الى انه تم التعاقد من شركات متخصصة فى صيانة وحدات التكييف واللوحات الكهربية والتوصيلات الكهربية ووحدة (UPS) والمولد ولذلك لضمان إصلاح أى مشكلة قد تواجهنا في وقت لاحق وفى زمن قياسي.
تصنيف شنغهاىوقد كان من النتائج المباشرة والمتميزة لهذا المعمل على جامعة الفيوم حصول الجامعة على المركز الأول على مستوى الجامعات المصرية فى مجال الفيزياء وذلك ضمن تصنيف شنغهاى للعام 2020 .
واشار رئيس جامعة الفيوم السابق الى ان اوجه الاستفادة من "السوبر كمبيوتر" بالنسبة لجامعة الفيوم والجامعات الأخرى انه يمكن استضافة كل الخدمات الخاصة بالجامعة سواء التعليمية أو البحثية أو الادارية دون تحمل الجامعة أى أعباء مالية .وتقديم الخدمات البحثية للباحثين بالجامعة بمختلف كلياتها. ويمكن استخدامه في استضافة كافة الخدمات التعليمية للجامعة و الجامعات الأخرى كافة وتوفير تكلفة انشاء المعامل الخاصة بالحاسب الآلى بالجامعات المختلفة. وتقديم كافة الخدمات البحثية و الحاسوبية للباحثين بالجامعات المصرية والعربية بالمنطقة. ويمكن استخدامه في تحليل البيانات الكبيرة و استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي . كما يمكن تقديم خدمات الاستضافة للبيانات والمعلومات الخاصة بمحافظة الفيوم وجميع الادارات المحلية بها . ويمكن تقديم خدمات لوزارة التربية والتعليم والمنصات التعليمية بالمدارس .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سوبر كمبيوتر معمل كلية العلوم جامعة الفيوم تحليل البيانات مكتبة الإسكندرية جامعة الفیوم
إقرأ أيضاً:
تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. المشكلات الموضوعية
يمكن للإسلام أن يقدم إطارًا قيمياً وعملياً لمعالجة تحديات النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الجمع بين المبادئ الإسلامية والسياسات الاقتصادية الحديثة يعزز من قدرة الدول على بناء اقتصادات أكثر عدالة واستدامة، مع ضمان تحقيق التنمية البشرية والرفاهية.
الباحث التونسي في شؤون الاقتصاد الإسلامي الدكتور محمد النوري وبعد أن قدم في الجزء الأول من ورقة خاصة أعدها للنشر في "عربي21" عن "مشكلات النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. رؤية من منظور اقتصادي إسلامي"، عرضا مفصلا عن المشكلات الهيكلية التي تعاني منها معظم اقتصاديات دول المنطقة وهي مشكلات ذات علاقة بهشاشة النمو وطابعه الريعي البارز وارتباطه الشديد بالمديونية إلى جانب ضعف الحوكمة الداخلية واستشراء الفساد. يتناول في الفصل الثاني اليوم المشكلات الموضوعية ذات العلاقة بالظروف الخارجية وما يحدث من صدمات مؤثرة مثل تقلبات أسعار الفائدة العالمية وأسعار الطاقة والصراعات المتفاقمة في المنطقة والعالم. على أن يناقش في الفصل الثالث والأخير المقاربة الاقتصادية الإسلامية لمعضلة النمو وتباينها مع المقاربة التقليدية السائدة.
ثانيا ـ المشكلات الموضوعية:
وهي المشكلات ذات العلاقة بالظروف الخارجية وما يحدث من صدمات مؤثرة مثل تقلبات أسعار الفائدة العالمية وأسعار الطاقة والمواد الأولية والصدمات الناجمة عن الصراعات المتفاقمة في المنطقة والعالم.
1 ـ تقلبات أسعار الطاقة والمواد الأولية:
وهي من المشكلات المؤثرة على النمو الاقتصادي في مجمل بلدان المنطقة، سواء تلك المصدرة لهذه المواد أو المستوردة لها حيث تعتمد الأولى بشكل كبير على صادرات الطاقة، وخاصة النفط والغاز، كمصدر رئيسي للإيرادات الحكومية والنقد الأجنبي، بينما تعتمد الثانية على مخزونها الاحتياطي من العملات الأجنبية لاستيراد تلك المواد. ففي البلدان المصدرة للطاقة مثل السعودية، الإمارات، الكويت، والجزائر، وليبيا والكويت، والعراق، تؤدي ارتفاعات أسعار النفط والغاز إلى زيادة العائدات الحكومية، مما يعزز النمو الاقتصادي من خلال زيادة الإنفاق العام على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والتنمية بشكل عام. كما يزيد من الفوائض المالية ويسمح لهذه الدول بتخصيص المزيد من الأموال لمشاريع التنمية والاستثمار في القطاعات غير النفطية، مما يعزز التنويع الاقتصادي. وعلى العكس، فإن تراجع الأسعار يمكن أن يؤدي إلى تقليص الإنفاق الحكومي، مما يحد من النمو ويزيد من العجز المالي. كما يمكن أن يؤدي إلى عجز في الميزانية، مما يدفع الحكومات إلى اتخاذ تدابير تقشفية قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد.
وفي المقابل، في البلدان المستوردة للطاقة مثل مصر، والمغرب، والأردن، وتونس ولبنان وغيرها فإنها تتأثر سلبًا بارتفاع أسعار الطاقة، حيث يؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف الاستيراد وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات، مما يضع ضغوطًا على احتياطيات النقد الأجنبي ويؤثر على استقرار العملة والنمو الاقتصادي. كما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي على دعم الوقود والطاقة، مما يضع ضغطًا على الميزانيات ويقلل من القدرة على الإنفاق في مجالات أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
وعموما يمكن أن تؤدي تقلبات أسعار الطاقة والمواد الأولية إلى فرص للنمو في بعض الأوقات، كما يمكن أن تشكل أيضًا تحديات كبيرة للاقتصادات في بعض بلدان المنطقة، مما يتطلب من الحكومات اتخاذ تدابير استراتيجية للتخفيف من تأثير هذه التقلبات على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
وقد تراوحت هذه التقلبات خلال العقود الثلاثة الأخيرة بين الانخفاض النسبي في التسعينات (1990 ـ 1999) إلى ارتفاع كبير في العقد الأول من الألفية الجديدة (2000 ـ 2009) حيث تجاوز سعر برميل النفط 140 دولارًا في منتصف 2008. لكن مع بداية الأزمة المالية العالمية (2007-2008) وانخفاض الطلب العالمي، انهارت الأسعار بشكل حاد، لتصل إلى حوالي 30-40 دولارًا فقط للبرميل في نهاية 2008.
يمكن أن تؤدي تقلبات أسعار الطاقة والمواد الأولية إلى فرص للنمو في بعض الأوقات، كما يمكن أن تشكل أيضًا تحديات كبيرة للاقتصادات في بعض بلدان المنطقة، مما يتطلب من الحكومات اتخاذ تدابير استراتيجية للتخفيف من تأثير هذه التقلبات على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. أما في العقد الثاني من الألفية الجديدة (2010 ـ 2019) فقد شهدت الأسعار فترة تقلبات حادة إثر أحداث الربيع العربي (2010-2011) حيث أثرت الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إنتاج النفط، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى. لكن مع الطفرة النفطية الأمريكية (2014) وزيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، حدثت زيادة كبيرة في العرض العالمي للنفط، مما أدى إلى انهيار الأسعار من جديد بداية من عام 2015 حيث انخفضت الأسعار من حوالي 100 دولار للبرميل في منتصف 2014 إلى أقل من 30 دولارًا في أوائل 2016، إثرها بدأت أسعار النفط في التعافي ببطء واستقرت في نطاق 50-70 دولارًا للبرميل، بدعم من اتفاقيات خفض الإنتاج بين "أوبك+".. أما العقد الثالث (2020 - حتى اليوم) ومع اندلاع جائحة كوفيد-19 بداية من عام 2020 عادت الأسعار مرة أخرى إلى الانهيار بشكل غير مسبوق بسبب تراجع الطلب العالمي مع انتشار الجائحة.
في أبريل 2020، وقد شهدت أسعار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) انخفاضًا تاريخيًا للمنطقة السلبية. ومع التعافي التدريجي من الجائحة ومع تخفيف القيود وعودة النشاط الاقتصادي، بدأت الأسعار في التعافي وارتفعت بشكل كبير في 2021-2022 وتجاوزت أسعار النفط مستويات ما قبل الجائحة، مدفوعة بتخفيضات الإنتاج من "أوبك+"، إلى حين اندلاع أزمة الطاقة العالمية (2021-2022) نتيجة للصراع في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، حيث ارتفعت أسعار النفط والغاز إلى مستويات عالية، مما أثر على الاقتصاد العالمي. هذه التقلبات في أسعار الطاقة تعكس التعقيدات والتغيرات المستمرة في العوامل التي تؤثر على سوق الطاقة العالمي، مما يجعلها محورًا رئيسيًا للاقتصاد العالمي والسياسات الدولية.
بشكل عام، ساهمت تقلبات أسعار الطاقة والمواد الأولية في إيجاد بيئة اقتصادية غير مستقرة، أثرت سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي التي تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في معظم بلدان المنطقة. كما أثرت أيضا على زيادة التضخم وتراجع القدرة الشرائية، وزيادة التكاليف الإنتاجية، مما يتطلب سياسات مالية ونقدية متوازنة لتخفيف هذه التأثيرات.
2 ـ تقلبات أسعار الفائدة:
وهي كذلك من العوامل التي لها تأثيرات كبيرة على النمو الاقتصادي في بلدان المنطقة. وقد تختلف هذه التأثيرات حسب طبيعة الاقتصاد في كل دولة وما إذا كانت تلك الدولة تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد والتصدير، أو لديها قاعدة صناعية وخدمية كبيرة. ومع التغيرات الاقتصادية العالمية، في السنوات الأخيرة، كان لتقلبات أسعار الفائدة تأثيرات ملحوظة على اقتصادات المنطقة. وتسري هذه التأثيرات على عدة مستويات منها التأثير على كلفة الاقتراض والاستثمار والتضخم وسعر العملات والسياسات المالية والنقدية وهو ما ينعكس بالتالي على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بكل بلد من بلدان المنطقة.
فعلى مستوى كلفة الاقتراض لا شك أن ارتفاع أسعار الفائدة يتسبب في زيادة الكلفة بالنسبة للحكومات والشركات والأفراد وهو ما ينعكس على تمويل المشاريع ويؤدي إلى تراجع الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تلعب المشاريع الكبيرة دورًا حيويًا في النمو الاقتصادي، وبالتالي يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تباطؤ في تنفيذ هذه المشاريع.
وعلى مستوى العملات والتضخم، يقود ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق الدولية عادة إلى سحب رأس المال من الأسواق الناشئة، بما في ذلك دول MENA، مما يضع ضغطًا على العملات المحلية ويؤدي إلى تراجع قيمتها. هذا التراجع يمكن أن يؤدي إلى تضخم مستورد بالنسبة للدول التي تعتمد على استيراد سلع أساسية مثل الغذاء والطاقة. كما أن انخفاض أسعار الفائدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة في التضخم بسبب ارتفاع الطلب المحلي. في المقابل، يمكن أن تساعد أسعار الفائدة المرتفعة في كبح التضخم، لكنها قد تضعف النمو الاقتصادي. وقد بلغ متوسط التضخم في المنطقة نسبة 17,5% عام 2023، ومن المُتوقع أن يتراجع إلى حدود 15% عام 2024.
أما على مستوى السياسات المالية الحكومية فإن ارتفاع أسعار الفائدة، يزيد تكاليف خدمة الديون الحكومية، مما يضع ضغطًا على الميزانيات العامة. هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة العجز المالي، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض لتمويل الإنفاق العام. في بعض دول MENA، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، مما يعيق النمو. إلى جانب ذلك تجد الدول التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي نفسها مجبرة على اتباع تحركات أسعار الفائدة الأمريكية، مما يحد من قدرتها على استخدام السياسة النقدية كأداة للتحفيز الاقتصادي المحلي.
وشهدت أسعار الفائدة العالمية طيلة العقود الثلاثة الأخيرة تقلبات حادة تراوحت بين فائدة صفرية أو سلبية بسبب سياسة التيسير الكمي التي انتهجتها معظم الدول الكبرى بهدف إنعاش النمو والتصدي للركود، وبين أسعار فائدة مرتفعة أدت إلى نشوء أزمة في العديد من البنوك الأمريكية والدولية بلغ البعض منها حد الإفلاس.
وفي العموم أثرت تقلبات أسعار الفائدة في السنوات الأخيرة بشكل كبير على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سواء من خلال التأثير المباشر على تكاليف الاقتراض والاستثمار أو من خلال التأثير على تدفقات رأس المال، التضخم، والاستقرار الاقتصادي.
3 ـ الصراعات الإقليمية:
وهي الصراعات المحتدمة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو على تخومها والتي تلقي بثقلها على النمو الاقتصادي لكل البلدان وتؤثر بشكل كبير على حركة التجارة البينية والدولية. ومن أبرز هذه الصراعات:
ـ الصراع الأوكراني الروسي وإن كان يدور خارج دول المنطقة إلا أن آثاره المباشرة وغير المباشرة غير خافية. فالعديد من بلدان المنطقة له علاقات تجارية مع طرفي الصراع سواء فيما يتعلق بقطاع الطاقة والمواد الأولية أو قطاع المواد الغذائية الاستراتيجية كالحبوب حيث تستورد النصيب الأوفر من احتياجات شعوبها.
لا شك أن الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي انتقلت شظاياها إلى الضفة الغربية ولبنان وامتدت كذلك إلى البحر الأحمر لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على دول المنطقة وتنذر بعواقب وخيمة على آفاق النمو الاقتصادي لتلك الدولفعلى صعيد الطاقة أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى اضطرابات في إمدادات النفط والغاز العالمية بسبب العقوبات الغربية على روسيا والتي تعد من أكبر منتجي ومصدري النفط والغاز في العالم. أدّى هذا الاضطراب إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير مما أثر على تكلفة الطاقة في مجمل دول المنطقة وذلك من خلال زيادة تكاليف النقل والإنتاج في مختلف القطاعات الاقتصادية. ومما لا شك فيه أن هذا الارتفاع يولّد التضخم.
وعلى صعيد الحبوب وباعتبار روسيا وأوكرانيا هما من أكبر مصدري القمح في العالم، أفرز الصراع اضطرابات في الإنتاج والتصدير من هاتين الدولتين مما أدّى إلى نقص في العرض وبالتالي ارتفاع الأسعار. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مخلفات أزمة الكوفيد (2019-2022) على مستوى الأمن الغذائي لكل دول العالم وبالخصوص منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد بشكل رئيسي على الواردات من هاتين الدولتين، فإن الانعكاسات كانت مضاعفة، حيث ارتفعت أسعار المنتجات الغذائية التي تعتمد على القمح والحبوب بشكل عام وخصوصا في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط مثل مصر وتونس ولبنان والأردن. تظافرت هذه العوامل لتزيد من حدة الضغوطات التضخمية وارتفاع كلفة المعيشة وزيادة فاتورة الواردات بالنسبة للدول المستوردة مما أدى إلى تفاقم العجز في الميزان التجاري وتعثر النمو. ساهمت هذه التأثيرات في إعادة تشكيل التحالفات بهدف تأمين مصادر بديلة للطاقة والغذاء وتعزيز التعاون مع أقطاب دولية جديدة كمجموعة البريكس+ التي انضمت إليها دول مهمة من دول المنطقة كالسعودية والإمارات ومصر.
ـ الحرب على غزة:
لا شك أن الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي انتقلت شظاياها إلى الضفة الغربية ولبنان وامتدت كذلك إلى البحر الأحمر لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على دول المنطقة وتنذر بعواقب وخيمة على آفاق النمو الاقتصادي لتلك الدول. تتجلى هذه الانعكاسات، إلى جانب التدمير شبه الكامل للبنية التحتية لقطاع غزة ودوائر الإسناد لها مع سياسة الإبادة الجماعية التي أقر بها العالم بأسره باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، في اضطراب التدفقات التجارية والاستثمارية في المنطقة وخاصة في الدول المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان وسوريا، وفي زيادة الإنفاق العسكري بسبب تعزيز سيناريو شبح الحرب الإقليمية نتيجة تفاقم توتر الأوضاع وفشل المفاوضات، وتراجع بعض القطاعات المهمة في بعض البلدان كالسياحة وتعطل جهود التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.
ـ الحرب في السودان:
الحرب في السودان لها آثار متعددة على النمو الاقتصادي في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على الرغم من أن السودان ليس جزءًا من الشرق الأوسط مباشرة، إلا أن تداعيات الصراع داخله تمتد إلى دول المنطقة بطرق مباشرة وغير مباشرة. فمن التداعيات الاقتصادية المباشرة على السودان تدمير البنية التحتية وتعطل الإنتاج مما يعطل الإنتاج والنقل والتجارة. وهذا يعمق الأزمة الاقتصادية في السودان ويزيد من الفقر والبطالة. كما تسببت الحرب في انخفاض حاد في قيمة الجنيه السوداني، مما أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم. وهذا يزيد من تكلفة المعيشة ويؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للسودانيين إلى جانب تعطل الصادرات، مما يزيد من أزمة السيولة ويعمق العجز في الميزان التجاري للبلاد.
إن الحرب في السودان تؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تعميق الأزمات الاقتصادية في السودان نفسه، وزيادة الضغوط على الدول المجاورة، وخلق توترات سياسية واقتصادية تؤثر على الاستقرار والنمو في المنطقة بأكملها.ومن التأثيرات على الدول المجاورة ودول المنطقة: تدفق اللاجئين وهو ما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان إلى دول الجوار مثل مصر وتشاد وجنوب السودان. وهو ما يفاقم الضغوط على الموارد الاقتصادية والبنية التحتية في هذه الدول، ويعرقل نموها الاقتصادي. إضافة إلى اضطراب التجارة الإقليمية بحكم أن السودان يمثل ممرًا تجاريًا هامًا لبعض دول المنطقة. فالحرب تؤدي إلى اضطراب النقل والتجارة عبر السودان، مما يؤثر على حركة السلع بين الدول المجاورة ويزيد من تكاليف النقل. كما ساهمت الحرب في زيادة التوترات السياسية: الصراع في السودان يزيد من عدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وشمال أفريقيا، مما قد يؤثر على استقرار الدول المجاورة ويقلل من فرص التعاون الاقتصادي الإقليمي.
ومن التأثيرات أيضا إحداث تقلبات في أسواق النفط، على الرغم من أن السودان ليس من كبار منتجي النفط على مستوى العالم، إلا أن عدم الاستقرار في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي أوجد توترات تؤثر على حركة النفط عبر الممرات المائية الحيوية مثل باب المندب. أي اضطراب في هذه المنطقة يمكن أن يؤثر على أسعار النفط ويزيد من تقلبات السوق. ومن التأثيرات أخيرا تفاقم أزمة الغذاء في المنطقة حيث أن السودان يعتبر من الدول الزراعية الهامة في أفريقيا، والحرب تؤدي إلى تعطيل الزراعة وتدمير المحاصيل، مما يقلل من القدرة على توفير الغذاء محليًا وزيادة الاعتماد على الواردات. هذا يمكن أن يؤثر على الأمن الغذائي في الدول المجاورة التي تعتمد جزئيًا على الواردات الغذائية من السودان.
ومن التأثيرات كذلك ارتفاع بعض أسعار السلع الأساسية وخصوصا تلك التي يعتبر فيها السودان منتجا ومصدرا رئيسيا مثل الصمغ العربي. فتعطل الإنتاج والتصدير بسبب الحرب يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه السلع في الأسواق العالمية، مما يؤثر على الدول المستوردة في المنطقة.
وعموما فإن الحرب في السودان تؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تعميق الأزمات الاقتصادية في السودان نفسه، وزيادة الضغوط على الدول المجاورة، وخلق توترات سياسية واقتصادية تؤثر على الاستقرار والنمو في المنطقة بأكملها.
إقرأ أيضا: تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. المشكلات الهيكلية
* أستاذ الاقتصاد والتمويل الإسلامي
[email protected]