سلطنة عمان ودولة الإمارات نحو شراكة استراتيجية
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
العلاقات بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة علاقات تاريخية راسخة على الصعيد الرسمي والشعبي، وهناك جذور مشتركة على صعيد الروابط الاجتماعية والقبلية، والجوار الجغرافي والسمات المشتركة في العادات والتقاليد والتراث الإنساني، علاوة على رصيد كبير من الأخوة والتواصل على مدى عقود. ومن هنا فإن زيارة دولة التي قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ولقاءه المثمر مع أخيه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يعد على جانب كبير من الأهمية.
ولعل الكلمات المتبادلة بين جلالة السلطان المعظم وسمو الشيخ محمد بن زايد خلال اللقاء تعكس عمق تلك العلاقات، وعبرت عن الارتياح الكبير لما وصلت إليه العلاقات والشراكة الاستراتيجية بين مسقط وأبو ظبي في المجالات المختلفة خاصة على الصعيد الاقتصادي والاستثماري حيث تتحدث الأرقام عن تنامي ملفات الاستثمار المشترك والذي يقدر بملياري ريال عماني، وهناك التجارة البينية، حيث تعد دولة الإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الأول لسلطنة عمان. كما أن هناك علاقات في مجالات الثقافة والتعليم والسياحة، ولعل مشروع القطار الذي يربط مدينة أبو ظبي بولاية صحار هو من المشروعات الاستراتيجية والذي سوف يكون له انعكاس إيجابي على صعيد التجارة والنقل والسياحة وتنشيط الجوانب الاستثمارية واللوجستية. كما أن سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة تتمتعان بالأمن والاستقرار، وهناك تطلعات واعدة عكسها توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم أمس خلال انعقاد منتدى الاستثمار العماني الإماراتي في أبو ظبي، خاصة في مجال سكك الحديد والاستثمار والتكنولوجيا والمجالات الأخرى التي تسهم في تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين. ومن هنا فإن زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كانت ذات أبعاد استراتيجية مع دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل أهمية منظومة المجلس السياسية والأمنية والاقتصادية على اعتبار أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست تعد ذات ثقل سياسي واقتصادي مهم على صعيد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم، ولها أدوار حيوية على صعيد خفض التصعيد في مناطق التوتر.
إن المباحثات الرسمية بين جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مع أخيه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وكبار المسؤولين في البلدين الشقيقين سوف يكون لها انعكاس إيجابي في ظل التحديات الكبيرة والتي تتطلب الحوار والتشاور بين قيادات دول مجلس التعاون لصيانة المقدرات والدفع بالتعاون في كل المجالات إلى مستوى أكبر في ظل الرؤى التي تنفذ الآن ومنها رؤية سلطنة عمان ٢٠٤٠ والتي تنطلق منها النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي حققت خلال السنوات الأربع الأخيرة قفزات نوعية على الصعيد الاقتصادي بشكل خاص وبقية المجالات الأخرى بشكل عام.
ومن هنا فإن الاحتفاء الإعلامي المميز بزيارة الدولة لجلالته ـ حفظه الله ـ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من الإعلام العماني والإماراتي والعربي والدولي يعكس العلاقات التاريخية بينهما، والتي تعد أنموذجا للعلاقات العربية، وهذا يعود كما أشرت في بداية هذا المقال إلى عوامل موضوعية تنطلق من التاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية والقرب الجغرافي والسمات المشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين.
إن الطموحات كبيرة بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة كما عكستها كلمات جلالته وسمو الشيخ محمد بن زايد ـ حفظهما الله ـ ، وهناك فرص واعدة للتعاون في كل المجالات علاوة على أن زيارات المسؤولين في البلدين متواصلة، وهناك تنسيق كبير على صعيد تعزيز التعاون والدفع بها نحو المزيد من النجاح والتقدم بما يخدم رؤى البلدين والشعبين الشقيقين.
إن سلطنة عمان بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ـ تنظر إلى أهمية استقرار المنطقة واستغلال المقدرات لصالح الشعوب وحل الخلافات والصراعات بالطرق السلمية من خلال الحوار، ومن هنا تأتي مثل هذه الزيارات الحيوية لجلالته لدول مجلس التعاون الخليجي وأيضا بقية الدول العربية ودول العالم انطلاقا من دور سلطنة عمان المحوري على الصعيد الدبلوماسي لخلق أجواء السلام بعيدا عن التوتر وعدم الاستقرار مع كل الأمنيات بمزيد من التقدم والازدهار للعلاقات بين بلادنا سلطنة عمان والشقيقة دولة الإمارات العربية المتحدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دولة الإمارات العربیة المتحدة البلدین والشعبین الشقیقین الشیخ محمد بن زاید مجلس التعاون على الصعید على صعید ومن هنا
إقرأ أيضاً:
المتاحف وأدوارها في التنمية الثقافية
تُمثل البُنى الثقافـية كالمتاحف والمسارح والمكتبات معالم أساسية فـي خطط التنمية والاستثمار الاقتصادي، وركائز أساسية فـي صناعة السياحة وعوامل جذب للزوار، ناهيك عن أهميتها الثقافـية كونها ذاكرة وطنية وسجلا زمنيا حافلا بالمنجزات الإنسانية عبر التاريخ، يمكن من خلالها الاطلاع على مراحل التطور البشري وقدرة الإنسان الذهنية على الخلق والإبداع.
ونظرا للتنوع الثقافـي العُماني والإرث الحضاري الممتد منذ بدايات الاستيطان البشري فـي الجزيرة العربية، فقد أولت سلطنة عمان المتاحف العناية والاهتمام، وعندما نذكر قصة الاستيطان البشري فـي عُمان نُذكّر بالآثار المكتشفة فـي الأرض العمانية، والتي تثبت وجود البشر فـي هذه البقاع، فهناك «آثار تعود إلى العصر الحجري المتأخر يقدر بحوالي عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، حسب تقديرات البعثة الفرنسية للآثار التي أجرت العديد من الحفريات فـي أكثر من 400 موقع منها كهف ناطف بنيابة حاسك، ضمن مشروع دراسة شواطئ بحر العرب»، وتوجد أحجار جرانيت تعود إلى 800 مليون عام معروضة فـي متحف عُمان عبر الزمان، بالإضافة إلى فك متحجر لنوع بدائي من الفـيلة يدعى «عُمانيثيريوم ظفارينسس» عاش فـي أرض عُمان قبل حوالي 35 مليون عام، وقد عُثر على الفك فـي محافظة ظفار، وحسب التعريف المدون على اللوحة أسفل صورة الفك، فإن هذا النوع من الفـيلة «من أوائل الثدييات ذات الخراطيم التي ظهرت على سطح الأرض، وهي قريبة الصلة بالماموث والماستودون».
هذا ما يتعلق بالآثار والمكتشفات الموغلة فـي القدم، أما بالنسبة لتسمية (عمان) فتعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد من خلال النقش المكتشف فـي منطقة مليحة فـي إمارة الشارقة، إذ أُعلن فـي يناير 2016م، عن اكتشاف أثري عبارة عن نقش جنائزي مكتوب بخط المسند (اللغة العربية الجنوبية) إضافة إلى خط آرامي. وترجمة النقش تذكر بأن «شاهد وقبر عمد بن جر بن علي بقر (كاهن) ملك عُمان والذي بناه فوقه ابنه عمد بن جر بقر (كاهن) ملك عُمان» والنقش كما يوضح هو لكاهن وليس للملك، إضافة إلى أن هذا النقش يؤرخ لشكل نظام الحكم بالإضافة إلى كونه أقدم نقش أثري يرد فـيه اسم عمان. ونأمل أن يُعرض هذا النقش مستقبلا فـي أحد المتاحف العُمانية. إن قيمة المكتشفات لا تكمن فـي عمرها الزمني بل فـي كيفـية استثمارها ثقافـيا وماديا، وتوظيف المكتشفات والمقتنيات فـي المتاحف وعرضها للجمهور.
إن الباحث عن المتاحف فـي سلطنة عمان يجدها منتشرة فـي جل المحافظات سواء كانت متاحف حكومية أو خاصة، فحسب نشرة الإحصاءات الثقافـية الصادرة عام 2022م عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يوجد فـي سلطنة عمان 22 متحفا حكوميا وخاصا، (حسب الإحصائية لم تدرج متحف عمان عبر الزمان الذي افتتح فـي مارس 2023) وإذا أضفناه إلى القائمة نجد أن المتاحف الحكومية (11) متحفا، و(12) متحفا خاصا، يعمل فـيها حوالي (231) موظفا وموظفة، «إحصاءات 2021، من دون موظفـي متحف عمان عبر الزمان». هكذا تساهم المتاحف فـي خلق فرص عمل للباحثين، بالإضافة إلى كونها مكتسبات وطنية تدعم السياحة وتوفر بيئة جاذبة للسائح والمواطن والمقيم، ولذلك فإننا نأمل بتوسيع خريطة إقامة متاحف حكومية أخرى أو حتى متاحف خاصة ببعض المؤسسات العاملة فـي القطاع الخاص فعلى سبيل الذكر، فإن إقامة متحف للصناعات النفطية فـي محافظة الوسطى بات ضروريا خاصة وأن المحافظة لا تحتوي على قلاع أو حصون أو متاحف خاصة فـي الوقت الحاضر، مع العلم بأن المحافظة توجد بها مقومات نادرة فـي سلطنة عمان مثل محمية المها العربية فـي وادي جعلوني، وحديقة الصخور فـي الدقم.
أما بالنسبة للمتاحف القائمة، فنتمنى منها توظيف التراث الثقافـي الشفوي فـي المتاحف عبر إقامة قاعات للفنون المغناة وأشكال التعبير الشفاهي. بالإضافة إلى التوسع فـي إقامة قاعات مخصصة للفن الصخري فـي عمان، بكافة الأشكال والأنواع المكتشفة فـي السلطنة.
تبقى الطبيعة العُمانية متاحف طبيعية مفتوحة من الجبال الشاهقة إلى حفر الإذابة العميقة فـي باطن الأرض مرورا بالجزر والشواطئ والصحاري والسهول، وحكايات الإنسان الذي طوع الطبيعة لصالحه.