عن تجربة الإقامة الأدبية .. "بيت التلمساني" نموذجا
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
لليوم الرابع تستمر فعاليات ملتقى القاهرة الأدبي السادس والتي تُقام بقبة الغوري بأمسية كبيرة يديرها الناشر محمد البعلي المدير التنفيذي للملتقى وصاحب دار صفصافة للنشر، تتناول الأمسية تجربة الإقامة الأدبية في مصر، وسيكون بيت التلمساني هو النموذج الأوضح في تلك التجربة، البيت الذي يتميز بطابعه الريفي وعلى بُعد ساعة من القاهرة، والذي يحمل اسم عائلة التلمساني وهي واحدة من العائلات المتميزة فنيًا وأدبيًا.
مؤسسة البيت وصاحبة فكرة الإقامة الأدبية فيه هي الكاتبة والأكاديمية المصرية الدكتورة مي التلمساني، والفكرة جاءت تخليدا لذكرى والدها المخرج الراحل عبد القادر التلمساني وهو من أهم رواد السينما التسجيلية في مصر.
تجربة الإقامة الأدبية، قائمة على العزلة والتفرغ للكُتاب لإنجاز مشروعاتهم الأدبية، وهي التي تتطلب التفرغ والعزلة للقيام بذلك، فهو كمعتكف أدبي يتيح للمبدع بعضًا من الهدوء، عن طريق توفير مكان ملائم للمبدعين. ولاختيار المناسب من المتقدمين للإقامة ببيت التلمساني، تم تأسيس لجنة استشارية من أهم أعضائها الناشر محمد البعلي والناقدة شيرين أبو النجا، والكاتبة سحر الموجي، والدكتور مالك خوري بالإضافة للكاتبة مي التلمساني.
وردًا على سؤال البعلي، مدير الندوة، حول تجربة المنحة للإقامة في بيت التلمساني، قال الشاعر أحمد عايد أن المشكلة التي تواجه أكثر الكتاب هي أن تكون الكتابة مصدر دخل للمبدع، فتصبح الإقامة الأدبية فرصة لذهاب المبدع للكتابة في عزلة تامة خاصة إذا كان له عمل آخر غير الكتابة.
وأشار عايد بأن مشروعه الأدبي القادم ديوان شعري، بدأ كتابة قصائده بالفعل أثناء فترة الإقامة ببيت التلمساني.
بينما قالت الكاتبة والناقدة آية طنطاوي، أن الإقامة في بيت التلمساني هي فرصة رائعة بعيدا عن الفعاليات والنقاشات والندوات في معرض القاهرة للكتاب، للهدوء والتفكير في مشروعات الكتابة المؤجلة.
وأضافت طنطاوي: "كنت بالفعل قد بدأت في كتابة رواية جديدة، وجاءت تلك الإقامة كفرصة هامة للتعارف بين المبدعين الشباب والتحدث في مشروعات الكتابة والقراءة". كما تحدثت طنطاوي عن مشروعها الأدبي القادم، وهو رواية من وحي أسطورة إيزيس وأوزوريس لكن بشكل واقعي في حياتنا الآن داخل حي شعبي.
أما الكاتب المسرحي محمد كسبر، فقال عن "بيت التلمساني" أن تجربته الأولى كانت في واحة سيوة، كمنعزل ومعسكر للكتابة، وكانت فكرة جيدة جدا للتحدث مع بقية المجموعة لمشاهدة الأفلام والتحدث عن مشاريع الكتابة المختلفة.
وعن مشروعه الأدبي بعد قضاءه فترة الإقامة فهو عبارة مسرحية مستوحاه من أسطورة تاريخية، يقوم فيها بكسر التابوهات التقليدية في المسرحيات.
وقالت الكاتبة الشابة مريم وليد أنها كانت فرصة جيدة للبدء في مشروع جديد بعد روايتها الأولى، والتخطيط بشكل هادئ للكتابة، والمكان متوفر به كتب كثيرة ساعدتها على الاستعاضة بها عن الانشغال بالانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وأضافت أن مشروعها القادم بعد فترة الإقامة، فهي نوفيلا جديدة، تتحدث عن الوحدة وآثارها من خلال ثلاثة أبطال.
قال الكاتب يوحنا وليم، كنت أعمل على مشروع أدبي قبل المنحة، ومع ضغوطات العمل فكانت فرصة كبيرة بعد الموافقة على المنحة للإقامة ببيت التلمساني، للعزلة واستكمال الكتابة، كما أن المناقشات مع الدكتورةمي التلمساني والدكتورة شيرين أبو النجا فرصة جيدة للتعرف على نصوصنا الأدبية. كما أن وجود دار نشر كصفصافة ترعى المنحة، هي فرصة جيدة للنشر فقد كانت تشجيعا جيدا للكتابة، وأكد أنه يقوم بكتابة رواية جديدة عن شخص يواجه مشاكله، وأضاف: "أفادتني المنحة في كتابة فصل في الرواية ومواجهة بطل الرواية لصراعاته الشخصية النابعة عن وحدته".
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
مَـوْسِـم الْهِجْـرَة من القَــرْيَة للمَدِينَــة ( إقليم شفشاون نموذجا)
يعيش المغرب منذ بضع سنوات تبعات التغير المناخي الذي أدى إلى توالي سنوات الجفاف وتراجع الموارد المائية فباتت عدة مناطق مغربية تعاني من نقص حاد في الموارد المائية وبالتالي من تراجع الأنشطة الفلاحية التي تشغل غالبية سكان القرى وهو ما اضطر العديد من المزارعين إلى التخلي عن الزراعة والهجرة إلى المدن، وقد دفعت أزمة العطش التي تعانيها منها القرى بل حتى بعض المدن المغربية الشيء الذي حذّر منه ناشطون بيئيون الى تداعيات استمرار سوء تدبير الموارد المائية واستنزافها في زراعات دخيلة في بلد يعاني الشح المائي فالأزمة ناجمة ليس فقط عن ارتفاع درجة الحرارة والجفاف بل ترجع كذلك إلى سوء التدبير اليومي للمياه أيضاً فالفلاحين يدبرون الماء بعشوائية كما نلاحظ غياب استراتيجية لتعبئة الموارد المائية والاستثمار في المياه ،ويشار أن ملك المغرب “محمد السادس” حذر مسؤولي الشأن المائي حدوث أزمة مياه وأعطى توجيهاته وتعليماته لتشكيل خلية لمعالجة الوضع وتوفير الماء الصالح للشرب و عليه أعلنت الحكومة المغربية في هذا الصدد تنفيذ مشروعات مائية بقيمة 40 مليار دولار لمواجهة شح المياه ويعد المغرب من البلدان التي تعتمد على القطاع الفلاحي في نموها الاقتصادي.
إن الشح المائي بالدرجة الأولى الذي عرفه إقليم شفشاون مؤخرا خلق توترات اجتماعية لسكان القرى بحيث ما لبثوا يطالبون بحقهم في الماء وكذلك أسهم في خلق صراعات فيما بينهم تتطور أحيانا إلى مواجهات باستعمال الأسلحة النارية يتم هذا تحت أعين السلطات المحلية وأعوانها و في غياب كذلك لرؤية استراتيجية مائية من قبل الدولة لوضع مخطط مستقبلي لمواجهة التحديات المائية وتحقيق الأمن المائي، فبالنسبة إلى استعمال المياه السطحية والجوفية بالإقليم فتقريباً 85 في المئة منها تذهب إلى القطاع الفلاحي و التي تعد من بين أسباب أزمة العطش بالمنطقة ولما نقول القطاع الفلاحي نعني به أساسا زراعة القنب الهندي (الكيف) خاصة مع اكتساح أنواع أخرى من العشبة الدخيلة و التي تستهلك كميات كبيرة من المياه بينما 12 في المئة تخصص في الاستعمال اليومي أي الماء الصالح للشرب و 03 في المئة يستفيد منها القطاع السياحي، فأزمة الماء تعود إلى الاستغلال المفرط للموارد المائية الباطنية في زراعة القنب الهندي لتهريبها و تصديرها للخارج و الذي يعد بمثابة تهريب و تصدير للموارد المائية الخاصة بالأجيال القادمة التي ستحرم من حقها في المياه مستقبلا والذين صاروا يفكرون في هجرة قراهم قبل أن تقع الفأس في الرأس بل أغلبهم اتخذ قرار الهجرة و نفذه.
إن هجرة سكان العالم القروي إلى مدينة شفشاون أو المدن المجاورة لها تشكل عاملا سلبيا بالنسبة للتراث المادي وغير المادي الذي تعد الجبال والقرى الوعاء الحاضن له بامتياز إذ تفقد الهجرة هذا التراث من يعتني به ومن ثم يتعرض للاندثار علاوة على اختلال التوازن الطبيعي نتيجة توقف الأنشطة المحافظة عليه كالزراعة والرعي… فالهجرة القروية تؤدي إلى تدهور الجبل وضياع الثروات، ولم تؤد الهجرة المكثفة نحو المدن إلى فراغ قرى الإقليم من أهلها فحسب بل إن كثيرا من العادات المجتمعية المتوارثة بدأت تتلاشى فقبل خمسة عشر عاما فقط كانت الأسوق الأسبوعية تشهد نشاطا تجاريا مهما إذ يتوافد عليه سكان القرى المجاورة منذ الصباح الباكر ويستمر انعقاده إلى ما بعد صلاة العصر أما الآن فيقضون أغراضهم وينصرفون بسرعة ،و من التداعيات السلبية للهجرة من المناطق القروية إلى المدن كذلك فراغ هذه المناطق من السكان ما يؤدي إلى خلل في التوازن الاقتصادي والاجتماعي والديمغرافي حيث لا يتبقى فيها غير الشيوخ أو الأشخاص الذين لا تسعفهم إمكانياتهم للهجرة، كما تعزو هذه الهجرة شبه الجماعية إلى السياسة المتبعة من طرف الدولة التي تقوم على عدم المساواة بين المجال الحضري ونظيره القروي فمحور التنمية التقليدي هي المدن الساحلية التي تشكل مركز استقطاب للساكنة علاوة على أنها تشكل وعاء تتمركز فيه مشاريع التنمية وفرص الشغل خاصة في المدن الكبرى المتموقعة في محور الدار البيضاء/طنجة، فرغم تعدد مظاهر إغراء الهجرة حتى ولو كان توفير الحق في كأس من الماء واجب من واجبات الدولة ولا يستحق كل هذا العناء من منطلق أن هناك دولا مثل الجارة إسبانيا تشجع المواطنين الذين يريدون الاستقرار في البوادي عن طريق تحفيزات ضريبية ومالية.
إن المدخل الأساسي لأي تنمية حقيقية هو إحياء ثقافي حقيقي لمكونات الكينونة القروية بالمغرب ولكن هذا الإحياء يجب ألا يكون فولكلورياً كما يقع في كل مناسبة (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، النموذج التنموي الجديد، تقنين مادة القنب الهندي) بل يجب أن يكون عميقاً مرتكزاً على بحث سوسيولوجي وثقافي عميق يعيد إحياء علاقة الإنسان القروي بالطبيعة والذاكرة والتاريخ وإعادة إحياء قدراته على الإبداع في أوجه الحياة اليومية، بل في إطار تصور أنثروبولوجي جديد يحدد فيه الإنسان القروي شيوخا ،شبابا، نساء و رجالا كيف يتصورون صيرورة حياتهم في علاقتها مع واقعهم وطموحاتهم وقدراتهم، فلا يمكن أن نتحدث عن التغيرات المناخية من دون ذكر النشاط البشري لأن الإنسان يضطر إلى الهجرة بسبب التحديات البيئية و الاختيارات العشوائية.
عبد الإله شفيشو / فاس