لجريدة عمان:
2024-07-06@00:52:25 GMT

اليمين المتطرف يريد السيطرة على أوروبا

تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT

«ليس في يوم التصويت إلا سؤال واحد فقط: هل تريدون أوروبا مسلمة أم أوروبا أوروبية؟»

هذا هو الاختيار الصارخ الذي طرحته ماريون ماريشال، نجمة اليمين المتطرف الصاعدة في فرنسا، عند إطلاق حملة حزبها في الانتخابات الأوروبية في يونيو. وفي خطاب ناري، تحدثت بأن أوروبا واقعة تحت حصار «الكثير من القوى الأجنبية والمنظمات الإسلامية التي تستغل الهجرة الفوضوية في جهودها الرامية إلى زعزعة الاستقرار، وإفساد شبابنا، وتنظيم ما يشبه الطابور الخامس في بلادنا وتجنيد جنود جهاديين قتلة».

وانضم إليها مجموعة من الخطباء الذين مضوا يندبون مشروعا أوروبيا سطا عليه النشطاء المثليون والمتعصبون البيئيون والأيديولوجيون المناهضون للغرب.

وبرغم كل ذلك الغضب المروع، لم تكن هذه دعوة للخروج من الاتحاد الأوروبي. ففي حين يوجه حزب «الاسترداد» ـ الذي تنتمي إليه ماريشال ـ تهما ملتهبة إلى النخب بتدبير عملية كبرى لإحلال المسلمين محل المسيحيين، فإنه يسعى للحصول على مكان خاص به في أروقة السلطة، وفي جميع أنحاء القارة، لا تهدف الأحزاب اليمينية المتطرفة المماثلة لحزبها إلى الخروج من التكتل، وإنما تهدف بشكل متزايد إلى الاستيلاء على الكتلة، ولديهم في سعيهم إلى هذا المشروع نموذج يتبعونه، وهو رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني.

ميلوني بالفعل مصدر إلهام لليمين المتطرف الأوروبي. فقد أشرفت، وصفها رئيسة الائتلاف اليميني في إيطاليا، على الهجمات على جماعات المثليين ومنظمات إنقاذ المهاجرين والاستيلاء على هيئة الإذاعة العامة والمحاولة المستمرة لتغيير الدستور لتوسيع السلطة التنفيذية.. ولكن أكثر أسباب التميز لها هو ما حققته على مستوى القارة. فمن خلال الجمع بين الأطلسية القوية - أي الالتزام بحلف شمال الأطلسي والدفاع الأوكراني على السواء - والمعارضة الدائبة لسياسة الهجرة والمناخ، أصبحت قوة رئيسية في أوروبا. وبالنسبة لليمين المتطرف الأوروبي، المتأهب لتحقيق تقدم، تقود ميلوني الطريق.

منذ وصولها إلى السلطة في أكتوبر 2022، أثارت ميلوني إعجاب الكثيرين بنهجها العملي وتخليها عن انتقادها السابق للاتحاد الأوروبي. وقد اكتسبت في بروكسل سمعة طيبة في مجال الدبلوماسية الماهرة. فقد تم توصيفها على سبيل المثال بالهامسة لأوربان، بعد أن ساعدت في إقناع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بالامتناع عن استخدام الفيتو ضد المزيد من قرارات الاتحاد الأوروبي بمساعدة أوكرانيا هذا العام. ولم يمر تغييره رأيه بلا ثمن ـ فقد أفرجت المفوضية الأوروبية أيضا عن 10.2 مليار يورو، أو 10.8 مليار دولار، من التمويلات المحتجزة سابقا لحكومته ـ ولكن بقي لميلوني دور حاسم في كسبه.

دفع هذا النجاح الدبلوماسي البعض إلى القول بأن ميلوني لا تتبع القواعد ولكنها في الواقع تحدد جدول الأعمال. وفي تقرير حظي بمشاهدة واسعة النطاق في إيطاليا، أشاد فريد زكريا على شبكة سي إن إن بـ «لحظة ميلوني» في أوروبا، مقارنا موقفها بالدور القيادي الذي لعبته من قبل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. وفي ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، يبلغ الادعاء حد المبالغة، فالاقتصاد الإيطالي، برغم تناميه، لا يقتحم أرضا جديدة. ولكن لا يمكن القول إن المقارنة لا تستند إلى أساس. ففي العديد من المجالات، تعطي روما التوجيه لبروكسل.

مثال ذلك أن ميلوني كانت في طليعة القائلين بخطط إيكال مهام حراسة حدود أوروبا إلى دول شمال إفريقيا الاستبدادية. وفي يوليو من العام الماضي، زارت تونس للإعلان عن اتفاق للحد من الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وفي الشهر الماضي، فعلت مثل ذلك في مصر. وفي المرتين كان يصحبها أعلى مسؤول في أوروبا ورئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، التي باركت في يناير رؤية ميلوني الأوسع للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا. وحتى مع موافقة الكتلة على قواعد جديدة للتعامل مع المهاجرين فور وصولهم إلى القارة، تعمل إيطاليا على ضمان عدم وصولهم من الأساس.

تمثل ميلوني شوكة في خاصرة التحول الأخضر داخل الكتلة الأوروبية، فمن خلال استهزائها بالصفقة الخضراء الأوروبية، وهي مجموعة تشريعات بيئية، واعتبارها أنها نوع من «الأصولية المناخية»، حاولت بدأب إبطاء السياسات الخضراء أو إيقافها. وفي كثير من الأحيان، كانت إيطاليا تجد أنها وحدها أو لا تحظى بدعم يذكر في هذه الجهود. لكن ميلوني لعبت ـ في شهر فبرايرـ دورا محوريا في التصويت المعارض لقانون استعادة الطبيعة الأساسي لدى الكتلة، والذي يسعى إلى إصلاح النظم البيئية المتضررة في جميع أنحاء القارة.

ومن الدال أن (الشعب الأوروبي) المنتمي إلى يمين الوسط قد انضم إلى ميلوني في هذا التصويت، ويعد (الشعب الأوروبي) أكبر مجموعة حزبية في بروكسل ويضم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني. يذكر أن المجموعة، التي سعت بالفعل إلى تقليص الالتزامات المناخية للاتحاد الأوروبي، قد وصفت هذا المقترح بأنه هجوم على المزارعين، الذين نظموا في الآونة الأخيرة احتجاجات في جميع أنحاء أوروبا. وقد تم إقرار التشريع بعون من بعض المنشقين من البرلمانيين المنتمين إلى يمين الوسط الذين صوتوا لصالحه. لكن زعماء يمين الوسط يأملون في عرقلة الحظر المفروض على السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق وهو ما يشير إلى المزيد من التعاون المنتظر.

تشير استطلاعات الرأي السابقة على انتخابات يونيو إلى أن قوى الوسط إلى اليمين المتطرف في طريقها للفوز بقرابة 50% من مقاعد البرلمان. ويوفر هذا ـ بالنسبة للكثيرين في اليمين المتشدد ـ فرصة لإنهاء الائتلاف الكبير بين الاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين الذي هيمن تاريخيا على السياسة الأوروبية - لإنشاء تحالف يميني بديل يشغل المناصب العليا. وهذا التعاون صعب من الناحية العملية، إذ يقول زعماء يمين الوسط إنهم لن يتحالفوا إلا مع الأحزاب الموالية للاتحاد الأوروبي، والموالية لحلف شمال الأطلسي، والموالية لأوكرانيا، والمؤيدة لسيادة القانون. وهو ما يستبعد جزءا غير قليل من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، ولو في الوقت الراهن على الأقل. غير أنه يسمح بالتبني الكامل لميلوني.

تقوم حاليا القوى الأكثر تطرفا، والمتبعة لميلوني، بإعادة التدبير. ففي التجمع الوطني الذي تقوده مارين لوبان في فرنسا، تتراجع الشخصيات البارزة عن مواقفها السابقة المنتقدة لحلف شمال الأطلسي، وتنأى بنفسها عن حزب (البديل من أجل ألمانيا) الأكثر تعنتا. ويتطلع أوربان، الذي كان لفترة طويلة نافرا في ما يتعلق بالشؤون الأوروبية، إلى كسر العزلة قبل أن تتولى المجر رئاسة الكتلة في يوليو. ويدعي أنه سينضم إلى (المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين)، أي المجموعة التي تقودها ميلوني، بعد انتخابات يونيو - وهو احتمال ترحب به المجموعة، حتى لو أن لين أوربان تجاه روسيا قد يمثل حجر عثرة. هذه المجموعة التي تقودها ميلوني، ويهيمن عليها حزب (إخوان إيطاليا) التابع لها وحزب (القانون والعدالة) البولندي، ليست الموطن الأوروبي الوحيد لقوى اليمين المتطرف. فهناك أيضا مجموعة (الهوية والديمقراطية)، التي تضم حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب الرابطة الإيطالي. والعلاقات بين المجموعتين ليست متناغمة طول الوقت. ففي مارس، وجهت لوبان اتهامات حادة لميلوني بالتخطيط لإعادة انتخاب فون دير لاين رئيسة للمفوضية. ويصر ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة، على أن اليمينيين يجب أن يرفضوا العمل مع الوسطيين.

ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن المجموعتين ستفوزان معا بنحو ربع المقاعد، بما يترك لليمين المتطرف نفوذا أكبر بكثير بغض النظر عمن سيتولى المنصب الأعلى، وبعيدا عن السعي إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، تسعى هذه الجماعات اليمينية المتطرفة الآن إلى أن تسمه ببصمتها الخاصة ــ لخلق ما تسميه ماريشال بـ«أوروبا الحضارية» بدلا من «نسخة أوروبا التكنوقراطية» الخاصة بالمفوضية. من جانبها، تبدو ميلوني مقتنعة بإمكانية العمل المشترك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الیمین المتطرف یمین الوسط فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

العودة الأوروبية إلى المنطقة

منذ أن غادرت أوروبا الأراضي التي احتلَّتها في آسيا وأفريقيا، وسلمت قِيادَ القرار الدولي للولايات المتحدة الأمريكية، فإنها أرادت غسل تاريخها الوحشي عبر رسم صورة الحريات والديمقراطية الأوروبية، كما فتحت أبوابها أمام المضطهدين في بلادنا حتى وإن كانوا محسوبين على تيارات العنف المسلح وقتها، وكانت التضييقات الأوروبية على المعارضين للأنظمة القمعية في بلادنا محدودة إلى حد كبير، وكان ذائعا أن ترى من يُعَيِّر الإسلاميين الذين يهاجمون فساد وانحلال المجتمعات الغربية، رغم مكوثهم في تلك البلاد التي يهاجمونها. لكن الأمر كقول أبي البقاء الرندي:

وهذه الدارُ لا تُبْقِي على أحدٍ     ولا يَدُومُ على حالٍ لَها شَانُ

فالأحوال تتبدل وتتغير بحسب العوامل الداخلة عليها، ويبدو أن عوامل عديدة دخلت على الظرف الدولي الذي استدعى تخفيف التواجد الأمريكي في بعض ما يتعلق بالمنطقة، وعودة أوروبا لتمارس دورا ما في بعض الملفات.

بدأ الدور الأمريكي في المنطقة يبرز مع العدوان الثلاثي على مصر نهاية تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956، فقد وجهت إنذارا إلى الدول المعتدية على مصر، لكن الأهم أن الإنذار توجه إلى بريطانيا وفرنسا اللتين حكمتا المنطقة لعقود طويلة، وقَبِلتْ الدولتان الإنذار وانسحبتا من مصر. لكن الدور الأمريكي العلني كان مقترنا بأدوار في الخفاء، لعل أخطرها إقرار ولي العهد السعودي، بأن الحلفاء طالبوا دولته بنشر الوهابية لمنع انتشار الاتحاد السوفييتي، فكان المذهب الديني أداة سياسية تعمقت مع الوقت في مواجهة الإيرانيين، ومؤخرا أصبح أداة لمواجهة الحركات السياسية الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين.

كان الربيع العربي بمثابة صدمة للحكام الذين اعتمدوا على أمريكا تماما، ورأوا أنها جهة منح الشرعية لهم دون شعوبهم، ويبدو أن الأوروبيين شعروا بخطورة الانفراد الأمريكي بالقرار في المنطقة، كما أدرك الروس أهمية الفرصة لكسب مكانة في المنطقة مع بدء انحسار الدور الأمريكي
ثم جاءت المرحلة الأبرز للدور الأمريكي عندما قَبِل عبد الناصر مبادرة روجرز التي دخلت حيز التنفيذ في آب/ أغسطس 1969، وهي المبادرة التي تهدف إلى الاعتراف بإسرائيل وعقد سلام بينها وبين الدول العربية، في مفاجأة كبرى للجماهير التي استمعت إلى زعيم الهزائم وهو يهدد الاحتلال ويتوعده طوال سنوات حكمه البائس.

لم تمض أربع سنوات حتى بدأت مصر معركة التحرير، وبينما كانت المعارك مشتعلة على الجبهة ببسالة وتضحية ونقاء الجيش المصري وقتها، إلى جانب الجيوش والحكومات العربية الداعمة للمعركة المصرية، كان السادات يتفاوض منذ اليوم الأول عبر قناة سرية مع كيسنجر الداعم لإسرائيل قبل أي شيء، بحسب رواية وزير الخارجية وقتها إسماعيل فهمي، وبعدها أطلق تصريحه الشهير: "99 في المئة من أوراق اللعبة بيد أمريكا".

تسارعت وتيرة التدخلات الأمريكية وترسيخ مكانة الولايات المحتدة كلاعب دولي وحيد في المنطقة عبر كامب ديفيد، ورعايتها لكل عمليات الهندسة الداخلية للمنطقة، ثم انتقلت إلى التدخلات الخشنة في عاصفة الصحراء مطلع تسعينيات القرن الماضي، التي حازت بعدها قواعد عسكرية في منابع النفط في المنطقة، واحتكارها -تقريبا- لتسليح جيوش المنطقة وتدريبها، وتحولت إلى قِبْلَة الحكام العرب.

طالبت الولايات المتحدة حكام المنطقة على خلفية هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 بزيادة مساحة الديمقراطية في بلادهم وضغطت لأجل ذلك بشدة، فكانت النتيجة وصول الإخوان إلى أكبر نسبة برلمانية في تاريخها في مصر، ووصول حماس إلى حكم فلسطين، ثم الربيع العربي الذي أطاح بمنظومة الحكم الممتدة من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى 2011.

كان الربيع العربي بمثابة صدمة للحكام الذين اعتمدوا على أمريكا تماما، ورأوا أنها جهة منح الشرعية لهم دون شعوبهم، ويبدو أن الأوروبيين شعروا بخطورة الانفراد الأمريكي بالقرار في المنطقة، كما أدرك الروس أهمية الفرصة لكسب مكانة في المنطقة مع بدء انحسار الدور الأمريكي والحاجة إلى ملء الفراغ.

التدخل الغربي في المنطقة عاد بها إلى مربعها الأول، إذ اعتمدت أوروبا على تعزيز الحكم الاستبدادي بمنحه الغطاء السياسي، واستجابته للرِّشى التعاقدية سواء في السلاح أو البنية التحتية، أو تقديم المنح أو تسهيل القروض، وما إلى ذلك. وهذه الحالة التي أدت إلى تنامي حالة السخط في مجتمعاتنا ضد أمريكا، ولم تفهمها إلا بعد 2001 واحتلال العراق 2003
وكان القرار الأوروبي بفرض حظر طيران على ليبيا خلال الثورة، والمشاركة في عمليات قصف، مؤشرا على الدور الأوروبي المتزايد، خاصة أن أوروبا تحتاج إلى النفط الليبي، ثم دخلت روسيا إلى ليبيا أيضا عبر فاغنر، ثم دخلت سوريا لتضع مكانا لها مرة أخرى في الشرق الأوسط. ومع تزايد الانشغال الأمريكي بالشؤون الداخلية، والمنافسة الاقتصادية العالمية، والصعود الصيني والروسي، تأثرت الكفاءة الأمريكية في إدارة جميع الملفات، فانتبه الجميع بمن فيهم الأمريكان إلى عدم إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها لإدارة الشأن العالمي.

المثير للانتباه أن التدخل الغربي في المنطقة عاد بها إلى مربعها الأول، إذ اعتمدت أوروبا على تعزيز الحكم الاستبدادي بمنحه الغطاء السياسي، واستجابته للرِّشى التعاقدية سواء في السلاح أو البنية التحتية، أو تقديم المنح أو تسهيل القروض، وما إلى ذلك. وهذه الحالة التي أدت إلى تنامي حالة السخط في مجتمعاتنا ضد أمريكا، ولم تفهمها إلا بعد 2001 واحتلال العراق 2003، فبدأت بتوجيه ضغطها على الحكام، لكن أوروبا بدأت تعيد اختراع العجلة من جديد (Reinventing the wheel).

نتج عن تعزيز الحكم الاستبدادي ضيق آفاق التنمية أمام غير المشتغلين بالسياسة، وانسداد الأفق أمام المشتغلين بها، إذ لا يعتني المستبد سوى بترسيخ حكمه وإرضاء الجماعات المحيطة به، دون النظر إلى تطلعات واحتياجات المحكومين، فبدأت موجات النزوح من سوريا وليبيا واليمن أولا، ثم من مصر وشمال أفريقيا، وبالطبع من الدول الأفريقية غير العربية التي لا تزال تعاني من آثار الحكم الاستعماري وتحكمه في مقدرات بلادهم، فخرج النازحون من "أدغال" أوطانهم إلى "الحديقة الأوروبية".

ردت أوروبا أولا بغلق الحدود ووقف الهجرة عند الحدود التركية، بشكل رئيسي، مع دفع مقابلٍ لتلك الخدمة، واستخدمتها تركيا ورقة مساومة أيضا، واستضافت بعض الدول الأوروبية عشرات الآلاف من السوريين مقابل الملايين الذين توزعوا في لبنان وتركيا وبصورة أقل مصر.

إذا، بدأت أوروبا بغلق حدودها، ثم انتقلت إلى مرحلة أخرى بالتوغل في المنطقة، عبر ما يُسمى "تمديد الحدود الأوروبية"، وقامت عملية التمديد على تدريب وتسليح وتمويل قوات حرس الحدود في مصر وليبيا وشمال أفريقيا، لمنع قوارب الهجرة غير النظامية، ثم توازى مع تمديد الحدود تعزيز الاستبداد بشكل أكثر مباشرة عبر "اتفاقيات شراكة إستراتيجية"، تأتي ملفات قمع الهجرة غير النظامية غاية لها، لكنها تمتزج باتفاقيات اقتصادية وتجارية كبيرة تُنعش الكراسي الحاكمة التي تكاد تتهاوى بسبب سوء إدارتها.

ما يعنينا من العودة الأوروبية للمشاركة في رسم سياسات المنطقة، أنها أصبحت طرفا أساسيا ومشاركا في تمويل الاستبداد ومنحه الغطاء السياسي له، وهي تهمة لا تقل سوءا عن تمويل ما يُسمى "الإرهاب"، أو تهمة الترويج له والدفاع عنه، إذ إن الأنظمة العربية ما تزال مدركة أنها بحاجة إلى أوروبا وأمريكا وروسيا في البقاء على كراسي الحكم، وهذا بحسب تحالف كل نظام سياسي مع هذه الأطراف
المفارقة أن الدول المستفيدة من السخاء الأوروبي، غير المعتاد، تقوم بمساومتها بتلك الورقة، فعندما تُناقش أوروبا ملفات حقوق الإنسان، وهي مناقشة صورية، تفتح تلك الدول بحارها للمهاجرين لتلزم أوروبا حدَّها وتتوقف عن المناقشات العلنية التي تزعج الحكام، وفهمت أوروبا الرسالة جيدا وبدأت تتعامل على هذا الأساس، لكنها كذلك تُعزِّز مكانتها في المنطقة عبر تلك الاتفاقيات واتفاقيات التسليح، فملأت جزءا من الفراغ الأمريكي، بتناغم كبير بين الأطراف المعنية بالتواجد الأوروبي؛ أمريكا ودول الإقليم وأوروبا.

ما يعنينا من العودة الأوروبية للمشاركة في رسم سياسات المنطقة، أنها أصبحت طرفا أساسيا ومشاركا في تمويل الاستبداد ومنحه الغطاء السياسي له، وهي تهمة لا تقل سوءا عن تمويل ما يُسمى "الإرهاب"، أو تهمة الترويج له والدفاع عنه، إذ إن الأنظمة العربية ما تزال مدركة أنها بحاجة إلى أوروبا وأمريكا وروسيا في البقاء على كراسي الحكم، وهذا بحسب تحالف كل نظام سياسي مع هذه الأطراف، وربما نجد الصين قريبا راعية لأحد النظم القريبة من المنطقة كمرحلة أولى. والقصد أن أوروبا والولايات المتحدة تحديدا يُشاركان في تمويل وتعزيز الاستبداد وما يتصل به من انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي.

من هنا، ربما صار من الواجب علينا أن نتعامل مع ذلك الوضع بصورة أكثر جرأة، ونذهب إلى شكاية أمريكا والدول الأوروبية التي تعزز الاستبداد وتعقد شراكات معه في الهيئات الدولية بتُهم: "انتهاك القانون الدولي، وحقوق الإنسان"، فتوجَّه إلى تلك الدول التهمُ نفسها التي توجَّه إلى النظم الاستبدادية، باعتبارهم يوفرون دعما ماليا وغطاء سياسيا، لننقل معركتنا ضد الاستبداد إلى فضاء أرحب وأوسع، ونضع الجناة الأساسيين والمستترين أمام الجميع دون دِثَارٍ يسترهم.

مقالات مشابهة

  • هكذا تمكنت إيطاليا من جذب أصحاب الملايين والمليارديرات في أوروبا إليها
  • معركة «النفس الأخير» لماكرون ضد اليمين المتطرف.. «الوحدة الأوروبية في خطر»
  • بمباركة القصر الملكي..بريطانيا تخالف أوروبا وتنعطف إلى اليسار
  • قادة أوروبا يتطلعون للعمل مع رئيس الحكومة البريطانية الجديد ويثنون على فوزه
  • عكس أوروبا.. لماذا توجهت بريطانيا يسارًا نحو العمّال؟
  • عقاب جماعي.. جيهان جادو تكشف سر صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية
  • العودة الأوروبية إلى المنطقة
  • وصول اليمين المتطرف للسلطة في فرنسا
  • من المجر إلى هولندا.. هل يؤدي توسع نفوذ اليمين الراديكالي في أوروبا إلى التأثير على قرارات الاتحاد؟
  • تحذير في بريطانيا بعد صعود اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا