تحت هذا العنوان وأشباهه ونظائره وردت أخبارٌ عديدة تروي بلاغة النساء العربيّات، وما كان لهنّ من مواقف خطابيّة خاصّة في محافل الوفود وما دار منها من مجادلات أثبتت فيها نساء عربيّات قدرتهنّ على إدارة الحوار، وعلى إبداء الحكمة وتخيّر الرأي الصواب. وحقيقة فقد دفعتني نزعات النسويّة وإثارة قضاياها وعدم الفهم الذي حلّ بشريحة من العقل العربيّ تحديدا تُجاه مسألة النسويّة وإدراجها ضمن خانة الفسوق والفجور والتكفير إلى البحث عن صورة المرأة في التاريخ العربيّ، وكتبت في ذلك عددا من المقالات العارضة، وفصلا في كتاب «صورة الجاهليّة» عن صورة المرأة العربيّة في الجاهليّة، وهي صورة -في حقيقتها- التي لا تتماهى تمام التماهي مع صورتها في الذهنيّة العربيّة الحديثة، ذلك أنّ المرأة العربيّة كانت -ولعلّها ما زالت- ذات عقل وتدبير ونفوذ وحكمة وبلاغة وفطنة وأثر في التاريخ يبين أنّها ليست ذات وجود عرضيّ أو سلبيّ، وإن وسّعنا الدائرة، يُمكن أن ننظر وراء كلّ عظمة في تاريخ العرب هنالك امرأةٌ فاعلة جليّة الحضور.
وكذا الأمر مع جملة من نساء العرب التقين بمعاوية وهو داهية العرب، فلم يكن له من سبيل إلاّ العمل على إرضائهنّ، منهنّ: سودة بنت عمارة وبكارة الهلاليّة والزرقاء وأم سنان بنت خيثمة وعكرشة بنت الأطرش ودرامية الحجونية وأم الخير بنت حريش. فبكارة الهلاليّة، وهي أيضا من أنصار علي بن أبي طالب في حربه على معاوية، قد دخلت عليه وافدةً، وقد أسنّت وعشي بصرها، ووهنت قواها، «ترعش بين خادمين لها»، فتعرّض لها في المجلس جُلاّس معاوية ومقرّبوه، وذكّروه بما قالت من شعر في ذمّ معاوية وآله، وفي إعلان عدم شرعيّة ولايته، فقالت مجيبة: «نبحتْني كلابُك يا أمير المؤمنين، واعتورتْني، فقصُر محجني (العصا معطوفة الرأس)، وكثُر عجبي، وعشيّ بَصري، وأنا واللّه قائلة ما قالوا، لا أدفعُ بتكْذيب، وما خفي عليك منّي أكثر، فامض لشأنك، فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين، فضحك معاوية، وقال: ليس يمنعنا ذلك من برّك، اذكري حاجتك، قالت: أمّا الآن فلا»، أمّا دارميّة الحجونيّة فإنّ معاوية هو الذي تقصّاها وبحث عنها وطلبها، وهي امرأة عربيّة من كنانة، أراد منها معاوية، وقد كبرت وشاخت، أن يَعْلم علّة بغضها له ونُصرتها لعليّ، فطلبت إعفاءها من الجواب فألح معاوية ولم يُعفها، فأجابته بقول بليغ جارح جعل معاوية يتراجع عن منازلتَها بالقول وعن بيان معايبها الخُلُقيّة وميولها السياسيّة، وأجزل لها العطاء. هذا بابٌ من أبواب بلاغات النساء، وقد خصّص ابن طيفور (ت 380 هـ) كتابا لـ«بلاغات النساء» ذكر فيه نماذج مهمّة من نساء أحسنّ القول، ولم يخفن في مقامات تُرعبُ الرجال الأشاوس. أضف إلى ذلك أنّ المرأة العربيّة في الجاهليّة صنعت صُورة مُرغِّبة حكمةً وأثرا وقولا وفعلا، وتحكّمت في مقاليد البلاغة، تُصرّفها حسنَ المسار. ومن هذه الصورة التي حفظتها كُتب الأدب للمرأة تنعّمها بحريّتها وقيادتها لقومها.
أمرُ نساء الجاهليّة معلوم وعرضت له عديد الدراسات، في شأن اختيار المرأة الحرّة لزوجها، وفي تاريخ العرب أمثلة لا فائدة من الخوض فيها، منها قصّة هند بنت عتبة مع طالبيها للزواج سهيل بن عمرو العامري وأبي سفيان، وقصّة بهيّة بنت أوس الطائي إذ تخيّرت مهر زواجها من الحارث بن عوف واشترطت إحداثه الصلح بين عبس وذبيان حتّى ترضاه زوجا، وقس على ذلك من قصص وفيرة في تراث العرب قبل الإسلام. تتكوّن صورة المرأة ذات العقل أيضا، صاحبة الرأي، المرأة الفاعلة في الحياة، المرأة التي تنعم بقسط مهمّ من الحريّة في اتّخاذ القرار، المرأة الحكيمة التي يخطبها فارس هوازن وسيّد بني جشم دريد بن الصمّة، فترفضه بسبب من شيخوخته، فالخنساء ترفض الزواج من دريد بن الصمّة، وهو من هو في الجاهليّة بأسًا واقتدارًا ونصرةً وصيتًا، إذ تختبره، وتُجرّب أمره قبل الموافقة على الزواج، ولمّا ترى فيه عدم القدرة على الزواج تردّه، وتقول له: «ما كنت لأدع بني عمّي وهم مثل عوالي الرماح وأتزوّج شيخا». غير أنّ الصورة الأهمّ هي صورة المرأة ذات الرأي والحكمة في قيادة القبيلة والحكم بين المتنازعين أفرادًا وعشائر وقبائل، وقد تجسّدت في أخبار نُقلت عن «عمرة بنت عامر بن الظرب» التي عُرفت بصواب رأيها فيما يجدّ على قبيلتها وعلى القبائل الأخرى من حوادث وبمساعدتها حكيم العرب عامر بن الظرب في تخيّر الرأي الصواب، إذ يعرض عليها الآراء فتختار أسلمها، وهي التي كانت تقرع له العصا، إذا ما تبيّنت وقوع والدها في مجانبة الصواب، وهي في رأي الجاحظ معدودة من حكيمات نساء العرب حتّى جاوزت في ذاك مقدار صحر بنت لقمان وهند بنت الخسّ وجمعة بنت حابس بن مليل الإياديين.
للمرأة العربيّة صُورةٌ تُخالف جذريّا الصورة التي تبنّاها الغرب وحملها بعض من مثقّفي العرب، صورة المرأة العربيّة في أصلها، منذ الجاهلية، ليست صورة الحرملك السائدة لدى الغرب، ولعلّنا نُدرك من جدّاتنا ومن حكاياتهن، صورة عن المرأة الحرّة، مسموعة الرأي، نافذة القول، وقد كتب المعلّم الأوّل سما عيسى في ما أتذكّر مقالة لم أتمكّن من الاطّلاع على تفاصيلها على قائدات رائدات حكيمات من شرقيّة عُمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المرأة العربی ة فی فی الجاهلی ة صورة المرأة نساء العرب غیر أن
إقرأ أيضاً:
غالبيتهم نساء وأطفال.. 50 شهيدا وجريحا إثر الاقتحام الصهيوني للمخيم الجديد بالنصيرات في غزة
يمانيون../ ندد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، اليوم الاثنين، بارتكاب العدو الصهيوني جرائم مروعة إثر اقتحام المخيم الجديد بالنصيرات بالآليات العسكرية، وعشرات الجنود والطائرات، والتي راح ضحيتها أكثر من 50 شهيداً وجريحاً، غالبيتهم نساء وأطفال.
وأفاد “الإعلامي الحكومي” في بيان: باقتحام قوات العدو المخيم الجديد بالنصيرات وسط قطاع غزة، بأكثر من 17 دبابات وجرافة وآلية عسكرية، والعشرات من الجنود المدججين بالسلاح ترافقهم طائرات الكواد كابتر وطائرات الاستطلاع.
وراح ضحية هذه الجرائم الوحشية 50 شهيداً وجريحاً، كلهم من المدنيين، وأكثر من نصفهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى نسف وهدم وقصف وتدمير أكثر من 20 وحدة سكنية، وفقا لـ “الإعلامي الحكومي”.
ولفت إلى أن العدو اقتحم المخيم الجديد أكثر من 5 مرات منذ بدء العدوان على القطاع، وراح ضحية الاعتداءات السابقة أكثر من 100 شهيد وعشرات الإصابات، بالإضافة لتدمير أكثر من 1500 وحدة سكنية.
ودعا “الإعلامي الحكومي” كل العالم إلى إدانة هذه الجرائم المركبة التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ومحملا الإدارة الأمريكية والدول الغربية المتواطئة في الإبادة الجماعية المسؤولية الكاملة عن استمرار هذه المجازر.
وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية إلى تحرك عاجل وفاعل لوقف جرائم الاحتلال، والانتهاكات المتكررة، وضمان حماية المدنيين والأطفال والنساء والمرافق العامة.
ويشهد مخيم النصيرات وسط قطاع غزة منذ ساعات ليل السبت، تصعيدًا عسكريًا من قوات العدو الإسرائيلي، حيث استهدف الغارات الجوية والقصف المدفعي مناطق متفرقة، تزامنًا مع عمليات نسف وتجريف..
وتركز القصف الإسرائيلي أمس الأحد، في مخيم النصيرات على الأجزاء الشمالية والشمالية الغربية منه، فيما تقدمت قوة إسرائيلية خاصة في محيط مسجد حسن البنا بمنطقة المخيم الجديد شمال غرب النصيرات وسط عمليات إطلاق نار وقصف مدفعي مكثف بالمنطقة.
وانتشرت مساء أمس الأحد، مشاهد مرئية قاسية، التقطها أحد الصحفيين عند وصول الإسعاف لانتشال شهداء ومصابين، من داخل مدرسة إيواء تتبع لـ “أونروا”، عقب محاصرتها في المخيم الجديد بالنصيرت.
ووصف شهود عيان الأوضاع داخل المخيم الجديد بأنها صعبة، مشددة على ضرورة أخذ الحيطة والحذر بالحركة والابتعاد عن المناطق المكشوفة، تخوفا من الاستهدافات الإسرائيلية المتلاحقة.
ومخيم النصيرات هو ثالث أكبر المخيمات في فلسطين بعد مخيمي جباليا والشاطئ من حيث المساحة والسكان، ويقع وسط قطاع غزة، وأنشئ بعد النكبة عام 1948.
وتتواصل حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة لليوم الـ 444 تواليًا، في ظل استمرار عمليات القصف المباشر لمنازل المواطنين المأهولة في مختلف أنحاء القطاع.
وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، إلى 45 ألفًا و259 شهيدا، بالإضافة لـ 107 آلاف و627 مصابًا بجروح متفاوتة، منذ الـ 7 من أكتوبر 2023.