كارثة الإعلام العربي
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
أبريل 23, 2024آخر تحديث: أبريل 23, 2024
رامي الشاعر
رامي الشاعركاتب ومحلل سياسي
تواجدت في الأيام القليلة الماضية في بعض الدول الخليجية وتابعت مشهدا إعلاميا صاخبا يعج بزخم من الأخبار والتحليلات والمداخلات التي جعلتني أشعر بالشفقة على المشاهد العربي من مدى التخبط في الأفكار والانطباعات التي يسببها ذلك المشهد.
ولا يتعلق ذلك فقط بالتحليلات ووجهات النظر وهي من حق الجميع بكل شفافية وحرية، ولكن، وبالتحديد، في طريقة تناول الأخبار، وزاوية عرض الأحداث، والتي يستند فيها الإعلام العربي بشكل أساسي إلى وسائل الإعلام الغربية، ويتبنى في غالبيته الرواية الغربية في النظر إلى معظم الأحداث الدولية، لا سيما في علاقته بروسيا وبإيران.
وبرغم الموقف الرسمي الذي يرفض أي مواجهة مع إيران، مع ظهور تسريبات أخيرة بعدم سماح المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة باستخدام أراضيها للهجوم على إيران، حال اندلاع حرب إقليمية، وهو موقف نزيه وشريف ننتظره من المملكة. إلا أن وسائل الإعلام العربية، فيما يبدو، تعمل بتوجيهات وبلا استقلالية، وقد وافقني في هذا الرأي عدد من الشخصيات النافذة، التي رفضت الإدلاء بتصريحات رسمية، أو الإعلان عن هويتها نظرا لحساسية القضية.
أقول إن معاييراً قد فرضت على وسائل الإعلام العربية، بعضها محلية، وأخرى دولية، تحتم عليهم أن ينقلوا مزاعم “تكبد الجيش الروسي لخسائر”، بينما “تنتصر القوات الأوكرانية”، في كذب واضح ورخيص، تنفيه كل الحقائق الواردة من أرض المعركة. كذلك يتم تصوير المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار، وكأنها ستغير قواعد اللعبة، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
واقع الأمر أنه من أصل 60.7 مليار دولار، ستستخدم الولايات المتحدة ما مجموعه حوالي 23 مليار دولار لتجديد مخزونها العسكري، وسيتم تخصيص 14 مليار أخرى لمبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا، التي يشتري بموجبها البنتاغون أسلحة جديدة للجيش الأوكراني من مقاولي الدفاع الأمريكيين (أي أنها أيضا أموال ستنفق في الولايات المتحدة الأمريكية). وهناك 11 مليار دولار لتمويل العمليات العسكرية الأمريكية الحالية في المنطقة، وتعزيز قدرات الجيش الأوكراني وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين كييف وواشنطن، وحوالي 8 مليارات دولار من المساعدات غير العسكرية مثل مساعدة الحكومة الأوكرانية على مواصلة العمليات الأساسية، بما في ذلك دفع الرواتب ومعاشات التقاعد.
إن تلك المساعدات وغيرها من المساعدات الأوروبية تتخذ شعارا لها بمجابهة “الخطر الروسي” الذي سوف “ينقض” على أوروبا، حال انتصرت روسيا في أوكرانيا، لذلك تخدع النخب السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا مواطنيها بتلك الأوهام، من أجل دفع أوكرانيا لاستنزاف روسيا حتى آخر أوكراني، والحيلولة دون انتصار روسيا بأي ثمن.
فيما يتعلق بإيران، تصور وسائل الإعلام أن الهجوم الإيراني على إسرائيل بالمسيرات والصواريخ ليس سوى “تمثيلية” و”مسرحية” تم الاتفاق عليها مسبقا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حتى يسيطر انطباع لدى المتابع العربي أن الولايات المتحدة هي المهيمنة على كل الأحداث في الشرق الأوسط والعالم، وهي من “تحارب التطرف والتمدد الشيعي الإيراني”، كما “تحارب التمدد الروسي نحو أوروبا”!
في المحصلة نجد أمامنا فتنة إيرانية عربية، شيعية سنية، وفتنة فلسطينية فلسطينية، وحملة لتشويه روسيا ومجموعة “بريكس” بالجملة، ومحاولات مستميتة للوقوف أمام عجلة التاريخ، وعرقلة تحول العالم من الهيمنة القطبية إلى عالم التعددية القطبية، ومحاولة الإبقاء على النظام الاقتصادي والمالي كما هو، في الوقت الذي ينتظر الاقتصاد العالمي فيه أزمة اقتصادية طاحنة.
ومع الأسف الشديد، فإن كثيرين يتأثرون بهذا الإعلام ويميلون لتقبله، وعندما تناقشهم وتحاول طرح رؤية مختلفة من زاوية مختلفة، يصيبهم اندهاش كبير.
انطباعي بشكل عام هو أن الإعلام موجه بشكل أساسي لإبعاد الجماهير العربية عن التفكير في أي دور أو تأثير للعالم العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو تسوية العلاقات وتحسينها بين بلدان المنطقة، وأي دور في مسيرة التغيرات الدولية الهائلة التي تحدث في العالم اليوم. بل وتشعر وكأن الإعلام العربي يتفنن في خلق الحزازات والتناحرات العرقية والطائفية والسياسية ويسعى لنمو الأحقاد واليأس من الواقع العربي والاستسلام غير المشروط للغرب “الحر” و”الرائع” و”قاطرة التنمية”.
إن التخلي عن أي موضوعية في مناقشة الملف الإيراني أو الأحداث بين روسيا وأوكرانيا و”الناتو” أو توتر العلاقات الروسية الأمريكية وغيرها من القضايا يبدو وكأن الإعلاميين والبرامج التلفزيونية المختلفة تبحث عن أي ذريعة لتعميق الخلافات وزراعة الأحقاد رغبة في رفع المشاهدات وتوسيع رقعة الانتشار، والحصول على مكاسب مالية (من الإعلانات وخلافه) أكبر، بصرف النظر عن المبادئ أو القيم أو أخلاقيات المهنة والإنسانيات بصفة عامة. ولا يسعى أي أحد في هذا المشهد للبحث عن العلاج، وعن العمل، والموائمات الممكنة، بل يتم تبادل الاتهامات بالعمالة والتخوين بلا ضمير.
يدسون السم في العسل، في وقت لا يصح فيه الحياد أمام المخاطر التي تتعرض لها منطقتنا، والمصير الذي يعانيه شعبنا الفلسطيني العربي، ويخشى المرء من طرح سؤال حول من المسؤول عن هذا كله، وهل يتبع هذا الشخص أو الجهة أجندة ما.
ولعل ما يحز في أعماق النفس حقيقة هو اتفاق عدد ليس بالقليل من السياسيين والإعلاميين الذين التقيتهم على المواجهة “ضد إيران” والتشكيك “ضد تركيا”، بل والتشكيك أيضاً في روسيا، وهي أمور تصب جميعاً في خانة واحدة هي التفرقة وتعميق الشروخ بين مختلف التوجهات التي يجب أن تسعى نحو توحيد الدور العربي لمواجهة المخطط الصهيوني الإسرائيلي لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيته.. فهل من رشيد؟
مرتبط
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الإعلام العربی وسائل الإعلام ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
مستشار الأمن القومي الأمريكي: ترامب محبط من زيلينسكي بسبب 500 مليار دولار
أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، يوم الخميس أن الرئيس دونالد ترامب، محبط من نظيره الأوكراني فلودومير زيلينسكي، بسبب رفض الأخير إبرام اتفاق لدفع 500 مليار دولار لسداد قيمة المساعدات التي قدمتها واشنطن لكييف.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بحاجة إلى "تهدئة" وسط تصعيد عداوته مع الرئيس دونالد ترامب.
وفي مقابلة مع برنامج "فوكس آند فريندز" على قناة فوكس نيوز الأمريكية، أوضح والتز، أنه "من الواضح أن هناك الكثير من الإحباط هنا"، مشيرًا إلى مقاومة زيلينسكي الواضحة لتوقيع اتفاقية مقترحة لتزويد الولايات المتحدة بالمعادن الأرضية النادرة مقابل الدعم العسكري.
وأكد والتز أن ليس ترامب فقط، بل ونائب الرئيس فانس ووزير الخزانة سكوت بيسنت أيضًا "محبطون" من زيلينسكي بعد اجتماعهما معه الأسبوع الماضي.
وقال والتز: "وذلك لأننا قدمنا للأوكرانيين حقًا فرصة لا تصدق وتاريخية لجعل الولايات المتحدة الأمريكية تستثمر مع أوكرانيا، وتستثمر في اقتصادها"، وتوفر لأوكرانيا "أفضل ضمان أمني يمكن أن تأمله على الإطلاق، أكثر بكثير من منصة ذخيرة أخرى".
وتسائل "لماذا نتعرض لهذا الرفض وبالتأكيد هذا النوع من "السب" في الصحافة، كما قال نائب الرئيس، لكل ما فعلته الإدارة، في ولايته الأولى أيضًا، وكل ما فعلته الولايات المتحدة لأوكرانيا، إنه أمر غير مقبول".
وأضاف: "إنهم بحاجة إلى تخفيف حدة ذلك وإلقاء نظرة فاحصة والتوقيع على هذه الصفقة".
وقال بيسنت، الذي زار أوكرانيا الأسبوع الماضي، إن إبرام صفقة اقتصادية من شأنه أن يرسل رسالة إلى روسيا مفادها أن واشنطن تقف إلى جانب كييف وستوفر "درعًا أمنيًا طويل الأمد لجميع الأوكرانيين".
وأشار ترامب إلى أنه يريد من كييف أن تقدم نحو 500 مليار دولار من العناصر الأرضية النادرة للولايات المتحدة كوسيلة لسداد المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي قدمتها واشنطن منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022.
وقد تصاعدت حدة التوتر بسرعة بعد استبعاد أوكرانيا من المحادثات بين المسؤولين الأمريكيين والروس في السعودية في وقت سابق من هذا الأسبوع.
ووصف ترامب؛ زيلينسكي بأنه "دكتاتور بلا انتخابات" وكان يقوم "بعمل فظيع".
وانتقد فانس رد زيلينسكي على ترامب، قائلاً لصحيفة ديلي ميل يوم الأربعاء، "إن فكرة أن زيلينسكي سيغير رأي الرئيس من خلال التحدث عنه بشكل سيء في وسائل الإعلام العامة ... سيخبرك كل من يعرف الرئيس أن هذه طريقة فظيعة للتعامل مع هذه الإدارة".
كما دافع والتز في المقابلة التي أجريت يوم الخميس عن نهج الإدارة ورفض الاقتراح القائل بأن الولايات المتحدة تتحايل على حلفائها في سعيها للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وقال والتز: "يجب أن أرفض فكرة عدم التشاور مع الأوكرانيين"، مشيرًا إلى أنه كان يتحدث إلى نظيره الأوكراني "على أساس منتظم" وأن العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب قد التقوا بالفعل بزيلينسكي في أوكرانيا.
وقال والتز أيضًا إن إدارة ترامب كانت منخرطة مع "أصدقائنا الأوروبيين"، مشيرًا إلى أنه تحدث إلى نظرائه في فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، وسيستضيف زعماء الدولتين السابقتين الأسبوع المقبل.