يفخر المخرج الفلسطيني البارز رشيد مشهراوي بـ"سينما المقاومة"، وهو العنوان الذي اختاره مهرجان أسوان لأفلام المرأة، تضامنا مع سينمائيات فلسطينيات في ظلّ الحرب الإسرائيلية على غزة.

وقال مشهراوي، البالغ من العمر 62 عاما، ويرأس لجنة تحكيم مسابقة الفيلم المصري في المهرجان، "هناك حاجة إلى تصدير صورة سينمائية مختلفة من غزة"، رافضا الدعوة إلى وقف الأنشطة الفنية والثقافية في البلدان العربية كنوع من التضامن مع الشعب الفلسطيني، "لا أعتبر السينما والفن مشروعا ترفيهيا فقط… إذا لم تقم المهرجانات السينمائية حال وقوع كوارث كبرى شبيهة بما يحدث حاليا في فلسطين، فما الذي يدعو لإقامتها أصلا؟".

ويركّز مهرجان أسوان في نسخته الثامنة على "سينما المقاومة" الفلسطينية في ظلّ الحرب الإسرائيلية على غزة، التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتسببت في سقوط أكثر من 34 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال.

"دفاع عن النفس؟"

وتُعرض ضمن مسابقات المهرجان 6 أفلام فلسطينية قصيرة، من بينها الفيلم الوثائقي "خيوط من حرير" للمخرجة ولاء سعادة التي قُتلت الشهر الماضي، ومدته 14 دقيقة، ويحكي عن الثوب الفلسطيني وما تحمله تطريزاته من معانٍ.

كما يشارك فيلم "أنا من فلسطين" للمخرجة إيمان الظواهري، ومدته 5 دقائق، ويحكي قصة صامدة، الفتاة الفلسطينية الأميركية المقيمة في الولايات المتحدة، التي تُصدَم في يومها الدراسي الأول برؤية خريطة للعالم لا يوجد عليها وطنها.

ويتناول الفيلم الوثائقي "مستقبل مقطوع"، ومدته 16 دقيقة، للمخرجة علياء أرصغلي، التجارب الحياتية لـ27 فتاة، تتراوح أعمارهن بين 11 و17 عاما في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

ويعمل مشهراوي حاليا على فيلم وثائقي يدور حول الحرب الحالية، يسلّط فيه الضوء على "أكذوبة الدفاع عن النفس" التي تستخدمها إسرائيل.

ويقول "كيف تدّعي الدفاع عن النفس وأنت المعتدي؟!"، مضيفا "فجّر الاحتلال مرسما في غزة لإحدى الفنانات مع اللوحات والتماثيل.. فأين هو الدفاع عن النفس في ذلك؟!"، مشيرا إلى "قتل الفنانين والمثقفين كإرهابيين".

ويعد مشهراوي صاحب أول تجربة فلسطينية سينمائية عُرضت بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي عام 1996، من خلال ثاني أفلامه الطويلة "حيفا"، ومن بين أبرز أفلامه أيضا فيلم "عيد ميلاد ليلى" عام 2008، وفيلم "فلسطين ستيريو" عام 2013.

ويعود تاريخ السينما في قطاع غزة إلى أربعينيات القرن الماضي، عندما أُنشئت سينما "السامر" التي تمّ تحويل مبناها إلى وكالة لبيع السيارات، وأغلقت دور السينما في القطاع خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993)، لتعود بعد نشأة السلطة الفلسطينية عام 1994، وافتتاح سينما "النصر" وسط غزة، قبل أن يتم إحراقها في العام 1996.

"أفلام من المسافة صفر"

ومنذ الشهر الثاني للحرب في غزة، بدأ مشهراوي العمل على تأسيس صندوق لدعم السينما في غزة، مشيرا إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي يسرد طوال الوقت روايات مزيفة، ولا بد من إظهار الحقيقة ليس فقط للعرب وإنما للعالم بأكمله"، مشيرا إلى أن مبادرة "أفلام من المسافة صفر" تساعد مخرجين ومخرجات في غزة "تحت القصف أو أصبحوا لاجئين" في إنتاج أفلامهم.

وتنشط في المبادرة سينمائيات نساء، ويقول مشهراوي "دائما في أصعب اللحظات، نجد المرأة الفلسطينية في المقدمة".

ويعتبر مشهراوي أنه على الرغم من أن إسرائيل "تقتل منّا الكثير"، فإنه "من الصعب أن يحتلّوا ذاكرتنا. هوياتنا، والموسيقى والتاريخ والثقافة".

ومنذ العام 2008، شنت إسرائيل 3 حروب على غزة، فيما تعرض القطاع للعديد من التصعيدات الدامية.

ويرى مشهراوي أن تضامن الجمهور العربي مع الشعب الفلسطيني، "وأنا أقصد الشعوب وليس القيادات، ربما (…) نابع من عجزه وتقييده من أنظمته".

ويضيف "كنت أحلم أن تكون الأنظمة العربية مثل الشعوب. لكن أقولها بكل وضوح: هذا لم يحدث، حتى بعد اقترابنا من مئتي يوم على الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الدفاع عن النفس فی غزة

إقرأ أيضاً:

حرية النفس أم قيود المجتمع؟

 

 

 

محمد بن أنور البلوشي

أحتاج إلى نفس.. أعطني فرصة! هذا ما سمعته من صديق مقرب لي عندما كنا نتحدث عن المجتمع. قال لي بصوت يائس لكنه مليء بالعزيمة: "أريد أن أكون حرًا... حرًا من كل شيء!"

أحيانًا، يشعر الفرد أن المجتمع كله يقف ضده، وكأن العالم يرفض وجوده كما هو. أين الفردية في كل هذا؟ لا زلت أتذكر عندما كنت جالسًا مع صديق في مطعم للعشاء، فجأة قال له أحد الغرباء في المكان: "هل يمكنك الجلوس بطريقة لائقة؟" نظرنا إلى بعضنا بدهشة، وهمسنا: "ماذا يقصد؟ لماذا يتدخل؟".

لم يكن يجلس بطريقة غير مألوفة؛ بل كان مرتاحًا فقط في وضعه، لكن كلمات هذا الشخص كانت بمثابة هجوم غير مبرر، وكأنها محاولة لتقييد حريته في مجرد الجلوس كما يريد.

بعد أيام قليلة، التقيت بصديقة أخرى، كانت غاضبة من شيء مشابه. قالت لي بغضب: "لماذا يظن الجميع أن لديهم الحق في الحكم على مظهري؟ أحب ارتداء الألوان الزاهية، لكن في كل مرة أمشي في الشارع، أجد نظرات وتعليقات تلاحقني!" ثم توقفت لوهلة وأطلقت تنهيدة ثقيلة، "لماذا يحاول المجتمع دائمًا وضعنا في قوالب جاهزة؟".

شعرت بقوة بإحباطها، وجعلني ذلك أتساءل: هل يمكن للفرد أن يوجد حقًا بشكل مستقل عن المجتمع، أم أننا مجرد انعكاس لما يمليه علينا؟ هذه التجارب ليست فردية أو نادرة، بل هي جزء من حياة الكثيرين الذين يشعرون بالاختناق من المعايير الاجتماعية والضغوط المستمرة للامتثال.

نحن دائمًا مطالبون بأن نكون مهذبين، محترفين، نتصرف بطريقة معينة، وكأن المجتمع يملي علينا هويتنا بدلًا من أن نخلقها بأنفسنا.

تناول العديد من المفكرين الاجتماعيين هذا الصراع بين الفرد والمجتمع. إميل دوركهايم رأى أن المجتمع يعمل من خلال القواعد والمؤسسات الاجتماعية، وأن الأفراد يتشكلون وفقًا للوعي الجمعي.

لكن هل يجب علينا الاستسلام من أجل الانتماء؟ ماكس شتيرنر دعا إلى أن يسعى كل إنسان لتحقيق مصالحه الخاصة بعيدًا عن القيود الاجتماعية. جون ستيوارت ميل أكد أن تنوع الأفكار والسلوكيات ضروري لتقدم المجتمع. فإذا كان الجميع متشابهين، كيف يمكن أن تظهر أفكار جديدة؟

هذا الصراع بين الفردية ومتطلبات المجتمع ينعكس في حياتنا اليومية. شاب موهوب في الرسم يريد أن يكون فنانًا، لكن عائلته تصر على أن يتبع مسارًا وظيفيًا تقليديًا.

شخص هادئ يفضل العزلة، لكنه يسمع دائمًا: "لماذا أنت هادئ جدًا؟ عليك أن تكون اجتماعيا أكثر!" التناقض في وسائل التواصل الاجتماعي واضح؛ نشجع على التميز، لكن فقط في حدود ما هو مقبول اجتماعيًا.

ربما المفتاح يكمن في الاحترام المتبادل، يجب أن يمنح المجتمع الأفراد مساحة للتعبير عن أنفسهم دون أحكام. المشكلة تبدأ عندما يتحول المجتمع إلى سجان للفكر والسلوك، متجاهلًا قيمة الاختلاف والتنوع.

صديقي الذي تنهد قائلًا: "أحتاج إلى نفس"، لم يكن يعبر عن مشكلته الشخصية فقط، بل كان صوت الكثيرين. الضغط للامتثال لما يريده المجتمع مرهق، ولكن الفردية هي جوهر التقدم.

لو أن الجميع امتثلوا، فكيف سنشهد الإبداع والابتكار والتغيير؟ في النهاية، سيظل الصراع بين المجتمع والفرد قائمًا، ولكن ربما الحل لا يكمن في مقاومة أحدهما للآخر، بل في إعادة تعريف العلاقة بينهما. فلنخلق مجتمعًا يحتضن أفراده ويدعمهم، عندها فقط لن نحتاج إلى أن نطلب استراحة... لأننا سنعيش ونتنفس بلا قيود!

 

 

مقالات مشابهة

  • المخيمات الفلسطينية.. العقدة التي ظلت تؤرق الاحتلال وتحبط مخططاته
  • أحمد موسى: الشعب الفلسطيني لن يترك أرضه مهما ارتكبت إسرائيل من جرائم
  • حرية النفس أم قيود المجتمع؟
  • باحث سعودي: القضية الفلسطينية ما زالت هي الأولى التي تحدث عنها قيادة المملكة
  • الخارجية الفلسطينية تدعو مجلس الأمن للتحرك العاجل لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: إسرائيل تسعى إلى تدمير الضفة الغربية
  • شنقريحة:التحديات الأمنية التي تواجه عالمنا تتطلب تعزيز التعاون متعدد الأطراف
  • برلمانية: مصر ركيزة أساسية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية
  • الصحة الفلسطينية تكشف سبب رفض الحالات المرضية التي حصلت على الموافقة للسفر
  • ختام “وادي سينما” بمشاركات سينمائية سعودية وعالمية