تقرير : نصف سكان العالم يغرقون في الديون
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
كشف تقرير حديث صادر عن المؤسسة الدولية لتمويل التنمية، أن ما يقرب من نصف سكان العالم يقيمون في دول تتجاوز خدمة الديون فيها الإنفاق على الرعاية الاجتماعية الأساسية.
ويمثل هذا السيناريو المريع "أسوأ أزمة ديون منذ بدء السجلات العالمية" وفقا لمنظمة "ريد فلاغ" التي علقت على التقرير في موقعها. ويرسم التقرير صورة قاتمة للضائقة المالية التي تعاني منها مساحات شاسعة من العالم.
وتتحدث أرقام التقرير عن الكثير، فقد ارتفعت مدفوعات خدمة الديون في البلدان المنخفضة الدخل بشكل كبير، حيث تجاوزت ضعف الإنفاق على التعليم و4 أضعاف الإنفاق على الصحة.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية وحدها، عصفت 18 حالة تخلف عن سداد الديون السيادية بـ10 دول، وهو رقم يتجاوز مجموع العقدين السابقين.
60% من البلدان المنخفضة الدخل كانت تتأرجح بالفعل على شفا أزمة الديون (غيتي)ويرسم التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2022 صورة أكثر سوادا، ويشير إلى أن 60% من البلدان المنخفضة الدخل كانت تتأرجح بالفعل على شفا أزمة الديون. وعلى الرغم من أن النسبة قد انخفضت ظاهريًا إلى 50%، فإن الواقع القاسي لا يزال قائمًا، حيث تواجه 34 دولة محنة و25 دولة تواجه مخاطر عالية. ورغم أن هذه الإحصائيات توصف بأنها تحسن طفيف، فإن خطورة الأوضاع الحقيقية ما زالت قائمة بشكل كبير.
وبحسب تقرير منظمة "ريد فلاغ" وصل عبء خدمة الديون في الشق الجنوبي من العالم إلى مستوى مثير للقلق يبلغ نصف تريليون دولار سنويا، مما أجبر أكثر من 100 دولة على خفض الإنفاق على القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم للوفاء بالتزامات ديونها.
ووفق التقرير فإن أي مظهر من مظاهر الارتياح يبدو بعيدا، حيث يطل التضخم برأسه في الولايات المتحدة، محطمًا الآمال في تخفيضات وشيكة في أسعار الفائدة.
وبالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض، المثقلة بتكاليف الاقتراض الباهظة، فإن الوضع أكثر تعقيدا. فالدول الأفريقية، على سبيل المثال، تتحمل أسعار فائدة أعلى بـ4 مرات من الولايات المتحدة و8 مرات أكثر من نظيراتها في أوروبا الغربية، وفق تقرير منظمة "ريد فلاغ".
تحويلات صافي الثروة من الدول الأفقر إلى الدول الأكثر ثراء، وصلت إلى 10 تريليونات دولار على مدى العقدين الماضيين.(التواصل الاجتماعي)ويلوح شبح إعادة تمويل الديون في الأفق بشكل كبير، ويتفاقم بسبب تضاؤل دعم الدائنين وتعزيز العملات الأجنبية مقابل العطاءات المحلية.
وبحسب التقرير ذاته ترسم منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) صورة قاتمة، حيث تكشف أن البلدان المنخفضة الدخل تخصص نسبة مذهلة تبلغ 23% من عائدات التصدير لخدمة الديون، وهو ما يتجاوز بكثير الحد الأقصى الضئيل الذي فرض على ألمانيا ما بعد الحرب والذي يبلغ 5%.
وتدور الاقتصادات المثقلة بالديون في دوامة اقتصادية مفرغة تهدد الدول، حيث تتراكم الديون بشكل أسرع من النمو الاقتصادي. وتكشف تقديرات الأمم المتحدة عن تحويل صاف للثروة من الدول الأفقر إلى الدول الأكثر ثراء، وهو ما يصل إلى مبلغ ضخم قدره 10 تريليونات دولار على مدى العقدين الماضيين.
ويسلط هذا التفاوت الكبير الضوء على الحاجة الملحة إلى إلغاء الديون، في حين يكافح السكان الفقراء تحت وطأة الالتزامات التي لا يمكن التغلب عليها، يقول تقرير منظمة "ريد فلاغ".
وبينما يتصارع العالم مع أزمات وجودية مثل الجوع وتغير المناخ، تصبح الحقيقة الملحة المتمثلة في عدم المساواة في الرأسمالية موضع تركيز حاد. وتؤكد منظمة "ريد فلاغ" أن النظام الدولي الحالي، الذي تحركه دوافع الربح، يفشل في تلبية الاحتياجات الأساسية للفئات الأكثر ضعفا في العالم، مما يؤدي إلى إدامة دائرة الفقر والاستغلال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الإنفاق على الدیون فی
إقرأ أيضاً:
WP: سكان حماة يستيعدون ذكريات أول مذبحة ارتكبها الأسد ضدهم
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، أعدّته لويزا لافلاك، من مدينة حماة التي عاشت في الثمانينات من القرن الماضي "مجزرة رهيبة" على يد قوات حافظ الأسد، والد رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.
وفي التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الناجين من أول مذبحة لعائلة الأسد يتذكرون الآن ما حدث، ويتحدثون بحرية وبدون خوف"، مردفة: "المذبحة هذه كانت بمثابة النموذج الذي قام عليه القمع في نظام الأسد بسوريا".
وأضاف التقرير: "اليوم وقد هرب الأسد الإبن أصبح بمقدور الناس حكاية قصصهم"، متابعا: "إنه وعلى مدى أربعة عقود، تأكّدت عائلة الأسد من أن الرعب الذي ارتكبته ظل مخفيا وصامتا، فقد قامت وعلى مدى شهر من الحصار بقتل عشرات الآلاف من سكان المدينة، ثم تصيدت من حملوا ذاكرتها".
"ترددت قلة من سكان المدينة في غرب سوريا في وصف ما حدث خلال عام 1982، ونظروا من خلف ستار النوافذ حيث راقبوا الجنود وهم يفصلون الرجال عن النساء لإعدامهم. وحاولوا نسيان مجموعات الكلاب التي انتشرت في شوارع المدينة بعدما مزقوا الأجساد" بحسب التقرير.
وأبرز: "فقد كانت حماة التي قام من خلالها حافظ الأسد بتعزيز وحشية عائلته من خلال سحق انتفاضة للإخوان المسلمين. وفي هذا الشهر، انهار حكم العائلة في سوريا، وانزاح جدار الصمت الذي بنته على المجزرة، وفي مدى أيام قليلة".
واسترسل: "قادت قوات المعارضة التي خاضت حربا استمرت لمدة أكثر من عقد حملة عسكرية خاطفة من معقلها الرئيسي في شمال البلاد إلى العاصمة، دمشق وتفوقت على دفاعات قوات بشار الأسد التي انهارت معنوياتها واستولت على العاصمة، بينما فرّ الرئيس إلى روسيا".
وأكدت: "على قمة تلة مغطاة بأشجار الصنوبر بالقرب من حماة، حيث خسرت القوات الحكومية معاركها الأخيرة مع مقاتلي المعارضة، كانت الأرض مغطاة بالزي العسكري الأخضر، والطعام الذي حملته القوات معها إلى الجبهة وكانت أجسادهم مرمية على العشب حيث سقطوا".
ويقول سكان المدينة، وفقا للتقرير نفسه، إنّ: الخسارة الفادحة تضخمت بحجم صدمة المذبحة المخفية والتي جعلت روح حماة فارغة.
ومن نواح عديدة، كانت حملة حافظ الأسد هنا بمثابة المخطط الذي استخدمه ابنه لسحق المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011، ما أدى لإنزلاق البلاد إلى حرب أهلية.
وعلى الرغم من أن معظم السوريين لم يعرفوا أبدا تفاصيل ما حدث هنا، إلا أنهم فهموا أن حماة كانت مرادفا للمذبحة، وبمثابة تحذير من أن الموت أو السجن هو ثمن الوقوف في وجه النظام.
وقبل ظهور سجن صيدنايا سيء السمعة، كان هناك سجن تدمر حيث سجن رجال حماة وأعدموا فيه. ووصف أحد السجناء السابقين وهو شاعر، ما جرى في السجن بأنه: "مملكة الموت والجنون".
ولدت ميساء زلوخ في عام 1982 في ظل الحصار الحكومي. أخبرتها عمتها أن والدها كان حنونا واجتماعيا، لكن الرجل الذي رباها لم يكن لديه أصدقاء على الإطلاق. لقد قتل أو اختفى أولئك الذين نشأ معهم. قالت زلوخ: "كان خائفا لدرجة أنه لم يكن يثق في أي شخص".
وأوضحت أن المرة الأولى التي رأته يبكي فيها كانت عندما دخلت المعارضة المدينة في 5 كانون الأول/ ديسمبر، حيث أدرك أخيرا أن النظام على وشك السقوط. وقالت: "كان الأمر لا يصدق، لقد كان سعيدا للغاية. قال إنه كان يعتقد أن هناك سبع عجائب فقط في هذا العالم، لكن الآن أصبحت هذه العجائب أصبحت ثماني".
وعلى مقعد في المنتزه ضحك حامد شعبان، ذو 54 عاما، وصديقه، عند سؤالهما عن المرة الأولى التي تحدثا فيها عن مجزرة حماة قبل 42 عاما، وقال معا: "الآن".
ومن المكان الذي جلسا فيه كان بإمكانهما رؤية الساحة العامة التي كانت تعج بالمتظاهرين في عام 2011، وهم يرقصون ويهتفون ويطالبون بالتغيير السياسي. وعندها فتحت قوات الأمن النار عليهم، ثم شكلت "لجان تحقيق" لاعتقال دائرة متزايدة الاتساع من المدنيين بتهمة التورط في الاحتجاجات، سواء كانت حقيقية أو متخيلة.
وقال شعبان: "كنت أشاهد من بعيد آنذاك. كنا نعرف ثمن الانتفاضة، وكنا خائفين جدا".
وفي حي الكيلانية، على الجانب الآخر من النهر ونواعيره الشهيرة، توقّف المارة للاستماع بينما بدأ جيرانهم في مشاركة الذكريات التي احتفظوا بها لسنوات عديدة. وكانت القوة التي أرسلها النظام في عام 1982 مكونة من 12,000 جنديا، بقيادة رفعت الأسد -قائد سرايا الدفاع-، الأخ الأصغر لحافظ الأسد.
وقصف جنوده أحياء بأكملها وحولوها إلى أنقاض. وكان الحصار المفروض على المدينة يعني أنه لم تكن هناك أي فرصة للهروب. ثم جاءت عمليات "التطهير"، كما قال السكان.
وأشار أحدهم إلى المساحة الفارغة حيث كان منزل عائلته، وهو يروي كيف شاهد المسلحين يتنقلون من منزل إلى آخر. وأشار آخر إلى سطح قال إنه شاهد طفلا صغيرا أصيب برصاصة وهو يصرخ طلبا للطعام.
وتحدث رجل، قال إنه لا يزال خائفا جدا الكشف عن اسمه: "من الصعب أن نصدق أن هذا يحدث، حتى أكون صادقا، لم نتخيل ذلك أبدا. كنا نعتقد أنهم بنوا نظاما سوف يستمر إلى الأبد".
وحتى في داخل الأسر، كانت مناقشة المذبحة أمر خطير جد، لدرجة أن معظم الآباء حذّروا أطفالهم من عدم التحدث عنها أبدا. وعليه، فعندما بدا عبد العزيز شمة، ذو 57 عاما بالتقاط الصور من أجل إعادة بناء الأحياء في عام 2011، قرّر أن يضعها على منصات التواصل الإجتماعي مستخدما اسما مستعارا. ومع مرور الوقت واتته الشجاعة، وبدأ بمقابلة سكان المدينة ومعرفة ما حدث في عام 1982.
وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر وبعد فرار الأسد، قرّر شمة وضع فيديو لحماته فاطمة منتش والتي كانت ولأول مرة قادرة على حكاية ما رأته وعاشته بالكامل.
وقال شمة: "كانت تبدأ الحديث، لكنها لم تستطع الاستمرار. لم تكن قادرة على إنهاء حديثها"، مضيفة: "جاء الجنود إلى منزلها وأخذوا اثنين من أبنائها وواحدة من بناتها. وضربوا بقية أفراد الأسرة ونهبوا المنزل وسرقوا المال أثناء مغادرتهم. ولم تسمع أي شيء عن أطفالها المفقودين".
وأبرزت أنها سعت للتنفيس عن حزنها من خلال الجلوس مع نساء أخريات من المدينة يشتركن معها بالألم، وعندما كانت تصلي، لكنها لم تكن تعرف ما إذا كانت ستدعو للإفراج عن ولديها وابنتها راوة أو الدعوة لأراوحهم وراحتهم في موتهم". وقالت: "كنت أبكي ليل نهار وأتمنى لو أستطيع أن أراهم. حتى لو كانوا موتى. أريد أن أراهم موتى".
وقام شمة بالحديث أمام الكاميرا قائلا: لكل الأمهات اللاتي شاهدن قتل أولادهن، حتى ولو لم يكونوا يحملون أسلحة؛ ولم يكونوا إرهابيين، كانوا أبناء الشام"، وأضاف "نريد نشر هذه القصص، فكل واحد لديه قصة".
وتقول الصحيفة إنّ: الكثيرين من الذين كانوا في سن النضج عندما دخلت قوات النظام المدينة عام 1982، هم في عداد الموتى الآن. وأوضح شمة أن عمته التي أعدم زوجها محمد وستة من أبنائها مصابة بمرض الزهايمر، وتمر عليها أيام جيدة وأياما صعبة.
وعندما زارتها الصحيفة بمنزل العائلة، هذا الأسبوع، كانت أمينة برادة، 88 عاما طريحة الفراش ومغطاة بأغطية ثقيلة لحمايتها من البرد. ولم تكن شبكة الكهرباء عاملة بعد سنوات من الفساد والأزمة الإقتصادية.
وفي ذهن برادة كان الأمر لا يزال وكأنه في سنوات الثمانينات. وكلما فتح الباب الأمامي، اعتقدت أنه ابنها الأصغر، مخلص الذي كان في سن 11 عاما وأنه قد عاد من المدرسة. وكانت تصرخ "أين هم"، وهي تنادي في الليل وتقول "لماذا لم يعودوا إلى المنزل". واقترب شمة من السرير وانحنى وقبّل خد عمته بينما لفت يديها حول خصره واحتضنته بقوة . وظل يقول لها "لا بأس" "يمكننك الإستراحة الآن".