طوفان المطير.. ونقد المتفيهقين!
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
حمد بن سالم العلوي
المطر الغزير الذي انهمر على البلاد ليلة 16 أبريل الجاري، ليس له مثيل في مئات السنين القريبة الماضية، فكبار السن الذين سألناهم قالوا إنهم لا يتذكرون جرفات حدثت مثل هذه الجرفة، التي لم تبق في طريقها شيئًا على حاله، وكذلك يقولون إنَّ آباءهم وأجدادهم لم يحدثوهم عن أنواء مناخية بهذه الغزارة والقوة من الأودية والسيول في حياتهم التي عاشوها، ولا يشبه منخفض المطير هذا إلّا إعصار "شاهين" الذي ضرب بعض ولايات الباطنة والظاهرة، في شهر أكتوبر عام 2021، ولكن ليس بمثل هذا الطوفان الكبير، والذي شمل معظم محافظات السلطنة عدا الوسطى وظفار.
وكما ينبئنا التأريخ عن بعض الحالات المناخية القاسية، فقد ظلت عُمان عرضة للأنواء المناخية الشديدة، والأعاصير والأمطار الغزيرة، وذلك عبر تاريخها القديم، وإن كان ذلك لم يؤرخ بشكل رسمي في الأزمنة البعيدة، فقد بدأ المؤرخون بذكر جرفة وادي كلبوه في نزوى، وذلك عام 192 هجرية الموافق 806 ميلادية، وقد تسببت تلك الجرفة في غرق الإمام الوارث بن كعب الخروصي، إمام عُمان في ذلك الزمان، فغرق في وادي كلبوه الجارف، وهو يُحاول إنقاذ المساجين وإبعادهم عن مجرى الوادي. وفي جانب آخر ذكر الشيخ العلامة نور الدين السالمي حدوث طوفان أو إعصار كبير عام 251 هجرية الموافق 865 ميلادية فأغرق صحار، بعدما كانت مزدهرة بالعمران والأنشطة التجارية، وهجرها أهلها نتيجة انعدام المعيشة وتهدم عمرانها وتعذر العيش فيها، وذلك بسبب الدمار الذي أصابها، فيقول العلامة الشيخ نور الدين السالمي، إن من كان غنيًا ميسرًا صار فقيرًا معوزًا يبحث عن لقمة عيش يسد بها رمقه، وقد ذكر هذا في كتاب "تحفة الأعيان" الجزء الأول.
وفي عام 513 هجرية الموافق 1119 ميلادية هطلت أمطار غزيرة على عُمان، وخاصة ولاية سمائل، وقد ذكر الشيخ سيف بن حمود البطاشي، أن زوجة عقيد العسكر كانت تغرف الماء من نافذة حصن سمائل، وذلك دلالة على طغيان ماء الفيضان. وهناك حالات كثيرة حصلت بعد ذلك من هذا القبيل، نترك أمر رصدها وتوثيقها للمختصين في هذا الشأن للتاريخ والعبرة.
إذن.. الأنواء المناخية والأعاصير القوية ستظل مرافقة للأجواء المناخية لسلطنة عُمان، وهذا ليس قدرًا لعُمان دون غيرها من سكان الكرة الأرضية، وعلينا أن نتعامل مع هذا القدر الرباني، بما ألهمنا ربنا به من حكمة وصبر، وليس في الأمر تقصير من الحكومة، إن هي لم تستطع التصدي إلى قدر الله، فذلك قدر العزيز الحكيم في خلقه، فنحن كمؤمنين نؤمن بقضاء الله وقدره، ونؤمن أن قدر الله غالب على كل شيء، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب قدر المستطاع، وهناك فرق كبير بين القبول بحكم القضاء والقدر، والحذر والأخذ بالأسباب، وبين الإهمال الخطير وعدم الاحتراز.
لذا أقول للناقدين من المتفيقين للنقد وحسب؛ وغيرهم ممن يسيئون التقدير لجهود الحكومة في التصدي للقضاء والقدر الرباني، لا تنظرون للذي حدث في البلاد خلال طوفان المطير ليلة 16 أبريل الجاري، وما قبل هذا من أنواء مناخية طارئة؛ بل انظروا إلى دول الجوار؛ بل دول العالم كلها من الصين شرقًا إلى أمريكا وأوروبا غربًا، فستجدوهم يخفقون في التصدي للأنواء المناخية، وذلك رغم امكانياتهم الكبيرة، وخبراتهم الطويلة، وأن ما تحدثه الأنواء المناخية ببلدانهم أكثر بكثير مما يحدث في السلطنة من أضرار، وأن بعض الوفيات التي حدثت كان مردها للأخطاء البشرية، وذلك نتيجة المجازفة وسوء التقدير، فرحم الله الغرقى وأسكنهم فسيح جناته.
إن شبكة الطرق الحديثة في السلطنة، تأسست على أعلى معايير عالية الجودة، وذلك بشهادات عالمية، وهي تفي بالغرض منها، ليس إلى اليوم وحسب، وإنما إلى عشرات السنين القادمة، ومع ذلك سيظل الأمر يدعو إلى إصلاح وصيانة الطرق القديمة، لكي تواكب تطور التنمية المضطردة في البلاد.
ولكن سنظل نقول إن هناك أخطاء في التخطيط العمراني، وهذه الأخطاء يمكن تداركها وحلها باستحداث مسارات تجمع فيها مياه الشعاب والمنخفضات، لأن الماء لا يقبل أن يُحبس في مكان معين، إلا بقوة تفوق قوته وثقله، وأن النقد المعقول مقبول بهدف التنبيه.. وليس الذم والتوبيخ، والتشفي من شيء غير موجود، وذلك كما يفعل البعض عندما يفترضون وجود تقصير ما، وهناك من يندس بين الناقدين لأجل التشكيك في نوايا السلطة، وقدرتها على مواجهة الحوادث الطارئة، ولأجل بث بذور الشك وعدم اليقين، بهدف دق اسفين بين المجتمع والحكومة، واخوان الشياطين كثر في هذا الزمان للأسف الشديد.
إن الحكم على الأمور بواقعية، يحتاج إلى موازنة عقلانية، بعيدة عن الفورات العاطفية المتسرعة، حتى نكون منصفين في القرار، وإلا سنضع أنفسنا في خدمة حاسدو هذا الوطن على أمنه واستقراره، وتعايش شعبه وتسامحه وتعاونه، وهو الأمر الذي يغيظ الحاقدين.. حفظ الله عُمان وشعبها الأبيّ وسلطانها المبجّل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الحل الوحيد
#الحل_الوحيد
د. #هاشم_غرايبه
التاريخ كتاب مفتوح لمن شاء أن يقرأه ويستفيد منه، صحيح أن مساره في اتجاه واحد دائما، فهو لا يعيد نفسه، إنما ما يوحي بذلك أن الأحداث ليست عشوائية، بل هي نتاج لتفاعل الثابت مع المتغير، الثابت هو السنن الكونية التي وضعها الخالق، والمتغير هو الإرادة البشرية.
السنن الكونية هي قواعد ثابتة أساسها أن المخرجات مرتبطة جذريا بالمدخلات، ما يعدل إيجابيا أو سلبيا في المخرجات وليس جذريا هي أرادة البشر.
لو تناولنا إحدى هذه السنن، وهي أن نتيجة أي صراع عسكري بين طرفين ليست خاضعة للحظ أو لعامل الصدفة، بل هي لصالح الأقوى، فمن يتجهز تسليحا ويعد نفسه جيدا تدريبا ويضع الخطط الذكية ينتصر على الطرف الأقل تهيؤا، كما تحكم نتيجته النهائية قاعدة ان الصراعات بين باطل وباطل تدوم وتطول وتبقى سجالا لكنها لا تنتهي، وأما بين حق وباطل فقد تقصر أو تطول بحسب همة أهل الحق، لكن نتيجتها محسومة في نهاية المطاف لصالح الحق، أما مرحليا فلا يمكن أن يغير هذه النتيجة سوى أمرين : الإرادة الإلهية والإرادة البشرية.
فأذا أراد الله أن يجري بنتيجة هذا الصراع سنة أخرى، فهو يتدخل فيغير منتج الصراع، ومثال على ذلك حروب الروم والفرس التي دامت قرونا، وكانت سجالا، وتصادف أنه في عصر فجر الدعوة هزم الروم في غور الأردن، فحزن المسلمون، لكن الله طمأنهم أنهم سينتصرون على الفرس قريبا (في بضع سنين)، إذاً هنا تدخلت إرادة الله، ليست طبعا لأجل أن يفرح المسلمون، بل ربما ليحقق حالة من توازن القوى بين الفرس والروم، قبيل قدوم جيوش الفتح الاسلامي.
أما أرادة البشر فهي إيمانية،عندما تهديهم عقولهم الى اتباع منهج الله ويخبتون الى خالقهم، عندها ينالوا رعايته وعنايته، فلا يجعل للكافرين إليهم سبيلا، وبالتالي تتعطل هنا السنة الأساسية التي تعطي الغلبة للأقوى، فاذا أراد الله للمؤمنين النصر ينتصرون، وذلك بعد أن يحققوا (وبإرادتهم الحرة) المتطلبات الايمانية.
ومن سنن الله الكونية أنه تكفل بتوفير جميع متطلبات العيش لكل مخلوقاته، فلا يقصره على من أطاعه ولا يحجبه عمن عصاه، لكنه يمنح محبته للمؤمنين به ويكرم من أطاعه فاتبع منهجه، فيبارك لهم ويغدق عليهم رحماته في الدنيا قبل الآخرة، فتكون محصلة السعادة لديهم أعلى، وتكون محصلة الضنك لدى المعرضين عن منهجه أكثر، حتى ولو نالوا رزقا اوفر.
ومن محبته للمؤمنين أنه أنزل إليهم كتابه الكريم دليلا هاديا فيه كل ما يحقق لهم هذه السعادة، وبين فيه كثيرا من سننه الكونية، ومنها أنه أرشدهم الى ضرورة دوام التهيؤ والاستعداد العسكري: “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، لأنهم بذلك يرهبون عدو الله والذي هو سيبقى عدوهم الى يوم الدين، لأن من يعادي منهجه سيداوم العدوان على من يتبعه، ولا تشكمه معاهدات سلام ولا تطبيع، بل ما يرهبه عزيمة المؤمن وعلو همته، وطمأنهم الى أن لا يوقفهم عن ذلك امتلاك العدو لوسائل عسكرية متقدمة ولا ترسانات هائلة، بل ما عليهم الا اعداد ما يستطيعون، وهو يتكفل بنصرهم.
لو راجعنا كل معارك التاريخ الفاصلة وجميع فصول الصراعات، لوجدنا أن نتائجها النهائية منضبطة تماما مع ما سلف من سنن كونية، فالصراعات بين أهل الباطل لم تنقطع في اي عصر، وكان حصادها وبالا على الطرفين ونتائجها سجالا، بدليل أنها ظلت على الدوام متجددة.
والصراعات بين الحق والباطل كانت نتائجها العسكرية في المحصلة العامة لصالح المؤمنين، رغم انه لم يكونوا الأقوى عسكريا، ولا الأكثر عديدا، وما انهزموا إلا حينما فشلوا في تحقيق المتطلبات الإيمانية.
بعد هذا الجلاء والوضوح الذي يبينه استقراء مجريات التاريخ، لا يبقى لمن يتساءل عن سر انهزامنا في هذا العصر غموض ولا اندهاش.
فالوصفة للنصر واضحة، وتتلخص بأمرين بمقدور الصادق النية تأمينهما:
فلتحقيق وعد الله بنصر المؤمنين يجب عليهم أولا أن ينصروه، أي يتبعوا منهجه ويستقيموا على أمره ونهيه.
فكيف إن كانوا يعادون منهجه ويتبعون منهج أعدائه، بل ويحاربون من يدعو له ويعتبرونه ارهابيا!؟.
وعليهم ثانيا أن يعدوا ما يستطيعون من قوة، فكيف ان اختاروا الاستسلام بالتطبيع!؟.
لذا فالحل ليس بالدعاء، بل بالعودة للحكم بموجب منهج الله.