محمد عبدالحافظ يكتب: «الفيتو» حق ضد الحق
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
رفع اليد قد يكون علامة لإثبات الحضور.. أو إشارة للاعتراض، أو للاستئذان، أو للإجابة عن سؤال، وإذا رُفعت اليدان تصبح إشارة للاستسلام.. وأسوأ إشارة لرفع اليد هى تلك التى تراها فى مجلس الأمن لاستخدام (الفيتو)، أى حق النقض دون إبداء أسباب.. فهى -ببساطة- حق ضد الحق!
وهذا الحق تنفرد به فى العالم خمس دول فقط، (على راسها ريشة) هى أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.
يذكر التاريخ أن أول وأكثر الدول استخداماً للفيتو كانت روسيا، حيث اعترضت على قرارات أممية ١٠٣ مرات، تلتها الولايات المتحدة استخدمته ٧٩ مرة، ثم بريطانيا ٢٩، وفرنسا ١٦، والصين ٩ مرات. سجل (الفيتو) حافل بالمواقف سيئة السمعة، وأكثرها كارثية ما تفعله أمريكا لأنها استخدمت ٦٠٪ من حق اعتراضها لصالح إسرائيل، وضد الحق العربى، فقد استخدمته بفُجر ٤٧ مرة لوأد قرارات (عادلة) لصالح فلسطين وسوريا ولبنان، وكان أولها عام ١٩٧٣ عندما أوقفت قراراً أممياً يؤكد الحق الفلسطينى ويطالب بالانسحاب من الأراضى المحتلة، بل تحدّت أمريكا العالم وكسرت كل قواعد الحق والعدل والإنسانية، عندما اعترفت بسيادة المحتل الإسرائيلى على هضبة الجولان الإسرائيلية عام ٢٠١٩، واستخدمت الفيتو ضد مشروع القرار المصرى برفض اعتراف أمريكا بأن القدس عاصمة لإسرائيل.. وسجل «سوابق» واشنطن متخم بالجرائم السياسية، وآخرها -وليس أخيرها- إجهاض قرار من مجلس الأمن بمنح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، الذى كان من شأنه أن يمهد للاعتراف بدولة فلسطين و«حل الدولتين» الذى كانت تروج لطرحه كحل لأزمة الشرق الأوسط والصراع العربى- الإسرائيلى. النظام العالمى أثبت فشله وعجزه عن حل كافة الأزمات والمشكلات التى تواجه العالم وتنبئ بكوارث لا تُحمد عقباها، ومن هذه الأزمات:
- الصراع العربى الإسرائيلى، الذى أراه أصبح أزلياً، واحتلال إسرائيل للأرض العربية بالقوة -بالمخالفة للقانون الدولى- والتى لا ترتدع بقرارات دولية منزوعة الفاعلية، ولا يهمها رأى عام ساخط، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، وبخاصة بعد الحرب البربرية النازية التى تشنها على أهل غزة خلال الـ٧ شهور الماضية.
- أزمة السد الأثيوبى، واستيلاء إثيوبيا على أرض فى الصومال واعتزامها بناء قاعدة عسكرية عليها.
- صراع واستعراض القوى الذى يحدث حالياً بين إيران وإسرائيل.
- مشكلة كشمير بين الهند وباكستان.
- الحرب الأوكرانية الروسية.
- الصراع الصينى التايوانى.
- المناوشات الحوثية السعودية.
- التوتر فى منطقة البحر العربى والبحر الأحمر وباب المندب.
- عدم الاستقرار فى العراق.
- الحرب الأهلية فى سوريا.
- الحرب بين الجيش وجماعة الدعم السريع فى السودان.. هذا غيض من فيض، فلو حصرنا الأزمات العالمية التى كان لا بد أن تحلها الأمم المتحدة ما استوعبتها مجلدات.
عجز الأمم المتحدة سببه الرئيسى تركيبة عضوية مجلس الأمن الذى يربط أعضاءه الدائمين الصفة الاستعمارية، وأنهم جميعاً خرجوا منصورين من الحرب العالمية الثانية، وأنهم لا يمثلون العالم تمثيلاً عادلاً. كانت هناك محاولات ودعوات عديدة للإصلاح ليكون المجلس أكثر فاعلية، ومن بين هذه المحاولات ضم ممثلين دائمين عن قارة أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الجنوبية، وكانت الدول المقترحة، الهند والبرازيل وألمانيا واليابان وجنوب أفريقيا.. وقد عرقلت هذه المحاولات الصين التى تخشى دخول الهند التى تُعد منافستها الأزلية، كما خشيت أمريكا وروسيا تقليص مصالحهما ونفوذهما، بينما أيدت فرنسا وبريطانيا الإصلاح من حيث المبدأ، ولكن لم تتعرض إلى تفاصيل الدول التى سيتم ضمها من حيث الأسماء أو العدد. المؤسف أننى لم أرصد فى كل محاولات الإصلاح الإشارة إلى منطقه الشرق الأوسط، رغم ما تتمتع به من خصائص تؤهلها إلى وجود دولة تمثلها كعضو دائم فى مجلس الأمن، ومن بعض هذه الخصائص المتفردة:
١- المنطقة بها أكبر الدول تصديراً للبترول والغاز فى العالم. كما تمتلك نسبة كبيرة من احتياطيات النفط على المستوى الدولى.
٢- موقعها العبقرى يجعلها ممراً للحركة التجارية لا يمكن الاستغناء عنه، او تفادى المرور عبره.
٣- عدد سكانها الذى يقترب من الـ٦٠٠ مليون نسمة.. يُعد قوة لا يستهان بها، عسكرياً وبشرياً.
٤- وجود قناة السويس وباب المندب يجعل العالم يكون حريصاً على استقرارها لصالح أمان التجارة العالمية.
٥- وجود الكعبة المشرفة قبلة ٢ مليار مسلم يمثلون ٢٥٪ من سكان العالم.
٦- أكثر المناطق الساخنة والمليئة بالصراعات.
٧- وجود مصر التى ستظل الغطاء الذهبى لثروات المنطقة التى تُعد الأغنى فى العالم.
إذاً بحكم التاريخ والجغرافيا فإن المنطقة تفرض نفسها بأن تحتل مقعداً دائماً فى مجلس الأمن.
وإلى الآن لم أرَ أى تحركات إيجابية من دول المنطقة لفرض وجودنا الطبيعى على الساحة العالمية. ظنى أنه لا بد أن يتم تشكيل لجنة من جامعة الدول العربية، للتنسيق فيما بين دول المنطقة، للتمهيد لترشيح دولة تمثلها على مقعد دائم فى مجلس الأمن، وطبعاً لا يوجد أنسب من مصر لهذا التمثيل، لمواقفها التاريخية فى حماية المنطقة من الانزلاق إلى حافة الهاوية، وامتلاكها أكبر قوة عسكرية، وسياستها الثابتة فى عدم التدخل فى شئون الدول، وترسيخها لمبادئ العدل والإخاء والمساواة والسلام، ونجاحها فى كل المعارك التى خاضتها خلال الخمسين سنة الماضية، المعركة العسكرية ضد العدو الإسرائيلى فى ١٩٧٣، ومعركة التفاوض على السلام، ومعركة القضاء فى التحكيم على طابا.. والوقوف بجانب الأشقاء فى المنطقة، وقت الحرب والأزمات، ولن أذكرها فهى واجب من أم الدنيا تجاه أشقائها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: إسرائيل غزة الاحتلال أمريكا مجلس الأمن الفيتو الأمم المتحدة فى مجلس الأمن ضد الحق التى ت
إقرأ أيضاً:
مؤتمر الصحفيين ونقطة الانطلاق
شاركت فى الأسبوع الماضى فى المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين.. هذا المؤتمر الذى شهد مشاركة واسعة من أعضاء النقابة.. وهذا المؤتمر الذى رفض تنظيمه اثنان من النقباء والمجالس رغم المطالبات والحاجة إلى عقده بسبب تدهور أوضاع مهنة الصحافة على المستوى المهنى والمالى وحرية الصحافة رغم أنه أداة نقابية مهمة لإيقاظ صوت الصحفيين الذى اختفى فى السنوات الماضية.
ولكن الزميل خالد البلشى نقيب الصحفيين ومجلس النقابة أخذوا على عاتقهم تنظيم المؤتمر وكنت أتمنى أن يكون مؤتمراً علمياً يتضمن دراسات رصينة محكمة من الزملاء حاملى شهادات الدكتوراه والماجستير وأن يتم عقده بالمشاركه مع معاهد وكليات الإعلام المنتشرة فى ربوع مصر لكن المجلس والزملاء أرادوا أن يكون ما يناقشه المؤتمر أوراق عمل من خلال التحضير للقضايا المطروحة عليه من خلال ورش عمل مصغرة وهو المنهج الذى سار عليه مجلس النقابة.
وانعقاد المؤتمر فى حد ذاته إنجاز نقابى لأنه دق ناقوس الخطر لما تمر به المهنة من جميع النواحى وأظهر الاحتياجات الحقيقية حتى يكون لمصر إعلام وصحافة على قدر قيمتها كدولة محورية فى المنطقة.. وأن تكون قادرة على تحقيق ما تريده السلطة من زيادة الوعى بالأخطار التى تحيط بنا والتصدى إلى حرب الشائعات المنظمة التى تقودها جهات معروفة ضد النظام فى مصر.
وما انتهى إليه المؤتمر من توصيات وقرارات هو روشتة متكاملة للنهوض بالصحافة حتى تؤدى دورها التنويرى للمجتمع، فحرية الصحافة أساس هذا الدور والتعددية هى عمود الأساس لها وهو الذى يتطلب إصدار قانون لتداول المعلومات وإلغاء الحبس فى قضايا النشر الموجودة فى قانون العقوبات وهى مواد مخالفة للدستور وضبط الصياغات القانونية والبعد عن الألفاظ المطاطة التى توسع دائرة الاهتمام.
المؤتمر عالج كل القضايا المهنية والأزمات الاقتصادية التى تمر بها المهنة، فالاستطلاع الذى أجراه المجلس أظهر أرقاماً مفزعة على الوضع الاقتصادى على الصحفيين وتدهور الأوضاع المالية، وأصبحت رواتبهم أقل من الحد الأدنى الذى أقرته الدولة من 4 سنوات ولم يطرأ عليها تعديل.. واتضح من النتائج السابقة أن 72٪ من الصحفيين يعيشون على أقل من الحد الأدنى للأجور المحدد من الدولة بـ6000 جنيه شهرياً مقابل 2.28٪ يمسون الحد الأدنى.
وكشف الاستطلاع عدم وجود لوائح مالية فى أغلب الصحف وأن 60٪ من الصحف لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور الذى أقرته الدولة.
المؤتمر طرح تحدى التكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعى وتأثيره على المهنة وهو الأمر الذى أصبح محل نقاش واسع فى مختلف المهن والصناعات وأثار مخاوف كبيرة بأن يكون التقدم التكنولوجى خطراً على مهنه الصحافة والإعلام خاصة وهو الأمر الذى جعل المؤتمر يوصى مؤسسات الصحافة المصرية بتعظيم الاستثمار فى تقنيات الذكاء الاصطناعى، والإشراف على دمجه فى أنظمة الصحف واستخدامه فى صالات التحرير وغرف الأخبار مع تدريب الصحفيين على تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى المختلفة، مع وضع دليل معايير وإرشادات الاستخدام الأخلاقى للذكاء الاصطناعى فى الصحافة بالتعاون بين المؤسسات الصحفية المختلفة ومطورى الذكاء الاصطناعى، ودعت التوصيات إلى توعية الصحفيين بالاستخدام الراشد والأخلاقى للذكاء الاصطناعى وقواعد الشفافية والفارق بين استخدامه الشرعى والتزييف أو انتهاك الملكية الفكرية.
نتمنى أن يلتقط المسئولون وصناع القرار فى بلدنا هذه التوصيات وتفعيلها لأنها روشتة كاملة للانطلاق إلى الجمهورية الديمقراطية الجديدة وهى بداية لمرحلة الانطلاق بالمجتمع نحو آفاق أوسع من الحريات العامة.