حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان: لا مكان لمرتكبي الإبادة الجماعيّة في أولمبياد باريس 2024!
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
الجديد برس|
أصدرت حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان بياناً دعت فيه إلى ضرورة منع الكيان الصهيوني من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، المقررة خلال الصيف المقبل في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك بسبب الجرائم، والإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني.
وجاء في البيان التالي:
اتّساقاً مع الجهودِ المبذولة عالميّاً لعزل الكيان الصّهيوني في كلِّ المجالات سياسياً، واقتصادياً، وفنياً، وثقافياً، وأكاديمياً، ورياضياً، وبسبب جرائم الإبادةِ التي يرتكبُها في قطاع غزة وعدوانه المستمرِّ على الضفة الغربية وجنوب لبنان، شاركنا في حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان مع حركات المقاطعة العالميّة (BDS) وسائرِ مجموعات المقاطعة العربية في حملة تغريدٍ في تاريخ 14 آذار/مارس 2024، هدفنا عبرها إلى الضغط على اللجنة الأولمبيّة الدوليّة لحظرِ الكيان الصّهيوني من الألعاب الأولمبية التي ستبدأ فعالياتُها في تاريخ 26 تموز/يوليو من العام الجاري في العاصمةِ الفرنسيّة باريس.
بعدَ عاصفة التغريد بأيام وتحديداً في تاريخ 21 آذار/مارس، أرسلنا رسالةً إلى اللجنة الأولمبيّة اللبنانيّة لحضّها على اتخاذِ موقفٍ مساندٍ للجنة الأولمبيّة الفلسطينية، ورفعهِ إلى اللجنة الدوليّة التي بدورها تمتلكُ قرارَ حظر مشاركة الكيان في أولمبياد باريس. وقد استندنا في طلبنا هذا إلى حوادث سابقة بيَّنت إمكانيةَ تدخل اللجنة الدوليّة لمنع أو تقييد مشاركةِ دول معيّنة، وهذا ما سنتطرق إليه بشكل مفصّل في المقال.
وصلَنا ردٌ من اللجنة الأولمبيّة اللبنانيّة بعد مرورِ ما يقارب العشرين يوماً من تواصلنا معَهم، أكَّدوا فيه موقفِهم الداعي إلى «وقف الحرب فوراً وإغاثة الشعب المظلوم»، ولكن في الوقت نفسِهِ عدم قدرتهم على إقحام السّياسة في العمل الرياضي. وأوضحوا تلقّيهم وباقي اللجان الأولمبيّة رسالةً من اللجنة الأولمبيّة الدولية في تاريخِ 19 آذار/مارس، بعنوان: Declaration by the IOC against the politicisation of sport، تذكِّرُهم فيها بضرورة «تطبيق البند رقم RES/ 78/10/A، من الشرعة الأولمبيّة الدوليّة والتي توصي بعدم التدخل في الأمور السّياسية والدعوة إلى السّلام».
وهنا نسألُ بصوت عالٍ: هل أصبحتِ الدعوةُ لتطبيق القانون الدوليّ، وتطبيقِ معايير اللجنة الأولمبيّة الدوليّة نفسها كما سنرى في الحالة الروسيّة والبيلاروسيّة، إقحاماً للسّياسة في الرياضة؟
وقد يفسرُ موقف اللجنة الأولمبيّة الدوليّة ورسالتها الأخيرة عدمَ تجاوبِ اللجان الأولمبيّة في دول عربيّة أخرى مع رسائل حملات المقاطعة في تلك الدول خوفاً من «التحذير» الذي وصلَهم، لأنَّ هذه اللجان تتبعُ اللجنة الأولمبيّة الدوليّة وهي مرجعها الوحيد بموجبِ الشّرعة الأولمبيّة، كما أكَّدت لنا اللجنة اللبنانيّة.
اللجنة الأولمبيّة الدوليّة تسنُّ القوانينَ ولا تطبِّقها
ينصُّ البيان الصحفيّ الذي صدر عن اللجنة الدوليّة في تاريخ 19 آذار/مارس 2023 على وجوب اتّباعِ المنظمات الرياضيّة داخل الحركة الأولمبيّة مبدأ «الحياد السياسي»، كما يؤكّدُ اعترافَ الجمعية العامة للأمم المتّحدة صراحةً بالمبادئ الأساسيّة للميثاق الأولمبي. فكيف تجلى هذا الحيادُ السياسي المزعوم في عملِ اللجنة الدولية؟
لعلَّ أبرز قضيةٍ أسهمت في الكشفِ عن الكثير من التناقضِ في مواقف اللجنة الدولية وأحدثها كانت إبان الغزو الروسيّ لأوكرانيا عام 2022، إذ سارعت اللجنةُ الدوليّةُ إلى إدانة الغزو الروسي بعد ساعاتٍ فقط من بدئه، وكانت من أوائل المنظمات الدولية – بإقرارها – التي فرضت عقوباتٍ على الحكومتين الروسيّة والبيلاروسيّة. بينما لم تُصدر أيَّ تصريح يُدين صراحةً حرب الإبادة «الإسرائيليّة» في غزة. حينئذٍ وفي غضون عدَّة أيامٍ أصدرت اللجنةُ الأولمبية الدولية ثلاثة بيانات:
24 – شباط/فبراير 2022: اللجنة الأولمبية الدولية تُدين بشدّةٍ انتهاك الهدنة الأولمبية.
25 – شباط/فبراير: يحثُّ المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية جميعَ الاتحادات الدولية على نقل أو إلغاء أحداثها الرياضيّة المخططة حالياً في روسيا أو بيلاروسيا.
28 – شباط/فبراير: يوصي المجلس التنفيذيّ للجنة الأولمبيّة الدوليّة بعدم مشاركةِ الرياضيين والمسؤولين الروس والبيلاروس.
كما قررت قبلَ عدَّة أشهر تعليقَ عضويّة اللجنة الأولمبيّة الروسيّة بسبب ضمِّها منظماتٍ رياضيّة إقليميّة خاضعة للجنة الأولمبيّة الأوكرانيّة، وعلّقت كذلك عضويّة اللجنة البيلاروسيّة. إضافةً إلى كلِّ ذلك تفرضُ اللجنة شروطاً على اللاعبين الروس والبيلاروس حتى يتمكنوا من المشاركة في الألعاب الرياضيّة، وتنفيذ هذه الشروط ينقسمُ إلى مرحلتين، المرحلة الأولى يتمُّ فيها التأكدُ من مواقف اللاعب فيُمنَع من المشاركة في الألعاب الأولمبيّة كلُّ من يؤيد الحرب الروسيّة أو يؤيد الجيش الروسيّ (بما يشمل التعبير عن تأييده على مواقع التواصل الاجتماعيّ أو المشاركة في مظاهرات وتحركات). ومن يجتازُ المرحلة الأولى يُسمح له بالمشاركة في الألعاب الأولمبيّة، ولكن بصفته لاعباً فرديّاً محايداً يلعبُ تحت العلم الأولمبيّ لا العلم الروسيّ أو البيلاروسيّ، ولا يحقُّ له أن يحملَ أيَّ رمزٍ أو شعارٍ وطنيّ ولا يُعزَف نشيدُ بلاده الوطنيّ، كما لا يستطيعُ المشاركة في الألعاب الجماعيّة التي تتطلب وجودَ منتخبٍ وطنيّ. أي إنَّ اللجنة باختصار فرضت عزلةً رياضيةً بدوافع سياسيّة حتى على اللاعبين الروس والبيلاروس.
وماذا عن المعاملة بالمثلِ في حالة الكيان الصّهيوني؟ فعدد الرياضيين الإسرائيليين الأولمبيين في الجيش الإسرائيليّ يقدَّر بحوالى 150، بل إنَّ الجيش الإسرائيلي يمنحهم امتيازات خاصّة كي يستطيعوا المشاركة في أولمبياد باريس.
وكانت اللجنة الأولمبيّة الدوليّة قد استندت إلى المبررات التالية لاتخاذِ قرارِها بشأن روسيا وبيلاروسيا، وغضَّت النّظرَ عن مبرراتٍ مشابهة في الحالة الإسرائيليّة:
أولًا، اتّهمت اللجنةُ روسيا بخرقِ ما يسمى «الهدنة الأولمبيّة»، وهي قاعدةٌ غير ملزمة أقرّتها الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة تدعو الدولَ إلى وقفِ جميع النزاعات ابتداءً من اليوم السّابع قبلَ افتتاح الألعاب الأولمبيّة وحتى اليوم السّابع الذي يلي اختتامها.
مع العلم أنَّ روسيا نفسها خرقت الهدنة الأولمبيّة في الحرب مع جورجيا في 2008، وفي ضم شبه جزيرة القرم في 2014، والولايات المتّحدة في أكثر من حرب من حروبها الكثيرة، ولم ينتج عن هذه الخروقات أيّ عقوباتٍ مثل التي اتُّخذت مؤخراً بحق روسيا وبيلاروسيا.
ثانياً، اتهمتها بانتهاك الميثاقِ الأولمبي عبر ضمِّ الهيئات الرياضيّة في مناطق أوكرانيّة احتلَّتها روسيا بشكلٍ غير قانونيّ.
وماذا عن مباريات كرة القدم التي تجري في مستوطنات إسرائيليّة هي حسبَ القانون الدوليّ أراضٍ محتلّة؟ ألا تستحقُّ على الأقل نزعَ الشّرعية الدوليّة عن الاتحاد الإسرائيليّ وفرض عقوباتٍ عليه؟ علماً أنَّ كرة القدم كانت أولَ لعبةٍ جماعيّةٍ تدخلُ في فعاليات الألعاب الأولمبيّة.
وحين صرَّح وزيرُ الخارجيّة الروسيّ بأنَّ اللجنة الأولمبيّة الدوليّة تمارسُ ازدواجية المعايير، لم تجد الأخيرة رداً أفضل من الردّ الفارغ: الحالة الروسيّة حالةٌ فريدةٌ من نوعها ولا يمكنُ مقارنَتها بأي حالة أخرى في العالم! ألا يؤكد هذا تدخلَ السّياسة في الرياضة وهو ما يتعارض مع القوانين التي سنَّتها اللجنة الدوليّة نفسها والتي تطالبُ اللجان الوطنيّة بالالتزام بها؟
بين فلسطين وأوكرانيا… الكيل بمكيالين
تنصُّ الشّرعة الأولمبيّة على أنَّ ممارسة الرياضة حقٌ من حقوق الإنسان، ولكن هل سيظلّ هذا حبراً على ورق كلّما تعلقَ الأمرُ بفلسطين وشعبها؟ ألم تبلغ اللجنة الأولمبية رسالةٌ شرحَ فيها أكثر من 300 من الأندية الرياضيّة الفلسطينيّة ومنظمات المجتمع الأهلي الأسبابَ الموجبة لحظر الكيانِ الصّهيونيّ في أولمبياد باريس؟ ألم تكفِ اللجنةَ الأولمبيّة الصورُ ومقاطعُ الفيديو التي انتشرت لاجتياح الجيش الإسرائيليّ ملعبَ اليرموك، وهو أحد أقدم الملاعب في فلسطين، وتحويلِه إلى مركزِ اعتقالٍ وتنكيلٍ بحقِّ الفلسطينيين من الأطفال والنساء والرجال، ألَم تسمع اللجنة الأولمبيّة الدوليّة بقتل الجيش الإسرائيلي 182 رياضياً فلسطينياً خلال العدوان الحالي، وتدميره 55 منشأةً رياضيّةً في غزة والضفة الغربيّة؟ ألم تبلغها مناشداتُ اللّجنة الأولمبيّة الفلسطينيّة حتى تُقررَ اللجنةُ الدوليّة إدانةَ الكيان الصّهيونيّ أو فرض عقوبات على لاعبيه تلزمُهم باللعب كأفراد محايدين، أو أن تُظهِر تعاطفاً مع الفلسطينيين كما تفعلُ مع الأوكرانيين؟ يبدو أن الجواب هو كلّا! بل على العكس من ذلك، يُطمئِن رئيسُ اللجنة توماس باخ الجانبَ «الإسرائيلي» بمشاركته في الألعاب الأولمبيّة بالقول «لا، ليس هناك شك في هذا الأمر».
لا توفّرُ اللجنة الأولمبيّة الدوليّة فرصةً لتعبّر عن كاملِ دعمها للرياضيين الأوكرانيين وبكلِّ الوسائل الممكنة لضمان قدرتهم على مواصلةِ التدريب والمشاركة في المسابقات والتكفّلِ بتكاليف السّفر ومرافق التدريب والإقامة والمعدات والزيّ الرسمي… ولكنها يبدو أنها تتجاهل كلّياً معاناة الرياضيين الفلسطينيين.
لم يلتزم الكيان الصّهيوني بقرارِ مجلس الأمن «الملزم» الذي دعا إلى وقف إطلاقِ نارٍ فوريّ في غزة خلال شهر رمضان، وقبله لم يلتزم بقرارات محكمة العدلِ الدوليّة، وعليه فإنَّ اللجنة الأولمبيّة الدوليّة أمام امتحانٍ لمصداقيّتها: إذا استمرت الحرب على غزة حتى الألعاب الأولمبيّة، كيف ستتعاملُ اللجنة الدوليّة مع هذا الخرق؟
ختاماً، لا يسعُنا إلا أن نؤكِّد تداعي أسطورة فصل الرياضة عن السّياسة، وحياد اللجنة الأولمبيّة الدوليّة السّياسي، فمواقفها من الحرب الروسيّة في أوكرانيا، وحرب الإبادة في غزة مبنية على ازدواجية معايير ليست سوى ترجمة واضحة لموازين القوى السّياسيّة، إذ تعاقبُ روسيا وبيلاروسيا على أفعالٍ ترتكبُ مثلها «إسرائيل»، بل وأفظع منها، وتنجو من العقابِ كما في كلِّ مرة.
ضميرُ العالم في امتحانٍ حقيقيّ في غزة… فليسقط المنافقون!
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: المشارکة فی الألعاب الألعاب الأولمبی ة فی أولمبیاد باریس الجیش الإسرائیلی الکیان الص هیونی اللجنة الدولی ة آذار مارس الریاضی ة ة الدولیة ة الروسی الروسی ة فی تاریخ التی ت فی غزة ة التی
إقرأ أيضاً:
يوم “السكاكين الطويلة”.. كيف أربكت حماس “إسرائيل” إلى الأبد؟
#سواليف
على الرغم من الاختلال الفادح في توازن القوى العسكرية، بين حركة المقاومة الإسلامية ” #حماس ” و” #إسرائيل “، فقد أدخلت تداعياتُ #حرب_الإبادة على قطاع غزّة (2023-2025)، متغيراتٍ جديدة على الشكل الكلي للعلاقة بين الطرفين، ما قد يعني إمكانية تحوّلها، ضمن عملية صيرورة معقّدة، نحو توازنات مختلفة.
ويعكس هذا تآكل “القيمة النسبية” للأبعاد العسكرية في مستقبل العلاقة، في مقابل تصاعد وزن أبعاد “القوة الشاملة”، بما فيها الأبعاد المعنوية والرمزية والتحررية والسياسية، بما قد يُعزّز، في نهاية المطاف، قدرة حماس على الاستمرار في سياساتها التفاوضية، وربما تسجيلها “أهدافًا متكررة” في المرمى الإسرائيلي، دون أن تضطر لتقديم أشياء إضافية، لم يتم التوافق عليها في اتّفاق وقف إطلاق النار و #تبادل_الأسرى في قطاع #غزة (15/1/2025).
وفي سياق تحليل العوامل/ المحدّدات المؤثّرة في علاقة حماس بـ”إسرائيل”، وسياقاتها الخارجية، ومساراتها، في المدى المنظور، ثمّة أربع ملاحظات:
مقالات ذات صلة بلدية رفح تحذر من كارثة إنسانية جراء انقطاع المياه 2025/03/15الملاحظة الأولى: #العجز_الإسرائيلي
عجزت حكومة بنيامين نتنياهو عن حسم المعركة بالأداة العسكرية، على الرغم من دمجها بكل أدوات حرب الإبادة، مثل: ( استخدام تجويع المدنيين سلاحًا، وإحكام الحصار الاقتصادي عليهم، واستهداف متلقّي المساعدات الإنسانية عدة مرات، وتكرار الاستهداف المتعمّد للمستشفيات والملاجئ والمدارس ومنشآت البنية التحتية، وتنفيذ سياسات “الأرض المحروقة” و”التهجير” و”التطهير العرقي”، ضمن ما عرف بـ “خطة الجنرالات”.. إلخ). كما أخفق نتنياهو وأركان جيشه، في إرغام حماس خصوصًا، وفصائل المقاومة الفلسطينية عمومًا، على “رفع الراية البيضاء”، والنزول على شروط الاستسلام الإسرائيلية، في المفاوضات.
وعلى الرغم من مناورات التفاوض الإسرائيلية المتنوعة واللامتناهية، وقدرة نتنياهو على تعطيل صفقة تبادل الأسرى، عدة أشهر، فقد تصاعدت تدريجيًا ضغوط عائلات المحتجزين في قطاع غزّة، وتعالت الأصوات التي تطالب بتشكيل لجنة تحقيق في إخفاق الدولة في التعامل مع هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ما يعني أمرين:
أحدهما أن نتنياهو وأركان حكومته قد يواجهون، في أمد غير بعيد، يوم “السكاكين الطويلة”، وتبادل الاتهامات بالتقصير والمسؤولية عن الفشل، بين المستويين السياسي والعسكري.
والآخر محدودية أدوات الضغط الإسرائيلية المتبقية، وتآكل جدواها، ضد حماس وقطاع غزّة عمومًا، اللهم إلا في “شراء الوقت” و”التأجيل”، بعد وضوح نتيجة حرب الإبادة في فشل تهجير الغزيين، ناهيك عن كسر إرادة المقاومة.
الملاحظة الثانية: قدرة حماس على #الإرباك
أثبتت حماس قدرتها على “إرباك” الإستراتيجية الإسرائيلية وحرمانها ميزات “المبادرة الاستباقية”، ضد الجانب الفلسطيني؛ إذ يكشف نهج حماس التفاوضي معرفةً عميقة بالعقلية الإسرائيلية، وإمكانية التعويل على المقاومة في تفجير تناقضات الداخل الإسرائيلي وصراعاته، كما تجلّى من الرسائل في العبارات التي وضعتها كتائب القسّام في خلفيات مشاهد تسليم المحتجزين الإسرائيليين، (مثل: “نحن الطوفان… نحن اليوم التالي”، “الأرض تعرف أهلها.. من الأغراب مزدوجي الجنسية”، “اخلع حذاءك، فكل شبر من هذه الأرض روي بدماء الشهداء”، “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق”، “نحن الطوفان.. نحن البأس الشديد”، صورة قائد كتائب القسام محمد الضيف التي كُتب عليها: “نستطيع أن نغير مجرى التاريخ”.. إلخ).
ويكشف تحليل هذه الرسائل مهارة حماس على الصعد التفاوضية والإعلامية والدعائية؛ إذ قدمت نموذجًا مختلفًا عن نهج “الاعتدال التفاوضي العربي”، منذ اتفاقيات فض الاشتباك بين كل من مصر وسوريا والجانب الإسرائيلي (1974 – 1975)؛ الذي أوصل الدول العربية إلى مسارات التسوية والتطبيع ( كامب ديفيد 1978، ومؤتمر مدريد 1991، واتفاقات أوسلو 1993)، بكل نتائجها السلبية على تماسك المواقف العربية وخلق التضارب بينها.
لقد نجحت حماس في المزاوجة بين المرونة والالتزام بثوابتها وحقوق شعبها، ودفعت “إسرائيل” إلى تغيير معاييرها في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، على نحو أبرز درجة من “الندية السياسية”، عبر تحسين المركز التفاوضي الفلسطيني عمومًا، والتركيز على قيمة حرية الأسرى، بعد تشكّل طرف فلسطيني مقاوم على الأرض، يستطيع التعبير عن الإرادة الشعبية والتطلعات المجتمعية في تحرير الأسرى من جلاديهم.
وهي قضية تمس كل بيت فلسطيني تقريبًا، وذلك على عكس ما فعله المفاوض العربي والفلسطيني، الذي تجاهل قضية الأسرى، في إطار عملية التسوية، التي ركزت على العملية دون تحقيق السلام الحقيقي، خصوصًا في ظل مسار أوسلو المتعثر.
وعلى الرغم من أن عملية “التفاوض غير المباشر” بين حماس و”إسرائيل”، قد تكون أصعب مفاوضات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي برمته، فإنها أدّت لثلاث نتائج متداخلة:
أولاها تأكيد “التفوق الأخلاقي” للشعب الفلسطيني على عدوه، وحرص كتائب القسّام على حسن التعامل مع الأسرى الإسرائيليين، (كما تجلّى في صورة المجند المحتجز عومرشيم كوف، الذي قبّل رؤوس آسريه من القسّام في منطقة النصيرات في 22 فبراير/ شباط 2025، ما يؤكّد اهتمام حماس بـ “معركة كسب العقول والقلوب”، بالتوازي مع صمود فصائل المقاومة الميداني.
وثانيتها تكريس مكانة حماس التفاوضية، وإسباغ درجة من “الشرعية الواقعية الإقليمية” عليها، بوصفها “طرفًا مفاوضًا ومسؤولًا وملتزمًا” أمام الوسطاء القطريين والمصريين، على الرغم من تصاعد التهديدات الأميركية، وتكرار المراوغات التفاوضية الإسرائيلية.
وثالثتها أن صمود العامل الفلسطيني وصلابة الإرادة، في مقاومة ضغوط العامل الأميركي الإسرائيلي، قد يحرّكان في نهاية المطاف قدرًا من المساندة العربية والإقليمية، والتوافق حول “الحد الأدنى”، المتمثل في رفض تهجير الشعب الفلسطيني، و”الحد الأقصى” المتمثل في أمرين؛ أحدهما العودة إلى دعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967، بوصفه “مخرجًا واقعيًا” في التعامل مع تداعيات حرب الإبادة.
والآخر الانفتاح الرسمي العربي على قوى المقاومة الفلسطينية، التي تتلاقى مع الأهداف العربية المعلنة، في منع تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وبهذا تلعب قضية فلسطين دور “الرافعة”، تمهيدًا لتأسيس حالة من “تماسك” النظام الإقليمي في المنطقة، ضد الضغوط الخارجية، خصوصًا الأميركية.
الملاحظة الثالثة: زيادة مستوى التعقيد
كان لطبيعة الصراع بين حماس و”إسرائيل” انعكاسات على زيادة مستوى التعقيد والتشابك في علاقتهما، خصوصًا بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي جاء في سياق مقاومة تحولات المشروع الصهيوني بعد صعود تيارات “الصهيونية الجديدة”، ذات الطابع القومي/الديني، والتخلّي الإسرائيلي عن سياسات إدارة الصراع أو “تجميده”، والتوجّه نحو مرحلة “حسم الصراع”، بالتهجير والإبادة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزّة، مع استمرار حصار غزّة وعزلها تمامًا عن الجسد الفلسطيني، ومنع أي احتمال لتوحيد الساحات الفلسطينية، (كما حدث إبان عملية سيف القدس في مايو/ أيار 2021).
وبهذا المعنى، تكون حرب غزّة الراهنة، أعادت تشكيل قواعد صراع حماس و”إسرائيل”، وكذا تفسير الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، معاني الانتصار والهزيمة؛ إذ سيعتمد الانتصار على القدرة على إدارة الصراع، والاستمرار في حشد الطاقات المجتمعية لدى الطرفين، في هذا “الصراع الاجتماعي السياسي المصيري الممتد”.
خصوصًا مع دخوله مرحلة الحسم، ربما في المدى المنظور، وتصاعد احتمال حدوث تصدّعات جوهرية في “إسرائيل” ومعسكر داعميها الدوليين والإقليميين، بالتوازي مع احتمال انتقال الصراع تدريجيًا نحو الضفة الغربية والقدس المحتلة، وربما وصولًا إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة، بسبب “التصادم الحتمي”، بين مكوّنات الإستراتيجية الإسرائيلية: (العنف، وإرهاب الدولة، والإبادة، والتهجير)، في مقابل تداعيات مشاهد “العودة الفلسطينية” الملهمة، على الصعيدين الرمزي والسياسي.
إذ تابع العالم عودة المهجّرين قسريًا، إلى منطقة شمال غزة: (محافظتي غزة والشمال)، عبر شارع الرشيد سيرًا على الأقدام، التي أكدت “عظمة الشعب الفلسطيني، ورسوخه في أرضه، وانتصاره، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير”، كما قالت حماس في بيانها في 27 يناير/ كانون الثاني 2025.
الملاحظة الرابعة: أثر البيئة الخارجية
للبيئة الخارجية، الدولية والإقليمية، أثر على علاقة حماس بـ”إسرائيل”، في ظل تفاعل الضغوط الأميركية في موضوع تهجير أهالي قطاع غزّة، والاعتراض الأممي والدولي عليه، وبروز التحفظ المصري، السعودي، التركي، الإيراني على أطروحات الرئيس دونالد ترامب، بالتوازي مع تآكل أوراق الضغط الإسرائيلية على حماس وقطاع غزّة، بعد استنفاد كل أساليب الضغط المتاحة؛ (سواء عبر الضغط العسكري، أم التجويع والحصار والتهجير، أم شنّ الدعاية والحروب النفسية، كما سلف القول).
وليس مبالغة القول إن هذه التفاعلات الدولية والإقليمية المركّبة تؤكد أن تأثير تبادل الأسرى في نمط العلاقة بين حماس و”إسرائيل”، يكشف مفارقة مهمّة، تُظهر تضعضع صورة نتنياهو وحكومته أمام الجمهور الإسرائيلي، خصوصًا عائلات الأسرى، في مقابل تعزيز صورة حماس أمام أهالي غزّة والشعب الفلسطيني، وكذلك أمام العالم، بوصفها “حركة تحرر وطني”، تعمل على تحرير الأسرى والإنسان والأرض الفلسطينية، من سيطرة الاحتلال الغاشم.
يبقى القول إن المحصلة النهائية لتداعيات حرب غزّة تدفع بالعلاقة بين حماس و”إسرائيل” نحو “توازنات مختلفة”، تعكس طبيعة معارك التحرر الوطني، أكثر من معادلات توازن القوى، بالمنظور الواقعي في العلاقات الدولية، علمًا بأن طبيعة “المرحلة الانتقالية” التي يمرّ بها النظامان الدولي والإقليمي، تسمح، أقله نظريًا، للفاعلين الدوليين والإقليميين بتخفيف قيود بنية النظامين الدولي والإقليمي، (كما تفعل تركيا وإيران وقطر وجنوب أفريقيا.. إلخ).
كما أن تمادي دولة الاحتلال في عدوانها على فلسطين ولبنان وسوريا، وإقليم الشرق الأوسط عمومًا، ربما يدفع إلى تصاعد الصراعات الإقليمية، نحو خروج الأمور عن السيطرة، وبروز تياراتٍ راديكاليةٍ، جهاديةٍ، أو حتى فوضويةٍ عنفيةٍ، بالتوازي مع تدشين مسار عمليةٍ عالميةٍ طويلةٍ لعزل “إسرائيل” ومعاقبتها على جرائمها، خصوصًا بعد انضمام دولٍ عدّةٍ إلى قضية الإبادة المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضدّ “إسرائيل”.
وكذلك بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقّ كلّ من بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، وهي جوانب هامة تعزز “الانتصارات المعنوية” لقضية فلسطين، وتؤكد أبعادها السياسية والتحررية والإنسانية، في مقابل وضوح فشل “السردية الإسرائيلية/ الأميركية”، التي ستبقى تحاول شيطنة الإنسان الفلسطيني العربي، وتجريم حق الشعوب في المقاومة المشروعة للظلم والإرهاب.