تشو شيوان **

شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية توترًا غير مسبوق بسبب التصعيد بين إيران وإسرائيل، وخاصة بعد تعرض القسم القنصلي للسفارة الإيرانية لدى سوريا للهجوم الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه ما تزال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة مستمرة دون أفق لإنهائها، وعلى الرغم من مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني والدمار الواسع والأزمة الإنسانية، ما زالت الأوضاع تتفاقم يومًا بعد يوم.

ومن الملاحظ أن هناك ازدواجية في المعايير بالمواقف الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط، فعندما تعرضت المؤسسات الدبلوماسية الإيرانية للهجوم، التزمت الدول الغربية الكبرى بالصمت، لكن عندما هاجمت إيران إسرائيل، أدانت مجموعة الدول السبع بالإجماع، حتى إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فكَّرَا في فرض عقوبات إضافية على إيران، ما يُثبت قطعًا أن الازدواجية نهج عام للتعامل مع قضايا المنطقة بأكملها.

على الجانب الآخر، نجد أن الصين تتعامل مع الأمر بعقلانية داعيةً للسلام والتفاهم، فقد قال فو تسونغ مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة قبل أيام إنه يجب على المجتمع الدولي ألا يغفل عن التطلع طويل الأجل للشعب الفلسطيني نحو الاستقلال وإقامة دولة، ولا ينبغي أن يسمح بإدامة الظلم التاريخي الذي عاناه الشعب الفلسطيني، وأجد أننا أمام حالة استثنائية من الدعم الغربي لطرف على حساب طرف آخر. كانت الولايات المتحدة ملتزمة التزامًا كاملًا منذ وقت طويل بدعم وحماية إسرائيل وتسليحها وتمويلها بحيث تصبح القوة الأكبر في الشرق الأوسط، ما خلق توترات غير مسبوقة لدول المنطقة وشعوبها.

وقبل بضعة أيام استخدمت واشنطن حق النقض "فيتو" ضد مشروع القرار الذي "يوصي الجمعية العامة بقبول طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة"، وقد عارضته الولايات المتحدة، وامتنع عن التصويت عليه العضوان الباقيان المملكة المتحدة وسويسرا، وفي وقت سابق استخدمت الولايات المتحدة الفيتو أيضًا ضد مشروع قرار قدمته الجزائر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو لوجوب وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. هنا نجد أن الولايات المتحدة باتت عقبة كؤود أمام السلام بين فلسطين وإسرائيل؛ حيث أعاقت مرارًا وتكرارًا الجهود السلمية التي يبذلها المجتمع الدولي بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية من خلال الاعتماد على حق النقض، وهذا إثبات آخر للازدواجية الغربية في مثل هذه القضايا.

ومشروع القرار الذي تقترحه الولايات المتحدة يتهرب من المسؤوليات الدولية التي ينبغي أن تتحملها الولايات المتحدة كدولة عظمى متجاهلة حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، والذي يُعد أحد أسباب اندلاع هذه الجولة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتشعبها لتصل لصراع أكبر إقليميًا ودوليًا. ومنذ عام 2014، لم تنظم الولايات المتحدة حوار سلام بين فلسطين وإسرائيل، ووقفت متفرجة وشاهدت التعدي على أراضي الفلسطينيين، وتغاضت عن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما أدى إلى إطفاء ثقة الفلسطينيين في السلام بين الجانبين. كما إن التجاهل العمدي للولايات المتحدة حول التزاماتها الدولية، وعرقلة مجلس الأمن عن إصدار القرارات ذات الصلة، أمر لا يساهم في تهدئة حالة الصراع؛ بل على العكس جر المنطقة لصراعات أكبر وأعمق.

لقد فشلت الولايات المتحدة- التي تعد الدولة الأكثر نفوذًا بالشرق الأوسط- في بذل جهود حقيقية للوساطة والتنسيق في الصراعات في المنطقة؛ بل على النقيض تساهم في انتشار الصراعات وتصعيدها، وهي إلى حد ما الطرف المسؤول الأكبر عن الوضع الخطير الراهن في الشرق الأوسط. وينبغي للمجتمع الدولي أن يتحد ويواصل بذل جهود جديدة لتخفيف هذه الجولة من الصراعات والمخاطر الإقليمية، وهنا لا يُمكن تجاهل الدمار والخراب في العراق وسوريا ولبنان بسبب الانحياز الغربي.

من وجهة نظري.. أننا أمام نفس المشكلة طالما هناك معايير مختلة في التعامل مع القضايا الدولية، والصراع سيتفاقم طالما هناك انحياز لطرف على حساب طرف آخر. لكننا نجد أن الصين طرحت للعالم مبادرات مهمة مثل مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي لتجنب مثل هذه الصراعات، ومنع تفاقم الأزمات وتحولها لحروب تهدد حياة الملايين من الناس، إضافة إلى تحقيق الوساطة بين السعودية وإيران في مارس العام الماضي، الأمر الذي يضخ قوة إيجابية للسلام والتنمية والاستقرار في المنطقة، والصين دائمًا تستعد للعمل مع المجتمع الدولي لتهدئة التوترات في الشرق الأوسط بأقصى جهودها المستمرة.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السيسي: أحداث الشرق الأوسط خير شاهد على ما يعيشه العالم من ازدواجية بالمعايير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: “نجتمع اليوم فى ظروف بالغة الدقة تشهد فيها منطقة الشرق الأوسط تهديدات جساما حيث أضحت الأحداث الجارية فى المنطقة خير شاهد على ما يعيشه العالم من ازدواجية فى المعايير وإفراغ للمبادئ والقيم الإنسانية من معانيها وتهميش لقواعد القانون الدولى”.

وأضاف الرئيس: “إذ تستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ أكثر من عام وامتدت إلى لبنان الشقيق كما تشهد سوريا الشقيقة، انتهاكا صارخا لسيادتها على خلفية استيلاء إسرائيل على المزيد من الأراضى السورية مؤخرا وشن اعتداءات على الأراضى السورية وإعلانها من طرف واحد، عن إلغاء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974”.

وترأس الرئيس السيسي الجلسة الثانية لمؤتمر الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، التي خصصت لمناقشة الكارثة الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة ولبنان، حيث ألقى الرئيس كلمة مصر خلال الجلسة، والتي تناولت الأوضاع في فلسطين ولبنان والجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • المنتدى الاستراتيجي للفكر ينظم ندوة عن مستقبل الشرق الأوسط بعد أحداث سوريا
  • كاتب صحفي: الولايات المتحدة تسعى لإخراج الروس والإيرانيين من سوريا
  • السيسي وأردوغان يناقشان تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وبشكل خاص الأوضاع في السودان
  • السيسي وأردوغان يناقشان تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط
  • السيسي: أحداث الشرق الأوسط خير شاهد على ما يعيشه العالم من ازدواجية بالمعايير
  • بوتين: الغالبية العظمى من دول الشرق الأوسط تؤيد بقاء قواعد عسكرية روسية بسوريا
  • الصين: على البنتاجون اتخاذ خطوات لحماية استقرار العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة
  • بلينكن: الولايات المتحدة تسعى لتجنب صراع مباشر مع روسيا
  • على حافة الهاوية!!
  • سفير الصين: نتعاون مع مصر لتعزيز السلم والأمن في الشرق الأوسط