جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-30@10:47:38 GMT

صور محفورة في الذاكرة

تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT

صور محفورة في الذاكرة

 

 

منى بنت حمد البلوشية

بعض الصور تبقى راسخة في الذاكرة لا تمحيها السنون، تظل عالقة في الأذهان هكذا وكأن القدر يُبقيها لنا حيَّة ما تبرح أن تزول؛ لتكون رفيقة ومصاحبة لنا، منخفض المطير الذي طاف بلادنا الحبيبة رحل تاركًا جرحًا ينزف بأفئدتنا، وأفئدة أناس لن تستطيع تخطي ماحدث لها إلا بأمره وقدرته ولن يندمل.

وما حدث ببلدة سمد الشأن بمحافظة شمال الشرقية، خلّف قلوبًا وصرخات مكلومة، 11 طفلًا من طلبة العلم ذهبوا شهداءً بأحد الأودية الجارفة التي مرّت على المنطقة، لقد كان يومًا حزينًا في عُمان قاطبة، وفاجعة اعتصرت قلوبنا، وقلوبنا مع أمهات الطيور التي ارتقت إلى بارئها نتألم لألمهن، ونسأل الله أن يمسح ويربط على قلوبهن بالرحمة والصبر والسلوان، فقد كانت لهؤلاء الطيور أحلام وطموحات وذكريات لم تكتمل ولم يتحدثوا عنها بعد، وإنني أكتب هذه المقالة ليست عيني هي التي تبكي بل قلبي وفؤادي الذي يبكي حرقة لفقدهم، رحلوا دون أن يكملوا أحاديثهم وفرحة العيد لأصدقائهم وزملائهم، وكم ثار في قلبي الحزن أكثر عندما قرأتُ تغريدة للدكتورة ريا المنذرية عبر منصة "إكس" عند ذهابها لأمهات شهداء العلم؛ لأداء واجب التعزية وأم أحد هؤلاء الطلبة تقول:" لم أكن أتوقع يومًا أن يكرمني الله بشرف موت أحد أبنائي شهيدًا، رغم أنه كان يردد بأنه يحلم بذلك" وهذه إحدى طموحات طالب وطفل صغير في السن تحققت وأم مكلومة في ابنها، ونحن نعلم عمق الحزن الذي يعتريها.

ما أبشع الحزن والفقد وإنهن راضيات صابرات ومحتسبات أمرهنّ لله عزَّ وجلَّ ولا رادّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه، والمؤمن لا تزيده البلايا إلا إيمانًا وثباتًا وتسليمًا ورضًا به عز وجل.

هذه الصورة لشهداء العلم ستبقى راسخة في الأذهان مهما حاول العقل نسيانها، فالقلب والفؤاد لن ينسياها، إنها طفولة انتزعت وذكريات لن تخبو حرائقها، فلم يكن موتًا عاديًا بأن يرحل أطفال وطلبة علم لا ذنب لهم، وقد ترددت الأصوات وعلت قائلين من المسؤول عما حدث، ومن المؤسف جدًا أن يأتي تصريح ويلقي اللوم على ولي الأمر، وأين دور وزارة التربية والتعليم في قراراتها التي لا بُد لها أن تتخذها قبل كل شيء؟ وكيف يمكن تفادي مثل هذه الأحداث؟ وكيف يمكن أن تكون المدارس بالقرب من مجرى الوديان؟ وهل هناك خطط جديدة ستتبع؟ وهل ستكون هناك خطط لأجل تجنب مشاكل البنى التحتية وإصلاحها؟ وهل ستقوم وزارة التربية والتعليم بوضع قوانين صارمة؟ وكيف يمكن إحلال التعليم المدمج من خلال التعليم عن بُعد من خلال الحصص المتزامنة وغير المتزامنة؟

أسئلة كثيرة تراودني وكل حلولها بأيدي المسؤولين الذين يتابعون كل ما حدث ويحدث، وعلينا جميعًا أن نوحد أصواتنا تجاه نظرة تخططية أوسع في مواجهة الأنواء المناخية المتوالية على السلطنة، وحفاظًا على الأرواح التي تزهق ولا ذنب لها، ولابد من وجود لجنة خاصة لإدارة الأزمات هي التي تتخذ القرارات اللازمة فأترك السؤال المفتوح لهذه الصورة وماذا بعد؟

أما الصورة الأخرى الراسخة في الأذهان منذ سنوات طوال، إلا أنها ما زالت تعيد نفسها، وبذات الصمود والتكاتف والتعاون، إنهم أبناء عمان العظيمة بشعبها وبروحها المرحة مهما عصفت بها التحديات فهي لا ترضخ للمستحيل سواعد وأيادٍ تكاتفت لأن تكون رمزًا للوفاء والإخاء ورسم البسمة على الوجوه، إنه شعب عظيم ولحمة وطنية رائعة، فعُمان بسواعد أبناءها دائمًا تتكاتف، في هذه الصورة توحدت الصفوف والجنود وهم يعلمون بأن الله لا يعطي أصعب المعارك إلا لأقوى جنوده ويستطيعون أن يتغلبوا على هذه المحنة الإلهية والابتلاء، لأنهم تربوا على اجتياز المحن وأن الأرض الطيبة لا تنبت إلا طيبًا.

بقلوب تنبض بالوطنية وروح التضحية، يستجيب كل من أبناء عُمان لنداء العمل التطوعي في ظل الأزمة الراهنة، وبتكاتفهم وتعاونهم يبنون ملحمة وطنية تحمل بصمات الأمل والتضامن، إنهم أبطال يعلمون بأن العطاء يصنع الفارق وأن الوحدة هي قوتهم في مواجهة التحديات ملبين النداء لأجل عُمان.

هذا ليس بغريب على أبناء عُمان العظيمة، فمن الأزمنة الغابرة والعمانيون عاصروا الأزمات والحالات الطارئة وعايشوها وعاصروها، فأنتجوا من خلالها شواهد إثبات على صبرهم وتكاتفهم والتزامهم بتواجيهات القيادة الحكيمة، واندماجهم مع مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية فهي خطوط ممتدة غير منقطعة بل تزيد من شدة الأواصر والتماسك والتلاحم والتكاتف، فهم كالبينان المرصوص في توادهم وتراحمهم يأبون أن يظل أحدهم يبكي ويتداعى بالسهر دون أن يلتفت له أحد.

شكرًا لأبناء عُمان الأعزاء ولكافة الجهات العسكرية التي بذلت كل جهد لأجل راحة المواطنين، وانتشالهم من تلك الأودية الجارفة، الساهرين على الحدود المرابطين والصامدين على حماية وحراسة أمن البلاد، فهذه صور ستبقى محفورة في الذاكرة كغيرها من الصور السابقة التي رافقت ذاكرتنا وما زالت ترافقها وتأبى أن تخرج منها، بل تحتفظ بها والصور كثيرة أنا وغيري يحتفظ بها، وإن ذكرناها فهي كثيرة لعلها تجد مخرجًا وقرارات نشطة وصارمة إزاء أي أزمة وقبل حدوثها، وبلادنا من الدول التي عاصرت عدة أعاصير ومنخفضات وعلينا أن نأخذ العِبر والدروس منها، ونستلهمها لأجيالنا وأبناء وطننا العزيز، فهم حاضرها ومستقبلها.

نحن لسنا وليدي اليوم؛ بل منذ سنوات وتتعرض حبيبتنا لمثل هذه الأمطار والمنخفضات، لنقف وقفة صارمة حتى لا تتكرر مشاهد الفقد.

ربِّ اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً رخاء، اللهم احفظ عُمان واجعلها آمنة مستقرة واجعل أهلها ينعمون بالخيرات، اللهم احفظ جلالة السلطان هيثم بن طارق وارزقه الصحة والعافية والعمر المديد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأزمات القلبية تنهي حياة 3 معلمين في أسبوع.. «ماتوا أمام طلابهم»

تتوالى الفاجعات وتتكرّر مشاهد الحزن، تاركةً ورائها فراغًا لا يُملأ وألمًا لا يوصف، ففي كلّ يوم، تخطف السكتات القلبية الشباب والكبار، ليرحلوا عن الحياة دون وداع تاركين عائلات وأصدقاء غارقين في بحر من الأسى، فكان آخر ضحايا هذا الموت المفاجئ مشرفين ومعلمين رحلوا أمام أعين طلابهم تزامنًا مع بداية العام الدراسي الجديد.

سكتة قلبية تنهي حياة مدير مدرسة بالدقهلية

فخلال الساعات القليلة الماضية، رحل عن عالمنا محمد أبو العلا مدير مدرسة عزبة الدوار التابعة للإدارة التعليمية بشربين، بمحافظة الدقهلية إثر تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة أثناء تفقده الطلاب في فناء المدرسة، ليقع مغشيًا عليه أمام أعين الطلاب، ويلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يصل إلى مستشفى شربين العام، ليخيّم الحزن على المدرسة من معلمين وطلاب بوفاته.

ونشرت النقابة الفرعية للمعلمين بالمنصورة عبر صفحتها الرسمية كلمات مؤثرة في نعي المدير الراحل قائلة: «مجلس إدارة النقابة الفرعية للمعلمين بالمنصورة يتقدم بخالص العزاء لأسرة الزميل الأستاذ محمد أبو العلا أبو الفتوح أبو المجد مدير مدرسة الدوار للتعليم الأساسي التابعة لإدارة شربين التعليمية، مديرية التربية والتعليم بالدقهلية، الذي وافته المنية أثناء تواجده بعمله بالمدرسة وذلك بعد أن وقع مغشيا عليه وتوفي إلى رحمة الله، وندعوا الله للفقيد بالمغفرة والرحمة والفوز بالجنة بإذن الله».

سقوط معلم في طابور الصباح 

وخلال الأيام الماضية، ومع بداية أول أيام العام الدراسي، خيّم الحزن على معلمي وطلاب مدرسة إسنا الابتدائية الحديثة، بعدما سقط حسين سعد مُعلم مادة الدراسات الاجتماعية أثناء تواجده في طابور الصباح عن عُمر 54 عامًا متأثرًا بأزمة قلبية مفاجئة.

وقدّمت مديرية التربية والتعليم بالأقصر نعيًا عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» قائلة: «ببالغ الحزن والأسى، وقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ننعى وفاة الزميل حسين سعدي الصادق، معلم مادة الدراسات بمدرسة إسنا الحديثة الابتدائية عن عمر يناهز 54 عامًا، ونتقدم بخالص العزاء لأسرة الفقيد رحمه الله، سائلين الله له العفو والمغفرة، ولأهله الصبروالسلوان».

كما شهدت مدرسة الجيلفي الابتدائية التابعة لإدارة بلبيس التعليمية بمركز بلبيس، وفاة صابر محمد السيد موسى الذي توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة عن عمر 59 عامًا، والذي كان يعمل في المدرسة بوظيفة مشرف نشاط، إذ لفظ المدرس الراحل أنفاسه الأخيرة إثر إصابته بتوقف عضلة القلب أثناء وجوده داخل المدرسة وجلوسه مع زملائه.

ونعت إدارة بلبيس التعليمية فقيدهم عبر صفحتها الرسمية، وجرى تشييع الجنازة بمسقط رأسه بمركز بلبيس، فيما توجه وفد من إدارة بلبيس التعليمية للمشاركة في تشييع الجثمان وتقديم واجب العزاء لأسرة الراحل.

مقالات مشابهة

  • رويترز: بنك دخان القطري يعتزم بيع صكوك دولارية لأجل 5 سنوات
  • المبعوث البريطاني للسودان ريتشارد كراودر يؤكد حرص بلاده على إسراع الخطى لأجل الوصول لسلام دائم في السودان
  • بشير التابعي: الأهلي كان مرعوب من الزمالك .. وهي المرة الأولى التي أراهم بتلك الصورة
  • الرئيس السيسي: مصر تحاول منع الشر المحتمل من الدخول في مواجهة لأجل سد النهضة
  • المرتضى للبنانيين: علينا أن نفعل مثل السيّد الشهيد فلا ندع الحزن يغلب فينا عزيمة الصمود
  • البابا تواضروس يبعث رسالة إنسانية مؤثرة حول أحداث المنطقة
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باڤلوس أسقف اليونان
  • «قلبي يعتصره الحزن على بلد الجمال».. داليا البحيري تعلق على أحداث لبنان
  • الأزمات القلبية تنهي حياة 3 معلمين في أسبوع.. «ماتوا أمام طلابهم»
  • نعوش رمزية لزعيم الأمة.. مشاهد من جنازة جمال عبد الناصر بالدول العربية