تحديات صعبة أمام تنفيذ جدي لاتفاقيات المياه بين العراق وتركيا
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
23 أبريل، 2024
بغداد/المسلة الحدث: في أول زيارة رسمية له إلى العراق منذ 13 عامًا، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتوقيع أكثر من 20 اتفاقية تعاون مع العراق. تأتي هذه الاتفاقات في إطار شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين وتعزز العلاقات الثنائية.
تميزت زيارة الرئيس التركي بأنها مختلفة عن الزيارات المتبادلة السابقة بين البلدين على مدى السنوات الماضية.
وتعكس الزيارة التوجه المشترك للبلدين نحو التنمية المستدامة، سواء من خلال مشروع طريق التنمية الذي سيتم توقيعه بين العراق وتركيا والإمارات وقطر في بغداد، أو من خلال الاتفاقات الثنائية في مختلف المجالات.
تضع الزيارة العلاقات العراقية-التركية في مسار جديد، حيث تعالج قضايا ضاغطة بين البلدين. وأبرزها القضايا الأمنية، وتتضمن أيضًا قضايا الطاقة والنفط والغاز والتحكم في خطوط نقل الطاقة إلى أوروبا.
وتكمن رغبة تركيا في الاستحواذ على السوق العراقية والتنافس مع إيران في الخلفية.
لكن مناقشة قضية حقوق المياه بين تركيا والعراق هي قضية معقدة وحساسة للغاية، وتعكس الصراعات الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة. على الرغم من وجود تقارب في بعض الأحيان بين البلدين في مسائل معينة، مثل التعاون الاقتصادي، إلا أن تفاوت الأهداف والمصالح بينهما يعيق التوصل إلى اتفاقات ملموسة في قضية حقوق المياه.
إردوغان، الذي يتبنى مواقف قوية ومحددة في السياسة الخارجية، لم يظهر حتى الآن استعدادًا كبيرًا للتنازل عن مواقفه بشأن موارد المياه وحقوق تركيا في استخدامها. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود عوامل داخلية في تركيا، مثل السياسة الداخلية والضغوط الشعبية، قد تزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية تناسب كل الأطراف.
من جانبه، فإن العراق يعتبر قضية المياه أمرًا حيويًا لأمنه واستقراره، خاصةً في ظل الأزمات المائية التي يعاني منها، والتي يعزو بعضها إلى سياسات استخدام المياه لدول الجوار. لذلك، فإن الحكومة العراقية تعتبر التفاوض حول حقوق المياه مسألة تخص أمنها القومي، وبالتالي، قد تتبنى مواقف قوية تجاه هذه القضية.
بالنظر إلى هذه العوامل، يبدو أن الوصول إلى اتفاق دائم حول حقوق المياه بين تركيا والعراق يواجه تحديات كبيرة ويستدعي وجود جهود دولية للتوسط وتسوية النزاع. وحتى في حالة التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة أو تشكيل لجان لدراسة الموضوع، فإنه من غير المرجح أن تكون هذه الاتفاقيات ملزمة بما يكفي لحل الخلافات الجذرية بين البلدين.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: حقوق المیاه بین البلدین
إقرأ أيضاً:
المياه الجوفية.. طوق النجاة المهدد في معركة العراق ضد الجفاف
في حين كانت عاصفة رملية تعصف بحقول الحنطة في صحراء النجف جنوب العراق، كان الفلاح هادي صاحب يتفقد سنابل القمح التي يرويها بمياه جوفية، فمع تزايد موجات الجفاف، أصبح الاعتماد على المياه الجوفية خيارا لا مفر منه، رغم تحذيرات الخبراء من مخاطر استنزافها المفرط.
في بلد يعاني من تراجع حاد في مستويات الأمطار وتقلص تدفق نهري دجلة والفرات، تتجه السلطات نحو استغلال المياه الجوفية كخيار إستراتيجي لضمان الأمن الغذائي، ووفقا للأمم المتحدة، يُصنف العراق بين الدول الخمس الأكثر تأثرا بتغير المناخ.
يقول صاحب (46 عاما) "كنا نعتمد على الأمطار لري محاصيلنا في الماضي، لكن الجفاف المتزايد دفعنا لاعتماد أنظمة ري حديثة"، وحاليا، يزرع صاحب 200 دونم من الأراضي المستأجرة من الدولة مقابل دولار واحد للدونم، منتجا نحو 250 طنا من الحنطة، مقارنة بـ10 أطنان فقط عندما كان يعتمد على مياه الأمطار.
ويتابع صاحب، الأب لاثني عشر ولدا، "يستحيل أن نستمرّ من دون المياه الجوفية. ونضوبها سيعني رجوعنا إلى العصور القديمة والاتكال على السقي بمياه الأمطار".
كما تنتشر في صحراء النجف أنظمة الري بالرش التي تستهلك كميات أقل من المياه بنسبة تصل إلى 50%، ما يساعد على تحويل مساحات شاسعة من الصحراء إلى دوائر خضراء تُرى من الجو. وتُظهر بيانات وزارة الزراعة العراقية أن هذا الشتاء شهد زراعة 3.1 ملايين دونم بالاعتماد على المياه الجوفية مقابل مليونَي دونم بالري السطحي.
بدأ استخدام تقنيات الري الحديثة في صحراء النجف منذ أكثر من عقد، بدعم حكومي يتمثل في تقديم تسهيلات بأسعار مدعومة وأقساط ميسرة تمتد لـ10 سنوات، وتشتري الحكومة كذلك المحاصيل بأسعار تفضيلية لدعم الأمن الغذائي.
إعلانووفقا لمدير زراعة محافظة النجف منعم شهيد فإن زراعة الحنطة في الصحراء تحقق إنتاجية أعلى مقارنة بالأراضي الطينية، حيث يتوقع أن يبلغ إنتاج الدونم الواحد المزروع بالمياه الجوفية نحو 1.7 طن، مقابل 1.3 طن فقط للدونم المروي بمياه الأنهار.
وأشار شهيد -لوكالة الصحافة الفرنسية- إلى أن أرباح الموسم الزراعي 2023-2024 تضاعفت 8 مرات مقارنة بالعام السابق.
لكن شهيد حذّر من مخاطر الإفراط في استغلال المياه الجوفية، مشددا على ضرورة تنظيم حفر الآبار واستخدام المياه بشكل مستدام، بحيث يتم تخصيصها حصريا للاستخدامات الزراعية المصرّح بها.
وفي صحراء كربلاء، تدير العتبة الحسينية مشاريع زراعية ضخمة منذ 2018، تشمل زراعة آلاف الدونمات من الحنطة، مع خطط لزيادة المساحة إلى 15 ألف دونم مستقبلا، حسب رئيس قسم التنمية الزراعية بالعتبة قحطان عوز.
تعتمد هذه المشروعات على خزاني المياه الجوفية الرئيسيين في المنطقة، الدمام وأم الرضمة، اللذين يتقاسمهما العراق مع السعودية والكويت، غير أن الأمم المتحدة حذرت منذ عام 2013 من بدء نضوب هذه الموارد.
وتقدم التجربة السعودية دروسا للعراق، ففي التسعينيات، كانت المملكة سادس أكبر مصدر للقمح عالميا بفضل استخراج مكثف للمياه الجوفية. لكن هذا الاستغلال المفرط أدى إلى استنزاف أكثر من 80% من الطبقة الجوفية، مما اضطر السعودية لإيقاف هذه الزراعة بعد موسم 2016.
بدوره، يحذر الخبير العراقي في سياسات المياه والأمن المناخي سامح المقدادي من أن التعامل مع المياه الجوفية باعتبارها موردا لا ينضب خطأ فادح. ويقول "في الماضي، كنا نحفر على عمق 50 مترا للوصول إلى المياه، اليوم قد نضطر للحفر حتى 300 متر".
إعلانويلفت المقدادي إلى غياب البيانات الرسمية الحديثة حول حجم المياه الجوفية المتاحة، إذ تعود آخر تقديرات إلى سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يعوق القدرة على إدارة هذا المورد الحساس.
ويرى أن غياب التنسيق بين السلطات، ونقص التقنيات الحديثة لإجراء مسوحات جيولوجية دقيقة، يفاقمان المشكلة.
ويشدد على أن المياه الجوفية يجب أن تكون ملاذا خلال أزمات الجفاف فقط، لا أساسا لتوسيع الزراعة التجارية، محذرا من أن "اعتبار المياه الجوفية بديلا دائما عن الأنهار يعني كارثة مستقبلية حتمية".
وبينما تسعى الحكومة العراقية لتأمين قوت شعبها في ظل تغير المناخ المتسارع، تواجه معضلة حقيقية: كيف تحقق الاكتفاء الذاتي دون تدمير مصدر حيوي للمياه لا يمكن تعويضه بسهولة؟
تحقيق توازن بين تنمية الزراعة وحماية الموارد الطبيعية بات ضرورة ملحة، فالمستقبل لا يتطلب فقط مضاعفة الإنتاج الزراعي، بل حماية كل قطرة ماء تُسقى بها سنابل القمح في قلب الصحراء.