باحثون يزرعون الجلود ويصبغونها في الوقت نفسه.. السر في البكتيريا
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
جلود الحيوانات هي المصدر الرئيسي للجلود المستخدمة في صناعة الأحذية والحقائب والمحافظ، وتخضع لخطوات عديدة من أجل تجهيزها للدخول في مرحلة الصباغة لتصبح جاهزة للاستخدام.
وفي محاولة للتخلص من الأثر البيئي السلبي الذي تُحدثه هذه الصناعة الملوِّثة للبيئة، بدأ العلماء في السنوات الأخيرة استخدام بكتيريا لتحقيق ما سُمي "زراعة الجلود المستدامة"، واستخدام أخرى لصنع الأصباغ للصناعة، ولكنّ باحثين من جامعة "إمبريال كوليدج لندن" نجحوا لأول مرة في تصميم بكتيريا تنتج الجلود وتعطيها صبغتها الخاصة في وقت واحد.
وفي الدراسة المنشورة بدورية "نيتشر بيوتكنولوجي"، أعلن الباحثون من قسم الهندسة الحيوية بجامعة إمبريال كوليدج لندن، عن نجاحهم في تعديل بكتيريا "أسيتوباكتر زيلينوم" وراثيا لمنحها القدرة على إنتاج صفائح من السيليلوز الميكروبي، وهي مادة مرنة تُستخدم عادة في مختلف الصناعات. وباستخدام تعديلات جينية أخرى، وُجهت البكتيريا لإنتاج صبغة سوداء داكنة تسمى "يوميلانين" إلى جانب السيليلوز الميكروبي.
سيليلوز النبات و البكتيريا.. اختلاف التركيب والخصائصويختلف السيليلوز الميكروبي عن النوع المشتق من النبات في تركيبه وخصائصه، فبينما يوجد السيليلوز النباتي عادة في أشكال ليفية، فإن النوع الميكروبي يتشكل كمادة هلامية تشبه طبقة أو ورقة رقيقة وشفافة، ويمنح هذا الهيكل الفريد للسيليلوز الميكروبي خصائص مختلفة، مثل النقاء العالي والقدرة العالية على الاحتفاظ بالمياه والقوة الميكانيكية الممتازة.
وبسبب هذه الخصائص، فإن السيليلوز الميكروبي له تطبيقات صناعية مختلفة، فهو يستخدم في المنتجات الغذائية (مثل المكملات الغذائية)، ومستحضرات التجميل (لتضميد الجروح وأقنعة الوجه)، والتطبيقات الطبية الحيوية (بما في ذلك هندسة الأنسجة وأنظمة توصيل الأدوية)، ويأمل الباحثون أن تكون طريقتهم التي تسمح للسيليلوز الميكروبي بالنمو -مثل النبات- وصباغة نفسه في الوقت ذاته، مؤهلة لاستخدامه في صناعة المنسوجات والبدائل الجلدية المستدامة.
نموذج أولي نهائي للجزء العلوي من الحذاء أُنتج من صفائح السيليلوز البكتيري (إمبريال كوليدج لندن) كيف يُنتَج السيليلوز البكتيري المصبوغ؟وكما يُزرَع نبات في وعاء، وفر الباحثون الظروف المثالية لنمو البكتيريا المنتِجة للسيليلوز البكتيري، على غرار الطريقة التي ينمو بها النبات ليناسب الحاوية الخاصة به، وذلك عبر عدة خطوات وصفتها الدراسة:
أولا: تحضير وسط النموتوضع بكتيريا "أسيتوباكتر زيلينوم" في وسَط نمو يوفر العناصر الغذائية والظروف اللازمة لاستمرار النمو، ويحتوي هذا الوسط على مصادر الكربون والنيتروجين والمواد المغذية الأساسية الأخرى اللازمة لنمو البكتيريا.
ثانيا: الحضانةالخطوة التالية هي احتضان السيليلوز الميكروبي -والذي يكون على شكل طبقة جيلاتينية- في بيئة خاضعة للرقابة، وعادة ما تحفظ هذه البيئة عند درجة حرارة ومستوى حموضة ورطوبة معينة لدعم نمو البكتيريا.
ثالثا: تصنيع السيليلوزداخل وسط النمو، تستمر البكتيريا في تصنيع السيليلوز، مما يضيف طبقات جديدة إلى المادة الموجودة، وتفرز البكتيريا ألياف السيليلوز التي تتجمع في شبكة كثيفة، مما يؤدي تدريجيا إلى زيادة سمك السيليلوز الميكروبي ومساحة سطحه.
رابعا: الحصاداعتمادا على الخصائص والتطبيقات المطلوبة، يمكن حصاد السيليلوز الميكروبي في مراحل مختلفة من النمو، فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك حاجة إلى مادة أكثر سمكا، يُسمح للسيليلوز بالنمو لفترة أطول، وعلى العكس من ذلك إذا كانت هناك رغبة في الحصول على مادة أرق، فيمكن حصاد السيليلوز في وقت مبكر من عملية النمو.
خامسا: إنتاج الصباغلتنشيط إنتاج الصباغ داخل السيليلوز البكتيري، أخضع الباحثون السيليلوز الميكروبي للتحفيز البيئي، إذ أحدثوا هزًّا لطيفا عند 30 درجة مئوية لمدة يومين، وأدى هذا التحفيز البيئي إلى دفع البكتيريا للبدء بإنتاج الصبغة السوداء، وصولا إلى صبغ المادة بشكل فعال من الداخل.
ويعزز الاهتزاز اللطيف للسيليلوز البكتيري الخلط والتوزيع الأفضل للعناصر الغذائية والأكسجين داخل وسط الاستنبات، وتقع درجة حرارة 30 درجة مئوية ضمن النطاق المفضل لبكتيريا "أسيتوباكتر زيلينوم"، ويضمن الحفاظ على درجة حرارة ثابتة بقاءها نشطة حتى تتمكن من تنفيذ العمليات الأيضية بكفاءة، بما في ذلك تخليق الأصباغ.
النموذج الأولي شُكّل على وعاء مصمم خصيصا على شكل حذاء وصُبغ بواسطة العمليات البيولوجية الخاصة بالبكتيريا (إمبريال كوليدج لندن) النموذج الأولي.. اختبار قدرات إضافيةوبالتعاون مع شركة "مودرن سينفسيس"، وهي شركة مقرها لندن متخصصة في التصميم الحيوي والمواد، طوّر الباحثون نموذجا أوليا بالتعاون مع مصممين لتنمية الجزء العلوي من حذاء باستخدام وعاء مصمم لزراعة السيليلوز البكتيري، وبعد تشكيل المادة على مدار 14 يوما، نشّطوا إنتاج الصبغة عن طريق هز الحذاء بلطف لمدة يومين عند درجة حرارة 30 درجة مئوية.
كما أنشؤوا محفظة سوداء عن طريق زراعة ورقتين منفصلتين من السيليلوز وتقطيعهما حسب الحجم وخياطتهما معا، ويسعون حاليا لتجربة مجموعة متنوعة من الأصباغ الملونة التي يمكن إنتاجها بواسطة جينات من ميكروبات أخرى.
ويقول الأستاذ بقسم الهندسة الحيوية في جامعة إمبريال كوليدج لندن والباحث المشارك بالدراسة "كينيث ووكر"، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: "تُظهر نماذجنا الأولية أن تقنيتنا تعمل على نطاقات كبيرة بما يكفي لإنشاء منتجات حقيقية، وهو ما يمنحنا الفرصة للتفكير في الجماليات، بالإضافة إلى الأشكال والأنماط والمنسوجات والألوان البديلة".
ويضيف: "يُظهر العمل أيضا التأثير الذي يمكن أن يحدث عندما يعمل العلماء والمصممون معا، فباعتبارهم مستخدمين حاليين ومستقبليين للمنسوجات الجديدة التي تنتجها البكتيريا، يلعب المصممون دورا رئيسيا في دعم المواد الجديدة المثيرة وتقديم تعليقات الخبراء لتحسين الشكل والوظيفة والتحول إلى الموضة المستدامة".
السيليلوز البكتيري يخدم التوجه العالمي نحو ما يُعرف بـ"الموضة المستدامة" (شترستوك) إنتاج تجاري محدودومن جانبه يرى أستاذ هندسة الألياف والبوليمرات في كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية أحمد حسنين، أنه رغم نجاح الباحثين في إثبات المفهوم، وهو إنتاج السيليلوز البكتيري وصبغه في الوقت نفسه، فإنه يُتوقع أن يكون الشكل التجاري للمنسوجات القائمة على هذا المفهوم محدودا للغاية.
ويقول في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": إن "عملية الإنتاج مكلفة للغاية، إذ احتاج الباحثون 14 يوما لإنتاج الجزء العلوي من الحذاء في ظروف محكمة مع توفير مغذيات للبكتيريا، لذلك فإن سعر المنتجات القائمة على هذه الفكرة سيكون مرتفعا للغاية، ولن يتحمله سوى فئة محدودة جدا".
ويتابع أنه "مع تقديرنا للهدف البيئي من هذا العمل، فإن هذه الطريقة لن تستطيع إزاحة الطرق التقليدية القائمة على توفير منتجات من السيليلوز النباتي، أو حتى من الجلود الطبيعية، لأنها ستظل هي الأكثر قابلية للتصنيع التجاري على نطاق واسع".
ويضيف أن "السيليلوز البكتيري مثله مثل بكتيريا تنتِج الفايبر، ولم يكتب لها الانتشار في الصناعات النسيجية لأن كيلو الفايبر المنتَج منها يصل سعره إلى 160 دولارا، في حين أن أجود أنواع القطن يصل سعره إلى 6 دولارات للكيلو".
ولهذا السبب يرى حسنين، أن الاستخدام التجاري للسيليلوز البكتيري سيظل في مجال المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل والتطبيقات الطبية، لأنها الأكثر استيعابا لكلفة إنتاجه المرتفعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات إمبریال کولیدج لندن درجة حرارة
إقرأ أيضاً:
من لندن إلى بغداد: أسرار ومفاجآت في حياة الشيخ مصطفى إسماعيل
في ذكرى وفاة المقرئ العظيم الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي توفي في 26 ديسمبر 1978، تُفتح أبواب جديدة على جوانب مثيرة وغامضة من حياته، عبر شهادة نجله عاطف إسماعيل. عاطف يروي بعض القصص المثيرة التي تكشف عن جانبه الإنساني وتُظهر الأبعاد الخفية وراء حياته المهنية المليئة بالأسرار.
تسجيلات اختفت في مصر وظهرت في باريسيحكي عاطف إسماعيل عن إحدى الحكايات الغريبة التي اكتشفها بعد عودته من ألمانيا، حين اكتشف أن والده الشيخ مصطفى إسماعيل لم يحتفظ بتسجيلات له رغم شهرة صوته العذب. توجه عاطف إلى مكتبة الإذاعة المصرية في محاولة للحصول على التسجيلات، لكنه تفاجأ بأن المكتبة تحتوي على أربعة تسجيلات فقط من فترات سابقة. وفيما بعد، وفي مفاجأة أخرى، اكتشف أن بعض التسجيلات الخاصة بوالده قد ظهرت في شركات بيع الفيديو والكاسيت في باريس، لتظل تساؤلاته حول كيفية وصول هذه التسجيلات إلى هناك، بينما اختفت من مصر.
مقرئ القصر وأبرز مشايخ التلاوةبين الإذاعة المصرية والصراع مع مقرئي مصريسلط عاطف إسماعيل الضوء على موقف آخر يتحدث عن التحديات التي واجهها والده في مجال عمله، حيث تعرضت بعض تسجيلات الشيخ مصطفى إسماعيل للإيقاف من قبل بعض الجهات داخل مصر. يروي عاطف كيف أن الإذاعة كانت قد قررت بث إحدى تسجيلات والده، لكن بعد ردود فعل سلبية من بعض المقرئين، تم التراجع عن نشرها، وذلك في فترة كان فيها الصراع على المسابقات والنسب الدعائية بين المقرئين في أوجه.
الشيخ مصطفى إسماعيل ومكالمة القصر الملكي العراقيمن أغرب القصص التي يرويها عاطف إسماعيل هي مكالمة القصر الملكي العراقي، حيث كان الشيخ مصطفى إسماعيل قد تم اختياره للذهاب إلى العراق في عام 1947 لتلاوة القرآن في جنازة والدة ملك العراق، إلا أنه كان في الإسكندرية وقتها. ما حدث أن الشيخ مصطفى تأخر عن الذهاب، ليأخذ مكانه الشيخ الشعشاعي، الذي أخبره لاحقًا عن الحفاوة الكبيرة التي لقيها الشيخ مصطفى إسماعيل في بغداد عندما وصل بعد يومين، حيث كان الجميع يتساءل عن غيابه.
الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي أصبح رمزًا عالميًا في قراءة القرآن الكريم، كان محاطًا بالكثير من الحكايات المثيرة التي تخلد اسمه وتكشف عن تاريخه المليء بالتحديات والأسرار. من اختفاء تسجيلاته في مصر ووصولها إلى باريس، إلى القصص التي عاشها مع القصر الملكي العراقي، تظل حياة الشيخ مصطفى إسماعيل واحدة من القصص التي تشكل جزءًا من التراث الثقافي والديني للعالم العربي.