أهمية القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد الأفريقي
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
د. نازك حامد الهاشمي
تتطلب التنمية الاقتصادية عملا مشتركا بين القطاعين العام والخاص والقطاعات غير الربحية مثل المنظمات، بالإضافة إلى الشركاء الدوليين. ويعتمد تحقيق الاقتصاد المزدهر على ركائز أساسية لتنويع الاقتصاد ودعم المحتوى المحلي، وذلك بخلق بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية من أجل خلق فرص مبتكرة لمستقبل القطاع الخاص فيه، وباعتماد وصياغة السياسات الملاءمة، ومن ثم توفير بيئة استثمارية تضمن للقطاع الخاص أن يلعب دورا حيويا في دفع عجلة الاقتصاد.
كما تعد تهيئة بيئة الأعمال من أهم ركائز والتحديات التي تواجه القطاع الخاص في أفريقيا والدول النامية بصورة عامة، وتتطلب جهودا متنوعة من تلك الدول لخلق بيئة تمكن جميع المشاركين في التنمية من ممارسة أنشطتهم بسلاسة ويسر، ومن أهمها رفع جودة الخدمات الحكومية المقدمة للقطاع الخاص بدرجة عالية من الكفاءة واستخدام التقنية، وطرح أدوات مالية متنوعة مثل صناديق التمويل والتصكيك (وهو أحد الإجراءات التنفيذية لعملية إصدار الصكوك السيادية بغرض طرحها في سوق الإصدار للمستثمرين للاكتتاب فيها)، وغيرها من مسرعات الأعمال لخلق فرص استثمارية للشركات المحلية بمختلف أحجامها.
ودائما ما تقوم القارة الأفريقية عبر مؤسساتها التمويلية مثل البنك الأفريقي للتنمية بالمشاركة مع المؤسسات الدولية من مجموعة العشرين ومجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدراسة وطرح مبادرات واتفاقيات مختلفة لتحفيز الاستثمارات ومنها الاستثمارات الخاصة. ويُعد "الاتفاق مع أفريقيا" G20The Compact with Africa (CWA) في عام 2017م بادرةً مهمة لمجموعة العشرين تسعى إلى تعزيز تمويل القطاع الخاص لدعم الأهداف التنموية للدول.
https://www.compactwithafrica.org/content/compactwithafrica/home.html
وتشمل البلدان الموقعة على "الاتفاق مع أفريقيا" بنين وكوت ديفوار ومصر وإثيوبيا وغانا وغينيا والمغرب ورواندا والسنغال وتوغو وتونس. وبالطبع يتطلب الدخول في مثل تلك الاتفاقيات الدولية تحقيق تقدم كبير في تنفيذ إصلاحات الاقتصاد الكلي، والعمل المستمر لتحسين بيئة أنشطة الأعمال وتوسيع مواعين وأطر التمويل. كما يعد الهدف الكلي من الاتفاقية هو تطوير اتفاقيات الإصلاح الشاملة والمخصصة لكل بلد بين البلدان الأفريقية بصورة فردية، وتطوير الأدوات التمويلية لتحسين الظروف الإطارية للاستثمارات الخاصة، بما في ذلك في البنية التحتية.
وفي إطار تنفيذ بنود تلك الاتفاقية، تلتزم الدول العشر الموقعة على تلك الاتفاقية بتنفيذ ما ورد في مصفوفات الإصلاح التي تحدد الالتزامات الواجب على الدول اتخاذها للحفاظ على الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مثل القيام بكل ما يدفع نحو تحسين مستوى المعيشة وزيادة دخل الفرد، والأعمال التجارية والتمويل ذات الصلة لتعزيز الاستثمارات الخاصة. وعادة ما يتم دعم تنفيذ هذه الإصلاحات عبر إيفاء الشركاء الرئيسيين في التنمية بالمساعدات الفنية والمالية، بالإضافة إلى جدول مراقبة لتنفيذ بنود الاتفاقية والإصلاحات. والجدير بالذكر أنه وفقاً لتقرير المتابعة COMPACT MONITORING REPORT الصادر في أبريل 2018 م سجلت إثيوبيا وغانا على سبيل المثال أعلى النسب المئوية للالتزام بتحقيق كل المطلوبات. ومعلوم أن "الاتفاق مع أفريقيا" كان قد أنشئ على فرضية أساسية تتمثل في ثلاث ركائز هي تحقيق الاستقرار للاقتصاد الكلي، وتوفير البيئة لاستثمارية المناسبة، ومن ثم الوساطة الفعالة للقطاع المالي. وتعد كل تلك الركائز شروطا حتمية لتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص.
ومن الأمور المهمة في هذا الصدد الالتفات لنوعية التحسينات في البيئة الاستثمارية للقطاع الخاص والتي ينبغي أن تكون شاملة ومستمرة مثل إنشاء مكاتب للائتمان، والإعفاء من رسوم الدمغة لنقل الملكية، وتبسيط تصاريح البناء والتراخيص التجارية، وإنشاء منصات للإفصاح الضريبي الإلكتروني لتسهيل عمليات الدفع مع الإعفاءات الضريبية لبعض الاستثمارات، وأخرى مخفضة عبر الأطر القانونية ذات الصلة. كذلك يجب الاهتمام بالإصلاحات ذات الصلة بتخفيف القيود المفروضة على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبالسياسات المرتبطة بتدبير الإيرادات المحلية، والإصلاحات المتعلقة بممارسة نشاط الأعمال وغيرها. وعادة ما تمارس كثير من الدول التي تواجه ضعف البنية الأساسية للتنمية سياسات معاكسة عند صياغة لسياستها المالية بفرض المزيد من الضرائب على القطاع الخاص، وتسعى لزيادة إيراداتها المحلية من المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يضعف من مساهمة القطاع الخاص في التنمية والاستقرار الاقتصادي. وتوصف مثل هذه السياسات بأنها محاولة معالجة قصيرة المدى للقصور الموجود في إيرادات الدولة. كما ولا تهدف تلك السياسات ولا تؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، والذي كان يمكن أن يتحقق إذا اتبعت تلك الدول سياسات تنمية مستدامة طويلة المدى، قد تصل إلى عشرات السنين. وجاء في تقرير منشور لمجموعة البنك الدولي للإنشاء والتعمير في عام 2016م صدر تحت عنوان "ماذا يعيق القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ الدروس المستفادة من مسوحات الشركات" أن الإخفاقات في النماذج الاقتصادية في المنطقة كانت نتيجة لعدة أسباب منها التركيز على المنتج الوطني الخام دون تطويره ودمجه مع الصناعات والتصدير، وافتقار التكامل مع الأسواق العالمية، والتدخلات الحكومية غير الموجهة في سياساتها التمويلية للصادر من المنتجات المحلية، هذا بالإضافة إلى الدعم غير الكافي لبيئة أنشطة أعمال القادرة على الابتكار وريادة الأعمال والممارسات الإدارية الجيدة. وعزا التقرير أهمية تحقيق النمو الشامل لتوفير فرص للتشغيل المستدام، وخاصة للشباب من الجنسين، وذلك لرفع مستوى المعيشة، ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتوفير فرص محلية بديلة للهجرة الاقتصادية إلى خارج المنطقة. ويجمع الكثير من الخبراء على أن تطوير القطاع الخاص أمر أساسي لتحقيق ذلك.
على الرغم من أهمية استثمارات القطاع العام، فإن المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في معظم دول العالم الآن هو القطاع الخاص، لارتباط ذلك بمفاهيم عولمة الاقتصاد وتحرير التجارة العالمية. وفي البلدان النامية تمثل الاستثمارات الخاصة في المتوسط ثلاثة أرباع مجموع الاستثمارات فيها. كما وتعد الملاءة (القدرة) المالية للاستثمارات الخاصة (المحلية والأجنبية) من الأساسيات في القطاع الخاص، حيث أنه معلوم أن القطاع الخاص يتميز بالريادة في الأعمال والابتكار لأن الجودة والمنافسة هي من أهم العوامل الحاسمة في السوق. كذلك يؤدي القطاع الخاص دوراً بالغ الأهمية في خلق فرص العمل وفي تنشيط الروابط مع بقية النشاطات الاقتصادية الأخرى. ومعلوم أن الاستثمارات الخاصة عادةً ما تكون مدفوعة بتوقعات المخاطر والعائدات التي تتحدد بمدى ملاءمة بيئة الأعمال.
ومن جانب آخر تشجع مؤسسات التنمية العالمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسد وتقليص العجز المتنامي في التمويل في الدول النامية، خاصة مشروعات البنية الأساسية التي تحقق التنمية المستدامة في تلك الدول. وتتطلب مشروعات البنية التحتية والاحتياجات الضخمة لمرافق البنية التحتية والخدمات تمويلات ضخمة لا يمكن للقطاع العام وحده تحقيقها خاصة في البلدان المترامية الأطراف. وهنا يمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تسد الفجوة في القدرات المالية والتنفيذية كذلك. ومن القطاعات المرشحة لمثل هذه المشروعات قطاع الطاقة غير الموصولة بالشبكات (مثل الطاقة النظيفة) لضمان الحصول على الطاقة بأسعار معقولة دون انقطاع. كذلك يُعد قطاع النقل من القطاعات المرشحة لسد تلك الفجوة لمشروعات البنية التحتية، التي تغطي بدورها الاحتياجات المتنوعة والمتعددة في تلك البلدان.
نختم القول بأن الكثير من دول القارة الأفريقية تعيش حالة من التعقيدات المتزايدة التي تتطلب استجابة فورية وفعالة لتحقيق التنمية المستدامة فيها مثل التأثيرات الناتجة من تغير المناخ وعدم توافر الاستقرار السياسي والأمني، مع تزايد التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. لذلك يظهر فيها جليا دور القطاع الخاص في هذه المرحلة المعقدة في السير نحو التنمية المستدامة. ويمثل إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات ومشروعات البنية الأساسية للتنمية قوةً حيويةً ومحركا أساسيا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما ويعد إشراك القطاع الخاص داعما رئيسيا في تعزيز الابتكار وتوجيه التقنيات نحو مسارات مستدامة؛ كما يحقق زيادة لفرص العمل وتحسينها من خلال تهيئة بيئة داعمة للاستثمارات التي يقودها القطاع الخاص، حيث لا يزال خلق الوظائف من أهم الأولويات الإنمائية، فضلا عن السعي نحو تكافؤ الفرص لشريحة الشابات والشباب. وهذا هو أحد الوسائل الفاعلة لتخطي ربقة الفقر، وتعزيز التوظيف بما يسهم في تطوير المهارات ويدفع باتجاه تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. ويشمل كل ذلك تعزيز نواتج رأس المال البشري من خلال مساندة تقديم خدمات الصحية والتعليمية بشكل أفضل للجميع، بالإضافة إلى برامج التأمين الاجتماعي الجيد.
كذلك يُعد دعم بنوك التنمية الإقليمية أحد الجهود التمويلية المختلطة لتمويل القطاعين العام والخاص لتحقيق القدرة الاقتصادية في الدول النامية، وتحفيز القطاع الخاص للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية التنموية بما يحقق الاستدامة في التنمية، وخلق أدوات مالية مبتكرة لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، دون المساس بدور الحكومات البالغ الأهمية تجاه الشرائح الضعيفة في المجتمع ودورها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. كما تدعم مشاركة القطاع الخاص في النشاط التنموية محفزات الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي، وإحدى الوسائل اللازمة للحد من الأنشطة الاقتصاد المضر، أو ما يسمى بالاقتصاد الخفي الذي يدفع نحو تآكل التنمية المستدامة، ويزيد من الجرائم المالية، ويخلق اقتصادا هشا يزيد من معدلات الفقر بين السكان. كذلك تدعم الجودة التنظيمية التي يتسم بها القطاع الخاص القدرة على الصمود في وجه الصدمات من خلال دعم إدارة الاقتصاد الكلي، وتدابير التكيف مع التغيرات والتقلبات الاقتصادية المختلفة والتخفيف من آثارها. وكل هذا وغيره يتطلب مجموعة قوية من الإصلاحات الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال وإتاحة التمويل لمنشأة الأعمال الصغيرة، خاصة في البلدان الأفريقية النامية.
nazikelhashmi@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القطاعین العام والخاص الاستثمارات الخاصة التنمیة المستدامة القطاع الخاص فی البنیة التحتیة بالإضافة إلى فی التنمیة
إقرأ أيضاً:
منافسة الحكومة للقطاع الخاص
مدرين المكتومية
قبل يومين وأثناء انهماكي في العمل الصحفي، وصلني اتصال من إحدى موظفات قسم التسويق بإحدى مؤسسات القطاع الخاص، وكانت تشكو لي وتخبرني بأنَّها توجَّهت لتقديم فكرة لإحدى الدوائر الحكومية على أمل أن ينخرطوا في شراكة ثنائية من أجل تنظيم حدثٍ ما؛ حيث لاقت في البداية الترحاب والقبول؛ نظرًا لأهمية الموضوع، ووعدوها بالرد لاحقًا بعد عرض الفكرة على بعض المسؤولين.
ما حدث بعد ذلك أنها استمرت في التَّواصل معهم لمعرفة المستجدات، ولم تجد منهم سوى المُمَطالة والتسويف، إلى أن فوجئت قبل أسبوعين فقط بأنَّ المقترح الذي قدمته والفعالية التي كانت ترغب في تنظيمها، تم الإعلان عنها بتنظيم من هذه الجهة فقط دون أي شراكة معها؛ حيث قررت هذه الجهة الحكومية تنفيذ الفكرة بكل تفاصيلها بما فيها من رؤى عميقة وأفكار إبداعية وحتى المستهدفين من الرعاة!! الأمر الذي أصابها بالإحباط، وغرس فيها نوعًا من عدم الثقة في الآخر، فضلًا عن الخسارة المعنوية والمادية.
هذه للأسف واحدةً من قصص عديدة بنفس التفاصيل تقريبًا؛ حيث لا يكف القطاع الحكومي (وزارات وهيئات وشركات) عن منافسة القطاع الخاص في سوقه المحدود أصلًا، وهو ما يضع القطاع الخاص أمام معضلة حقيقية وأزمة عنيفة تُهدد بتلاشيه رويدًا رويدًا.
لقد سادت أفكار لدى بعض الوزارات في السنوات الأخيرة بضرورة تحقيق أرباح مالية من خلال تنظيم فعاليات أو مؤتمرات تحشد فيها رعايات مالية من الشركات الكبرى في القطاع الخاص تحقق لها أرباحًا مجزية، وذلك في منافسة غير عادلة ضد شركات القطاع الخاص المتخصصة في إدارة الفعاليات.
لا يجب أبدًا أن يكون هدف أي مؤسسة حكومية تحقيق الأرباح، لأنها في الأساس لم تُنشأ لهذا الغرض؛ بل إن المؤسسات الحكومية مؤسسات غير ربحية في الأساس، وإذا رغبت في جني أي إيرادات مالية فتكفيها الرسوم والضرائب المفروضة والتي ترتفع كل فترة وحين.
فهل يعقل أن يقوم مسؤول كبير في وزارة معينة بالاتصال برئيس تنفيذي لشركة كبرى بالقطاع الخاص ليطلب منه تقديم رعاية مالية لحفل ستقيمه وزارته؟! أو لدعم تنظيم حدث يخُص إنجازات الوزارة؟! الغريب في الأمر أنَّ مثل هذه الفعاليات لها مخصصات مالية وميزانيات داخلية في كل جهة حكومية، وزارة كانت أو هيئة، ومن الواجبات الوطنية على هذه المؤسسات الحكومية أن لا تُنافس القطاع الخاص، لا سيما وأن المسؤولين عن الشأن الاقتصادي دائمًا ما يؤكدون الحرص على توفير كل سبل النجاح للقطاع الخاص وليس محاربته في قوته ومصدر رزقه، وهو ما يُحتِّم على المؤسسات الحكومية أن تلتزم بهذه التوجهات المنطقية، وعدم التفكير بطريقة البائع والمشتري، وكأنَّ الوزارة تحولت إلى "سوبرماركت"!
الملاحظ أن هناك خلط كبير جدًا؛ إذ إن ممارسات حكومية خاطئة في السنوات الأخيرة، تسببت في إضعاف القطاع الخاص بشكل كبير وخروج العديد من الشركات من السوق، وتسريح الآلاف من الشباب العُماني. ولا ريب أن التضييق على القطاع الخاص ليس من صالح الحكومة في شيء؛ لأن هذه الشركات تساهم في التوظيف ودفع الضرائب ورفع الناتج المحلي، وفي الوقت الذي تواجه البلاد فيه أزمة في التوظيف على الحكومة أن تعمل على عدم منافسة القطاع الخاص؛ بل والواجب عليها تحفيزه حتى يستطيع القيام بالدور المأمول منه.
ولا أدل على هذه المنافسة غير العادلة، ولن أبالغ إن قلت إنها منافسة ظالمة للغاية، بدأت مؤسسات حكومية في ممارسة نفس أعمال القطاع الخاص؛ حيث إن عددًا منها يستعين في البداية بالقطاع الخاص ويطلب منه تقديم أفكار ومقترحات وتصورات لازمة لإنجاح الفعالية، وبعد أشهر من العمل المضني من قبل القطاع الخاص، دون أي مقابل على كل هذه الجهود، تكون الصدمة والمفاجأة المدوية، تبدأ بردود باردة وتسويف وتجاهل وهروب من اللقاءات المباشرة، وفي النهاية يكون الرد: "هذه الأفكار يمكن تنفيذها من خلال الوزارة ولا نحتاج إلى شركة متخصصة للقيام بها"!! دون أن تشعر هذه المؤسسة أو الوزارة- ولو للحظة- أن هناك فريق عمل متكامل، عكف ليل نهار على إعداد مثل هذه التصورات، والتي تأتي في نطاق اختصاصه ومصدر رزقه الوحيد. وهذا يدفعنا إلى اتهام هذه الوزارات الحكومية بسرقة الأفكار الإبداعية وعدم الاعتداد بحقوق الملكية الفكرية حتى وإن كانت ما تزال فكرة على الورق أو في رأس صاحبها، فأيُّ دور نأمله للقطاع الخاص في مسيرة التنمية؟ وأي شراكات بين القطاعين يمكن أن نشهدها؟!
أيضًا البعض من هذه المؤسسات يطلب انتداب موظفين من شركات بعينها بهدف التدوير الوظيفي وزيادة الخبرات ورفع كفاءة عمل القطاع الحكومي، لكن فجأة تجد هذا الانتداب يتحول لدى البعض إلى مهمة عمل "تسويقية"، من خلال تركيز عملهم على تقديم أفكار تسويقية كانوا يعملون عليها في القطاع الخاص الذي ينتمون له، ويكون الهدف الرئيسي هو الربح وجني المكاسب، وهذا بالتأكيد سوء استخدام وليس خدمة للأهداف الأصيلة. كل هذا يحدث يوميًا أمام أعيننا في بيئة غير صحية لممارسة الأعمال التجارية، دون أدنى اعتبار لأهمية دور القطاع الخاص وضرورة عدم منافسة القطاع الحكومي له، بل بناء الشراكات والتعاون المُثمر.
يجب على الجهات الحكومية، وبصفة خاصة الوزارات، أن تعي أن هدفها الأساسي يتمثل في خدمة المجتمع بالدرجة الأولى، والنهوض بالقطاع الخاص وتمكينه، وهذا الهدف في مرحلة سابقة كان هدفًا ساميًا، عملت المؤسسات الحكومية يدًا بيدٍ مع القطاع الخاص من أجل تحقيق غاياتها التنموية وتقديم خدماتها بصورة مميزة، لكن خلال السنوات الأخيرة الماضية لوحظ أنها أصبحت تخوض منافسة ظالمة مع القطاع الخاص، وتسعى لسحب الأرباح منه، والبحث عن المكسب لا سواه، وهذا بالطبع أمر غير صحي ولا يدخل ضمن دورها الأساسي والمرجو منها.
وختامًا.. إنني أتوجه بالدعوة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء الموقر، بضرورة توجيه الوزارات والجهات الحكومية، نحو تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، وعدم مزاحمته في مصدر رزقه، وأن تتفادى الحكومة تمامًا القيام بأعمال القطاع الخاص الهادفة للربح، فهذا حق أصيل للقطاع الخاص لكي يُواصل دوره الإنتاجي والتنموي ويُسهم في نمو الاقتصاد، لأنَّ غير ذلك سيُفضي إلى نتائج سلبية للغاية وانعكاسات ضارة جدًا باقتصادنا الوطني، ولن نجد أي دور حقيقي للقطاع الخاص، طالما قررت الجهات الحكومية الاستحواذ على ما يتبقى للقطاع الخاص (لا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة) من أعمال قد تُدر ربحًا يُساعده على الوفاء بالتزاماته.
رابط مختصر