نيويورك تايمز: الحقيقة المرة لمعركة إسرائيل بغزة
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفيها الأساسيين من الحرب، وهما تحرير المحتجزين وتدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالكامل، وإن أدت العمليات العسكرية إلى إضعافها.
ويبقى السؤال، بعد 6 أشهر من الحرب، عما حققته إسرائيل ومتى يمكن أن ينتهي القتال وكيف، يخلق توترات عالمية متزايدة حول حرب كلفت إسرائيل الدعم حتى من حلفائها المقربين.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير مشترك بين محرريها في واشنطن والقدس- أن الحرب وتكتيكات الجيش الإسرائيلي جاءت بتكلفة باهظة، حيث قُتلت أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، وأصبح الجوع منتشرا على نطاق واسع في غزة، وبدأت الخسائر العسكرية الإسرائيلية في الارتفاع، ولا يزال حوالي 133 من المحتجزين في غزة.
واستقرت الحرب في نمط مميت من المناوشات والغارات الجوية مع استمرار القوات الإسرائيلية في الحرب بغزة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه ضرب أكثر من 100 هدف وقتل العشرات من المقاتلين في الجزء الأوسط من القطاع، مشيرا إلى أن خسائر حماس مستمرة في التصاعد، وأن وتيرة القتال وقدرات حماس قد تضاءلت في الوقت الحالي.
حماس باقية
ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها حماس -حسب الصحيفة- فإن قسما كبيرا من قيادتها العليا في غزة ما زالت في مكانها، متخفية في شبكة واسعة من الأنفاق ومراكز العمليات تحت الأرض، وتتخذ القرار في المفاوضات، في وقت يقول فيه مسؤولون أميركيون إن هذه الأنفاق ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل نفسها بمجرد توقف القتال.
ويقول دوغلاس لندن، وهو موظف متقاعد قضى 34 عاما في وكالة المخابرات المركزية "إن المقاومة الفلسطينية التي تتجلى في حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، فكرة بقدر ما هي مجموعة مادية وملموسة من الناس، ومهما تلحقه إسرائيل من الضرر بحماس، فإنها ستبقى تتمتع بالقدرة والمرونة والتمويل وطابور طويل من الأشخاص بعد كل الدمار وكل الخسائر في الأرواح".
وفي تقييم استخباري سنوي صدر في مارس/آذار الماضي، أعربت وكالات التجسس الأميركية عن شكوكها في قدرة إسرائيل على تدمير حماس فعليا.
وقال التقرير إنه "من المحتمل أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحة مستمرة من حماس لسنوات قادمة، وسيكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي تحييد البنية التحتية التي تسمح للمقاومين بالاختباء تحت الأرض، واستعادة قوتهم ومفاجأة القوات الإسرائيلية".
الحرب تصل إلى رفح
يعتقد الجيش الإسرائيلي أن 4 كتائب من مقاتلي حماس تتمركز في رفح، وأن آلاف المقاتلين الآخرين لجؤوا إليها، إلى جانب حوالي مليون مدني، ولذلك يجب تفكيك هذه الكتائب.
ولكن الطريقة الوحيدة لتدميرها -حسب مسؤولين إسرائيليين- هي توغل كبير للقوات البرية في رفح، كما أن تدمير الأنفاق بين غزة ومصر سيمثل هدفا حاسما.
غير أن غزو رفح أصبح نقطة احتكاك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ يقول مسؤولون أميركيون إن تل أبيب لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح، ومن دون ذلك، فإن عدد القتلى في غزة الذي وصل إلى 34 ألفا سوف يرتفع أكثر.
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن للصحفيين "لم أر حتى الآن خطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لنقل الأشخاص، تحتوي على أي مستوى من التفاصيل حول كيفية إيواء وإطعام وتوفير الدواء لهؤلاء المدنيين الأبرياء، بل وأيضا كيفية التعامل مع أشياء مثل الصرف الصحي والمياه وغيرها من الأمور الأساسية".
وبالنسبة لرفح، يريد المخططون العسكريون الأميركيون أن تنفذ إسرائيل غارات مستهدفة على نقاط قوة حماس ولكن بعد نقل المدنيين، وقال الفريق مارك شوارتز "هذا هو الوقت المناسب لإسرائيل للانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على عمليات محددة للغاية لمكافحة الإرهاب".
وأشارت الصحيفة إلى أن حركة المدنيين داخل غزة، والفلسطينيين الذين لجؤوا إلى رفح، تشكل نقطة شائكة رئيسية ليس فقط بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بل أيضا في المحادثات المتعلقة بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين.
وقال وليام ج. بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية "إنها صخرة أكبر من أن تدفع وتلة شديدة الانحدار. إن رد الفعل السلبي هذا هو الذي يقف في طريق حصول المدنيين الأبرياء في غزة على المساعدات الإنسانية".
ويقول المسؤولون الأميركيون سرا إن الطريقة الوحيدة لتحقيق إسرائيل صفقة تخلص المحتجزين هي وقف عملية رفح، لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم يعتقدون أن العملية الوشيكة في رفح هي وحدها التي أبقت حماس في المفاوضات.
ومع استمرار المحادثات، يتزايد الغضب بين عائلات "الرهائن" بسبب فشل إسرائيل في إعادة ذويهم إلى وطنهم، وقال غلعاد كورنغولد (62 عاما) إن كلمات "اليأس والإحباط والغضب والخوف" تغلبت عليه بسبب فشل الحكومة في تحقيق المحتجزين، مضيفا "لقد تخلوا عنهم".
إسرائيل حاولت منذ بداية الحرب تدمير شبكة الأنفاق الواسعة الموجودة أسفل غزة، والتي تمتد لمئات الأميال، وتصل أحيانا إلى 15 طابقا تحت الأرض
شبكة الأنفاقوقالت الصحيفة إن إسرائيل حاولت منذ بداية الحرب تدمير شبكة الأنفاق الواسعة الموجودة أسفل غزة والتي تمتد لمئات الأميال، وتصل أحيانا إلى 15 طابقا تحت الأرض، وتستخدمها حماس لإخفاء قادتها واحتجاز "الرهائن" والسماح لمقاتليها بالهرب من الهجوم الإسرائيلي، وفقا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين.
ومع أن إسرائيل لم تتمكن من تدمير الأنفاق التي أمضت حماس سنوات في بنائها، فإن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم سيطروا على معظم النقاط الرئيسية، وإن 19 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس توقفت عن العمل، لتتقلص قدرة حماس على قيادة قواتها بشكل كبير.
ويقول مسؤولون ومحللون أميركيون إن من المرجح أن تظل حماس قوة في غزة عندما ينتهي القتال، لكن مدى سرعة إعادة بنائها سيعتمد على قرارات إسرائيل في المراحل التالية من الحرب وفي أعقابها، حيث يستعد كل من الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين لما سيأتي بعد ذلك.
ويقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إن سحق حماس قد يستغرق سنوات، وقال عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي بيني غانتس إن الحرب قد تستمر "عاما أو عقدا أو جيلا"، ولذلك يشعر المسؤولون الأميركيون بالحرج ويقولون إن على إسرائيل أن تعلن النصر على حماس وتنتقل إلى نوع مختلف من القتال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ترجمات الجیش الإسرائیلی تحت الأرض فی غزة
إقرأ أيضاً:
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة معلّق بخيط رفيع
كان ظهور مقاتلي حماس المدجّجين بالسلاح في أثناء تسليم الرهائن الثلاثة الإسرائيليين المحتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى الصليب الأحمر يوم الأحد بمثابة تذكير كريه، لمن يحتاج إلى تذكير، بأن اتفاق وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه الأسبوع الماضي معلّق بخيط رفيع - وقد يتهاوى في أي لحظة.
تكمن المشكلة الأساسية، مستقبلًا، في أنه لا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا قيادة حماس المعاد تشكيلها، يريدان حقا للهدنة أن تستمر. فقد قام دونالد ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بإرغام نتنياهو -وهو مجازيا يركل ويصيح- فوافق على الصفقة.
فعلى مدى أشهر عديدة، قاوم نتنياهو -وهو نفسه رهينة لدى حلفاء الائتلاف اليميني المتطرف- المقترحات التي طرحها الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن في مايو الماضي. ولكن هل من المعقول أن نفترض أن نتنياهو قد يتخلى عن هذه التهدئة؟ ويبدو الآن أن موافقته التي يحتمل أن تكون مؤقتة ناجمة إلى حد كبير عن رغبته في ألا يفسد حفل تنصيب ترامب في واشنطن.
لقد تردد، قبل حتى أن يجف حبر الصفقة، أن نتنياهو طمأن الوزراء الساخطين إلى أن وقف إطلاق النار مؤقت وأنه لا ينوي احترام شروطه بالكامل. ويقال إنه وعد المتشددين إيتمار بن غفير، الذي استقال احتجاجا، وبتسلئيل سموتريتش، الذي يهدد بذلك، بأنه سوف يستأنف الحرب عما قريب.
من المقرر أن تستمر المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار ستة أسابيع. ويجب أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية، التي تدعو إلى الانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل وتحرير جميع الرهائن الأحياء في مقابل إطلاق سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين، في موعد لا يتجاوز خمسة عشر يوما من الآن. ومن المستبعد أن تبدأ هذه المفاوضات.
فقد كتب أمير تيبون، المحلل في صحيفة هآرتس يقول إن «لدى نتنياهو طريقتين لإغراق الاتفاق وإيجاد ذريعة لتجديد الحرب. الأولى هي ببساطة تعطيل مفاوضات المرحلة الثانية... وإضاعة الوقت. وقد مارس هذا مرات عدة مع فريق بايدن الذي اتسم إما بالضعف الشديد أو العزوف عن الاعتراف بحقيقة هذا التخريب».
«والثانية هي إثارة اندلاع العنف في الضفة الغربية. وقد اشتعلت النيران هناك بالفعل، إذ أشعل المستوطنون المتطرفون النار في المنازل والسيارات في العديد من القرى الفلسطينية ليلة الأحد، في الوقت الذي كان فيه ملايين الإسرائيليين يحتفلون بعودة الرهائن الثلاثة».
وما عنف الضفة الغربية، سواء أثير عمدا أم لا، سوى أحد المحفزات المحتملة لاستراتيجية التخريب. قد يزعم نتنياهو أن حماس لا تمتثل للاتفاق، ولقد فعل ذلك بالفعل في نهاية الأسبوع، معطلا بدء وقف إطلاق النار لعدة ساعات. ومن بين الاحتمالات الأخرى التي علينا أن ننتظرها اندلاع اشتباكات مفاجئة وعشوائية قد تؤدي إلى تمزيق الهدنة في غزة و/أو لبنان.
الحق أن نتنياهو يواجه خيارا مصيريا خلال الأسبوعين المقبلين أو نحو ذلك. فمن خلال التخلي عن وقف إطلاق النار، قد يسترضي اليمين، ويحافظ على تماسك ائتلافه، ويستبقي نفسه في السلطة، ويتجنب التحقيقات في سياسته قبل السابع من أكتوبر القائمة على التسامح مع حماس وفشله في وقف أسوأ هجوم على اليهود منذ عام 1945. وفي حال استئناف الحرب، فلديه كما يقول وعد من ترامب بمدد غير محدود من الأسلحة.
أو قد يراهن على السلام، ويواجه غضب اليمين المتطرف ويخاطر بانهيار حكومته وبانتخابات مبكرة. ومن المتوقع أن يخوض نتنياهو حملته الانتخابية بصفته زعيم الحرب الذي هزم حماس، وأعاد بعض الرهائن إلى الوطن، وسحق حزب الله في لبنان، وألحق بإيران الضرر الكبير مرتين.
وبما أنه يقال إن نحو 60% إلى 70% من الناخبين الإسرائيليين يفضلون إنهاء الحرب، فمن المحتمل أن يخرج نتنياهو على عادته طول عمره السياسي ويفعل الصواب. ومن شأن سلام دائم أن يكسبه نقاطًا إضافية لدى البيت الأبيض، ويمهد الطريق لترامب كي يواصل مشروعه المفضل، أي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وعزل إيران بوسائل غير عسكرية.
لكن المشكلة تكمن في أن حماس وحلفاءها من مسلحي الجهاد الإسلامي في غزة لا يريدون أيضًا لوقف إطلاق النار أن يستمر.
وقد وجَّهت استعراضها للقوة يوم الأحد، وإن كان محدودًا للغاية، رسالة استفزازية مفادها أن حماس نجت، وأنها لا تزال تسيطر على بقية الرهائن، وأنه لم تخلفها حتى الآن أي سلطة في غزة. وفي بيان صدر يوم الاثنين، تعهدت حماس بأن غزة «سوف تنهض من جديد» - تحت وصايتها المشكوك فيها.
ثمة حديث كثير عن إدارة مؤقتة من التكنوقراط مدعومة من مصر وقطر، وعن تولي السلطة الفلسطينية (التي تدير الضفة الغربية من الناحية النظرية) المسؤولية عن غزة. ولكن في الوقت الراهن، ليس لدى أحد السلطة أو الاستعداد لتولي الحكم - وحماس، بطبيعة الحال، تملأ الفراغ في السلطة. ويلام نتنياهو جزئيا في ذلك. فقد رفض لمدة خمسة عشر شهرا وضع خطط «اليوم التالي» أو حتى مناقشتها.
وحينما ننظر قدمًا إلى الأسابيع المقبلة، نجد أن الأمن في غزة قد يصبح قضية بالغة الأهمية مع عودة عشرات الآلاف من النازحين والجياع إلى منازلهم المحطمة وأحيائهم المدمرة وبدء محاولات استئناف حياتهم. وسوف تحاول حماس السيطرة على توزيع مساعدات الأمم المتحدة والوكالات المتحالفة معها، مثلما تسيطر على إطلاق سراح الرهائن من خلال الصليب الأحمر. وقد يتسبب هذا في تعميق الاضطراب وتصاعد الصراع الداخلي.
في الوقت نفسه، من المتوقع أن تبدأ حماس بسرعة في إعادة بناء قدراتها العسكرية، وقد ازدادت عزما عن ذي قبل، بعد الضربة القاضية التي تلقتها، على تكبيد إسرائيل ثمنا باهظا، فهي لا تزال على وعدها بتدميرها. وقد أشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أن «صور مقاتلي حماس كانت تذكيرا صارخا بأن الجماعة الإرهابية لا تزال مسؤولة عن غزة».
وقالت الصحيفة: إن المسؤولين الإسرائيليين يقدرون أن اثنتين فقط من كتائب الجماعة الأربع والعشرين لا تزالان تعملان.
ولكن يقال إن حماس تعيد تجميع صفوفها تحت قيادة محمد السنوار، الأخ الأصغر ليحيى السنوار، العقل المدبر لأحداث السابع من أكتوبر الذي قتلته إسرائيل في الخريف الماضي. وقال وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته، أنطوني بلينكن الأسبوع الماضي: إن الولايات المتحدة تعتقد أن حماس جندت عددا من المقاتلين يساوي عدد من فقدتهم منذ بدء الحرب.ومثلما حدث في أزمات سابقة في الشرق الأوسط، ربما كان من المتوقع أن يتدخل الرئيس الأمريكي في هذه المرحلة الحرجة لضمان التزام الجانبين بكلمتهما فيصبح وقف إطلاق النار سلاما دائما. لكن ترامب ليس من هذا النوع من الرؤساء. فقد كان يخشى من أن تطغى الحرب على يومه المنتظر. والآن سينصرف انتباهه إلى جهة أخرى. فهو لا يطرح خطة أو أفكارا جديدة - وكل ما يطرحه لا يعدو قوائم أمنيات وتهديدات وتحيزات.
وإذا ما قرر زعماء إسرائيل وحماس معاودة القتال في الأسابيع والأشهر المقبلة، فقد لا يكون ثمة من يوقفهم - برغم حقيقة أن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم المتابع يتوقون إلى السلام.