منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
.*”كل التعميمات خطيرة بما في ذلك هذا التعميم نفسه”.. ألكسندر دوماس..!*
ظواهر تاريخية كثيرة تؤكد أن المجتمعات تصاب أحياناً بحالات من الهوس أو الجنون شأنها شأن الأفراد. حتى المجتمع الأمريكي الذي كان ينعم بنظام مؤسسات ودولة قانون أيام الحرب الباردة أصيب بلوثة المكارثية التي حَوَّلت حياة مشاهير الكتاب والمبدعين إلى جحيم.
المجتمع الأمريكي الذي أصيب بهوس الخوف من الخيانة كان يصدر أحكامه على كل من يتم الاشتباه به، وعليه فقد كان من الأسلم لكل من يتم استجوابه أن ينفي التهمة عن نفسه، وكفى الله المؤمنين شر القتال..!
لكن كاتب السيناريو الأمريكي “دالتون ترامبو” ومجموعة من رفاقه قرروا الوقوف في وجه الطوفان – والاحتجاج على المهانة التي تنطوي عليها تلك التحقيقات – بعدم نفي التهم الموجهة إليهم أو تأكيدها، فدفعوا الثمن باهظاً..!
العزلة الاجتماعية التي فرضت على “ترامبو” تسببت في عجزه عن استلام جائزتي أوسكار لفيلمين قام بكتابتهما تحت اسمين مستعارين لخوف المنتجين من عار الاشتباه الذي لاحقه لسنوات. ثم أفاق المجتمع الأمريكي من حالة الجنون المؤقت تلك، وتم رد اعتبارالرجل ورفاقه في مطلع التسعينيات..!
المجتمع السوداني يعيش اليوم ضرباً من ضروب المكارثية الجديدة التي يعود تاريخها إلى السنوات الماضية التي أعقبت ثورة ديسمبر “كل من ينتقد الأداء السياسي للحرية والتغيير أو الأداء التنفيذي لأحد أفرادها، وكل من ينتقد الخروقات القانونية للجنة إزالة التمكين هو عدو للثورة وينتمي إلى فئة الفلول”..!
ثم تطور الأمر بعد اندلاع هذه الحرب فصار كل من يدعم الجيش ويندد بجرائم وانتهاكات الدعم السريع من الفلول الذين يدعمون استمرار الحرب..!
الالتباس الذي أصاب بعض السودانيين – فصار بموجبه معظم الواقفين مع الجيش من الفلول حتى وإن كانوا من المنادين بوقف الحرب – مقصود ومصطنع للتغطية على التباس حقيقي آخر يقابله على النقيض..!
إذ في الوقت الذي ينادي فيه مواطنون سودانيون وطنيون بوقف هذه الحرب – دون أن تكون لهم أي أغراض سياسية أو مطامع عسكرية – يرفع آخرون شعار “لا للحرب” إما نكاية في الإسلاميين الذين يقاتلون مع الجيش وخوفاً من عودتهم إلى السلطة، وإما وقوفاً مع الدعم السريع في ورطته – على نحو مستتر – بالاندغام في جموع الوطنيين الشرفاء الرافضين لاستمرار الحرب..!
وللمفارقة الساخرة فإن الحقيقة العارية تقول بأن من ينتظرون انتصار المليشيا في هذه الحرب لا يجرؤون على الوقوف معها علناً لأن تأييد جرائمها عار يحيق بكل سوداني أصيل..!
سوف تنتهي هذه الحرب وتنجلي الحقائق على نحو يصعب معه التهرب من مواجهة جريمة وطنية مثل الخيانة، لذا ليس بيننا اليوم مكان لمكارثية وافدة تتلاعب بخوف الناس – من تهمة الانتماء إلى الفلول – لخدمة أجندات الخونة الحقيقيين..!
الذين شاركوا في محنة تشريدنا وتواطئوا على خيانتنا وباعونا – بحفنة وعود سياسية ستظل تراوح مكانها، وحزمة أموال ملطخة بدماء الشهداء ودموع المغتصبات – ستحيق بهم لعنة هذه الحرب، ولن يجدوا مواطئاً للراحة – غير القبور – في سوداننا الجديد!.
صحيفة الكرامة – منى أبوزيد
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
يتّفق المحللون الإسرائيليون على أنّ المذكرةَ التي قدّمها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار إلى المحكمة العليا، (أعلى سلطة قضائية)، وما تضمّنته من اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستعمّق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتنعكس مباشرة على مسار مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزّة.
لا جدال حول ما يعيشه نتنياهو اليوم من لحظة تقييم حقيقية، بعد أن حصل في السابق على تفويض غير مشروط لتصعيد الحرب من أجل استعادة الأسرى، وتحقيق أهداف عسكرية، دون أن ينجح فعليًا في أي منها.
لم تهدأ الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولم تستكن تلك الاحتجاجات الملونة في دعواتها، التي تبدأ بالدفع بالحكومة نحو إبرام صفقة الأسرى مع حركة حماس ووقف النار، ولا تنتهي عند حالات التمرّد داخل المؤسسات العسكرية، والتي شكّلت حالة "توترية" مستحدثة سببتها تلك الرسالة العلنية التي نشرها نحو ألف من أفراد سلاح الجو الإسرائيلي في 10 أبريل/ نيسان الجاري، والتي تدعو إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب.
لا شكّ أن الداخل الإسرائيلي يشهد على اهتزازات، لم تعهدها الدولة العبرية في تاريخها، حيث وصلت الحال بزعيم المعارضة الإسرائيلي، يائير لبيد، في تصريحات أطلقها، الأحد 20 أبريل/ نيسان الجاري، إلى حدّ التحذير من أن هناك كارثة ستبدأ من الداخل الإسرائيلي "نتيجة التحريض المستمر"، محملًا رئيسَ جهاز الأمن المسؤولية عن "الفشل في التعامل مع هذه التحديات".
إعلانكما أضاف لبيد، أنه "وفقًا لمعلومات استخباراتية، نحن مقبلون على كارثة وهذه المرة ستكون من الداخل". ما دام أن جميع المعطيات تتقاطع حول موضوع الانهيار الداخلي الإسرائيلي، فلمَ لم يحصل إذًا؟
عقبات كثيرة تقف عائقًا أمام استمرارية حكومة نتنياهو، وإشكاليات تطرح عليها من الداخل والخارج، وهذا ما برزَ بعد استئناف حربه على قطاع غزة، حيث تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تصاعد الضغوط داخل الحكومة على رئيسها، لاتخاذ قرار باحتلال كامل قطاع غزة، في ظلّ مخاوف رئيس الأركان الجديد إيال زامير من الثمن العسكري لمثل هذه الخطوة.
يشير أغلب التقارير إلى أن إطالة أمد الحرب في المنطقة، يصبّ في صالح توفير الحماية لنتنياهو، الذي تحيط به ملفات مشبوهة. هو الذي مثَلَ في مارس/ آذار الماضي أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، للردّ على اتهامه بالتورط في فساد وتلقّي رِشا.
كُشفت نوايا نتنياهو من خلال إفشال مسارات التفاوض، ومن الذهاب إلى الخيار العسكري، ولكن الذي ما يزال غامضًا، هو الموقف الأميركي (اللين) تجاه نتنياهو، ورفضه المقترحات التي قدّمها الأميركي لحلّ الأزمة في المنطقة.
هذا (التراخي) الأميركي تجاه نتنياهو، قابله صرامة وصلت إلى حدّ "البهدلة" بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض عقب لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 28 فبراير/شباط الماضي.
لا يوفّر ترامب مناسبة إلا ويتهجم فيها على زيلينسكي، لا بل ذهب بعيدًا في مواقفه، عندما عرض عليه الأربعاء 23 أبريل/ نيسان الجاري، ورقة "الذل" لإنهاء الحرب، طالبًا منه الموافقة على التخلي عن شبه جزيرة القرم، من خلال أخذ كييف إلى الاعتراف بملكيتها لروسيا. لا يتوقف الموضوع عند فرض الاستسلام على كييف، بل ذهب بعيدًا في المطالبة بالاستيلاء على الموارد النادرة في أوكرانيا. رغم أن ترامب أطلق في حملاته الانتخابية مواقف حاسمة تتعلق بإنهاء حالة الحرب في كل من القطاع وأوكرانيا.
إعلانلا مصالح لأميركا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بل على العكس هناك مكاسب لها تستطيع أن تستغلها لصالح سياساتها في الشرق الأوسط. يفتّش ترامب عن صادقات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كيف لا وهو يجد في أوكرانيا تسوية كبرى ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط.
إنّ جلّ ما يريده الرئيس الأميركي من روسيا ممارسة المزيد من الضغط على حليفتها إيران للتوصل إلى تسويات في المنطقة، بهدف إبعاد شبح الحرب معها.
أفصح نتنياهو عن "تهديد وجودي" يداهم إسرائيل من خطورة التسوية التي تقودها أميركا مع إيران، ورفع من مستوى خطابه تجاه إيران. فعبّر قائلًا الأربعاء 23 أبريل/ نيسان، إن "إيران تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وخطرًا على مستقبلها"، مؤكدًا عزم حكومته على مواصلة التصدي لما وصفه بـ"الخطر الإيراني" حتى لو اضطرت إسرائيل للتحرك بمفردها".
هذا السقف العالي من التهديدات تحتاجه إدارة ترامب، كي تستغلّه لفرض شروطها في المفاوضات مع الجانب الإيراني. وبهذا يتبلور ما تخطط له واشنطن في المنطقة، بعيدًا عن التوجّسات الإسرائيلية، مستغلة تهديدات نتنياهو تجاه إيران.
إنّ زيارة وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إلى الرياض، السبت 19 أبريل/ نيسان الجاري، وإعلانه عن "طريق مشتركة" لاتفاق نووي مدني مع السعودية، دليل واضح على ما تراه الإدارة الأميركية للمرحلة القادمة في المنطقة، ودليل إضافي على أن النظرة الأميركية تختلف كل الاختلاف عن نظرة نتنياهو.
في السبعينيات، قام نيكسون ووزير خارجيته في حينها "هنري كيسنجر" ببلورة مبادئ ما سُمي "سياسة الركيزتين" ووقتها الخطة استهدفت ضمان استقرار إقليمي، ووفرة النفط ومساعدة متبادلة ضد النفوذ السوفياتي، بينما اليوم تتوجه ضد النفوذ الصيني.
وقعت المملكة مع الولايات المتحدة على اتفاقية المادة 123 التي تطرق إليها قانون الطاقة النووية الأميركية من العام 1954، والذي يسمح لواشنطن بنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى. قد تهدف واشنطن من هذا الاتفاق إلى خلق تقاربات إقليمية تعتمد على ركائز متنافسة، بدل اللجوء إلى خيار الحروب المباشرة، التي يحتاجها نتنياهو.
إعلانليس صحيحًا أن يد نتنياهو مطلقة التصرف، بل الأصح هو أن لواشنطن حساباتها في المنطقة، وأن نتنياهو أصبح أداة تدار من قبل الإدارة الأميركية، التي تتصرف بما ينسجم مع مصالحها.
فنتنياهو يدمر غزة لأجل تحقيق الممر الاقتصادي الهندي، وبناء "ريفيرا الشرق"؛ تمهيدًا لفتح الاستثمارات الأميركية تحديدًا الخدماتية والسياحية.
لهذا لن يتخلَّى ترامب في المدى المنظور عن نتنياهو، ولن يُسمح للداخل الإسرائيلي بالتهور وأخذ الأمور نحو الانهيار، ما دام لم تُرسم المنطقة بحسب مع تريده واشنطن، ولم يزل النظام الدولي يرسم أطره العامة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline