خديجة مسروق: الضحية والجلاّد قراءة في رواية “امرأة عند نقطة الصفر” للكاتبة نوال السعداوي
تاريخ النشر: 30th, July 2023 GMT
خديجة مسروق عُرفت نوال السعداوي بكتاباتها المناهضة لثقافة المجتمع الذكوري, في نظرته للمرأة ومعاملته لها, التي تراها معاملة تتصف بالفوقية و التعالي , في علاقة الرجل بالمرأة . تمثل نوال السعداوي نموذجا من النساء اللواتي عانين من القهر الاجتماعي في طفولتهن, كما تذكر في كتاباتها. أثر ذلك على حياتها, فتوشحت كتاباتها عن المجتمع الشرقي بوشاح سوداوي , تتهم فيها الرجل باحتكاره للمركزية.
يسلب المرأة حقوقها ويمارس عليها سلطته, حتى تظل هامشا, لا تنازعه في المطالبة بمكانها داخل المركز . تقول نوال السعداوي , بأن المرأة ليست ملاكا طاهرا, و ليست شيطانا ماكرا ,أو لغزا غامضا .المرأة إنسان كامل الأهلية مثل الرجل , ويحق لها أن تكون مسؤولة عن حريتها. رواية امرأة عند نقطة الصفر , تصور فيها السعداوي المجتمع الذكوري المريض بعقدة التملك. تراه يجعل من المرأة أداة طيّعة في يد الرجل, يحرمها من أبسط حقوقها. العنوان يلخص درجة الاحباط التي وصلت إليها بطلة الرواية, لما لقيته من اضطهاد داخل مجتمعها. القصة التي تضمنتها الرواية واقعية ,سمعتها الكاتبة من إحدى السجينات خلال فترة عملها , كطبيبة نفسية بأحد السجون المصرية في سبعينيات القرن العشرين. محكوم عليها بالإعدام . أضفت السعداوي على القصة كثيرا من مخيلتها , التي تعالقت مع واقعها الذي عاشته , و الذي عرفت فيه مختلف صور القمع و العنف و التهميش , وهذا ما كانت تصرح به في كثير من المناسبات . فردوس بطلة الرواية , قبل أن يصدر حكم الإعدام عليها , أعدمها المجتمع منذ كانت طفلة صغيرة , جعلها كتلة من الأحقاد , ناقمة على كل الرجال ‘ كنت أبصق على وجه الجريدة , من يراني أبصق على الوجه يظنني أعرف الوجه بالذات , لكن لم أكن أعرفه ‘ ص 19. تعرضت فردوس للاغتصاب و هي طفلة صغيرة , من طرف عديد من الذكور ,عمها و ابن الجيران و غيرهما . تحكي عن مجتمعها الذي يتحدث عن الشرف و هو فاقد للشرف .تحكي عن تجربة الختان التي أُخضعت لها . تركت تلك الحوادث في نفسها شرخا عميقا. بعد موت والديها يأخذها عمها معه إلى القاهرة .يلحقها بالتعليم , و تتحصل فيما بعد على شهادة الثانوية . كانت زوجة عمها الشيخ الأزهري, ترفض إقامتها معهم في البيت . أرغمها عمها على الزواج من قريب زوجته الستيني العليل . أذاقها كل أنواع القهر .كان بخيلا أنانيا , يضربها ضربا مبرحا و يحرمها من الأكل . لم تجد غير الشارع ملاذا تهرب إليه . ظنا منها أنه الملاذ الآمن .لكنها تصطدم بذئاب و ثعالب و كلاب ووحوش بشرية ضارية ,أشد شراشة من الذين عرفتهم . وجدت الشارع على اتساعه لا يختلف عن العالم المحدود الذي كانت تعيش فيه . أي انتقام يراودها ؟ , فيطفيء النار التي تشتعل بداخلها ‘ و لأن كل رجل عرفته ,أردت أن أرفع يدي في الهواء عاليا , ثم أهوي بها على وجهه ‘ ص 18. كان أبوها في الشتاء ينام في غرفة دافئة , و يتركها تنام في الصقيع ,كان يأكل حتى يشبع , و يترك لها الفتات . كان حين تموت إحدى بناته يأكل عشاءه و ينام , و حين يموت الولد يضرب أمها كثيرا , ثم ينام بعد أن يتعشى . فردوس لم تذق طعم عطف الأب و لا حنان الأم .لم تنس مافعله عمها حين استباح حرمتها وتعدى على شرفها .و القهر الذي تلقته من زوجها لا يبرح مخيلتها , حين كان ينام على السرير و يتركها تنام على الأرض, وكان يعنفها حين تطلب الأكل .يأكل هو و يتركها جائعة . اشتغلت فردوس مومسا ,يأتيها الذكور من مختلف الطبقات الاجتماعية , الحاكم و الوزير و الأمير و الصحفي . المثقف و الجاهل لا فرق بينهما حين يكونان بين أحضان فردوس المومس .يمارسون الرذيلة بالليل, و بالنهار يلتحفون لحاف التقوى و الشرف و الوطنية . لما أرادت فردوس تلبية نداء القلب , اكتشفت أن الحبّ أكبر كذبة يتبناها الرجال للضحك على أذقان النساء . عرفت أن النساء كلهن مخدوعات باسم الحبّ . تعرفت على ابراهيم , زميلها الموظف الذي كان يدافع عن الفقيرات و المحرومات , اللواتي ظلمهن المجتمع . قررت أن تكون شريفة ,عملت باحدى الشركات سكرتيرة . أحبت ابراهيم الذي أشعرها أنه يبادلها نفس المشاعر, لكنها اكتشفت أنه لا يختلف عن بقية الذكور ‘ رأيت الناس يهرولون في الشوارع إلى كذبهم و نفاقهم , ولمحت الصحف مرفوعة في الأكشاك بالعناوين الكاذبة و أعلام الزيف ‘ ص 69 فردوس تقول بما تراه حقيقة صادقة , الإجرام يحتاج إلى ذكور . الجميع مجرمون , بما فيهم الأب و الأعمام و الأخوال ,و الأزواج و القوادون , المحامون و الأطباء , والصحفيون و الموظفون و جميع االرجال من جميع المهن . أدركت أن الرجل لا يعترف بقيمة المرأة , إذا لم تحدد قيمتها بنفسها . تحت لذة الشعور بالانفصال عن الكون والتحرر من التبعية , تستمع لصوت احتجاح بداخلها , يدعوها أن تحدث شيئا ما ,أن تغير واقعها . فردوس تقتل آخر رجل يعترض طريق حريتها . اختارت الموت على أن تظل رهينة المجتمع الذكوري الظالم . امرأة عند نقطة الصفررواية نقدية . . توجه فيها السعداوي نقدها للمجتمع العربي , و للرجل الشرقي , و للمؤسسة الدينية , التي مثلها الإمام الأزهري عمّ فردوس . الذي كان يرتدي عباءة الدين . لكن القول شيء و الفعل شيء آخر . ظلم ابنه أخيه , و استغلها يتزويجها لشيخ هرم , وأخذ مهرها ليسدد ديونه . تصور الضرر الذي يلحق بالمرأة بسبب العادات و التقاليد . فالمجتمع الشرقي مسيّج بمجموعة من التقاليد , تدفع بالأسر إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة , و لا يهم من يكون الزوج .و لايهم رأي البنت . المهم التخلص منها . تنتقد سلبية المرأة , برضوخها للرجل و امتثالها لسلطته , حين تقول فردوس ‘ لم تكن أمي في الشتاء تدفئني , كانت تدفئ أبي , و بالصيف أراها جالسة عند قدميه و في يدها بوز تغسل , ساقيه بالماء البارد ‘ ص 22. و كأنها تتهم المرأة بأنها هي التي صنعت المجتمع الذكوري . تجعل المرأة هي الحلقة الضعيفة في المجتمع الذكوري , المغلوب على أمرها , يمارس الرجل قوته وجبروته عليها . ويظهر رفضها بوضوح الخضوع لأية مؤسسة ,أو أي نوع من الانتماء . أعطت السعداوي صورة سلبية عن الرجل في المجتمع الشرقي جعلت المثقف و الجاهل, والملتزم العلماني في درجة واحدة . فهم جميعا بالنسبة لها ذكور و ليسوا رجالا. شخصت في روايتها امرأة عند نقطة الصفر, الواقع الاجتماعي من منظورها الخاص ,انطلاقا من معطيات ذاتية , بدت فيها ناقمة عن المجتمع. تناولت ظاهرة العنف ضد المرأة, و تعرضها لمختلف أنواع الظلم , كالضرب و الاعتداء الجنسي . صورت المرأة ضحية تمثل الطرف الأضعف في المجتمع , و الرجل جلادا , المتسبب الرئيس في المآسي التي تحدث لها. للاشارة تجربة حياة فردوس تتقاطع مع تجربة حياة نوال السعداوي .. وبذلك نقلت صورة صادقة عن الواقع كما عاشته هي و بطلتها , فتميزت روايتها بالصدق الفني , تعبر عن تجربة شعورية حقيقية .. الجزائر
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
تأجيل محاكمة صاحب مجمع “إفرساي” الذي نصب على المواطنين قرابة 100 مليار
أجل رئيس الغرفة الجزائية الأولى لدى مجلس قضاء الجزائر اليوم الأربعاء، إلى جلسة 26 فيفري المقبل. محاكمة أخطر نصاب بالعاصمة الذي راح ضحيته قرابة الف شخص.
المتهم الموقوف صاحب المجمع الوهمي افرساي الجزائر” المدعو ” ب.عبد الله ” المكنى ” باندي” القاطن بولاية تلمسان. حيث يتابع في نفس القضية المتهمة الفارة زوجته السابقة المسماة ” ح.ريمة”. ومتهمين إثنين غير موقوفين ويتعلق الأمر بالمسماة ” ق.خلود” والمتهم المدعو ” ز.محمد”،
وتأتي برمجة القضية استئنافا للأحكام الابتدائية التي أصدرتها محكمة الجنح ببئر مراد رايس شهر نوفمبر الفارط حيث أدانت المتهم الرئيسي ” ب.عبد الله” ب10 سنوات حبسا وغرامة مالية قدرها 2 مليون دج. كما تقاسمت نفس العقوبة المتهمة الفارة زوجته السابقة المسماة ” ح.ريمة” مع تثبيت أمر بالقبض الصادر ضدها .
فيما تم إدانة بقية المتهمين بعقوبات تراوحت بين 4 سنوات و عامين حبسا نافذا مع الأمر بمصادرة جميع الأموال النقدية والمنقولة من عتاد ومركبات. بما فيه الأموال المتواجدة في الحسابات البنكية المحجوزة.
وفي الدعوى المدنية الزمت المحكمة المتهمين المدانين بأداء تعويضات مالية متفاوتة للضحايا حسب الضرر اللاحق بكل واحد منهم
ويتابع المتهمون السالف ذكرهم بجنحة النصب الموجه للجمهور وجنحة تبييض الأموال وجنحة ممارسة عمليات مصرفية بدون رخصة. جنحة ممارسة تجارة خارجة عن موضوع السجل التجاري، بالاضافة الى جنحة عدم الفوترة.
وكشف التحريات في ملف الحال أن المتّهم الرئيسي تمكن من جمع ثروة خيالية قاربت 100 مليار سنتيم، باستعمال المجمع الوهمي ” أفرساي الجزائر” الذي يعرض خداماته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاصطياد أكبر عدد ممكن من الضحايا. من خلال الادعاء أنه شركته تمنح الحرية المالية لزبائنها، وتمكنهم من تحقيق أرباح كبيرة.
كما تم التوصل في اطار التحقيق أن المتهم نصب على زبائن المجمع ” الوهمي أزيد من 160 مليار سنتيم، بعد إيهاهم بجني فوائد تصل إلى 15 بالمائة عن طريق صيغتي الصيغة الإسلامية والتي الذي تنص قاعدته التجارية أن الشريك هو من يتحمل الخسارة، أما الصيغة الكلاسيكية فتنص على ان الشركات هي من تتحمل الخسارة والربح معا، الامر الذي ساعد المتهم من جمع ثروة خيالية عجز عن قراءتها المحققون.
حيث تمكنت مصالح الأمن التي أنجزت الملف، من حجز مبلغ مالي يقدر بـ 5 ملايير سنتيم قارب نزهة ” يخت” بقيمة 10 ملايير و700 مليون، بالاضافة الى 11 سيارة فخمة بشقتيه الكائنتين بحي حيدرة و ” كاستول” ولاية وهران .
ولدى استجواب المتهم الرئيسي”ب.عبد الله عبد القادر” تضاربت تصريحاته أمام القاضي ولم يستطع تبرير الأفعال التي ارتكبها في حق جمهور غفير تقدم إلى مؤسسته بنية الاستثمار في أمواله وممتاكاته.
معترفا بالجلسة بأن مجمعه ” ايفرساي” تحول من مؤسسة ذات المسؤولية المحدودة ، إلى مجمع ذي أسهم، ” groupe evrssay Algérie من خلال استحداث شركات وهمية خاصة بالاستيراد والتصدير ، والترقية العقارية
قبل ان تكشف المتهمة غير الموقوفة ” ق.خلود” رئيسة مصلحة تجارية، والمكلفة بالاشهار لخدمات المجمع ” الوهمي” “ايفرساي” على مواقع التواصل الاجتماعي ” فايسبوك ” ” استغرام ” ،”تيكتوك “، كشفت في معرض تصريحاتها أن المعني كان يتسلم أموال ضخمة بداخل أكياس كبيرة الحجم حيث قاربت اجمالا ال200 مليون سنتيم في اليوم الواحد ، مصرحة المتهمة بأن المعني كان يقوم باخفاء تلك الاموال قي شقته بحي حيدرة بالعاصمة. ناكرة في نفس الوقت علمها بأن نشاط الشركة غير قانوني، نكرانا قاطعا.