د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء

لقد ظل تشييد الاتحاد المغاربي مطلبا يقترب إلى الطوبى أكثر منه إلى الحقيقة، يعكس رغبات وأحلام الخيال الجمعي المغاربي ولا يعدو كونه شعارا سياسويا يضفي عليه الكثير من الأشياء التي لا تصب في صلبه.

إن بناء الاتحاد المغاربي، الموحد سياسيا والقوي اقتصاديا يتطلب تحولا في الفكر والعقليات وضرورة الايمان الصادق بوجاهة هذا المشروع، ولا يمكن تحقيقه تلقائيا او فقط بالدعوة إليه، بل يجب أن نستشرف المستقبل وطرق التسيير والتخطيط، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن علم المستقبليات كعلم قائم بذاته، يتعامل مع المستقبلات (Les Futurs) وليس مع المستقبل، ويعتمد على السيناريوهات والاحتمالات وعلى التيارات الكبرى (Tendances Lourdes)، وينطلق من دراسة للواقع والمعطيات الحالية لاستشراف ما يمكن أن تؤول إليه مستقبلا.

إن العالم يسير نحو الاتحادات والتكتلات، ولا مجال للكيانات القزمية، والعولمة تتطلب التعامل مع كيان مغاربي موحد.

تشير العديد من الدراسات الاقتصادية إلى أن «اللامغرب» يكلف البلدان الخمس خسارة بالنسبة للمبادلات التجارية بملايير الدولارات، فيما يتسبب عدم تفعيل مؤسسات الاتحاد في تضييع ما يقارب 2 إلى 3 نقطة نمو سنويا.

على أرض الواقع لا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المشكلة للاتحاد سوى 2 في المائة من قيمة معاملاتها الخارجية، وهو الرقم الأضعف في العالم إذا نظرنا إلى حجم المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي أو بلدان جنوب شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية.

إن بناء هذا الصرح، لن يتحقق إلا بتوفير سبل الجهوية في بلدانه الخمس، إذ شهدت الدولة الحديثة تغيرا في مستوى أسلوب ونمط اشتغالها المؤسساتي من تسيير سياسي يعتمد على مركزة السلطة، إلى ممارسة سياسية جديدة تدار بواسطة بنيات عملية ذات تمثيل ذاتي، تمنح لها الوثيقة الدستورية صلاحية ممارسة التشريع محليا، مع اعتماد أسلوب التسيير الذاتي والمالي المستقل.

وتعتبر الدينامية الداخلية للتطور أن عملية البناء الجهوي لا يمكن فصلها عن عملية البناء الوطني الدولتي، لذا فهي مرتبطة بإقامة حكومة ديمقراطية وترسيخ مسلسل اللامركزية الترابية وتحديث آليات عمل الدولة، وإلى تحولات فكرية وايديولوجية.

ولتكن لنا من التجربة الإسبانية خير دليل على الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي، فقد حققت دولة الجهات في اسبانيا تطورا وتنمية شاملة بالمجتمع الاسباني. إن شعار مهندسي الدولة الاسبانية الحديثة التي تضمنها دستور 1978 وطورته القوانين التنظيمية اللاحقة، كان يؤكد على الشعار التالي: «التنمية المحلية أساس التنمية الوطنية، والتعددية الوطنية أساس الدولة الوطنية».

ويجب إعادة هيكلة الأجهزة على قاعدة مبادئ تستمد مقوماتها من القيم الجوهرية للحكامة، مع ضرورة الانتباه إلى أن صناع القرار بأغلب الديمقراطيات العريقة التي استقرت فيها أركان الدولة، يعتبرون أن الحكم هو البرمجة، بما يعنيه ذلك من رسم للاستراتيجيات وفق برنامج زمني لا تخطئ ساعته مواعيدها.

كما يجب علينا أن نزرع ثقافة الثقة بين مختلف المكونات المغاربية، ويجب بناء العنصر البشري المغاربي لأنه يعتبر هدف العملية التنموية وهو شرط مقوم لحصولها، ويجب أن ننتصر لخيار الوحدة، ما دمنا نتوفر على البنيات الاستقبالية لتدعيمه: «وحدة اللغة والدين والتاريخ المشترك».

ويجب تحويل «المغاربية» Maghrebinité من مجرد شعار إلى ضرورة مجتمعية، مع العلم أن التحولات مجهود بيداغوجي طويل الأمد تشارك فيه كل أطياف المجتمع، لأن التكتل المغاربي لا يستمد مقوماته من الآليات والمناهج فقط وإنما يحتاج الى خلفية فكرية وسياسية ترسم الأهداف والغايات والآفاق… كما يجب على النخبة المثقفة المغاربية أن تحاول تفسير وفهم تمثلات الجماهير المغاربية للاندماج المغاربي، وتحاول الإجابة عن السؤال المحوري: لماذا هذا الغموض والاضطراب والالتباس على مستوى الفكر والتصور لبناء أفق مغاربي كبير وموحد؟ أيعود ذلك الى ما سماه عبد الله العروي «غياب الأدلوجة»؟ باعتبارها ما يستوعبه المواطن ويترجمه بعد حين إلى ولاء فيعطي بذلك ركيزة معنوية قوية للدولة.

إنه للحديث عن وجود أدلوجة دولتية ldéologie étatique لابد من وجود قدر معين من الإجماع العاطفي والوجداني والفكري بين المواطنين، هذا الإجماع – الذي نراه نحن مغاربيا- وليد التاريخ وفي نفس الوقت تعبيرا عن مصلحة حالية. إلى أي حد يمكن تحقيق هذا الشرط؟ أو بالأحرى ما مدى تمكن النخبة المغاربية من تحقيق هذا الشرط الإيديولوجي الموحد بالنسبة للدول المغاربية؟

إن النخب تلعب دورا كبيرا في حياة مجتمعاتها، فالقرارات التي تشارك في صنعها، والسلوك الذي تنتهجه في إصدار هذه القرارات وفي تنفيذها، يؤثر تأثيرا كبيرا في صناعة تاريخ المجتمعات وتحديد مسارها.

إنها كما حددها «Raymond Aron» تلك الأقليات الاستراتيجية التي توجد في مواقع استراتيجية من المجتمع، وتتحكم في السلطة ليس فقط داخل مجالها الخاص، ولكن أيضا في مجال القضايا العامة.

بناء على ذلك كان من الطبيعي أن تتوافر لكل مجتمع من المجتمعات، بغض النظر عن درجة نمائه وتطوره، نخبة تحظى بأهمية كبرى على مستوى قيادة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

إن هذا يدعونا إلى البحث في موضوع القرار العام، لأنه من أهم الإشكالات التي أصبحت تثير اهتمامات البحث في مجال علاقة السلطة السياسية وبنية النظام السياسي.

إن الرهان سيكون على اللحظة التي تشكل قطيعة مع الجيوسياسة الميتافيزيقية التي ترتكز على الأوهام وإذكاء النعرات، وتضخيم الأنا وتمجيد الذات وتهديد السيادة والجري وراء سراب الزعامة الاقليمية.

إننا بحاجة للعمل على مفهوم «العمل المشترك» الذي يستمد مقوماته من الجيوسياسة الواقعية، والذي تطبع لغته ومقاصده، مقومات من قبيل التدرج في البناء، والواقعية في الإنجاز والاعتراف المتبادل بسيادة كل دولة وسلامة أراضيها.

إن لنا موعدا مع الزمن، يجب ألا نخطئه، والتاريخ فرص تستغل أو تهدر، وليس مجرد وقت يمر، وموقفنا المشترك وحده يصنع قوتنا…

المصدر: مراكش الان

إقرأ أيضاً:

شرطة أبوظبي تنظم مجلس “درب السلامة.. مسؤولية مجتمعية”

نظمت القيادة العامة لشرطة أبوظبي بالتعاون مع مجالس أبوظبي بمكتب شؤون المواطنين والمجتمع بديوان الرئاسة جلسة توعوية حوارية بعنوان (درب السلامة.. مسؤولية مجتمعية) وذلك في مجلس مفلح عايض الأحبابي بمنطقة الخبيصي بمدينة العين بحضور عدد من أفراد المجتمع .

وأكد العميد الدكتور حمود سعيد العفاري مدير إدارة الشرطة المجتمعية اهتمام شرطة أبوظبي بتنظيم الجلسات التوعوية لدورها في تبادل المعارف والمسؤولية المشتركة بين رجال الأمن وأفراد المجتمع ومؤسساته وذلك ضمن تعزيز منظومة الوعي المروري والأمني لدى الجمهور.

وتحدث في المجلس المقدم ناصر عبدالله الساعدي رئيس قسم الإعلام الأمني في إدارة الإعلام الأمني مؤكدًا اهتمام شرطة أبوظبي بتنفيذ (حملة درب السلامة 2) لتعزيز سلوكيات السائقين بالإمارة لبلوغ أعلى مستويات السلامة المرورية وتتضمن العديد من الأنشطة والفعاليات والمحاضرات والبرامج الهادفة إلى الوصول إلى أكبر شريحة من السائقين عبر مختلف وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي والمجالس.

وأوضح أن الحملة تأتي ضمن اهتمام وحرص القيادة الشرطية على تعزيز وعي المجتمع من سائقين ومستخدمي الطريق بقوانين وقواعد وأنظمة المرور ضمن الأولوية الاستراتيجية وهي أمن الطرق والتي تركز على تطبيق لوائح السلامة المرورية وزيادة الثقافة المرورية، وخفض عدد الحوادث المؤدية للوفيات والإصابات البليغة.

وعرض فيديوهات لمشاهد حقيقية لحوادث في إطار محاور حملة (درب السلامة 2) منها عدم التوقف في وسط الطريق واهمية ترك مسافة أمان كافية، وحث على ضرورة عدم الانشغال بغير الطريق والتركيز التام أثناء القيادة مما يعزز الانتباه لأي اشعارات بخصوص الأعطال المفاجئة في المركبة والتصرف في الوقت المناسب وبصورة آمنة، موضحًا أن عدم الانتباه في هذا الموقف تحديدًا قد يتسبب في وقوع حوادث مرورية تؤدي في أغلب الأحيان إلى الوفيات والإصابات البليغة.

ولفت إلى أهمية الانتباه من خطورة القيادة في مسار التجاوز، مؤكدًا أهمية إفساح الطريق للمركبات القادمة من الخلف، والالتزام بالمسار الأيمن عند القيادة بسرعات بطيئة، والحرص على القيادة الآمنة وعدم تجاوز المركبات التي تسير بالأمام من ناحية اليمين لأن التجاوز بهذه الطريقة يشكل خطورة كبيرة ويتسبب في وقوع حوادث مرورية أليمة قد ينتج عنها وفيات وإصابات بليغة.

وحذر السائقين من مخاطر الانشغال عن القيادة بسبب استخدام الهاتف لتصفح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو إجراء مكالمة، أو التقاط الصور، وغيرها لافتًا إلى أنها تعد من السلوكيات التي قد تؤدي إلى وقوع الحوادث المرورية الجسيمة.

وحث السائقين على الاستفادة من خاصية الإشعارات العاجلة عبر تطبيق شرطة أبوظبي على الهواتف الذكية، حيث تعمل على تنبيههم أثناء الأحوال الجوية المتقلبة مثل الأمطار والضباب والأتربة والغبار وفي حالات الازدحام المروري مشيرًا إلى أن الهدف من الإشعارات لتعزيز سلامة السائقين، حيث يتوجب عليهم فور تلقي الإشعارات الالتزام بقيادة المركبة وفقًا للسرعة التي يتم تحديدها على طرق إمارة أبوظبي في أوقات تغير الطقس واختيار الطرق البديلة في وقت مبكر في حالات الازدحام المروري.

وأوضح أن السرعات تتغير مع تغير الأحوال الجوية ويتوجب خفضها في الظروف الجوية المتقلبة مؤكدًا أهمية ترك مسافة أمان كافية، وتجنب الضغط الفجائي على الفرامل ومتابعة النشرة الجوية وإشعارات التطبيق الذكي للاطلاع على أحوال الطقس والتقيد بالتعليمات الوقائية.

واستعرض المقدم فواز عبدالحق البلوشي مدير مركز المعلومات والرصد بإدارة المعلومات الأمنية سياسة أمن المعلومات والحماية السيبرانية، وتبادل المعلومات وكيفية التعامل مع وسائل التصيد والبريد المشبوهة والآثار الناتجة عن النصب والاحتيال بأشكالها وأنواعها المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية مؤكدًا أهمية إعداد الأمان للحسابات الشخصية لتفادي الجرائم الإلكترونية وعمليات الاختراق.

ونصح الجمهور بضرورة عدم التجاوب مع الأرقام الهاتفية الغريبة والمحافظة على سرية المعلومات البنكية وبيانات البطاقات الائتمانية وإبلاغ الشرطة فور استقبال اتصال هاتفي غريب أو رسالة مريبة، وحذر من الطرق الاحتيالية عبر الانترنت واستخدام المحتالين أساليب مثل الإعلانات الالكترونية وايهام الضحايا بالحصول على أرباح خيالية لافتًا إلى ضرورة عدم التعامل مع المتاجر الإلكترونية الوهمية وغير الموثوقة التي قد تقوم باستدراج العملاء لعمليات نصب من خلال سرقة أموالهم عبر بطاقاتهم المصرفية أو حساباتهم البنكية واستخدام أساليب مختلفة للاحتيال الإلكتروني .

ودعت شرطة أبوظبي الجمهور في حالة النصب التوجه الى أقرب مركز شرطة أو استخدام التطبيق الذكي للقيادة العامة لشرطة أبوظبي – خدمة مركز الشرطة في هاتفك، وفي حالة العمليات الاحتيالية او المشبوهة سرعة التواصل مع أمان على رقم 800 2626 أو عن طريق إرسال رسالة نصية 2828 أو عبر البريد الالكتروني (aman@adpolice.gov.ae) تعزيزًا لجهودها في مواجهة هذه الأساليب الاحتيالية ووقاية المجتمع من مخاطرها.

وأشاد الحضور بمبادرات شرطة أبوظبي الحضارية والهادفة من خلال تنظيم المجالس والتي نجحت بشكل كبير في نشر الوعي الأمني والمروري، وتعزيز الشراكة بين المجتمع والشرطة، والمحافظة على مكتسبات الأمن والاستقرار وعززت الجهود الريادية في توعيتهم وتثقيفهم بأهمية الحذر من النصب والاحتيال وتعريفهم بالخدمات المتطورة والتي تستعين فيها شرطة أبوظبي بأحدث تقنياتها المتطورة كما أسهمت بدور متميز من خلال حملة (درب السلامة2 ) في تعريفهم بخطورة السلوكيات السلبية والتي أدت لوقوع الحوادث المرورية مؤكدين الحرص على التعاون مع الشرطة في توعية اهاليهم وأقاربهم السائقين ومستخدمي الطريق وخصوصًا من فئة الشباب لحمايتهم من الآثار الناجمة عن وقوع الحوادث المرورية .


مقالات مشابهة

  • "التعليم العالي": التطوير في ملف التعليم العالي كان ضرورة ملحة لدى الدولة
  • وكيل زراعة الشيوخ: التوسع في التصنيع الزراعي ضرورة ملحة
  • شرطة أبوظبي تنظم مجلس “درب السلامة.. مسؤولية مجتمعية”
  • شرطة أبوظبي تنظم «درب السلامة.. مسؤولية مجتمعية»
  • خالد خلاف يكتب: أشرف صبحي وتجربة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص
  • أحمد ياسر يكتب: نافذة فرص الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط
  • شرطة أبوظبي تنظم مجلس درب السلامة.. مسؤولية مجتمعية
  • أشرف غريب يكتب: ذهب «عون» وجاء آخر
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: تأسيس الجمهورية الجديدة
  • موقع روسي: مقترح انضمام أرمينيا للاتحاد الأوروبي مجرد دعاية للسلطة