صوت “الفيتو” هز ثقة العالم بمجلس الأمن والمنظمة الدولية: لماذا ترفض أمريكا منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؟
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
رغم الإجماع الدولي الذي تشكل خلال الشهور الستة الماضية من 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة لتأييد “حل الدولتين” في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي إلا أن محاولة السلطة الفلسطينية الانتقال بالمواقف الدولية من خانة الأقوال إلى الأفعال بمنح الدولة الفلسطينية العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، كشف النوايا الخفية التي لم تكف عن استغلال معاناة الشعب الفلسطيني في غزة لصالح مشروع التطبيع الذي تريده أن يكون قاطرة التفاوض على “حل الدولتين».
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله
قرار السلطة الفلسطينية بتجديد طلبها إلى مجلس الأمن لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بدلا من صفة “مراقب” التي حصلت عليها العام 2012، كان خطوة سياسية فائقة أربكت الفاعلين الدوليين بملف السلام في الشرق الأوسط، بعدما سعت لاستثمار تحولات دولية منحت للمرة الأولى فلسطين فرصة الحصول على اعتراف من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإزالة عقبات وتحفظات طالما وضعتها 57 دولة لم تعترف حتى اليوم بالدولة الفلسطينية.
جاء القرار بعد 13 عاما من طلب مشابه كان الرئيس الفلسطيني قدمه إلى الأمم المتحدة عام 2011 وأثمر عن القرار 19/67 الصادر عام 2012 بمنحها العضوية بصفة “مراقب».
كل التقديرات كانت تشير إلى أن إحياء السطلة الوطنية الفلسطينية لهذه الخطوة جاء بالتوقيت المناسب وسط مظاهر سخط عالمي تجاه مجازر الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه في أن يكون له دولة مستقلة ذات سيادة يمكنها توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وحقوقه بتحرير أرضه من الاحتلال ومواجهة سياسة الضم والاستيطان وتفعل الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف حروبها ومجازها في الأراضي المحتلة، ومواجهة أي ترتيبات قسرية تسعى لفرضها في تسويات ما بعد حربها البربرية في قطاع غزة.
والطلب الفلسطيني بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وجد لطريق سالكة هذه المرة كونه دعا مجلس الأمن لتنفيذ ما يقتضيه الإجماع الدولي بشأن “حل الدولتين” وهو ما ساهم بقبول المجلس الطلب وشروعه بإجراءات المراجعة والإحالة إلى اللجنة الأممية المعنية التي أفصحت عن تأييد ثلثي أعضائها (11 عضوا) للطلب.
أملت السلطة الوطنية الفلسطينية بتمرير الطلب عبر مجلس الأمن، في ظل المواقف الدولية المؤيدة لتأسيس مسار جديد لتنفيذ أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الهادفة إلى إرساء “حل الدولتين” خصوصا بعد أن أبدت كثير من الحكومات الغربية رغبتها في النأي بنفسها عن الحرب الإسرائيلية الوحشية في قطاع غزة.
وكل التوقعات كانت تشير إلى إمكانية أن يحظى مشروع القرار الأممي بالموافقة قبل أن ينتقل إلى الجمعية العامة، غير أن القرار توقف على طاولة مجلس الأمن باستخدام واشنطن حق النفض “الفيتو” بعد أن استنفذت كل وسائلها وضغوطها السياسية والدبلوماسية لإجهاض وصول القرار إلى مجلس الأمن أو عدم حصوله على الأصوات اللازمة لتمريره، كما فعلت مع الطلب الذي قدمته السلطة الفلسطينية عام 2011 وجوبه بإعتراض أميركي منح فلسطين صفة “مراقب».
مبررات واهية
من بين المبررات التي ساقتها الإدارة الأميركية هو معارضتها “لأية تدابير أحادية الجانب من شأنها أن تقوض حل الدولتين وتأييدها لمسار مفاوضات مباشرة بين الطرفَين المعنيين والمضي بقاطرة التطبيع بما يقود إلى اتفاق يضمن دولة فلسطينية وأمن إسرائيل فضلا عن رؤيتها بأن “فلسطين أثبتت هذه المبررات بدت أشبه بذرائع ومناورات أنتجت في الواقع موقفا أمريكا مهزوزا وصفته السلطة الفلسطينية بأنه “غير نزيه وغير أخلاقي وغير مبرر” ويكشف تناقضات السياسة الأمريكيّة التي تدعي من جانب أنها تدعم حلّ الدولتين بينما تمنع المؤسسة الدولية من تنفيذ هذا الحل».
أكثر من ذلك أن “الفيتو” الأميركي لم يربط مسألة حصول فلسطين على العضوية الكاملة بـ”حل الدولتين” بل ربطه بالمفاوضات المباشرة مع دولة لاحتلال وملف التطبيع، في مسار وضعت فيه الحق القانوني للشعب الفلسطيني تحت رحمة دولة الاحتلال التي تعلن بصورة دائمة أنها تقف على الضد تماما من مساعي قيام دولة فلسطينية، بل واستعدادها لمنع قيام دولة فلسطينية مستقبلا.
زاد من وهن الموقف الأمريكي أنه انتهك -من حيث لا يدري- قرار التقسيم الصادر عام 1947 الذي تحدث عن دولة فلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية، وهو القرار الذي قامت دولة الاحتلال على أساسه وربط الاعتراف بالدولة العبرية وشرعيتها بالموافقة على قيام الدولة الفلسطينية وتنفيذها القرار 194 المتعلق بعودة اللاجئين.
كما انتهك بالمقابل التأييد الواسع النطاق في مجلس الأمن لقيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب داخل حدود آمنة معترف بها دوليا، وهي الرؤية التي اقتربت كثيرا من التعبير عن مطالب الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه التاريخية بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة في جميع الأراضي التي احتلها الكيان الإسرائيلي في حرب 1967.
تغافل “الفيتو” الأميركي أيضا حقيقة أن الفلسطينيين يحظون بصفة “عضو مراقب” في الأمم المتحدة منذ العام 2012، وهو من الناحية القانونية اعتراف وإقرار من 140 دولة في العالم كلها اعترفت بتمثيل الدولة الفلسطينية بالمنظمة الدولية استنادا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في العام نفسه، يضاف اليها دول مثل إسبانيا وإيرلندا ومالطا وسلوفينيا التي أعلنت مؤخرا في بيان مشترك أنها ستعمل من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية عندما “تصبح الظروف مناسبة».
والموقف الأميركي كان محرجا حتى للإدارة الأميركية، إذ أن مساعي السلطة الوطنية الفلسطينية تجديد الطلب بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كانت متسقة مع المبادرة الأمريكية التي ظهرت بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ضمن تسوية سياسية إقليمية قائمة على أساس “حل الدولتين” في حين أن ما حدث كشف حقيقة النوايا الأميركية في استغلال الحرب العدوانية الوحشية في قطاع غزة بكل تبعاتها الإنسانية مقابل المضي بمشروعها القديم بدمج الكيان المحتل في المنطقة شرطا لتحقق “حل الدولتين».
حشر في الزاوية
على الرغم من تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم “حل الدولتين” إلا أن الضغوط الإسرائيلية أفلحت بنقله إلى مسار آخر، صب من أحد جوانبه في مصلحة السلطة الفلسطينية التي نجحت في الحصول على تأييد عالمي غير مسبوق بمطالبها بدولة مستقلة ذات سيادة، كما نجحت في تقديم الدليل القاطع بأن “العقبة الحقيقية الوحيدة المتبقية للاعتراف بالدولة الفلسطينية هو “الفيتو” الأميركي الذي جاء هذه المرة استجابة لضغوط اللوبي الصهيوني بداخل الولايات المتحدة.
وهذا الأمر أفصحت عنه بوضوح تصريحات نائب مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن روبرت وود الذي أعلن أن موقف واشنطن لم يتغير منذ العام 2011م، وأن الاعتراف بدولة فلسطينية يجب أن يتم في إطار مفاوضات واتفاق مع إسرائيل، وليس في الأمم المتحدة.
غير أن ما قدمته السلطة الوطنية الفلسطينية عبر ممثلها في الأمم المتحدة زياد أبو عمرو أمام مجلس الأمن وضع كل دول العالم أمام استحقاقات قانونية وأخلاقية وإنسانية، بعد أن أكد أن الشعب الفلسطيني وعلى مدى أكثر من قرن كان ضحية أحداث وقرارات دولية لم تكن من صنع يديه، وأن غاية ما يتوق اليه اليوم هو ممارسة حقه في تقرير المصير والعيش بحرية وأمن وسلام في دولة مستقلة أسوة بباقي شعوب العالم.
زياد أبو عمرو قدم خلاصات موثقة ودقيقة أحرجت الموقف الأميركي بتأكيد استعداد بلاده منذ عام 1988 لطي صفحة الصراع والجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، وتقديمها تنازلات تاريخية من أجل تحقيق السلام القائم على “حل الدولتين” بما يكفل قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الأممي رقم 194.
لم يغفل المندوب الفلسطيني الإشارة إلى الحجج الأميركية الواهية بتذكير أعضاء مجلس الأمن بتأييد المجتمع الدولي مبدأ “حل الدولتين” وتتويجه لهذا الموقف بقبول دولة فلسطين عضوا مراقبا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012، ومطالب الدولة الفلسطينية منذ ذلك التاريخ دول العالم بقبولها عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية باعتبار أن قرارا دوليا بهذا الشأن سيحمي حل الدولتين، ويجسد حق الشعب الفلسطيني المشروع في دولة مستقلة.
واقع جديد
يمكن القول إن انتقال الدولة الفلسطينية من صفة “مراقب” إلى العضوية الكاملة في الأمم المتحدة كان سيمثل انتصارا دبلوماسيا وسياسيا كبيرا في ملف القضية الفلسطينية خصوصا وهو جاء في وقت تستمر فيه العنجهية الإسرائيلية برفض الانصياع لقرارات الشرعية الدولية واستمرارها بانتهاك الاتفاقيات الموثقة دوليا بفرض السيطرة العسكرية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
يأتي ذلك مع ادراك العديد من الأطراف العربية والدولية أن حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه القانونية والإنسانية والتاريخية لن يتحقق بقرار أممي، فالكثير من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن لم تجد طريقها للتنفيذ منذ عشرات السنين، غير أن الإجماع الدولي على منح فلسطين اعترافا دوليا ناجزا وكاملا سيمنح فلسطين الوقود لجمع أوراق الضغط الدولي لحمل الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل من اجل الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية والاعتراف بفلسطين دولة مستقلة ذات سيادة.
وهناك مؤشرات عدة على إمكانية تحقق ذلك، فنسبة التصويت العالية التي حصل عليها مشروع قرار العضوية الكاملة لفلسطين في المنظمة الدولية، أفصحت عن قناعه دولية بان قيام دولة فلسطينية معترف بها دوليا يعتبر ركيزة أساسية لأي عملية سلام مستقبلية وركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة، وكشفت في المقابل عن تحولات كبيرة في الموقف الدولي تجاه السياسية الأميركية وتناقضاتها.
ولا يمكن إغفال أن “الفيتو الأميركي” لمشروع القرار الأخير أشاع موقفا شبه موحد لدى صناع القرار في العديد من عواصم العالم بأن السياسة الأميركية تمضي بلا هوادة في تعطيل فعالية مجلس الأمن الدولي ودور الأمم المتحدة كمنظمة لحفظ السلام في العالم.
آفاق المستقبل
بالنسبة للفلسطينيين لن يكون “الفيتو” الأميركي خط النهاية فالإرادة الفلسطينية لتحقيق هذا الهدف لن تتوقف في المستقبل، بعد أن صار هذه المرة معززا بتأييد واسع من المجموعة العربية في مجلس الأمن ومدعوما بصورة كبيرة من المجموعة العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي ومجموعة دول عدم الانحياز والغالبية الساحقة من دول العالم.
هذا التحول في تأييد المطالب الفلسطينية عبّر عنه بلهجة تحد ممثل الجزائر في مجلس الامن بالقول “سنعود أقوى وأكثر صخبا بدعم من شرعية الجمعية العامة والدعم الأوسع من أعضاء الأمم المتحدة، فإن هذه ليست سوى خطوة أخرى في الرحلة نحو العضوية الكاملة لفلسطين».
ولا شك أن هذه التوجهات ستضع دول العالم أجمع أمام مسؤولية اكتشاف ووضع مسارات جديدة لتحقيق سياساته وموافقه المعلنة المؤيدة لـ “حل الدولتين” في حين أن استعمال حق “الفيتو” لمنع الوصول إلى هذا الهدف سيفتح بلا شك الطريق لمعركة ديبلوماسية سياسية طويلة، سنتنصر فيها الإرادة الدولية.
وأمام السلطة الفلسطينية اليوم خيارات يمكن التحرك من خلالها لمواصلة جهودها في تحقيق هدف الحصول على الاعتراف الدولي الكامل بالدولة الفلسطينية أو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ومنها العمل لتحويل هذا الهدف إلى موضوع رئيسي في أي مفاوضات دولية بشأن القضية الفلسطينية، وكذلك حشد تأييد دولي لتعليق عضوية دولة الكيان في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل تصاعد الجرائم الوحشية تجاه الشعب الفلسطيني ورفض حكومة الاحتلال الانصياع للقرارات الأممية.
ولعل من الهمهم الإشارة إلى أن أمام السلطة الوطنية الفلسطينية اليوم فرصا جيدة لتحريك ملف “وثيقة الاعتراف المتبادل “ إلزام دولة الكيان العمل بها والمطالبة بالتزاماتها تجاه اتفاق أوسلو بما في ذلك الوحدة الجغرافية للضفة وقطاع غزة، ووقف النشاطات الاستيطانية في الضفة والقدس، والعمل أيضا على توسيع رقعة الدعم الدولي الرافض لقرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس باعتباره مخالفا لقرارات الشرعية الدولية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فرنسا الرسمية والشعبية ترفض التهجير القسري ومع حل الدولتين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعددت المواقف الفرنسية التى تؤكد على رفض تهجير الفلسطينيين واتساقها مع الرؤية التى تطالب بحق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة؛ وكذلك تبنت المواقف الفرنسية على تعددها الرؤية المصرية والعربية الرافضة للتهجير والإسراع بإعادة إعمار غزة؛ وتتجلى المواقف الفرنسية فيما أوضحه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى الثلاثين من مارس الماضى بأن فرنسا تدعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة مع رفض التهجير القسرى لأهالى القطاع، مُشدداً على رفضه التهجير القسرى للفلسطينيين.
وشدد الرئيس الفرنسى على ضرورة احترام إرادة مصر والأردن فى رفض تهجير الفلسطينيين، وأن تهجير الفلسطينيين يشكل خطرا على أمنهما القومي، وبأنه لا يمكن إخبار ٢ مليون فلسطينى أن عليهم ترك أرضهم والرحيل، فالشعب الفلسطينى له حقوق تاريخية أقرتها المعاهدات. وتتابعت المواقف الفرنسية فعلى هامش لقاء وزير الخارجية المصرى بدر عبد العاطى بالرئيس الفرنسى خلال الاجتماع الوزارى حول سوريا الذى عقد فى باريس يوم الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥، أكد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، دعم فرنسا لجهود جمهورية مصر العربية التى تهدف إلى دعم الأمن والاستقرار فى قطاع غزة، مشيرًا إلى تأكيده على ضرورة بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
وكذلك خلال اتصال هاتفى للرئيس الفرنسى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى فى يوم ٥ فبراير، حذر الرئيسان من أى تهجير قسرى للشعب الفلسطينى فى غزة أو الضفة الغربية المحتلة، ووصفا ذلك بأنه سيكون " غير مقبول"، ووفق بيان الرئاسة الفرنسية، اعتبر الرئيسان أن ذلك سيُشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولى وعقبة أمام حل الدولتين، وعاملا رئيسياً لزعزعة الاستقرار فى مصر والأردن.
على مستوى وزارة الخارجيةوفى فبراير عام ٢٠٢٤ استقبل الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الفرنسى حينها "ستيفان سيجورنيه"، حيث بحثا الحرب فى غزة، وسبل وقف إطلاق النار فى القطاع، وأعلنا رفضهما التام لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وأكدا أهمية الدور المحورى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأعلن وزير الخارجية الفرنسى تأييده الموقف المصرى الرافض؛ لتهجير المواطنين الفلسطينيين،
وفى مؤتمر صحفى مع وزير الخارجية المصرى فى ذلك الوقت " سامح شكري"، أعرب سيجورنيه عن رفضه تعرض سكان قطاع غزة المحاصر لأى "تهجير قسري" إلى شبه جزيرة سيناء شمال شرق مصر، تحت ضغط الحرب فى القطاع، وأنه يتفهم القلق والمخاوف بشأن التهجير القسرى لسكان غزة، مُشدداً على أن " موقف فرنسا ثابت فى هذا الصدد، إذ ندين ونرفض أى إجراءات تتخذ فى هذا الاتجاه".
حل الدولتينوعن الحلول المقترحة أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، فى يناير ٢٠٢٥ أن اقتراح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتوطين سكان غزة فى الدول العربية يتناقض مع مفهوم التعايش السلمى بين دولتين ذات سيادة، إسرائيل وفلسطين، والذى تدعو إليه فرنسا، واعتبرت باريس أن أيّ تهجير قسرى لفلسطينى غزة "غير مقبول".
وقال وزير الخارجة الفرنسى عبر أثير محطة راديو "سود": "تؤكد مصر والأردن دائماً أنهما ضد مثل هذا الحل، أما بالنسبة لفرنسا فنحن واثقون بأن تحقيق السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط يتطلب حل الدولتين، حيث تعيش فلسطين جنباً إلى جنب مع إسرائيل"، وإن تهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، إذا كان يمكن أن نسمى هذا على هذا النحو، يبدو لى غير متوافق مع هذا القرار".
كما أكدت وزارة الخارجية الفرنسية دعمها لرفض تهجير الفلسطينيين فى الخامس من فبراير الماضى ، موضحة أنه "يجب النظر إلى مستقبل غزة من منظور دولة فلسطينية مستقلة تحت رعاية السلطة الفلسطينية، وليس من منطلق سيطرة دولة ثالثة". وأعربت الوزارة عن معارضة فرنسا الشديدة "لأى تهجير قسرى للفلسطينيين من غزة"، مؤكدة أن مثل هذا الإجراء "سيشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولى وعقبة كبيرة أمام تحقيق حل الدولتين".
وشددت الخارجية الفرنسية على أن هذه المقترحات لا تهدد فقط فرص السلام فى المنطقة، بل تمثل أيضاً "عاملاً رئيسياً لزعزعة الاستقرار" لدى شركاء أوروبا المقربين، مصر والأردن، حيث أثيرت فكرة إمكانية نقل سكان غزة إليهما.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان فى بيان "فرنسا تكرر معارضتها لأى تهجير قسرى للسكان الفلسطينيين فى غزة، والذى من شأنه أن يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي، وهجوما على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ويعد أيضا عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وعاملا رئيسيا لزعزعة استقرار شريكينا المقربين، مصر والأردن، والمنطقة بأسرها أيضا".
من جهته؛ أعلن وزير خارجية فرنسا فى ٢٨ يناير ٢٠٢٥ بأن أى تهجير قسرى للفلسطينيين من قطاع غزة سيكون غير مقبول، وأضاف وزير الخارجية الفرنسي، أن فكرة توطين الغزيين فى دول أخرى لا تتوافق مع القرارات الدولية.
الموقف الفرنسى غير الرسمياتساقًا مع الموقف الفرنسى الرسمى الرافض لمقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، والداعم لحل الدولتين، جاء الموقف غير الرسمى ليعبر أيضًا عن ذلك الرفض، ويعتبر ما يحدث بمثابة إبادة جماعية، وانتهاك للقوانين والأعراف الدولية، وتقويض لحل الدولتين.
مؤشرات داعمةوهناك العديد من المؤشرات التى تبناها المجتمع الفرنسى على المستوى غير الرسمى لمساندة القضية الفلسطينية أو رفضًا لمسألة تهجير الفلسطينيين من غزة، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:
المظاهرات الطلابيةشكلت المظاهرات الطلابية التى اجتاحت العديد من الجامعات الأمريكية والأوروبية رفضًا لمقترح التهجير الذى طرحه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حيث نظم عدد من طلاب الجامعات الفرنسية فعاليات متعددة ما بين مظاهرات واعتصامات للمطالبة بوقف إطلاق النار فى غزة منها معهد العلوم السياسية بباريس، ومعهد الدراسات السياسية فى ليل، ومعهد الصحافة فى ليل، وجامعة جرونوبل ،وكذلك طلاب جامعة السوربون ففى مطلع مايو ٢٠٢٤ اعتصم عدد من طلاب السوربون فى مدرجات الجامعة لمساندة القضية الفلسطينية، ومطالبين إدارة الجامعة بقطع جميع علاقاتها الأكاديمية بمثيلاتها الإسرائيلية.كما هتف الطلاب المتظاهرون بشعارات تتهم الغرب بخيانة قيم العدل والديمقراطية والتورط مع إسرائيل فيما وصفوه بجريمة الإبادة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية.
تضامن الاحزابتتضامن العديد من الأحزاب الفرنسية مع القضية الفلسطينية وفى مقدمة تلك الأحزاب اليسارية حزب فرنسا الأبية، الذى يدعو إلى وقف إطلاق النار فى غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية،ويساند عبر ممثليه داخل البرلمان الفرنسى مسألة حل الدولتين، ويرفض مقترح التهجير، ففى ١٧ فبراير ٢٠٢٥ أكد عضو البرلمان الفرنسى عن حزب فرنسا الأبية إريك كوكريل لقناة القاهرة الإخبارية أن مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يعد جريمة ضد الإنسانية، وتخالف القانون الدولي. وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، معتبرًا أن سياسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تقوم على التحالف الاستراتيجى تجاه إسرائيل. كما اقترح تنفيذ تحرك دبلوماسى منسق داخل مجلس الأمن، وإصدار قرارات تعارض تهجير الفلسطينيين ومن ذلك التنسيق بين البرلمان الفرنسي، والبرلمانات الدولية، وتنظيم مؤتمرات عديدة لوقف مخططات التهجير.
الصحافة والمواقع الفرنسيةغلب على تناول الصحف والمواقع الفرنسية لمقترح ترامب حول تهجير الفلسطينيين بأنه يعد بمثابة تطهير عرقي. فعلى سبيل المثال وعقب طرح ترامب للمقترح تناولت ثلاثة من المواقع الفرنسية الكبيرة المقترح تحت عناوين مثيرة ، فقالت "ليبراسيون" إن المستوطن ترامب يثير مخاوف عالمية، ورأى "ميديا بارت" .أن ترامب يدعو إلى التطهير العرقى فى غزة. فى حين تساءلت لوبس: لماذا يدفع ترامب بفكرة جديدة شنيعة. هذا التناول يعكس اتجاها للرأى العام الفرنسى يرفض مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وهو الاتجاه الذى يتبلور بشكل واضح لدى الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية.
فرص داعمةإذا كان الموقف الفرنسى غير الرسمى رافضًا لمقترح التهجير، فإن ثمة فرصا يمكن أن يسهم بها المجتمع الفرنسى بشكل عام على أرض الواقع، لترجمة تلك المواقف الرافضة إلى سياسات واقعية، وأهمها: تبنى حملات إعلامية لإعادة الإعمار فى غزة: أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى انهيار البنية الأساسية للقطاع، حيث تشير التقديرات إلى تدمير ٧٠٪ من مبانى القطاع. كما تشير تقارير الأمم المتحدة التى صدرت مطلع فبراير ٢٠٢٥ إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة الذى دمرته الحرب بين إسرائيل وحماس تتطلب أكثر من ٥٣ مليار دولار، بينها أكثر من ٢٠ مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثة الأولى.وهى الأوضاع التى تحتاج لتكاتف المجتمع الدولي، وفى مقدمتها الدول الكبرى بحيث يتم إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فى غزة. على ذلك من الممكن أن تتبنى فرنسا الرسمية وغير الرسمية سلسلة من الحملات الإعلامية داخل أوروبا، لمساندة إعادة إعمار قطاع غزة. وأيضا تشكيل رأى عام فرنسى داعم لحل الدولتين حيث يشكل حل الدولتين المسار الأنسب لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، وهو المسار الذى يلقى دعمًا من معظم الدول العربية، والمجتمع الدولى بشكل عام. فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٦ نوفمبر ٢٠١٢ قرارًا بالموافقة على منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو فى الأمم المتحدة،ودعا مجلس الأمن إلى النظر بشكل إيجابى فى قبول طلب دولة فلسطين دولة كاملة العضوية فى الأمم المتحدة.