عُمان والإمارات.. تاريخ مشترك ومصير واحد
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
في كل مرّة تُطرح فيها العلاقات العمانية الإماراتية للنقاش يَحار المرؤ كيف يُجزّئ هذه العلاقة ويضعها في جانبين لينظر إلى مواطِن التقابل فيها! إن الأمر شديد الصعوبة كما أنه شديد التعقيد؛ فالعلاقة بين هذين البلدين علاقة استثنائية بكل المقاييس السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، إنها تنطلق من الجذر ذاته، وتأتي من المسار التاريخي ذاته، ومن البنية الاجتماعية ذاتها، وتذهب نحو المستقبل نفسه وإن تعددت زوايا الرؤية.
ولذلك فإن تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في هذه اللحظة الآنية من الزمن لا تحمل كثير تعقيدات أو تحديات، إنها علاقات تذهب تلقائيًا، بحكم كلّ ما سبق، نحو التطور والتجديد.. رغم ذلك فإن العمل الجادّ نحو ترسيخ هذه العلاقات بجذورها التاريخية في نفوس الأجيال القادمة في البلدين أمر في غاية الأهمية على أن يكون هذا الأمر بأدوات اللحظة ومتطلباتها وإلحاحاتها.
إن الزيارة المهمة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم -حفظه الله ورعاه- إلى دولة الإمارات العربية المتحدة هي تجسيد حقيقي وحيّ لواقع العلاقة بين البلدين الشقيقين، والاستقبال المهيب الذي أقيم لجلالته في إمارة أبوظبي اليوم يعكس المكانة الكبيرة التي يتمتع بها جلالته في الإمارات وكل النتائج التي ستتمخّض عنها الزيارة، سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي، هي في الحقيقة متطلبات المرحلة التي يرنو لها الشعبان الشقيقان، ولأسباب كثيرة تتعلق بالتاريخ المشترك وبمسارات المستقبل الواحدة.
لا نستطيع القول إن هذه الزيارة عتبة لمسيرة العلاقات بين البلدين، إن العتبات تكون دائما عند البدايات الأولى التي لا شيء قبلها، وهذا لا يستقيم في كل شيء له علاقة بعُمان وبالإمارات، ولكن نأمل أن تكون مرحلة يُسرّع فيها كل شيء، ويَزدهرُ كلُّ شيءٍ ويُنظر فيها إلى المستقبل من الزاوية نفسها إذا كان المسير إلى المكان نفسه.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بعد رحيل القواعد الفرنسية من السنغال..كيف ستكون علاقة البلدين؟
بعد إعلان سفارة باريس في دكار يوم الجمعة الماضي أن العناصر الفرنسية في السنغال "إي إف أس" سلمت ثكنتين عسكريتين إلى الحكومة السنغالية في أول خطة لإنهاء وجودها العسكري الذي امتد بشكل رسمي إلى 5 عقود، تكون العلاقات بين البلدين قد دخلت في مرحلة جديدة عنوانها السيادة وسلامة الأراضي.
وذكرت السفارة في بيان لها، أن الثكنتين اللتين تم تسليمهما تقعان في حي "مارشال" و"سانت إكزوبيري" في ضواحي العاصمة دكار.
وأعلنت السفارة أن المساكن والمرافق التابعة للثكنتين أصبحت تحت سلطة حكومة السنغال.
ومن المنتظر أن تسلم العناصر الفرنسية المشتركة 3 ثكنات أخرى للجيش السنغالي في وقت لاحق، على أن يكون ذلك قبل نهاية العام الجاري.
وفي 12 فبراير/شباط الماضي أعلنت باريس عن تشكيل لجنة مشتركة مع السلطات السنغالية لترتيب الإجراءات المتعلقة بمغادرة العناصر الفرنسيين وتسليم المنشآت التي كانت تتبع لها.
واجتمعت اللجنة المشتركة يوم 28 فبراير/شباط الماضي بحضور الجنرال عبد اللطيف كامرا مدير معهد الدفاع في السنغال، وقائد العناصر الفرنسية في السنغال الجنرال إيف أوني.
وكان قائد القوات الخاصة الفرنسية في السنغال قد أصدر إشعارا للموظفين السنغاليين بأن خدماتهم ستنتهي بحلول يوليو/تموز 2025.
إعلانوتوظف المنشآت العسكرية في دكار 162 شخصا بشكل رسمي ومباشر، وتتعاون مع 500 آخرين عبر شركات متعاقدة.
وكان الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي قد قال في نهاية 2024 إن وجود قواعد أجنبية في السنغال يتعارض مع منطق السيادة والاستقلال، مؤكدا أن القوات الفرنسية سترحل من البلاد.
ويتزامن رحيل القوات الفرنسية من السنغال مع تراجع نفوذ باريس في أفريقيا، إذ تم طردها من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
كما بدأت فرنسا مؤخرا في إخلاء قواعدها العسكرية من تشاد وساحل العاج بعد قرار الدولتين فك الارتباط العسكري وتعزيز السيادة الوطنية.
مسار التعاون العسكرييعود الوجود العسكري الفرنسي في السنغال إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، حيث كانت دكار نقطة لتجسيد النفوذ الفرنسي في منطقة غرب أفريقيا، ومن خلالها احتلت مالي وموريتانيا والعديد من الدول.
وبعد مرحلة الاستقلال وإعادة تأسيس الدولة الوطنية عام 1960، دخلت السنغال في اتفاقية حماية ودفاع مع الحكومة الفرنسية تسمح لها بالاستمرار في إدارة القواعد العسكرية وفقا لمصالحها.
وبعد مرور 14 عاما على اتفاقية الحماية، قرر البلدان إعادة النظر حولها ومناقشة مسار جديد من التعاون العسكري.
وفي 1 يوليو/تموز 1974 وقع البلدان على اتفاقية جديدة للتعاون العسكري، وتم بموجبها السماح لباريس بإنشاء قواعد قتالية على أرض السنغال، تعزز من خلالها التموقع العسكري في منطقة غرب أفريقيا.
ومع وصول الرئيس السابق عبد الله واد للحكم (2000-2012) قادما من أقصى المعارضة، طلب من باريس رحيل قواتها من أرض السنغال.
حاول الإليزيه ثني الرئيس واد عن قراره عبر الكثير من الضغوط من قبل الشركاء والحلفاء، لكنه كان مشبعا بقيم التحرر والأفكار النضالية واعتبر السيادة العسكرية والأمنية من أوليات الاستقلال.
وبعد سنوات من النقاش، تم الاتفاق في سنة 2010 على تفكيك بعض القواعد الفرنسية وتقليص عدد الجنود من 1200 إلى 500 جندي فقط.
إعلانوفي 1 أغسطس/آب 2011 أي في نهاية ولاية الرئيس السابق عبد الله واد وقع الجانبان على اتفاق عسكري جديد يقضي بتعديلات على معاهدة 1974.
وبموجب اتفاقية 2011 تم تعديل اسم القوات الفرنسية في السنغال لتصبح "العناصر الفرنسية في السنغال".
وبعد الاحتجاجات الدامية التي عرفتها دكار سنة 2023 ورفعت فيها شعارات مناهضة للوجود العسكري الفرنسي، قررت باريس تقليص عدد قواتها إلى 360 جنديا فقط.
ومع نهاية عام 2024 قرر الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي الذي فاز في الانتخابات الأخيرة خروج القوات الفرنسية من بلاده.
مستقبل العلاقةورغم أن حزب باستيف الحاكم يجعل من عقيدته مناهضة المستعمر ومحاربة القيم الإمبريالية، فإن السنغال بلد عريق في الديمقراطية ولديه تراكمات في إدارة العلاقات وتسيير الملفات الدبلوماسية ولن يسير في طريق التصعيد مع المستعمر السابق حسب ما يقول محللون.
ومن خلال تصريحات الرئيس فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو فإن النظام يعمل على إستراتيجية جديدة تقوم على الشراكة بدل القطيعة، والندية مكان التبعية.
ويتوافق هذا النهج مع تصريحات سابقة لسونكو عام 2019 حيث أكد أنه لا يتبنى موقفا عدائيا ضد فرنسا، لكنه يطالب بعلاقات تحترم الخصوصية الأفريقية.
وترتبط السنغال بعلاقات اقتصادية قوية مع باريس، إذ تمتلك الشركات الفرنسية نسبة 17.5% من مجموع واردات السوق السنغالية.
ووفقا لأرقام منشورة على موقع وزارة الخارجية الفرنسية، فإن باريس هي الشريك التجاري الأول لدولة السنغال.
وتوجد في السنغال 250 شركة فرنسية مسجلة لدى المصالح المختصة وتوفر 30 ألف فرصة عمل، ولها 40% من مخزون الاستثمار الأجنبي.
وبالإضافة لما تمتلكه باريس من نفوذ اقتصادي، فإنها لديها علاقات قوية مع الطرق الصوفية ذات التأثير الكبير في المشهد السياسي السنغالي.
إعلانوترعى فرنسا عديد المشاريع الثقافية والتعليمية في السنغال، وتقدم مئات المنح الدراسية للطلاب الجامعيين في مختلف التخصصات العلمية.
ورغم أن الرئيس السنغالي قال إن بلاده ستبقى شريكا يوثق به لكل من يحترم مصالح بلاده ويريد شراكة مربحة للجانبين، فإن بعض المراقبين يتوقع تراجعا في مستوى جودة العلاقات بحكم المصالح المتضاربة.
فبينما تهدف فرنسا إلى زيادة حضورها التجاري، أو الإبقاء على ما حققته سابقا من سيطرة على مفاصل الاقتصاد، تسعى الحكومة السنغالية الجديدة إلى مراجعة جميع العقود التجارية الأجنبية، وخاصة تلك المتعلقة بالغاز والنفط.
وقد تشهد العلاقات تراجعا أكثر إذا استمرت الحكومة الحالية في سعيها إلى فك ارتباط عملة الفرنك الغرب أفريقي مع البنك المركزي الفرنسي.
وتشير دراسة أعدها مركز الصحراء للدراسات والاستشارات إلى أن الرئيس فاي، سيغيّر زاوية المقاربة في السياسة الخارجية، لكنه لن يكون جزءا من الحلف الموالي لروسيا والمعادي لفرنسا.