عملية أصفهان .. بروفة أم رد اعتبار؟!
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
عندما حذر البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي من التسرع في مهاجمة إيران والرد على الهجوم الإيراني، ومن القيام بهجوم غير مدروس النتائج بشكل جيد فلم يكن ذلك نابعا فقط من معرفة أمريكية بتهور نتانياهو ورغبته الشديدة في الاشتباك مع إيران منذ وقت غير قليل وخشيتها -واشنطن - من أن يؤدي ذلك إلى نتائج غير محسوبة، ولكنه نابع أيضا من معرفة أمريكية- لم تعلن- بأن إسرائيل حتما سترد بشكل أو بآخر وهو ما تريد أمريكا احتواءه حتى لا تتسع رقعة المواجهة على غير رغبتها المعلنة على الأقل.
ولعل ما يثبت ذلك ويؤكده أن الهجوم الإسرائيلي ضد إيران، هجوم أصفهان، تم فجر يوم الجمعة الماضي 19 أبريل الجاري وذلك بعد إلغاء نتانياهو موعد مهاجمة إيران مرتين متتاليتين قبل شن الهجوم، وذلك لإتاحة الفرصة لاستكمال تبادل وجهات النظر مع واشنطن برغم كل ما قيل من أن إسرائيل تتخذ قراراتها بنفسها والمؤكد منذ البداية أن إسرائيل لا تستطيع أن تتخذ قرارا بالقيام بعمل مثل هذا إلا بدعم، بل بضمان أمريكي صريح وهو ما تم بالفعل عبر تجديد الدعم والتأييد الأمريكي لإسرائيل في أي مواجهة مع إيران.
وبالوقوف أمام هجوم أصفهان والضغوط الإسرائيلية الشديدة من جانب اليمين المتطرف في حكومة نتانياهو من ناحية للإسراع في ضرب إيران - وهو ما دعا إليه ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي وكذلك وزير المالية، وما اتسم به الهجوم الذي تم من تهافت وحرص على أن يكون الهجوم متناسبا مع الرغبة الأمريكية وإلى الحد الذي لم تعلن إسرائيل رسميا عن أنها هي التي ضربت أصفهان برغم أن العالم كله يعلم ذلك، باستثناء إيران التي شككت في ارتكاب إسرائيل للهجوم في تصريح لوزير خارجيتها! ولكن لكل شيء سببه ومعناه من ناحية ثانية.
على أية حال فإن هجوم أصفهان، وبالنحو الذي تم به قد أثار تساؤلات عدة حول الهدف الإسرائيلي من هجوم وصفته مصادر الإسرائيلية داخلية بأنه كان «ضعيفا»، وحول ما إذا كان يمكن تكرار الهجوم وتحت أية ظروف؟ على أية حال فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب من أهمها: أولا، لعل السؤال الذي يفرض نفسه خاصة أنه وضع الجميع في حالة استنفار وترقب هو هل الهجوم بالمواصفات السابق الإشارة إليها هو هجوم للرد على الهجوم الإيراني السابق له، بمعنى هل هو هجوم للردع أو بمعنى أدق لمحاولة استعادة الردع الإسرائيلي الذي تبعثر في الواقع منذ السابع من أكتوبر الماضي بين «طوفان الأقصى» و «الوعد الصادق»، أم أنه محاولة لحفظ ماء الوجه لنتانياهو وإسرائيل في إطار الضغوط المبذولة من جهات إقليمية ودولية عديدة لتجنب التصعيد وعدم توسيع نطاق المواجهة الخطرة بين إسرائيل وإيران؟ وهل لهذا الأمر علاقة بالهجوم الذي تعد له إسرائيل ضد رفح والذي يتمسك به نتانياهو رغم أية نتائج والذي توقعت دوائر واشنطن موعده المرجح بعد عيد الفصح أي بعد 30 أبريل الجاري؟ وإذا كان من الصعب الجزم بتواريخ محددة إلا أن هناك مؤشرات ذات معنى من أهمها حرص نتانياهو على تحسين العلاقة والحد من الخلافات مع بايدن حول اجتياح رفح والمطالب الأمريكية بضرورة حماية المدنيين قبل اجتياح المدينة، وصفقة الأسلحة الكبيرة التي يبحثها الكونجرس لصالح إسرائيل وأوكرانيا وتايوان والتي تقدر بـ95 مليار دولار. وكذلك صفقة الأسلحة التي تقدمت إسرائيل بطلبها قبل أيام والتي تتجاوز مليار دولار، وما أعربت عنه واشنطن من أنها لا تعارض اجتياح رفح من حيث المبدأ ولكنها تريد ضمانات أفضل للمدنيين الفلسطينيين وهو ما تماطل فيه إسرائيل بشكل واضح.
وإذا كان نتانياهو قد اختار الاستجابة لطلب بايدن بشأن هجوم أصفهان، خاصة وأن الهجوم ليس هجوما «انتقاميا» بقدر ما هو هجوم «استكشافي»، وأن كل معطياته والمعلومات المتصلة به ستكون متاحة للأمريكيين بالطبع وهو أمر على جانب كبير من الأهمية للولايات المتحدة في الحاضر والمستقبل في ظل الخلافات الأمريكية الإيرانية. خاصة وأن إسرائيل تقوم بدور يحمل كل سمات مواجهة إيران بالنيابة عن الولايات المتحدة. وفي المقابل فإنه ينتظر تغاضي الإدارة الأمريكية عن فشل إسرائيل في الالتزام بمطالب واشنطن سواء بالنسبة لحماية المدنيين الفلسطينيين أو بالنسبة لهمجية التعامل معهم والمجازر التي ستحدث خلال القتال في مناطق مكتظة بالمواطنين العزل أو بغير ذلك مما ينبغي محاكمة إسرائيل بسببه كما حدث في غزة ولا يخفف من ذلك أن نحو 350 ألف فلسطيني غادروا رفح حتى الآن إلى خان يونس ووسط غزة لأن عدد الفلسطينيين في رفح كان قد تجاوز مليونا وستمائة ألف شخص محشورين في مساحة ضيقة جدا. والمؤكد أن هذه الصفقة التي تأتي على حساب الدم الفلسطيني كالعادة تحقق هدف نتانياهو برعاية الإدارة الأمريكية بالطبع.
ثانيا: إنه إذا كان هجوم أصفهان هو هجوم استكشافي، كما سبقت الإشارة، وهو في الوقت نفسه هجوم لحفظ ماء الوجه بشكل أو بآخر، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الهجمات الاستكشافية هي في العادة هجمات مصممة لجمع معلومات حول أهداف الخصم أو لتحديثها أو لاختبار كفاءة التعامل معها والتعرف عمليا على نقاط القوة والضعف والتأكد من القدرة على التعامل معها تمهيدا لتطوير أو تعديل مواصفات أو قدرات الأسلحة المستخدمة إذا كان ذلك ضروريا. من جانب آخر فإنه من المعروف أن الهجوم الاستكشافي يكون مصمما للتعامل مع مختلف الظروف التي قد تواجهه بما في ذلك استهداف مواقع وتدميرها أو تدمير قوات أو أسلحة تحاول التدخل لعرقلة تحقيق الهدف، وهنا يجمع الهجوم الاستكشافي بين الهجوم والدفاع وإن كان الهجوم هو المهمة الأساسية لعملية اختبار أسلحة الخصم وجمع أكبر قدر من المعلومات عنها في ظل جو عمليات يحرص فيه كل طرف على إظهار أكبر قدر من الكفاءة. وانطلاقا من هذه النقطة فإنه يمكن القول بأن هجوم أصفهان لا يمكن تقييمه بشكل سطحي كهجوم ضعيف أو متوسط أو قوي، ولكن التقييم يدخل فيه بالضرورة ما تم الحصول عليه من معلومات وما أسفر عنه من نتائج في التعامل مع الأهداف المقصودة ومدى النجاح في تحقيقها. وفي ضوء ذلك فإنه من غير المبالغة القول بأن هجوم أصفهان له جوانب بالغة الأهمية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة خاصة وأن قيادتيهما أكدتا وبأغلظ الإيمان أن إيران لن تحصل على السلاح النووي. ومع الوضع في الاعتبار أن إيران باتت تمتلك خبرات علمية وعملية كبيرة في مجال تخصيب اليورانيوم والقدرة على تجميع عناصر سلاح نووي في صورة مبدئية خلال فترة ليست طويلة بمعنى أنها باتت على العتبة النووية أو تكاد فإن ذلك يوفر لها في الواقع قدرا من الردع في مواجهة أية محاولات إسرائيلية لضرب البرنامج النووي الإيراني أو تخريب عناصر مهمة فيه قد تؤخره لوقت يتوقف على مدى الأضرار التي قد يتعرض لها إذا حدث ذلك تحت ظرف أو آخر خاصة، وأن هناك تعاونا كبيرا بين إسرائيل وأمريكا في هذا المجال وما حدث من استخدام فايروس «ستاكسنت» من قبل مثال حي على ذلك.
وإذا كانت إيران قد تنبهت للأهداف الإسرائيلية والأمريكية المعادية لبرنامجها النووي والصاروخي وقامت بتوفير إجراءات حماية فعالة للمواقع الخاصة بهما لحمايتهما ضد أية هجمات مفاجئة فإنه ليس مصادفة أن يركز هجوم أصفهان على رصد رادار روسي متطور هو جزء من منظومة «اس 300» للدفاع الجوي. ومع الوضع في الاعتبار أن إيران لديها عدة أنظمة للدفاع الجوي لحماية منشآتها النووية بوسائل متكاملة أيضا بما في ذلك الاستفادة من الطوبوغرافيا والتضاريس الإيرانية فإن ذلك لا ينبغي أن يجعل إيران تقلل على أي نحو من وسائل حماية منشآتها النووية والصاروخية، وأن تسعى في الوقت ذاته من أجل وقف التصعيد وحمل الآخرين على الاستجابة لذلك بكل السبل الممكنة وهو ما تحاوله بالفعل.
ثالثا: إذا كانت طهران لا تريد التصعيد كما أكدت في الأيام الأخيرة وهو ما نقلته عبر روسيا وتركيا إلى الأطراف المعنية فإن المشكلة هي في الواقع في المتربصين بها وببرامجها وبحرصها على الدفاع الذاتي عن النفس فهؤلاء المتربصين وخاصة نتانياهو وحكومته قد يجدون في الظروف الراهنة فرصة لتدمير أو على الأقل الأضرار بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني قبل أن يتكامل على النحو الذي يجعل منه رادعا مناسبا لإسرائيل.
وبالنظر إلى خطورة الأسلحة النووية فإن قرار ضربها أو تخريبها ليس قرارا سهلا، والخطورة أن يغامر نتانياهو بالتعرض للبرنامج النووي الإيراني اعتمادا على هجوم أصفهان الذي جعل الطريق شبه مفتوحا للوصول إلى مفاعل ناتانز أو غيره وهو ما سيورط واشنطن بالتأكيد في حرب إقليمية ما لم تكبح المتهور في تل أبيب. فهل تستطيع واشنطن ذلك وهل ستكون رفح هي الثمن؟ إنه مأزق خطر خاصة إذا كان هجوم أصفهان مجرد بروفة لما هو قادم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هجوم أصفهان التعامل مع أن إسرائیل إذا کان هو هجوم وهو ما
إقرأ أيضاً:
الهجوم الكيميائي على دوما.. شهادات تدين نظام بشار الأسد
روى طبيبان وممرض من مدينة دوما قرب دمشق في مقابلات حصرية مع وكالة "فرانس برس" الضغوط التي تعرضوا لها من النظام السوري في أبريل 2018، بعد إسعافهم عشرات المصابين جراء هجوم بغاز الكلورين، من إجل إنكار معاينتهم أعراضا تؤشر إلى قصف بسلاح كيميائي.
وفي السابع من أبريل، استهدف هجوم بالكلورين مبنى قريبا من مستشفى ميداني نقل إليه المصابون وكان الطبيبان والمسعف في عداد طاقمه.
وبعد وقت قصير، انتشر شريط فيديو قصير على الإنترنت يظهر حالة من الفوضى داخل المستشفى وأعضاء من الطاقم الطبي يسعفون المصابين بينهم أطفال.
واتهم ناشطون ومسعفون يومها الحكومة السورية بالوقوف خلف الهجوم الذي أسفر عن مقتل 43 شخصا، الأمر الذي نفته دمشق.
وأكد الشهود الثلاثة أنهم استُدعوا إلى مقر الأمن الوطني إثر الهجوم.
وقال أخصائي الجراحة العظمية الدكتور محمّد ممتاز الحنش، لفرانس برس: "تم إبلاغي بأنه علي الخروج ومقابلة الجهات الأمنية (في دمشق) وأنهم يعلمون مكان وجود أهلي في دمشق".
ويشرح: "ذهبنا فريق من الأطباء الموجودين في المشفى إلى مبنى الأمن الوطني، وقابلنا محققا وحاولنا قدر المستطاع إعطاء إجابات عامة. سُئلت مثلا ماذا حدث في هذا اليوم وأين كنت وماذا شاهدت وماذا عن الناس الذين تعرضوا للاختناق؟ حاولنا أن نجيبهم أجوبة غير موجهة. فأخبرتهم أنني في قسم العمليات... والمصاب بالكيماوي لا يأتي إلى قسم العمليات".
ويوضح أنه برر أعراض الاختناق الخفيفة "بسبب وجود سواتر ترابية" حول المستشفى، وضعت آنذاك لحمايته من القصف الذي كانت مدينة دوما، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق تتعرض له، بعد حصار محكم.
وطرحت الأسئلة نفسها على طبيب الطوارئ والعناية المشددة حسان عبد المجيد عيون الذي يروي لفرانس برس: "حين دخلت إلى المحقق... كان مسدسه على الطاولة وموجّها نحوي، وقال لي الحمدلله على سلامتك وسلامة أهلك وسلامة مئة ألف شخص لا نريدهم في دوما".
وخضع موفق نسرين، وكان حينها مسعفا وممرضا، أيضا للاستجواب، بعدما ظهر في مقطع الفيديو يربت على ظهر فتاة مبللة وجرّدت من ملابسها لخروج البلغم من قصبتها الهوائية جراء تنشق غاز سام.
ويقول لفرانس برس: "كنت تحت الضغط لأن عائلتي في دوما على غرار أغلب عوائل الكادر الطبي.. أخبرونا أنه لا هجوم كيميائيا حصل (...) ونريد أن ننهي هذه القصة وننكرها لتفتح دوما صفحة جديدة بدون مداهمات واعتقال" لسكانها.
ووقع الهجوم بعد حصار مضن وحملة قصف كثيفة تعرضت لها دوما.
وأعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أواخر يناير 2023 أن محققيها خلصوا إلى أن "القوات الجوية العربية السورية هي التي نفذت الهجوم"، وهو ما نفته دمشق وموسكو.
وقال رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فرناندو إرياس في بيان حينها "العالم يعرف الآن الحقائق"، مضيفا "الأمر متروك للمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات".