23 إبريل 2024م.. مرت مائتا يوم على انطلاق طوفان الأقصى، لم تتغير فيها سياسة إسرائيل تجاه غزة، فهي تواصل حرب الإبادة الجماعية، ومع ذلك؛ حصلت تغيرات على الخارطة السياسية. بدايةً؛ يمكن تقرير الآتي:
- صمود الشعب الفلسطيني في غزة؛ رغم استشهاد حوالي 34 ألف فلسطيني، ووقوع إصابات جسدية ونفسية تربو على الإحصاء، وتدمير معظم البُنية التحتية لغزة.
- الكيان الصهيوني لم تفتر حدة طغيانه، فقد واصل الإبادة والتدمير، ولم تخفف من وطأته ما قامت به بعض الدول كجنوب إفريقيا من رفع شكوى ضده بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، وإصدار مجلس الأمن قرارًا بوقف الحرب على غزة.
- واصلت المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، قتالها بكفاءة عالية، فهي على التحام دائم مع الجيش الإسرائيلي، وتنفذ كثيرًا من عملياتها باستراتيجية «من مسافة الصفر»، كما أن رشقاتها الصاروخية استمرت على مواقع مختلفة من إسرائيل. والمرء يلفه العَجَب.. من هذا الصمود الصلب أمام القوة الإسرائيلية، التي أصبحت دول المنطقة تحسب لها حسابها، لاسيما أنها مسنودة من الغرب، وتشاركها أمريكا في حربها بالإمداد بالسلاح والتأييد بالقرار والدعم اللوجستي. ومن استعداد المقاومة بالسلاح الكافي، الذي مر على استهلاكه المتواصل سبعة أشهر دون أن ينفد، وهذا ربما يدل على قدرة فائقة لتصنيع السلاح داخل غزة، رغم الظروف العصيبة التي تمر بها المقاومة، والحصار والتدمير المستمر من قِبَل القوات الإسرائيلية.
أما بالنسبة للخارطة السياسية دوليًا.. فمجمل تغيراتها:
- غدت إسرائيل مدانة أمام العالم بجرائم الإبادة الجماعية، وصدرت بحقها قرارات من محكمة الأمن الدولية بإيقاف الحرب، ورغم أنها لم توقف الحرب إلا أن هذه القرارات أسقطت ادعاءاتها بأن «جيشها أخلاقي»، كما أسقط طوفان الأقصى أسطورة أنه جيش لا يقهر.
- تأكد خط المواجهة لإسرائيل في: المقاومة الفلسطينية، وحزب الله بلبنان، وأنصار الله باليمن، والمقاومة الإسلامية بالعراق، وإيران؛ الداعم لهذه الأحزاب، وهذه القوى لم ينكسر عزمها.. بل ازداد بمرور الأيام.
- المواقف العربية والتركية.. أدانت ما تقوم به إسرائيل، وبعضها صعّد القضية إلى مجلس الأمن، وقدمت الإغاثة لأهالي غزة في ظل الاتجاه الدولي العام، ولكنها لم تقم بعمل حاسم لوقف الحرب، كما أنها أكدت على خطها الأساس بإقامة دولة فلسطينية بحدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية.
- كوّن «حزب أنصار الله» اليمني باستهدافه السفن الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر تهديدًا للملاحة الغربية، مما أجبر الغرب أن يشكّل تحالفًا عسكريًا ضده.
- واصلت قطر ومصر الوساطة في المفاوضات بين حماس وإسرائيل لإيقاف الحرب، ومع أهمية هذا الدور إلا أن تأثيره عليهما ضعيف، ربما هذا عائد إلى رفض أمريكا الاعتراف بالإبادة الجماعية، وبحسب قول وزير دفاعها لويد أوستن: (إن الولايات المتحدة ليس لديها دليل على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة). وتجد إسرائيل في المواقف الأمريكية المحرضة لمواصلة جرائمها، والتمادي في رفض استحقاقات التفاوض.
- لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة من حربها على غزة، وهي تخليص رهائنها وتفكيك حماس.. بل أنها في احتدام الحرب قتلت بعض رهائنها مباشرةً، أو بعدم توفر الأدوية اللازمة لهم. كما أن حماس صمدت في الحرب.. بل سيطرت على مجريات المعركة، ولم يعد بمقدور الإسرائيليين سوى إبادة المدنيين وجر قتلاهم المتساقطين برصاص قناصة المقاومة وكمائنها.
- افتضاح النفاق الأوروبي.. الذي ما فتئ من رفع سلاح حقوق الإنسان في وجه «الدول غير الديمقراطية»، حيث ادّعى الساسة الأوروبيون بأنهم لا يتفقون مع إسرائيل فيما تقوم به ضد المدنيين، لكنهم في الوقت نفسه يدعمونها؛ عسكريًا ولوجستيًا وسياسيًا.
- تواصلت مظاهرات الإسرائيليين ضد حكومتهم، مطالبين إياها بالاستقالة، كما ازداد هجر الإسرائيليين لإسرائيل، ونشط التيار الديني اليهودي المناهض للصهيونية؛ داخل إسرائيل وخارجها، وعلا صوت صحيفة «هآرتس» المعارضة لحكومة تل أبيب.
- بوادر حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، بعد ضرب الأخيرة مقر القنصلية الإيرانية في سوريا بتاريخ: 1/ 4/ 2024م، وقتل سبعة من الحرس الثوري؛ منهم محمد رضا زاهدي قائد فيلق القدس بسوريا، مما عدّته طهران اعتداءً مباشرًا عليها، فشنت ليلة 14/ 4/ 2024م هجمات بمئات الصواريخ والطائرات المسيَّرة، وأعلنت إسرائيل أنها صدّت 99% منها. أما إيران فقالت: إنها حققت أهدافها وانتهت عند هذا الحد، ولن تواصل ضربها إسرائيل إلا إذا عاودت اعتداءاتها. وبتقديري.. أن اكتفاء إيران بهذه الضربة جاء لأمرين: توسّع الحرب ستكون كلفته كبيرة عليها، وسيدخل المنطقة في اضطراب يؤثر على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، بما فيها حركة الطيران والسفن، وسيؤدي إلى تحالف غربي ضدها، وبالتالي؛ ستواجه حربًا شاملة. وخشية أن تؤثر على الأوضاع بغزة، لأن الفلسطينيين كسبوا تعاطفًا كبيرًا بين شعوب العالم، بسبب الإبادة التي تطالهم، ودخول إيران سيعتبرونه اعتداءً مباشرًا على الإسرائيليين، لاسيما إن سقط منهم قتلى مدنيين.
وقد توعدت إسرائيل بالرد دون أن يتحول إلى حرب شاملة بين الطرفين، فأعلنت بأنها شنت هجمات على إيران ليلة 19/ 4/ 2024م، وأن أهدافها كانت محددة بالقواعد التي انطلقت منها الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي ضربت إسرائيل، كما أنها وجهت ضربات على مواقع في سوريا والعراق. وما ذكرته إيران هو أن هذه الضربات لم تأتِ من الخارج الإيراني، وتأثيرها لا يكاد يذكر. ويبدو أن إيران لا تريد تصعيد الأوضاع، حتى لا تتحول إلى حرب شاملة، وربما تتطور إلى حرب إقليمية، والجو لا يزال غائمًا حتى الآن.
- بالنسبة للإسلام السياسي.. فتوجد ثلاثة توجهات من «السياسة الإسلامية» التي لا زالت تحكم: «السياسة الشرعية».. متمثلة في حكومة طالبان بأفغانستان، ويبدو أنها مشغولة بنفسها، فلم يُعرف لها تدخل عملي فيما يجري بغزة أثناء طوفان الأقصى. و«السياسة الإسلامية المدنية».. متمثلة في «حزب العدالة والتنمية» بتركيا، وقد تحدثت عنها أعلاه.
و«الإسلام السياسي».. وهو على شقين:
- سني.. حركة الإخوان المسلمين، والتي أُخرِجت من الساحة السياسية المؤثرة مع أحداث الربيع العربي، وآخرها من السودان. وحركة حماس وإن كانت منبثقة من الإخوان، لكنها طوّرت تفكيرها وممارساتها وعلاقاتها، حتى أصبحت نموذجًا بنفسها لا نظير له، غير قابل للاستنساخ إلا بمثل الظروف التي تمر بها حماس، وهذا مستبعد.
- شيعي.. نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران. وهو مع وقوفه الكبير مع القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يستطع أن يتمدد في العالم الإسلامي، ولم يغيّر طوفان الأقصى النظرة تجاهه، بسبب: الانغلاق المذهبي الذي يعيشه المسلمون، ولأن نظرية ولاية الفقيه تطورت في الحقل الشيعي الإمامي وانحصرت تجربتها بإيران.
أوجد الإسلام السياسي «حالةً جهاديةً»؛ تأثرًا بـ «العنف الثوري» اليساري، فكان له الفضل في مواصلة المقاومة الفلسطينية الإسلامية نضالها، فخلفت الحركات الفلسطينية القومية واليسارية. لكن أيضًا له جانب سلبي تمثل في «جماعات العنف»، مما أدى إلى تجفيف تيار الإسلام السياسي في المنطقة وانحساره؛ ويأتي هذا في إطار ترسيخ «الدولة الوطنية» بالمنطقة، والتي من نتائجها التطبيع مع إسرائيل.
وبعد.. فهل يتمكن طوفان الأقصى من إعادة رسم خارطة المنطقة لصالح القضية الفلسطينية؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة طوفان الأقصى کما أن
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يتحدث عن قرارات "النصر" ووضع إيران وما حدث بسوريا
تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميريكة عن أهم القرارات الاستراتيجية التي قادت إسرائيل لتحقيق ما وصفه بـ"انتصار تاريخي" ضد حماس، حزب الله، والمحور الإيراني.
وخلال حديثه، تطرق نتنياهو إلى اللحظات الحرجة والتحديات التي واجهتها إسرائيل، مؤكدا أن هذه الحرب أعادت تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.
اليوم الذي غير كل شيء
وبدأ نتنياهو الحديث بتذكر الـ7 من أكتوبر 2023، اليوم الذي وصفه بأنه نقطة تحول حاسمة.
وقال : "في السابعة والنصف صباحا، أيقظوني على أخبار الهجوم. ذهبت فورا إلى مقر القيادة العسكرية في كيريا وأعلنت الحرب".
وأضاف أن حماس كانت قد شنت هجوما واسع النطاق أدى إلى مقتل ما يقرب من 1200 إسرائيلي، مما جعل إسرائيل تتعامل مع واحدة من أسوأ المخاطر الأمنية في تاريخها.
تهديد الجبهة الشمالية
وفي الأيام التي تلت الهجوم، دخل حزب الله في القتال، مما أثار تهديدا جديدًا على الحدود الشمالية لإسرائيل.
ويقول نتنياهو: "في الـ9 من أكتوبر، خاطبت قادة المجتمعات المحاذية لغزة، وطلبت منهم الصمود لأننا سنغير الشرق الأوسط".
ومع ذلك، رفض نتنياهو اقتراحات من قادة عسكريين بتحويل الجهود إلى مواجهة حزب الله وترك حماس دون رد.
وقال: "لا يمكننا خوض حرب على جبهتين. جبهة ضخمة في كل مرة".
الدعم الأمريكي وقرار المواجهة
وفي 18 أكتوبر، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارة تضامنية لإسرائيل، وهي زيارة وصفها نتنياهو بأنها غير مسبوقة.
وأوضح أن "هذه أول مرة يزور فيها رئيس أمريكي إسرائيل أثناء حرب. أرسل بايدن مجموعتين قتاليتين لحاملات الطائرات، مما ساعد على استقرار الجبهة الشمالية".
ورغم الدعم الأمريكي، نشأت خلافات حول كيفية مواجهة حماس. حيث وجه الأمريكيون بعدم الدخول بريا إلى غزة، مقترحين الاعتماد على الهجمات الجوية فقط. لكن نتنياهو رأى أن ذلك لن يحقق الهدف.
وقال: "من الجو، يمكنك قص العشب، لكنك لا تستطيع اقتلاع الأعشاب الضارة. نحن هنا لتدمير حماس بالكامل".
رفح والرهانات الكبرى
وكانت مدينة رفح، الواقعة على الحدود مع مصر، نقطة استراتيجية هامة.
وقد توقعت الولايات المتحدة سقوط 20,000 قتيل إذا غزت إسرائيل المدينة.
وقال: "إذا لم نسيطر على رفح، ستعيد حماس تسليح نفسها وسنصبح دولة تابعة. الاستقلال الإسرائيلي هو مسألة حياة أو موت".
وعندما تقدمت إسرائيل في مايو 2024، كانت الخسائر أقل بكثير من المتوقع. استطاعت القوات الإسرائيلية قطع طرق إمداد حماس وقتل زعيمها يحيى السنوار، مما شكل ضربة كبيرة لحماس.
حزب الله: المفاجأة الكبرى
وعلى الجبهة الشمالية، نفذت إسرائيل هجومًا نوعيا ضد حزب الله في سبتمبر 2024، وصفه نتنياهو بـ"الصدمة والإبهار".
وخلال 6 ساعات فقط، تمكنت القوات الإسرائيلية من تدمير معظم صواريخ حزب الله الباليستية.
وأوضح نتنياهو: "كنا نعرف أن نصر الله يعتمد على الصواريخ المخفية في المنازل الخاصة، ولكن خطتنا تضمنت تحذير المدنيين عبر السيطرة على البث التلفزيوني اللبناني قبل الهجوم".
وكان اغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله، خطوة فارقة. قال نتنياهو: "لقد كان محور المحور. لم تكن إيران تستخدمه فقط، بل كان هو يستخدم إيران".
تقويض المحور الإيراني
وأكد نتنياهو أن الحرب أضعفت المحور الإيراني بشكل كبير. وقال: "لقد أنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم حماس وحزب الله والنظام السوري، وكل ذلك ذهب أدراج الرياح. لا يملكون الآن خط إمداد"،
وكما أشار إلى أن إسرائيل دمرت إنتاج إيران من الصواريخ الباليستية، مما سيستغرق سنوات لإعادة بنائه.
إعادة الإعمار ومستقبل السلام
ورغم الضغوط الدولية، أصر نتنياهو على أنه لن يوقف الحرب قبل القضاء التام على حماس.
وقال: "لن نتركهم على بعد 30 ميلا من تل أبيب. هذا لن يحدث".
وكما أشار إلى أن النصر يفتح الباب أمام فرص جديدة للسلام، بما في ذلك تطبيع محتمل مع السعودية.
وأضاف: "هذا سيكون امتدادًا طبيعيًا لاتفاقيات إبراهيم التي أبرمناها تحت قيادة الرئيس ترامب"، أضاف.
"النصر"
وبالنسبة لنتنياهو، لم يكن النصر عسكريا فقط، بل كان اختبارًا لإرادة إسرائيل وقدرتها على قيادة المعركة.
وقال نتنياهو: "القوة ليست مجرد صواريخ ودبابات. إنها الإرادة للقتال والاستيلاء على المبادرة". وشدد على أن هذا النصر يعيد تشكيل الشرق الأوسط ويضع إسرائيل في موقع أقوى للمستقبل.