لجريدة عمان:
2025-03-21@04:00:09 GMT

لا تتمنوا الحرب

تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT

الحروب اليوم ليست كالأمس، والآلة المستخدمة في الحروب ليست كآلة الأمس أيضا، فآلة الأمس يمكن التّحكم بها إن كان ما يقود البشر هو العقل بمقدار ما يحفظ الذّات، ويدفع بلاء الاعتداء، ومع هذا سجل التّأريخ أحداثا سوداء من إبادة قرى، وقتل وسبي وتمثيل لأطفال ونساء وشيوخ وعجزة، فلم يخل التّأريخ من مثل هذه الصّفحات السّوداء، والّتي تجاوزت أدبيات «لا تقتلوا صبيّا، ولا امرأة، ولا شيخا كبيرا، ولا مريضا، ولا راهبا، ولا تقطعوا مثمرا، ولا تخربوا عامرا، ولا تذبحوا بعيرا، ولا بقرة إلا لمأكل، ولا تغرقوا نحلا ولا تحرقوه».

أمّا حرب اليوم فلا تعرف ذلك كلّه، فالحرب بأدوات اليوم أقرب إلى حروب الإبادة، فليس هناك جيشان يلتقيان في ساحة معينة، فيقاتل المحارب، ولا يعتدى على المسالم، إنّ الحرب اليوم لا تفرق بين المسالم والمحارب، ولا بين الرّجل والمرأة، ولا بين الصّغير والكبير، فهي حرب تبيد الإنسان والجماد، الحيوانات والزّروع، ومع ما نراه من أدوات حربيّة مستخدمة، رغم بشاعة نتائجها؛ إلّا أنّ هناك ما هو أشدّ وأطغى، من أدوات وقنابل لو استخدمت لأبادت أمما في لحظة عين.

لهذا أتعجب ممّن يتمنى أن تكون هناك حرب عالميّة ثالثة، فعمان مثلا كغيرها من البلدان، الّتي لا علاقة لها جغرافيّا ولا عسكريّا بالحرب العالميّة الثّانية (1939 - 1945م)، ومع ذلك أصابها من الجوع والضّنك نتيجة الحرب، في حين تجاوز ضحايا العالم ستين مليون نسمة، فضلا عن التّشريد والمجاعة، وخراب أقطار بأكملها، فكيف لو قامت اليوم حرب عالميّة ثالثة، ماذا سيكون مصير العالم، وأدوات الحرب الفاتكة الّتي أنتجها العقل البشريّ اليوم لا يمكن بحال مقارنتها بأدوات الحرب العالميّة الثّانية؟

لهذا العاقل اليوم هو من يغلّب لغة التّعقل لا العاطفة، لغة السّلم وليس الحرب، لغة الإحياء وليس الهدم، لغة الرّقيّ الإنسانيّ لا الصّراع الحيوانيّ، وهذا لن يتحقّق اليوم مع الاعوجاج المتمثل في هيئة الأمم ذاتها، فما تمارسه دول «الفيتو» يقود إلى الاحتراب وليس السّلم، وإلى الظّلم العالميّ وليس العدل والسّلام العالميّ، وهذا يكرّر ما حدث لسلفها، أي عصبة الأمم المتحدة، فلمّا عقد مؤتمر باريس للسّلام (1919م) بعد الحرب العالميّة الأولى (1914 - 1918م)، والّذي خَلُص إلى إنشاء عصبة الأمم، والغاية منها تجنيب العالم ويلات الحروب، وحماقات السّياسيين، ولكنّها فشلت، فكانت الحرب العالميّة الثّانية، وهي أشدّ بلاء وفسادا عالميّا من الأولى، ويلخص ألبرت أينشتاين (ت 1955م) نتائجها في كلمته عام 1934م: «لقد وعدنا الشّعوب بالتّحرر من الخوف، ولكن الخوف قد زاد في الواقع... لقد وعدنا الشّعوب بالتّحرر من العوز، لكن أجزاء كبرى من العالم تواجه الفاقة والمجاعة، بينما تعيش البقيّة في رغد ووفرة، ولقد وعدنا الشّعوب بالتّحرير والعدل، ولكننا شهدنا ولا زلنا نشهد حتّى الآن المنظر الحزين لجيوش التّحرير وهي تصرع الجماهير برصاصها، إذ هي تطالب باستقلالها وحقوقها الاجتماعيّة في المساواة، وتساند تلك الجيوش بقوّة السّلاح الأحزاب والزّعماء الّذين يخدمون أغراضها الاستغلاليّة».

وفي عام 1945م كانت هيئة الأمم المتحدة كإصلاح وتطوّر لعصبة الأمم، وكان ميثاقها الّذي غايته «السّلام والعدالة والاحترام وحقوق الإنسان والتّسامح والتّضامن»، ومع هذا المتأمل في هيئة الأمم المتحدة، لا يزال مدركا أننا لا زلنا نعيش في تبعات الحرب العالميّة الثّانية، فالثّقل فيها لخمس دول، أمريكا وروسيا وفرنسا والصّين وبريطانيا، فلها حقّ الفيتو أو النّقض، كما لها الحق في تملك الأسلحة النّوويّة، والّتي تفتك بالبشر، فأمريكا ذاتها جرت العالم إلى حروب دمرت بها شعوبا بأكملها، وفي العقود الأخيرة مازال الواقع يدرك آثار حربها على أفغانستان والعراق مثلا، كما يدرك دعمها مؤخرا للإبادة في غزّة.

فلتحقيق السّلم أو السّلام العالميّ لابدّ من وجود إصلاحات في هيئة الأمم المتحدة ذاتها، ولابدّ من وجود ثقل دوليّ وجماهيريّ وثقافيّ يساهم في تحقيق هذه الإصلاحات، لتكون هيئة الأمم حافظة كما أرادت هي أولا، ويساندها في ذلك العقل والدّين والثّقافة ثانيا، أي الحفاظ على العدل والمساواة والإنسان والسّلام والتّضامن والحرّيّات، وما نراه اليوم من مصاديق وقرارات أمميّة يتعارض مع هذه القيم، وتقود العالم طبيعيّا إلى تشكل كتل دوليّة وعسكريّة، بحيث تقسّم العالم إلى حلفين أو ثلاثة تقوده إلى حرب عالميّة أخرى، لا تبقي ولا تذر، وتضع الأرض بلاقع من الدّمار والخراب، وتزيده تشريدا وفقرا.

وإذا كان الواقع يتطلّب بشكل طبيعيّ وجود دول الفيتو بعد حرب عالميّة ثانية حينها، وما جرّته ألمانيا خصوصا، ودول المحور عموما من بلاء في العالم أجمع؛ إلّا أنّه لا معنى له اليوم بعدما يقارب قرنا من الزّمن، فأصبح العالم أكثر وعيا وإدراكا من السّابق، والّذي قاد ويقود إلى الحروب والانغلاق والتّمييز في العالم دول الفيتو ذاتها، وتمارس اليوم ذات ما مارسته دول المحور سابقا، فمن الّذي يثير ويدعم الحروب في العالم، ومن الّذي يساند ما يؤدّي إلى الخراب، وعدم تحقّق العدالة، ومساندة الأصوليّات المنغلقة في العالم، لهذا نحن مع عدم تمني الاحتراب، ومع محاربة أيّ طريق يشعلها، وفي الوقت نفسه لن يكون ذلك إلّا بإصلاح هيئة الأمم المتحدّة، والحفاظ على القيم والحقوق والعدالة والمساواة الإنسانيّة بقدر متساو ومشترك في العالم أجمع، وأنّ نظام الفيتو اليوم يتعارض مع هذا كلّه، وإصلاحه بداية الطّريق إلى السّلم العالميّ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأمم المتحدة حرب عالمی ة هیئة الأمم فی العالم الس لام الس لم

إقرأ أيضاً:

هيئة العمل الوطني الفلسطيني: نتنياهو استغل التصعيد في غزة للهروب من أزماته السياسية

قالت رتيبة النتشة، عضو هيئة العمل الوطني والأهلي بالقدس، إن بنيامين نتنياهو لم يكن جادًا في الالتزام بالمرحلة الثانية من اتفاق الهدنة في غزة، وإن التصعيد الحالي يأتي في سياق أزماته السياسية الداخلية.

إسرائيل على صفيح ساخن.. الشارع يغلي رفضًا لقرارات نتنياهوأستاذ علاقات دولية: تجاوز تصويت الميزانية يعني نجاة نتنياهو سياسيًا وترسيخ ائتلافه الحكوميأستاذ علوم سياسية: نتنياهو لم يكن جادًا في اتفاق غزة.. وعودة الحرب كانت متوقعةوزير إسرائيلي سابق: علينا استبدال حكومة نتنياهو والاحتجاج والنزول للشارع

وأوضحت النتشة، في مداخلة على قناة "إكسترا نيوز"، أن توقيت استئناف الحرب على غزة مرتبط بتصاعد الاحتجاجات داخل إسرائيل، والتي كانت ستتحول إلى مظاهرات مليونية بسبب إقالة رئيس الشاباك رونين بار، بالإضافة إلى الأزمة التي يواجهها نتنياهو في تمرير الموازنة داخل الكنيست، مشيرةً إلى أن إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، اشترط تجديد الحرب على غزة للعودة إلى الحكومة، وهو ما دفع نتنياهو لاتخاذ هذا القرار لضمان بقائه في السلطة.

التصعيد الإسرائيلي ليس مفاجئا 

وأكدت النتشة أن التصعيد الإسرائيلي لم يكن مفاجئًا، إذ شهدت الفترة الأخيرة إقالات واسعة داخل الجيش الإسرائيلي وتغيير رئيس الأركان، الذي أعلن عند توليه منصبه أنه يعد خطة أشد ضراوة للهجوم على غزة، مضيفةً أن إسرائيل لم تكن تنوي تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تتضمن الانسحاب من غزة، بل كانت تسعى فقط إلى استعادة أسراها من دون وقف دائم لإطلاق النار.

وفيما يتعلق بالضغوط الدولية على إسرائيل، أشارت النتشة إلى أن هناك أوراق ضغط عربية وإسلامية يمكن استخدامها، ومنها تهديد مصر بإعادة النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو ما تمت مناقشته في الكنيست مؤخرًا، كما أكدت أن الولايات المتحدة، رغم إعطائها ضمانات لحماس بشأن تنفيذ الاتفاق، لا تمتلك استقلالية حقيقية عن القرار الإسرائيلي، وتسعى إلى إنهاء الحرب بأي طريقة، حتى لو كان ذلك عبر السماح لإسرائيل باستخدام القوة لفرض تسوية في غزة.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تقدم مبادرة لتعزيز الدعم الإنساني العالمي للاجئين من السودان
  • هيئة العمل الوطني الفلسطيني: نتنياهو استغل التصعيد في غزة للهروب من أزماته السياسية
  • تشاهدون اليوم.. الأهلي يواجه إنبي في كأس عاصمة مصر ودوري الأمم الأوروبية
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي للغة الفرنسية
  • «العالمي للتسامح»: إرث زايد الإنسـانـي قيــم سـلام وعـطـاء
  • أبرز المباريات العربية والعالمية اليوم الخميس
  • «العالمي للتسامح» يشيد بالإرث الإنساني للشيخ زايد
  • الشارقة تحتفي بـ"اليوم العالمي للشعر"
  • السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (1-3)
  • خبراء في الأمم المتحدة يحذرون: أزمة أنفلونزا الطيور تهدد الأمن الغذائي العالمي