قبل سنوات ليست بالبعيدة، كان تجمع أفراد العائلة حول طاولة في أحد أركان المنزل مشهدا مألوفا في الأعياد والأمسيات الصيفية، حيث يتشاركون الألعاب الجماعية، بينما يبدو في أعينهم الحماس للمنافسات الشائقة، التي لا تخلو من الضحك. وفي النهاية هناك فائز وخاسر، لكن الكل ربح تلك الدقائق من المرح والألفة.

أما الآن ومع الانتشار السرطاني لألعاب الفيديو التي لا تستدعي المشاركة، يكاد هذا المشهد يختفي تماما، إذ يكفي أن ينزوي أحدهم بهاتفه في أحد الأركان ويغرق في اللعب لساعات دون أن يشعر بمن حوله.

لكن هناك ما يدعوك لئلا تستسلم لهذا التطور، فلألعاب الطاولة تأثيرات متعددة على أدمغتنا تستحق معها أن تكون ممارسة ألعاب مثل الدومينو والشطرنج وغيرها، من عاداتنا بين الحين والآخر.

مبيعات متصاعدة

يبدو الأمر غريبا في العصر الرقمي، لكن مبيعات ألعاب الطاولة شهدت تصاعدا في العقد الأخير في العديد من الدول، بحيث بلغت المبيعات العالمية لها نحو 9.6 مليارات دولار في عام 2016، وفق بيانات شركة "يورو مونيتور إنترناشيونال" لأبحاث السوق العالمية، قبل أن تتصاعد بشكل ملحوظ في فترة جائحة كورونا (كوفيد-19).

أشار كتاب "التعلم في العصر الرقمي" (Learning in the Digital Age) إلى أن عودة ألعاب الطاولة إلى الظهور مرة أخرى، بدا لأول وهلة كما لو أن أحدهم تذكر قطعا أثرية أو فنية وشعر بالحنين إليها، لكن استمرار تصاعد مبيعاتها لفت نظر الأكاديميين إلى كونها بيئات فعالة للحد من عزلة الأفراد خاصة الأطفال.

خبراء علم الاجتماع يشيرون إلى أن ألعاب الطاولة تحد من عزلة الأفراد خاصة الأطفال (بيكسلز)

وكما يوضح مؤلفو الكتاب إلى أن الإقبال على هذه النوعية من الألعاب لا يعني بالضرورة رفضا للتوجه الرقمي، بل للحاجة إلى التفاعل الاجتماعي، إلى جانب إتاحتها مساحة مختلفة تثري عملية التعلم بما توفره من عنصر اجتماعي.

يشير المؤلفون أيضا إلى أن البيئات غير الرقمية لألعاب الطاولة يمكن أن تنمّي مهارات مرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية مثل "التفكير الحاسوبي"، وصياغة المشكلات بطريقة تمكن من استخدام الحاسب الآلي والأدوات الأخرى للمساعدة على حلها، وهي إحدى مهارات التفكير التي تفرضها البيئة الرقمية.

مهارات لغوية وعلاقات جيدة

كما تسهم ألعاب الطاولة في تطوير عدد من المهارات الفكرية والعاطفية والاجتماعية. وفي الآونة الأخيرة، تزايدت تصميمات الألعاب التي تضع التعلم هدفا لها، فتعمل على تدريب القدرات المختلفة الرقمية واللفظية والبصرية، ومعالجة مشكلات مثل نقص الانتباه وفرط النشاط، وتدريب الذاكرة قصيرة المدى.

دراسة نشرتها مجلة "إنترناشيونال جورنال أوف غرياتريك سايكاتري" في عام 2020، تناولت أيضا تأثير ممارسة هذه الألعاب على جودة العلاقات الأسرية والاجتماعية، مشيرة إلى أنها تنشط مزيدا من السلوكيات الاجتماعية والمناطق العصبية ذات الصلة، وتحسن عمليات أخرى تدعم جودة الحياة.

كما تمثل ألعاب الطاولة والورق علاجا معرفيا فعالا للحفاظ على بعض الوظائف المعرفية لدى كبار السن، أبرزها الطلاقة اللفظية (القدرة على إنتاج الكلمات والتعبيرات المنطوقة بسرعة واستحضارها بما يناسب الموقف) والتي تعتبر أحد أكثر العمليات المعرفية ضعفا لدى كبار السن، وتتنبأ بالإصابة بمرض ألزهايمر.

ألعاب الطاولة والورق تمثل علاجا معرفيا فعالا للحفاظ على بعض الوظائف المعرفية لدى كبار السن (بيكسلز)

وتدعم ألعاب الطاولة قدراتنا الاجتماعية بما تتيحه من تواصل وتعاون مع الآخرين، وتعاطف معهم، فتسهم في بناء علاقات جديدة، واكتشاف أمور مشتركة بين الأصدقاء، ونكتسب من خلال اللعب مهارات اجتماعية مثل تطوير العلاقات الإيجابية وحل النزاعات والمشاركة في الأنشطة الجماعية وهي فوائد لا تتوفر في ألعاب الفيديو التي تسلبنا هذا التجمع مع الأصدقاء حول الطاولة، وتبادل الحديث والضحك الذي تخلقه المواقف في ألعاب الورق،  فضلا عن أننا نتوق أحيانا إلى التعامل مع لعبة ملموسة تحمل ذكرياتنا ونقرضها، أو نقترضها من الأصدقاء، تبهت ألوانها فتذكرنا بمرور الزمن.

التركيز واحترام القواعد

تقدم هذه الألعاب فوائد أخرى بينها:

تقوية الذاكرة والإدراك، ودعم القدرة على التركيز، واتخاذ القرارات، كما تطور القدرات الوظيفية مثل حل المشكلات والتفكير الإبداعي والفهم وتحسن القدرة على تحليل المعلومات، وتواجه بعض المشكلات مثل ضعف الانتباه، وتدعم الاستقلالية لدى الأطفال لما تتطلبه من اتخاذ قرارات مستقلة، وتزيد بالتالي شعورهم بتقدير الذات. تسهم ممارسة هذه الألعاب في تنمية قدراتنا على احترام القواعد، وكما تشير دراسة نشرتها مجلة "ربيستا تشيلينا دي نوتروثيون" في عام 2013، فهي أداة فعالة في تعليم أطفال المدارس، المفاهيم الأساسية المتعلقة بالنظافة والتغذية والعادات الصحية. تزيد ممارسة ألعاب الطاولة من قدراتنا على إدارة المشاعر، إذ نتشارك البهجة والتنافس، فنشعر بالإنجاز والرضا عند الفوز، ونواجه الإحباط عند الخسارة، فتزيد لدينا القدرة على التسامح والتعامل مع الشعور بالإحباط وهو شعور قد لا يواجهه الأطفال خاصة إلا من خلال ممارسة الألعاب ومواجهة المكسب والخسارة، قدر الحظ والصدفة التي تنطوي عليها بعض الألعاب تساعد في تنمية المرونة والقدرة على التكيف، وتعزز ألعاب الطاولة مهارات الاتصال، والقدرة على التفاوض، وتزيد القدرة على التخطيط. في سنوات الجائحة تحديدا تنامى الاهتمام بألعاب الطاولة لسبب مهم آخر، إذ تعتبر طريقة لتخفيف التوتر والابتعاد عن الضغوط اليومية، ينبع ذلك الشعور بالراحة لدى ممارسة ألعاب الطاولة، من أنه يعيد تواصلنا بسنوات الطفولة، ويحيلنا إلى طريقة التفاعل الأولى مع الآخرين حولنا، اللعب معهم في مجموعات، فنعود لروح العمل الجماعي والمنافسة الودية ويتدفق الحوار بسلاسة، بأيسر الطرق التي اعتدناها، كما أنها تبعدنا عن الخطى السريعة للتكنولوجيا بتجنب الشاشات لفترة من الوقت، فيسهم هذا كله في تخفيف شعورنا بالقلق والاكتئاب. على المدى الطويل تؤثر ممارسة هذه الألعاب في مخزوننا المعرفي، وتحمي قدراتنا وتخفف من أعراض الاكتئاب المحتملة لتقدمنا في العمر بما يدعونا لأن تفتح الخزانة، وتضيف مزيدا من تلك الألعاب التي تبدو من الماضي، لتمارسها مع من تحب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات ألعاب الطاولة هذه الألعاب القدرة على إلى أن

إقرأ أيضاً:

الكاكاو والتوت البري.. 5 مشروبات تعزز الذاكرة والانتباه وقت المذاكرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في ظل الضغوط الدراسية الكبيرة، يبحث الكثير من الطلاب عن طرق طبيعية وآمنة تساعدهم على تعزيز التركيز والانتباه، خصوصًا في فترات المذاكرة المكثفة.

 هنا تأتي المشروبات الطبيعية كحل مثالي، فهي تساعد على تنشيط العقل دون الحاجة إلى مواد كيميائية أو مشروبات الطاقة التي قد تكون لها آثار جانبية، وتقدم لكم “البوابة نيوز” 5 من أفضل المشروبات الطبيعية التي أثبتت فعاليتها في تحسين الأداء العقلي وزيادة التركيز أثناء المذاكرة، وفقًا لما تم ذكره بموقع "Healthline"  

1- الشاي الأخضر:
يُعتبر الشاي الأخضر أحد المشروبات الرائدة لتعزيز الانتباه والتركيز، ويحتوي هذا المشروب على مزيج من الكافيين وحمض أميني يُعرف بـ"الثيانين" (L-theanine)، والذي يعمل على تحسين وظائف الدماغ بطريقة متميزة، ويساعد الكافيين في زيادة اليقظة، في حين يعمل "الثيانين" على تقليل التوتر وزيادة الاسترخاء دون الشعور بالنعاس، مما يخلق حالة من التركيز الهادئ، كما يحتوي الشاي الأخضر على مضادات الأكسدة التي تحافظ على صحة الخلايا الدماغية وتساعد في الحماية من الإجهاد الذهني، مما يجعله مشروبًا مثاليًا للطلاب خلال ساعات الدراسة الطويلة.

2- عصير الشمندر:
الشمندر الأحمر أو البنجر هو مصدر غني بالنيترات الطبيعية التي تساعد في توسيع الأوعية الدموية وتحسين تدفق الدم إلى الدماغ، وتشير بعض الدراسات إلى أن شرب عصير الشمندر يمكن أن يُعزز من القدرة على التركيز والانتباه، وذلك بفضل تأثيره على زيادة تدفق الأوكسجين إلى الخلايا الدماغية، هذا الأمر يجعل الشمندر مثاليًا للطلاب الذين يحتاجون إلى التركيز لفترات طويلة، ويزيد من قدرتهم على أداء المهام الذهنية بكفاءة، كما يُعد الشمندر مصدرًا لفيتامينات ومعادن هامة مثل فيتامين "سي" والحديد، مما يعزز الطاقة الجسدية أيضًا.

3-  ماء جوز الهند:
ماء جوز الهند هو خيار رائع للترطيب وتعويض المعادن المفقودة خلال فترات الدراسة الطويلة، ويتميز ماء جوز الهند بكونه غنيًا بالبوتاسيوم والصوديوم والمغنيسيوم، وهي عناصر أساسية للحفاظ على توازن السوائل في الجسم، مما يساهم في تحسين وظائف الدماغ، و يساعد أيضًا في تقليل الشعور بالتعب والإرهاق الذهني، ويمنح الجسم انتعاشًا سريعًا، كما أن ماء جوز الهند يعتبر بديلًا طبيعيًا للمشروبات الرياضية، حيث يوفر الترطيب اللازم دون الحاجة للسكر المضاف، مما يجعله خيارًا صحيًا يعزز التركيز دون رفع مستويات السكر في الدم بشكل مفاجئ.

4- عصير التوت البري:
يُعتبر التوت البري مصدرًا غنيًا بمضادات الأكسدة، وخاصة مركبات "الفلافونويد" التي تعزز صحة الدماغ، وأظهرت بعض الدراسات أن تناول التوت البري أو شرب عصيره يساعد في تحسين وظائف الذاكرة، وزيادة القدرة على التركيز والانتباه، وتعمل مضادات الأكسدة على حماية الخلايا العصبية من التلف الناتج عن الجهد الذهني، وتساعد في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، مما يسهم في زيادة اليقظة والقدرة على التعلم.

5- مشروب الكاكاو الساخن (الشوكولاتة الداكنة):
يعد الكاكاو، خصوصًا الكاكاو النقي أو الشوكولاتة الداكنة، مصدرًا طبيعيًا للكافيين ومضادات الأكسدة، ويحتوي الكاكاو على مركبات مثل "الفلافانول" الذي يحسن تدفق الدم إلى الدماغ، مما يعزز من اليقظة ويُحسن من الأداء الذهني، كما يحتوي الكاكاو على مركب "الفينيل إيثيل أمين" الذي يساعد على تحسين المزاج وتقليل التوتر، مما يُسهم في توفير حالة نفسية مناسبة للدراسة، ويمكن تناول كوب من الكاكاو الساخن مع قليل من الحليب، دون إضافة سكر، للحصول على فائدة أكبر وتركيز أفضل أثناء المذاكرة.

مقالات مشابهة

  • في مصر.. ضبط ورشة ألعاب نارية بها 1.75 مليون قطعة
  • قبل ترويجها بالأسواق.. ضبط مليون و750 ألف قطعة ألعاب نارية بالفيوم
  • 1.7 مليون صاروخ.. ضبط عامل يدير ورشة لتصنيع الألعاب النارية بالفيوم
  • ضبط 1.7 مليون قطعة ألعاب نارية فى الفيوم
  • اللعب عبر الإنترنت: تجربة ترفيهية لا حدود لها
  • النسيان: أداة الدماغ لتعزيز الذاكرة والتكيف مع التغيرات
  • الكاكاو والتوت البري.. 5 مشروبات تعزز الذاكرة والانتباه وقت المذاكرة
  • آسيا في الصدارة.. 100 مليار دولار عوائد «ألعاب» الهاتف المحمول
  • أخضر الأثقال البارالمبي يستعد لدورة ألعاب القدرة العالمية للشباب 2024  
  • ألعاب رياضية وترفيهية: عالم الألعاب الإلكترونية