قبل سنوات ليست بالبعيدة، كان تجمع أفراد العائلة حول طاولة في أحد أركان المنزل مشهدا مألوفا في الأعياد والأمسيات الصيفية، حيث يتشاركون الألعاب الجماعية، بينما يبدو في أعينهم الحماس للمنافسات الشائقة، التي لا تخلو من الضحك. وفي النهاية هناك فائز وخاسر، لكن الكل ربح تلك الدقائق من المرح والألفة.

أما الآن ومع الانتشار السرطاني لألعاب الفيديو التي لا تستدعي المشاركة، يكاد هذا المشهد يختفي تماما، إذ يكفي أن ينزوي أحدهم بهاتفه في أحد الأركان ويغرق في اللعب لساعات دون أن يشعر بمن حوله.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4فاجئ عقلك.. 9 طرق لمساعدتك على التفكير خارج الصندوقlist 2 of 4سرّية الأجور.. هل هي وسيلة للمحاباة والتمييز في الرواتب؟list 3 of 4دوامة من الأفكار المزعجة.. كيف تتخلص من “التفكير المفرط”؟list 4 of 48 علامات تخبرك أنك مصاب بالتفكير المفرطend of list

لكن هناك ما يدعوك لئلا تستسلم لهذا التطور، فلألعاب الطاولة تأثيرات متعددة على أدمغتنا تستحق معها أن تكون ممارسة ألعاب مثل الدومينو والشطرنج وغيرها، من عاداتنا بين الحين والآخر.

مبيعات متصاعدة

يبدو الأمر غريبا في العصر الرقمي، لكن مبيعات ألعاب الطاولة شهدت تصاعدا في العقد الأخير في العديد من الدول، بحيث بلغت المبيعات العالمية لها نحو 9.6 مليارات دولار في عام 2016، وفق بيانات شركة "يورو مونيتور إنترناشيونال" لأبحاث السوق العالمية، قبل أن تتصاعد بشكل ملحوظ في فترة جائحة كورونا (كوفيد-19).

أشار كتاب "التعلم في العصر الرقمي" (Learning in the Digital Age) إلى أن عودة ألعاب الطاولة إلى الظهور مرة أخرى، بدا لأول وهلة كما لو أن أحدهم تذكر قطعا أثرية أو فنية وشعر بالحنين إليها، لكن استمرار تصاعد مبيعاتها لفت نظر الأكاديميين إلى كونها بيئات فعالة للحد من عزلة الأفراد خاصة الأطفال.

خبراء علم الاجتماع يشيرون إلى أن ألعاب الطاولة تحد من عزلة الأفراد خاصة الأطفال (بيكسلز)

وكما يوضح مؤلفو الكتاب إلى أن الإقبال على هذه النوعية من الألعاب لا يعني بالضرورة رفضا للتوجه الرقمي، بل للحاجة إلى التفاعل الاجتماعي، إلى جانب إتاحتها مساحة مختلفة تثري عملية التعلم بما توفره من عنصر اجتماعي.

يشير المؤلفون أيضا إلى أن البيئات غير الرقمية لألعاب الطاولة يمكن أن تنمّي مهارات مرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية مثل "التفكير الحاسوبي"، وصياغة المشكلات بطريقة تمكن من استخدام الحاسب الآلي والأدوات الأخرى للمساعدة على حلها، وهي إحدى مهارات التفكير التي تفرضها البيئة الرقمية.

مهارات لغوية وعلاقات جيدة

كما تسهم ألعاب الطاولة في تطوير عدد من المهارات الفكرية والعاطفية والاجتماعية. وفي الآونة الأخيرة، تزايدت تصميمات الألعاب التي تضع التعلم هدفا لها، فتعمل على تدريب القدرات المختلفة الرقمية واللفظية والبصرية، ومعالجة مشكلات مثل نقص الانتباه وفرط النشاط، وتدريب الذاكرة قصيرة المدى.

دراسة نشرتها مجلة "إنترناشيونال جورنال أوف غرياتريك سايكاتري" في عام 2020، تناولت أيضا تأثير ممارسة هذه الألعاب على جودة العلاقات الأسرية والاجتماعية، مشيرة إلى أنها تنشط مزيدا من السلوكيات الاجتماعية والمناطق العصبية ذات الصلة، وتحسن عمليات أخرى تدعم جودة الحياة.

كما تمثل ألعاب الطاولة والورق علاجا معرفيا فعالا للحفاظ على بعض الوظائف المعرفية لدى كبار السن، أبرزها الطلاقة اللفظية (القدرة على إنتاج الكلمات والتعبيرات المنطوقة بسرعة واستحضارها بما يناسب الموقف) والتي تعتبر أحد أكثر العمليات المعرفية ضعفا لدى كبار السن، وتتنبأ بالإصابة بمرض ألزهايمر.

ألعاب الطاولة والورق تمثل علاجا معرفيا فعالا للحفاظ على بعض الوظائف المعرفية لدى كبار السن (بيكسلز)

وتدعم ألعاب الطاولة قدراتنا الاجتماعية بما تتيحه من تواصل وتعاون مع الآخرين، وتعاطف معهم، فتسهم في بناء علاقات جديدة، واكتشاف أمور مشتركة بين الأصدقاء، ونكتسب من خلال اللعب مهارات اجتماعية مثل تطوير العلاقات الإيجابية وحل النزاعات والمشاركة في الأنشطة الجماعية وهي فوائد لا تتوفر في ألعاب الفيديو التي تسلبنا هذا التجمع مع الأصدقاء حول الطاولة، وتبادل الحديث والضحك الذي تخلقه المواقف في ألعاب الورق،  فضلا عن أننا نتوق أحيانا إلى التعامل مع لعبة ملموسة تحمل ذكرياتنا ونقرضها، أو نقترضها من الأصدقاء، تبهت ألوانها فتذكرنا بمرور الزمن.

التركيز واحترام القواعد

تقدم هذه الألعاب فوائد أخرى بينها:

تقوية الذاكرة والإدراك، ودعم القدرة على التركيز، واتخاذ القرارات، كما تطور القدرات الوظيفية مثل حل المشكلات والتفكير الإبداعي والفهم وتحسن القدرة على تحليل المعلومات، وتواجه بعض المشكلات مثل ضعف الانتباه، وتدعم الاستقلالية لدى الأطفال لما تتطلبه من اتخاذ قرارات مستقلة، وتزيد بالتالي شعورهم بتقدير الذات. تسهم ممارسة هذه الألعاب في تنمية قدراتنا على احترام القواعد، وكما تشير دراسة نشرتها مجلة "ربيستا تشيلينا دي نوتروثيون" في عام 2013، فهي أداة فعالة في تعليم أطفال المدارس، المفاهيم الأساسية المتعلقة بالنظافة والتغذية والعادات الصحية. تزيد ممارسة ألعاب الطاولة من قدراتنا على إدارة المشاعر، إذ نتشارك البهجة والتنافس، فنشعر بالإنجاز والرضا عند الفوز، ونواجه الإحباط عند الخسارة، فتزيد لدينا القدرة على التسامح والتعامل مع الشعور بالإحباط وهو شعور قد لا يواجهه الأطفال خاصة إلا من خلال ممارسة الألعاب ومواجهة المكسب والخسارة، قدر الحظ والصدفة التي تنطوي عليها بعض الألعاب تساعد في تنمية المرونة والقدرة على التكيف، وتعزز ألعاب الطاولة مهارات الاتصال، والقدرة على التفاوض، وتزيد القدرة على التخطيط. في سنوات الجائحة تحديدا تنامى الاهتمام بألعاب الطاولة لسبب مهم آخر، إذ تعتبر طريقة لتخفيف التوتر والابتعاد عن الضغوط اليومية، ينبع ذلك الشعور بالراحة لدى ممارسة ألعاب الطاولة، من أنه يعيد تواصلنا بسنوات الطفولة، ويحيلنا إلى طريقة التفاعل الأولى مع الآخرين حولنا، اللعب معهم في مجموعات، فنعود لروح العمل الجماعي والمنافسة الودية ويتدفق الحوار بسلاسة، بأيسر الطرق التي اعتدناها، كما أنها تبعدنا عن الخطى السريعة للتكنولوجيا بتجنب الشاشات لفترة من الوقت، فيسهم هذا كله في تخفيف شعورنا بالقلق والاكتئاب. على المدى الطويل تؤثر ممارسة هذه الألعاب في مخزوننا المعرفي، وتحمي قدراتنا وتخفف من أعراض الاكتئاب المحتملة لتقدمنا في العمر بما يدعونا لأن تفتح الخزانة، وتضيف مزيدا من تلك الألعاب التي تبدو من الماضي، لتمارسها مع من تحب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات ألعاب الطاولة هذه الألعاب القدرة على إلى أن

إقرأ أيضاً:

طبيبة بجامعة هارفارد: التغذية السليمة تحسن الصحة العقلية وتخفف القلق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كشفت الدكتورة أوما نايدو أستاذة الطب بجامعة هارفارد عن الدور الكبير للنظام الغذائي في تحسين الصحة العقلية من خلال التغذية والعادات اليومية، وذلك خلال مشاركتها في بودكاست العلوم والتغذية التابع لـ Zoe وفقا لما نشرته مجلة ميرور. 

 وكانت قد أكدت أن التغذية السليمة إلى جانب بعض العادات اليومية البسيطة مثل التنفس العميق وممارسة التمارين الرياضية يمكن أن تساعد الأشخاص المعرضين للقلق في تحسين صحتهم النفسية.

وقدمت نايدو تقنية سهلة أطلقت عليها اسم SAW وهي  (اختصار لـ: استبدال، إضافة، مشي) والتي  تتضمن ثلاث خطوات رئيسية لتعزيز صحة الأمعاء والمزاج في آن واحد.

والتي تتمثل في الاستبدال: وهي استبدال الأطعمة غير الصحية بخيارات أفضل.

على سبيل المثال يمكن استبدال تناول الآيس كريم بمزيج من الفاكهة المجمدة والتي توفر طعماً لذيذاً دون إضافة سكريات زائدة.

بالاضافة الي تنوع الخضروات الملونة إلى النظام الغذائي مثل الفلفل والخس حيث إنها منخفضة السعرات الحرارية ويمكن تناولها بكميات كبيرة لتعزيز الشبع دون زيادة الوزن كما انها تحتوي  على مضادات الأكسدة ومواد مضادة للالتهابات مما يساهم في دعم صحة الجسم والدماغ.

واخيرا  المشي: أشارات الطبيبة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من القلق قد يجدون صعوبة في ممارسة الرياضة لكن البدء بخطوات بسيطة مثل الخروج لشراء صحيفة أو المشي برفقة كلب يمكن أن يكون حافزاً إيجابياً لتحريك الجسم وتحسين الصحة النفسية.

وحذرت نايدو من مخاطر الأنظمة الغذائية المقيدة بشكل مفرط لأنها قد تزيد من مستويات القلق بدلاً من تخفيفها. 

وأكدت أهمية تناول طعام متوازن دون القلق المفرط بشأن السعرات الحرارية أو أنواع الطعام، لأن ذلك يعزز الصحة النفسية بطرق أكثر فعالية.

وأضافت أنه من الضروري التحقق من محتوى الأطعمة التي نتناولها بدلاً من الاعتماد على المفاهيم الشائعة. 

فعلى سبيل المثال قد يحتوي الزبادي بنكهة الفاكهة على كميات كبيرة من السكر المضاف مما يجعله خياراً غير صحي رغم الاعتقاد بأنه مفيد.

ولهذا يجب اتباع نمط حياة متوازن يجمع بين التغذية السليمة والنشاط البدني والعادات الصحية البسيطة للحفاظ علي صحة جيدة. 

مقالات مشابهة

  • طبيبة بجامعة هارفارد: التغذية السليمة تحسن الصحة العقلية وتخفف القلق
  • أفضل ألعاب الفيديو في 2024
  • عاجل.. السيسي: امتلاك مصر القدرة والقوة يضمن لها الحفاظ على أمن وسلامة مقدرات شعبنا
  • السيسي: امتلاك مصر القدرة والقوة يضمن لها الحفاظ على أمن وسلامة مقدرات شعبها
  • عامل يحول مسكنه ورشة لتصنيع الألعاب النارية بالفيوم
  • ضبط 350 ألف قطعة ألعاب نارية بورشة بالفيوم قبل الكريسماس
  • كيف تسهم استراتيجيات التسويق الفعّال في تحقيق أهداف الشركات الناشئة؟
  • إحباط ترويج ألعاب نارية بقيمة 2 مليون جنيه في الفيوم
  • ضبط عاطلين بحوزتهما ألعاب نارية بـ 2 مليون جنيه في الفيوم
  • ضبط مليوني قطعة ألعاب نارية داخل ورشة في الفيوم