«مجتمع المعرفة وسؤال الهوية».. كتاب للباحثة خولة بوجنوي
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
الجزائر «العُمانية»: تبدو الباحثة، د.خولة بوجنوي، في كتابها «مجتمع المعرفة وسؤال الهوية»، الصادر عن دار ألفا دوك للنشر بالجزائر، منشغلة بكيفيّة التأسيس اليوم لخطاب الهوية، بعيدا عن المرتكزات التقليدية في مجتمع للمعرفة، في خضمّ المتغيّرات التكنولوجية التي تكشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي بتوسُّط الافتراضي؛ معتمدة في طرحها هذا على الأبعاد الفلسفيّة، والأسس المعرفية التي ينبني عليها مجتمع المعرفة.
وتناقش الباحثة هذه الإشكالية عبر فصلين هما «مطلب الهوية وصدمة العولمة» و«مجتمع المعرفة؛ تحوُّلات عالميّة».
وتؤكّد الباحثة، في تقديم الكتاب، على أنّ الضرورة التي تفرضها طبيعة الوجود الإنساني بإلزامية الاحتكاك والتواصل، دفعت الإنسان إلى استعمال مختلف الوسائل المتاحة لديه من أجل تحقيق هذه الغاية، وكانت الانطلاقة الأولى أن استعان بأحد الرموز المنبّهة كاستعمال الدخان بصفته رمزا للتحذير عن الخطر المحدق أو استعمال الحمام الزاجل كوسيلة لبعث الرسائل المكتوبة أو النقوش على الصخور والجدران كطريقة للتعبير عن الحضور والتعريف بوجوده وهويته.
ومع ظهور الطباعة، قطع الإنسان خطوة عملاقة لإرساء معالم مشروع تواصلي منقطع النظير مقارنة بالآليات التقليدية التي اعتاد عليها، فلقد هيأ هذا الاختراع لبزوغ عهد جديد في عالم الاتصالات، كان نتيجة ذلك ظهور الصحافة المكتوبة التي أسهمت بدورها في تنوير الرأي العام وتعزيز عالم الاتصال المكتوب. كما شهد المجتمع تغيُّرات جمّة بفعل الآثار الناجمة عن الثورة الصناعية التي أسهمت في تزويد الأمم والمجتمعات بوسائل متطوّرة هيأت للأفراد فرصة التفاعل فيما بينهم.
ومن أبرز هذه الوسائل، جهاز المذياع الذي يعتمد في بثه على الموجات «الهرتزية»، ومن ثمّ جهاز التلفزيون الذي أضفى نوعية أكبر على الوسيلة السابقة، إذ أصبح الصوت مدعما بالصورة، واعتبر التلفزيون، حينذاك، بمثابة القفزة النوعية والتقنية الأكثر تفوُّقا في تاريخ الاتصال.
وفي ظل التطوُّر الهائل للتقنية وتطلُّعاتها اللامتناهية، شهد العالم أيضا ميلاد الأقمار الصناعية واختراعات متلاحقة أفرزت بدورها ميلاد جهاز «الحاسوب» ومن ثمّ شبكة «الإنترنت» كثمرة تزاوج بين مختلف التكنولوجيات، لتتوّج بفضاء سيبراني يمكن المستخدم من التواصل مع الغير، سواء كان فردا أو جماعة أو مؤسّسة، من خلال الرسائل النصية أو الصور أو الفيديوهات مع إمكانية التعليق عليها.
وتضيف الباحثة: «إنّنا اليوم ندخل في جدل تفاعلي مع عالم الفضاء المعلوماتي اللامحدود، وخاصة الواقع الافتراضي الذي يصنعه هذا العالم؛ إنّه عالم يفتح آفاقًا جديدة لتحسين معيشة ملايين الأشخاص حول العالم، بغضّ النظر عن ثقافتهم أو أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ويهدّد في الوقت نفسه التنوُّع الثري للثقافات العالمية، ويهيّئ للنشء فرص معارف متنوّعة، وقد يعزلهم عن غنى الواقع الملموس وثراء التماس والتفاعل مع الحياة الحقيقية اليومية. ومع تبنّي العالم لفكرة تطوير ثقافة معلوماتية افتراضية متجدّدة على المستوى العالمي، تتمُّ إعادة نمذجة الخبرات البشرية في الثقافات المختلفة في مجالات المثل، والأخلاق، والسلوك والجمال، ومع التوسُّع المفرط المتنامي للعالم الافتراضي يتشظّى الواقع الاجتماعي، ويواجه الجسم الإنساني والهوية الفردية عمليات تفتيت للمادي القابل للتحقُّق منه، مقابل خيالات تتلقّى كلّ الدعم التقني اللازم لتكتسي بمصداقية دائمة التجدُّد».
وتخلص مؤلّفة الكتاب إلى القول: «ليس من قبيل المصادفة، أن تحتلّ إشكالية الهوية في مجتمع المعرفة مكانة رئيسة في الفكر الفلسفي المعاصر تماشيا مع التطوُّر العلمي والمعرفي الذي طرأ على إنسان القرن الحادي والعشرين، فغير هذا التطوُّر جملة من المفاهيم الأساسية، وأضفى عليها نزعة رقمية زعزع بها صرح اليقينيات واستحدث معها ممارسات وسمات جديدة غيّرت بدورها مفهوم الهوية؛ فإذا كنّا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين نتحدّث عن العولمة مثل شبح يُهدّد الهويات القومية، فإنّنا اليوم بصدد تغيُّر آخر، أو بالأحرى مفاعيل أخرى، تُشكّل لنا هويتنا، ولا يمكن استيعابها دون فهم التحوُّل الجذري الذي مسّ تاريخيًّا العلاقة بين القوة والمعرفة والسلطة، فهذا الثلاثي أصبح عبارة عن ممارسة خفيّة تسهم في تشكيل وقولبة الهوية اليوم».
يُشار إلى أنّ د. خولة بوجنوي، مؤلّفة الكتاب، باحثةٌ جزائريّة، حاصلةٌ على شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة باجي مختار بعنابة، شاركت في كتاب جماعيّ صدر بعنوان «الإنسانيات الرقميّة».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجتمع المعرفة
إقرأ أيضاً:
خطر يهدد المجتمع!!
بقلم : تيمور الشرهاني ..
تجاوز الحدود الأخلاقية والشرعية في التعامل مع أموال الآخرين يمثل جريمة تهدد استقرار المجتمع بأكمله. أكل أموال الناس بالباطل ليس مجرد مخالفة فردية، بل هو سلوك مدمر يفتح أبواب الفساد على مصراعيها، ويؤدي إلى انهيار القيم التي يقوم عليها أي مجتمع سليم.
تحذير شديد جاء في القرآن الكريم في قول الله تعالى: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ”، ليضع حداً صارماً أمام محاولات الاستيلاء على أموال الآخرين بغير وجه حق. هذا النص القرآني يرسخ مبدأ العدالة المالية، داعياً إلى احترام حقوق الغير وحفظ ممتلكاتهم، ومؤكداً أن المال مال الله، وأن الاعتداء عليه بغير حق هو اعتداء على أخلاقيات المجتمع بأسره.
فالبعض يستخدم اللجوء إلى الحيل القانونية أو الرشوة لاستغلال النفوذ أو خداع القضاء للاستيلاء على حقوق الغير هو انحدار أخلاقي لا يقتصر ضرره على الأفراد فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع بأكمله. حين يُستباح المال بطرق غير مشروعة، يتحول الظلم إلى عدوى تنتشر بسرعة، يبدأ تأثيرها من القمة وينحدر نحو القواعد الاجتماعية، ليصبح الفساد ثقافة سائدة تقوض أسس العدالة.
الرسالة هنا واضحة: أي محاولة للاستيلاء على أموال الآخرين بغير حق، سواء بالسرقة، الاحتيال، أو التلاعب بالأنظمة، تعد جريمة في حق المجتمع والإنسانية. ما يبدأ كتصرف فردي قد يتحول إلى نمط عام يشرعن الظلم ويضعف الثقة بين أفراد المجتمع.
بيد ان الفساد المالي لا يهدد جيوب الأفراد فحسب، بل يُفقد المجتمع استقراره ويعرقل تطوره. حين لا تُحترم الحقوق المالية، تتفشى الفوضى، وينعدم الأمان المالي والاقتصادي. هذه الممارسات تجعل القوي يستغل الضعيف، والغني يسلب الفقير، لتتحول العلاقات الإنسانية إلى ساحة صراع بدلاً من أن تكون شراكة قائمة على الاحترام المتبادل.
على الجميع أن يدركوا أن المال أمانة، وأن احترام حقوق الآخرين ضرورة لبناء مجتمع متماسك. كل فرد يتحمل مسؤولية أخلاقية ودينية في تجنب الظلم، والتصدي لأي محاولة تغذي الفساد أو تبرره.
فالمجتمع الذي تحكمه العدالة في التعاملات المالية هو مجتمع قوي ومستقر. أما المجتمعات التي تسود فيها ثقافة أكل أموال الناس بالباطل، فهي مجتمعات محكوم عليها بالانهيار. التحذير واضح: لا مكان للظلم في أمة تسعى إلى الإعمار والتنمية.