عيد اسطفانوس: الأقباط.. متوالية القهر
تاريخ النشر: 30th, July 2023 GMT
عيد اسطفانوس حتى نهاية السبعينات كان المجتمع المصرى متماسكا بفضل عوامل كثيرة، منها الطابع المسالم للأقباط ومنها ثقافة الاسلام الصوفى الهادئ التى ظلت سائدة فى المجتمع المصرى، حيث كان المسلمون المصريون أو أغلبهم أتباع لفرق صوفية عديدة ــ ومعظمها كان وافد الينا من شمال أفريقيا ــ وهذه الفرق أو الطرق تغلب عليهم ثقافة السماحه والتدين الشعبى البسيط، ولم يكن العنف اللفظى والتعصب الطائفى والعرقى ومظاهر الفرز والتمييز، لم تكن تلك المظاهر غالبه فى المجتمع المصرى حتى مطلع الثمانينات، عامل آخر كان النهر فالناس منشغلون بأخطاره فى موسم فيضانه ومنشغلون أكثر بزراعة ضفافه فى موسم انحساره، ثم يأتى موسم الحصاد حيث تعم الجميع مظاهر السعادة والفرح، عامل آخير كان تأثيره لا يقل أهميه فى استقرار المجتمع المصرى وهو وجود عائلات كبيرة وقبائل وبيوتات ثريه مسلمين ومسيحيين كان وجهاؤها وكبارها وأعيانها لهم سطوتهم ونفوذهم على أتباعهم ومنتسبيهم، وبالطبع كانوا هم العمد والمشايخ لكل هذه الانحاء، وفى هذا السياق لا ننسى أن الاقباط ظللوا أكثرية عددية حتى أوائل القرن التاسع عشر، وفى هذه الحقبه المضيئة من تاريخ المصريين أنجزوا أعظم انجازاتهم فى العصر الحديث وهو حرب أكتوبر ــ وكنت فيها شاهد عيان فاعل ــ بالاضافه للسد العالى وبحيرته العظيمه.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
الصعيد.. و"ناسه"
لست ممن يتابعون الأعمال الدرامية سواء فى رمضان، أو غير رمضان، بل إنني توقفت تمامًا خلال السنوات الماضية عن معظم ما يعرض على الشاشات، باستثناء بعض ما يتعلق بالأخبار أثناء الأحداث الهامة، غير أن مقاطع من مسلسل يتناول الحياة فى الصعيد يمر أمامي بين الحين والآخر أثناء تصفح الفيس بوك، الفنان مصطفى شعبان يتألق فى أداء دور كبير العائلة والذى يستمد سطوته من الثروات الضخمة التى حصل عليها من تجارة الآثار، وبالتالي كلمته نافذة على الكبير قبل الصغير، المسلسل الذى يحمل اسم "حكيم باشا" يتبارى فيه كبار النجوم فى أداء أدوارهم، وكذلك النجوم من شباب الفنانات، غير أن هذا العمل كما سابق كثيرًا من الأعمال لا تعبر عن واقع الحال فى الصعيد.
أول ما لفت نظري هو أن "حريم القصر" كما يسمونهم فى المسلسل خلعن غطاء الرأس فى وجود ابن العم، وعم الزوج، وأبناء عم الزوج، وهكذا، وكلهن صففن الشعر، وتركهن مسدلاً على الاكتاف، وهذا ما لا يحدث على الإطلاق مهما بلغت درجة الثراء فى العائلات، بل إن السيدة أو البنت بمجرد نزولها من شقتها الموجودة فى بيت العائلة لا تستطيع أن تتخفف من ملابسها، أو غطاء الرأس، فهي دائمًا مستعدة لدخول ضيف، أو أحد الأقارب، ناهيك بالطبع عن طريقة اللبس التى تميل إلى الفلكلور، وكمية الذهب المبالغ فيها التى ترتديها كل نساء العمل، صحيح هم يحبون الألوان الزاهية ويلبسونها فى المناسبات والأثرياء منهم يملكون من الحلى الذهبية الكثير ولكنهم أيضًا لا يلبسونه إلا فى المناسبات.
منذ سنوات لبيتُ دعوةً لحضور حفل عرس أحد الأبناء فى محافظة سوهاج، بادرتني إحداهن "إيه رأيك فى عيشتنا.. يا تري زي المسلسلات؟" قلت لها: بالطبع لا، فقالت: "إحنا نفسنا بنضحك على اللى بنشوفه عن ستات الصعيد ونتمنى يكتبوا حاجه حقيقية عنا"، لم أجد هناك كلمة "الحرمة" التى نسمع عنها فى المسلسلات والأفلام، ولكنني وجدت سيدات تذهبن إلى وظائفهن دون أية قيود، وفتيات تعلمن فى الجامعات، ونبغن فى كليات القمة، بالإضافة إلى شابات، وفتيات صغار تجدن كل حنو ومحبة من الكبار.
على مدى سنوات عمري المهني والشخصي، كانت الصورة الذهنية للجزء الجنوبي من الوطن هى صورة نمطية تعكس موروثات من السلوكيات والعادات وربما الصفات التى تدور جميعها حول الثأر، وقهر وتهميش المرأة، وخشونة التصرفات، وقسوة المشاعر، وفوق ذلك معدلات فقر تؤكدها إحصاءات رسمية، ومصادر بحثية، ولكنني مع أول زيارة اكتشفت عوالم أخرى لا تعكسها الصورة المصدرة لنا دومًا عن تلك البقعة من أرض الوطن.
تجارة السلاح والآثار والتهريب تلك هى صورة الصعيد فى المسلسلات مع تزيد وتصنع فى اللهجة، مع أنه هناك لكنة مختلفة لكل محافظة، ولكنها عامة ليست بتلك الخشونة التى تصدرها المسلسلات، فمع زيادة نسب التعليم والتأثر بما يقدم فى وسائل الإعلام اقتربت اللهجة من طريقة "القاهريين" فى الكلام، أضف إلى ذلك بالطبع أن هناك قامات سياسية، وثقافية، وإعلامية أثروا بعلمهم، وموهبتهم، وثرائهم الثقافي المجتمع المصري ككل على مر التاريخ.
نتمنى على كتّاب الدراما، وخاصة ما يتعلق منها بالصعيد، زيارة هذا الجزء الجنوبي من أرض الوطن، ومعايشة قضاياهم، ومشكلاتهم، وواقعهم بالفعل، حتى تكون الأعمال مرآة للواقع ورسالة تخدم، وتفيد.