لجريدة عمان:
2024-07-06@10:01:46 GMT

أجمل الذكريات أصدقها

تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT

تزداد كتابة السيرة كجنس أدبي في المنطقة العربية، إذ حظي باهتمام من القارئ خاصة السير التي تفيض بالتجارب الحياتية الباذخة بالمواقف الإنسانية الصادقة؛ فقراءة السير الذاتية تعرفنا على أشخاص خاضوا الحياة بعزائم قوية وإصرار على انتزاع اعتراف بوجودهم وقناعاتهم في محاولة لتحقيق أحلامهم بمستقبل أجمل لهم ولأوطانهم، فتواجههم العراقيل والتحديات ويواجهونها بعزائم فولاذية لا تلين رغم قسوة السلطات وسطوة الزمن وسياط الجلادين وخذلان الرفاق.

من كتب السيرة التي وقعت مؤخرا بين يدي ولم تترك لي فرصة التخلي عن صفحاتها كتاب «وأجمل الذكريات ستأتي حتما» للكاتبة المصرية نولة درويش، التي تُضاف سيرتها إلى قائمة أدب السيرة، ففي هذا الجنس الأدبي الذي انتزع الاعتراف به في الدراسات الأدبية في السنوات الأخيرة، يندر أن نجد سيرة للمرأة وبحثها عن حياتها وصراعها وصراحتها كما هو منشور في كتاب وأجمل الذكريات، إذ نقف على تحولات حياتية مرت بها الكاتبة في مرحلة زمنية متقلبة بالتحولات السياسية والأيديولوجية والفكرية أفضت بصاحبة السيرة إلى النشاط النسوي في المنطقة والدفاع عن حقوق المرأة في القوانين والتشريعات.

تُعرفنا الكاتبة نولة في كتابها على أبيها المناضل المصري الذي رافق رموز اليسار المصري في السجون والمضايقات، فوالدها يوسف درويش، تخلى عن ديانته اليهودية وأسلم من أجل الانتصار للفلاحين والعمال، وتجرع الألم في سبيل قناعاته، وتنقل بين سجون مصر على امتداد الحكومات المصرية من عهد الملكية، مرورا بالناصرية وعهد السادات، ولم تتوقف المضايقات في عهد مبارك. ولأن البنت ابنة أبيها فقد واصلت هي الأخرى نضالها في أكثر من صعيد ومنبر وجمعيات المجتمع المدني. تنقلت نولة بين عدة مدن ساهمت في بناء شخصيتها وتكوين علاقات إنسانية مع شخصيات تتذكرهم بكل ود ومحبة، ومن أهم المدن التي مرت بها: باريس والجزائر وبراغ وموسكو وتونس ومدينة البريقة بليبيا.

في كتابها المعنون بـ «وأجمل الذكريات ستأتي حتما» الواقع في 272 صفحة، والصادر مطلع هذا العام عن دار الكرمة للنشر، لم تتوانَ نولة عن وصف الأشخاص كما هم بدءا من نفسها وأخيها وزوجها الذي لم يدم زواجها به طويلا، وحتى بعض الأشخاص الذين تقاطعت أحداث حياتها معهم فكتبت بصدق عما حدث وحصل دون مجاملة أو تثريب؛ فمثلا ذكرت قصة الطبيب فريد وديع حداد ذي الأصول اللبنانية والمعروف بطبيب الغلابة، الذي استشهد تحت التعذيب في السجن الحربي في مارس 1959.

يجد القارئ الصدق والوضوح في كل عبارة وموقف ومرحلة خاصة الأشخاص الذين ألحقوا بها وبأسرتها الأذى، مثل المحاسب في جريدة الأخبار الذي وشى بيوسف درويش عن طريق العاملة المنزلية أم مصطفى، وكانت النتيجة أن تمت مداهمة بيتهم. كما عبرت عن امتنانها لشخصيات أعرفهم كأصدقاء أو التقيت بهم في مناسبات عدة، منهم الدكتورة والناقدة الأدبية شيرين أبو النجا، والدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري الأسبق، وكذلك الشاعر أحمد فؤاد نجم. كما ذكرت مؤسسة كنت أعرفها عن قرب في تونس أو مركز المرأة العربية

للتدريب والبحوث (مركز كوثر) في تونس، إذ التقيت في إحدى مناسبات المركز بصاحب السمو الأمير طلال بن عبدالعزيز المموِل والداعم لأنشطة المركز، وفي تونس أيضا التقيت بأحمد فؤاد نجم. أما الدكتور عماد والدكتورة شيرين فقد تعرفت عليهما مؤخرا في القاهرة. والحقيقة أن الكاتبة نولة كتبت بصدق لافت عن هاتين الشخصيتين كما عرفتهما، وهما يستحقان الذكر والشكر.

وقد احتوى الكتاب على ثمانية موضوعات، هي: (سنوات الطفولة : 1949-1958، نهاية الطفولة:1959-1964، وسنوات المراهقة وبدايات النضج:1965-1975، والحياة في مصر -الزواج والإنجاب والطلاق وقصص أخرى:1975-1982، وسنوات تغيير المسار المهني والنضالي وبعض شهور الغربة:1984-1994، وسنوات العمل المهني والعام المُكثف: 1995-2005، وسنوات الهموم الشخصية واختمار الغضب العام:2005-2010، سنوات تصاعد الغضب وتفشي الأمراض العامة والخاصة)، تلا ذلك عدة ملاحق للكتاب وأربعة مقالات للمؤلفة، وميثاق أخلاقيات العمل ومدونة السلوك لمؤسسة المرأة الجديدة.

أما عنوان الكتاب فمأخوذ من قصيدة الشاعر التركي ناظم حكمت ( 1902-1963)، حيث يقول:

«أجمل الأيام

تلك التي لم نعشها بعد

أجمل البحار

تلك التي لم نبحر بها بعد

أجمل الأطفال

هم الذين لم يولدوا بعد

أجمل الزهور

تلك التي لم تتفتح بعد

أجمل الكلمات

تلك التي لم أقلها بعد

أجمل القصائد

تلك التي لم أكتبها بعد

وأجمل ما أريد قوله لك

ما لم أقله بعد

وأجمل الذكريات ستأتي حتما»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی لم

إقرأ أيضاً:

أمي.. ظل لا يغيب

 

سلطان بن محمد القاسمي

في سكون الليل الحالك؛ حيث يستتر العالم تحت وشاح الظلام، تبقى نجمة واحدة تلمع في سماء قلبي، تلك هي أمي. كانت تلك الروح النابضة بالحياة، التي علمتني كيف أعتنق النور حتى في أشد الأيام ظلمة.

محرومٌ جدًا من لا يعشق ظلًا في الدار ينطقها العالم أمًّا، ويحكيها القلب روحًا، ويترنمها القول أنغامًا. محرومٌ جدًا من يسكن بجوار الحب ولا يدري كيف يحياه ويعيشه. محرومٌ جدًا من لا تحتفل به أمه عمرًا، ذاك الذي يتصدق بكلمة في يوم الأم، والأم هي الأيام، والحب، بل هي أنت.. يا أنت.

الأم، يجهل قدرها من لا قدر له، من لا علم له، من لا فهم له، من لا تشغله إلّا نفسه. وقد يشعر بعد فوات الأوان، بعد أن يخسرها، كم ضيع من عمره أيامًا وأيامًا كانت لتكون أبهى لو جلس عند قدمي أمه، يطلب رضاها ودعاءها، وتقبيل كفها ورأسها، ويتلمس في عينيها ما ترغب، فيلبي لها قلبه قبل يديه، ويسعى ليسُرَّها بروحه قبل جيبه. من فَقَدَ أمه ولم يُرضها فَقَدَ الكثير الكثير، فمن يكافئ الأم بعد الفقد؟ لا أحد.. إلا قلب آمن بالله، أرضاها من قبل، وأسعدها بعد بعمل صالح، وصدقة مستمرة، ودعاء عريض آناء الليل وأطراف النهار.

وأنا لم أكن أظن يومًا أني سأفقد ذلك الظل الظليل بهذه السرعة.. ما كنت أظن.. أن الآجال تتخطف الناس من حولي على حين غرة.. وإن كانت أمي ومن قبلها أبي.. ولو كنت بأمس الحاجة لهما.. لكنه أجل لا بُد أن يأتي.. ولا بُد لي أن أبرّ وأن أُحسن لمن فقدت .. فإني أظنُّ - وهذه المرة أثق بظني- أن ما أقوم به سيصل إليهما سرورًا وسعادةً.. ومحبةً وفرحًا.. كأنني أراهما الآن يضحكان لكلماتي.. يبتسمان... ينتشيان.. يتعانقان.. وكأنني أسمع لصوتهما صدى يقول: رضي الله عنك.. يا بني.. كما أرضيتنا.. واسعدك كما أسعدتنا..  وكأنني اسمع صدى الوحي يردد: "وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا"..

أمي، ذاك الاسم الذي يكتنفه الحب الخالد والحنان الذي لا يفتر. في رحيلك، يا أمي، خلّفت خلفك فراغًا لا يملؤه الزمن، وذكريات تفوق العد. كنتِ مثال العطاء بلا حدود، والصبر الذي يقهر الصعاب، والأمل الذي لا يعرف المستحيل. في وجودك كانت الحياة أكثر إشراقًا، وفي غيابك بات كل شيء يحمل لون الحنين.

لقد علمتني، بصمتك النبيل، دروسًا عظيمة في الحب والتضحية. كنت تنسجين من روحك ثوبًا يحتوينا، يحمينا من قسوة الأيام وبرودة الوحدة. كنت لنا السند الذي إن مالت به الدنيا، تماسك ولم ينثني.

أتذكر الآن كيف كانت يداك تلك البوصلة التي تهديني خلال عواصف الحياة. لم يكن هناك خوف يستطيع أن يقتحم سكون الليل طالما كنت أستمد الأمان من صدرك. كنتِ اللحن الذي يتردد في أعماقي، يوقظ فيّ الأمل ويبعث النور في دروبي المظلمة.

يا أمي، في كل مرة تشرق الشمس أراك في أشعتها الذهبية، وفي كل مساء إذ تغفو الأفق تحت طيات الغسق، أرى ظلك يمتد على جدران قلبي. لقد كنتِ لي الدفء في برد الوحدة، والسلوان في لحظات الأسى. كيف لا، وأنتِ من علمتني أن الحب لا يعرف حدودًا ولا يقيده زمان أو مكان.

رحيلك، يا أمي، كان كسرًا لا يُجبر، لكن في كل يوم أجد فيه قوة أن أمضي، أعلم أنه بفضل القوة التي زرعتيها فيّ. وأنا الآن، إذ أكتب هذه الكلمات، أحاول أن أرسم من حروفي صورة لمحبتك، أتأمل أن تحلق فوق عالمي كطائر الفينيق الذي يولد من جديد من تحت الرماد.

لم يكن حبك مجرد مشاعر تتردد في أرجاء البيت؛ بل كان عملًا مُستمرًا، صلة لا تنقطع، تعبيرًا عن الجمال في أسمى معانيه. في كل زاوية من هذا البيت، في كل لمسة على الأثاث، في كل قطعة من الزهور التي زرعتها، أرى بصمات يدك التي لطالما كانت مصدر إلهامي وأماني.

أمي الغالية، اليوم أنتِ لست بيننا بجسدك، لكن روحك تظل تحوم حولنا، توجهنا وترعانا. أشكرك على كل ما قدمتيه، وإن كانت الكلمات لا تفي حقك أبدًا. سأحمل ذكراك في قلبي، كعهدٍ أبديٍّ بأنني سأظل أحبك وأذكرك، حتى يوم أن نلتقي مجددًا في عالمٍ لا يعرف الفراق.

في رثائك، يا أمي، لن أقول وداعًا، بل إلى اللقاء. لأنني أعلم أن كل نسيم يحمل إليّ عطرك، وكل ضحكة تذكرني بصوتك، وكل دمعة تعكس صورتك. فأنتِ هنا، معي، دائمًا وأبدًا، في القلب تسكنين، وفي الروح تعيشين.

من كانت له أم تنعم بالحياة، فلينعم هو ببرها، ومودتها، ولا يضيع يومًا دون أن يبرها ولو بكلمة، الخسارة الحقيقية ليست خسارة المال، ولا الوظيفة، الخسارة الفادحة فَقْدُ الأم، لأنها خيمة لك من برد وحر، وأُنس لك من وحشة وفقر، ووطن لك من غربة ووحدة. الأمُّ جنة الله في الأرض، فاسكنوها واعمروها وانعموا بأفيائها وخيراتها، فإن من ورائنا يوم فقد شديد وعصيب. وكم أني حزين لفراقها، وأسعى لأن أعوِّض ذلك في أن أقص على أولادي أجمل قصة في حياتي هي قصة أمي..

تعجَّل.. يا من لك أُمٌّ تعيش معك.. بالقرب منك.. لا تُطل بينها المسافات.. وتُعكِّر عليها أيامها.. لاتُسئ إليها.. أحسن ثم أحسن ثم أحسن... فإن للمحسنين سرورًا.

رحم الله أمهاتنا جميعًا، ومنح الأحياء منهن صحة وسلامة وعزيمة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • رأس السنة الهجرية 1446.. أجمل التهاني والأدعية
  • إلهام شاهين تكشف عن ذكريات تجمعها بـ وردة بعد نجاح ليلتها «فيديو»
  • أيهما أجمل الزوجة أم الحور العين في الجنة؟.. عالم أزهري يجيب
  • إلهام شاهين تشيد بالراحلة وردة الجزائرية.. فماذا قالت؟
  • إلهام شاهين تكشف عن ذكرياتها مع وردة: أعشقها فنيا وإنسانيا
  • الرئيس تبون.. نعم انتصرت الجزائر 
  • خاص| نور محمود: "تيتا زوزو" رسالة مهمة للاهتمام بالعائلة.. وإسعاد يونس مفيش أجمل من كواليسها
  • سان دييغو أجمل مدن كاليفورنيا.. وجهة عشاق التسوق والتذوق
  • السيرة الذاتية للدكتور محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم
  • أمي.. ظل لا يغيب