عمق العلاقة التاريخية بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي تترجمها زيارة المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- إلى أبوظبي، يؤكد ما سار عليه الآباء المؤسسون للدولتين طيلة نصف القرن الماضي.
الزيارة تحمل العديد من الأبعاد التي تدعم التعاون في المجالات المتنوعة والتي وقعت في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى مسقط في سبتمبر 2022م، والتي أثمرت عن توقيع ما يقرب من 17 اتفاقية.
خلال هذه الزيارة هناك بعدان، الأول سياسي والثاني اقتصادي والذي يشغل القائدين والجانب الاقتصادي يتقدم على الجانب السياسي نظرًا لرسوخه واستمراره، فالاقتصاد يتصدر المشهد نظرًا لما يتمتع به البلدان من إمكانيات جغرافية وأمنية وسياسية وسمعة على مستوى العالم وقدرة على إحداث التغيير وقربهما من الأسواق العالمية وإمكانيات مالية وتقنية وإنجاز شراكات مهمة في المشروعات الحيوية على مستوى القطاعين العام والخاص وتسهيل الإجراءات التي يمكن أن تكون عامل حسم في إنشاء الكيانات الاقتصادية والاستثمارية.
البلدان يحتاجان إلى الاستفادة من قدراتهما هذه وإلى استغلال سمعتهما ومكانتهما في المجتمع الدولي ولديهما من القدرات المتنوعة ما يعزز تعظيم الاستفادة من تلك القدرات إلى أكبر من الأرقام الحالية في التعاون الاقتصادي والتجاري الذي يخدم الحركة في البلدين.
لذلك فإن المجالات متاحة بشكل أكبر بينهما في استثمار أفضل للمستقبل في الصناعة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والمواصلات الحديثة واستثمار المرافق والطاقة الخضراء والطاقة النظيفة والتعاون في المجالات المساندة الأخرى.
أمام كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة مجالات أوسع في التعاون المشترك وعلينا استغلالها وتطويرها والعمل على إنجازها والنظر إلى احتياجات العالم للمستقبل القادم من خلال البحث في الأفكار والمقترحات لكل ما هو جديد ومتفرد يخدم الحضارة الإنسانية ويساهم في ازدهارها وتطوير أدواتها وتنميتها وبناء أجيال تعتمد على المعرفة والعلوم الحديثة وتشجيع الصناعة والابتكار واستثمار الموارد في تعزيز البنى الأساسية بالبلدين.
المشتركات بين مسقط وأبوظبي كثيرة قد لا تتوفر لدول أخرى في الإقليم لاعتبارات عدة وهي من الخصائص الإيجابية التي يمكن استمرار البناء عليها متى ما استمرت تلك النوايا الصادقة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السياج ذو الثمانى بوابات
فى الثقافة اليابانية ثمة خدعة نفسية يتعلمها كل محارب الساموراى فى الصغر كى يتغلب على ما يواجهه من أحداث الواقع الأليم عن طريق تكوين مأوى نفسى داخل أعماقه محاط بسياج ذى ثمانى بوابات تلوذ به روحه عندما يواجه ما يؤلمه فى الحياة بكل ما تحمله من اختبارات قاسية ومآسٍ تدمى قلبه، سواء فقدان عزيز أو تقلبات دهر قاسية وهو بذلك يتعلم كيف يتغلب على ألمه الشديد ويقف ثانية على قدميه لمواجهة شدائد الحياة، إذ تستعيد نفسه صفاءها بمرور الوقت، ويواصل حياته دون أن ينهار أو يفكر لحظة فى أن يتخلص من حياته تحت وطأة ما يصادفه من أحداث قاسية.
لا شك أن ذلك الملاذ النفسى العميق الذى تدرب اليابانيون على الاحتماء به منذ الصغر قد نأى بهم عن الوقوع فى براثن الانكسار إزاء كل كارثة تحل بهم بل ساعدهم هذا المأوى النفسى على النهوض سريعاً وهم الذين اعتادوا الكوارث الطبيعية من حولهم من زلازل وبراكين.. إلخ والتى ألقت بظلالها على نمط حياتهم وفلسفتهم إزاء الكون، إذ كانوا ينهضون سريعاً مرة تلو أخرى كطائر العنقاء الأسطورى الذى ينهض من الرماد بعد أن يظن الجميع أنه سوف يفنى إلى الأبد.
ولك أن تتخيل أن اليابان فى القرن الماضى وتحديداً فى عام 1862 قد أوفدت لمصر «بعثة الساموراى»، الذين كانوا أكثر الطبقات تعليماً وتثقيفاً لديهم آنذاك، ضمن رحلتهم إلى بلدان أخرى كثيرة للوقوف على أسباب نهضتها وتقدمها، لكى تحذو حذوها وتبلغ مراقيها ولكم كانت دهشة اليابانيين المبعوثين عندما وجدوا فى مصر قطاراً وسكة حديدية فى الوقت الذى لم تكن اليابان قد عرفت القطارات بعد!!
الآن انتقلت الدهشة لتكون من نصيبنا نحن، حيث نقف مشدوهين أمام يابان الحاضر، ناظرين إليها نظرة ملؤها الإعجاب بما تمثله من نهضة فريدة على جميع الأصعدة، فقد غدوا أسطورة تقدمية تبعد آلاف السنوات الضوئية عن يابان الماضى و«عنا كذلك»، إذ تعد اليابان من الناحية الاقتصادية أحد أكثر البلاد تقدماً فى العالم ويحتل الناتج القومى الإجمالى المرتبة الثانية على مستوى العالم، كما تحظى العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا، وسونى، وأفلام فوجى وباناسونيك بشهرة عالمية غير مسبوقة.
أما نظام النقل فى اليابان فهو يعد من الأنظمة الفريدة المتطورة جداً، فشبكات الطرق والسكك الحديدية تغطى تقريباً كل جزء من البلاد، إذ تتحرك القطارات السريعة، المسماة «شينكانسن» أو القطارات «الرصاصة»، بسرعات فائقة السرعة تصل إلى 250 و300 كيلومتر فى الساعة، بينما تحتوى شبكة خطوطها على خمسة مسارات ويعتبر النظام اليابانى الأكثر أماناً للسكك الحديدية فائقة السرعة على مستوى العالم.
نعم، قد تعترينا الحسرة عند النظر للطفرة اليابانية مقارنة ببلادنا فى هذه الآونة، حيث لم ننجح فى تحقيق الطفرة المأمولة التى تؤمّن لنا ما نأمله من الرفاه الاجتماعى والقضاء على ثالوث الجهل والفقر والمرض، ناهيك بالاقتصاد المنهَك والجنيه «معدوم العافية» الذى هو فى حالة تراجع دائم مع مستوى من التضخم لم نشهده من قبل.
ربما لا يوجد لدينا -نحن المصريين- سياج ذو ثمانى بوابات نلوذ به عند اشتداد الأزمات كاليابانيين، لكن الشخصية المصرية بما عُرف عنها من الصلابة والقدرة على التحمل وتحويل لحظات الانكسار إلى انتصار تعطينا الأمل فى أننا نستطيع، نعم نستطيع تحقيق الكثير مما يدهش العالم فقط إذا توافرت الإرادة والعزم على التغيير.